الهيئات الحقوقية تنتظر من الحكومة فتح مشاورات لإحداث آلية وطنية لتفعيل الاتفاقية اعتبر عدد من الحقوقيين والسياسيين مصادقة الحكومة على البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب خطوة إيجابية في مجال الوقاية من التعذيب، لكن الكل أجمع على ضرورة استكمال هذه المصادقة بآلية لتفعيل الاتفاقية. في هذا الإطار اعتبر النقيب عبد اللطيف أوعمو، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، ومستشار برلماني ضمن فريق التحالف الاشتراكي في تصريح لبيان اليوم، أن «هذه المصادقة كانت مطلبا للحركة الحقوقية منذ سنوات». وإذا كانت «المصادقة خطوة إيجابية»، في نظر أوعمو، فإنه شدد على «ضرورة إحداث آلية لتفعيلها تتجلى في خلق لجنة وطنية ودولية للترقب ورصد كل الحالات التي لها علاقة بالاتفاقية». دور هذه اللجنة أيضا، حسب أوعمو، هو «تلقي الشكايات من الأفراد والضحايا، والتقصي وجمع المعلومات وإعداد تقرير سنوي يقدم لهيئة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان». واعتبر أوعمو أن أهمية هذه الآلية تتجسد أيضا في كونها «تفتح المجال أمام اللجنة لشخصيات وطنية ودولية وللضحايا والمتضررين من التعذيب، ومن جهة أخرى تساعد على الإحاطة بإشكالية التعذيب وخاصة بتشديد المساءلة على الممارسين للتعذيب مهما كانت مواقعهم». وحسب أوعمو ف «المصادقة على الاتفاقية تعبر عن إرادة تتجاوز هذه المصادقة إلى الالتزام بتنفيذها سواء في قوانينها الوطنية أو ملاءمة هذه القوانين مع القوانين الدولية». وهذا يعني، حسب المتحدث، «اتخاذ إجراءات زجرية لمن يخرق هذه الاتفاقية». ودعا أوعمو الحكومة إلى «التسريع في إنشاء هذه الآلية الوقائية، وهي المبادرة التي ستمكن من انخراط كافة الجمعيات الحقوقية سواء في شقها العملي أو فيما يخص التحسيس والتعريف بمزايا وأهداف وميكانيزمات الاتفاقية لدى الرأي العام ولدى كل من لهم مسؤولية مرتبطة بالموضوع». في ذات السياق وصفت أمينة بوعياش، رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، مصادقة الحكومة على البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب، بكونها «خطوة مهمة»، وأضافت في تصريح لبيان اليوم أنه «لا يمكن أن نقيمها بشكل تام إلا بعد أن نرى مدى استكمالها من قبل الدولة، خاصة وأن المجموعة الوطنية للترافع من أجل المصادقة على البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب، كانت قد دعت الحكومة إلى الاستجابة للمطالب المتضمنة في الوثيقة المرجعية من أجل إحداث الآلية الوطنية لمناهضة التعذيب، والتي وضعتها 20 منظمة حقوقية غير حكومية». وأكدت بوعياش أن «هذه المجموعة اشتغلت منذ أكثر من سنة على وثيقة مرجعية من أجل إحداث الآلية الوطنية لمناهضة التعذيب بالمغرب، بتنسيق مع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان». وقالت بوعياش «إن مصادقة الحكومة على البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب خطوة إيجابية ومهمة، لكنها لا تستكمل إلا عبر إحداث الآلية المذكورة». إذ أن «الأساسي في المصادقة على البروتوكول الاختياري هو أنها فعل سيادي، أي أن الدولة تصادق على البروتوكول بمحض إرادتها دون أن يرغمها أحد على ذلك، لكن بمجرد المصادقة يجب على الدولة أن تكمل باقي الخطوات». وقالت إن «هناك نماذج كثيرة عبر العالم حيث صادقت 55 دولة على البروتوكول الاختياري لكن 31 دولة منها أحدثت الآلية». وأضافت «نحن ننتظر أن تتلو هذه المصادقة خطوة أولى للدولة تتعلق بفتح التشاور مع الفاعلين في مجال حقوق الإنسان من جميع الفئات، كما يمكن أن تحدد الفترة الزمنية من أجل إحداث الآلية الوطنية لمناهضة التعذيب. وعبر النماذج التي ذكرت هناك دول اختارت خمس سنوات وهناك من اختارت أقل من هذه المدة من أجل إحداث الآلية». وقالت إنها كرئيسة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان دعت المجموعة الوطنية للترافع من أجل مناهضة التعذيب إلى اجتماع في غضون الأسبوع الجاري «لتدارس ما يمكن القيام به بعد مصادقة الحكومة على البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب». ومن جهته، قال مصطفى المانوزي، رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، إن «المصادقة على البروتوكول الاختياري ليس شيئا جديدا على اعتبار أن الحكومة كان عليها القيام بهذه الخطوة منذ مدة خصوصا وأن المغرب كان موضوع سؤال حول ممارسة التعذيب وحول وجود المعتقلات السرية». وأضاف المانوزي في اتصال أجرته معه بيان اليوم أنه «لو تمت هذه المصادقة في وقت سابق لتم تفادي العديد من المشاكل ومن ضمنها ما ارتبط بالأحداث المتعلقة بمعتقل تمارة». كما أن هذه المصادقة متضمنة في توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، يؤكد المانوزي. واعتبر رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف أنه لا بد من الأخذ في الاعتبار وجود وثيقة مرجعية مصادق عليها في 8 دجنبر 2010 من قبل 20 هيئة حقوقية، «تركز بشكل أساسي على إحداث الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب فيها جانب مدني يتم الاشتغال عليه بتنسيق مع الحكومة، حيث تسمح هذه الآلية بزيارة أماكن الاحتجاز وتفقد المعتقلين في المعتقلات السرية أو العلنية، وإعداد تقارير وتلقي الشكايات ومعالجة المشاكل، كما تتضمن الجانب التحسيسي وجانب التكوين». وقال إن المجموعة الوطنية للترافع من أجل مناهضة التعذيب ستقرر في اجتماعها أمس الأربعاء ما يتعين عمله من أجل تفعيل مبادرة الآلية». من جهة أخرى رفض مسؤولو المجلس الوطني لحقوق الإنسان الإدلاء بأي تصريح في الموضوع. لكن مصدرا مقربا من المجلس صرح لبيان اليوم أن مسؤولي المجلس، الذين عقدوا اجتماعا يوم الأحد حول الموضوع، «عبروا عن قلقهم تجاه الخطوة غير الكافية التي أقدمت عليها الحكومة». وقال المصدر إن أعضاء المجلس «يأسفون لكون الحكومة لم تصادق سوى على اتفاقية واحدة من أصل أربعة كانت قد اتفقت عليها مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان». ومعلوم أن الحكومة صادقت خلال اجتماع المجلس الحكومي الأخير على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وبهذا الصدد أوضح وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، خالد الناصري، في تصريح للصحافة، أن هذا البروتوكول يهدف إلى إنشاء نظام وقائي قوامه زيارات منتظمة تضطلع بها هيئات دولية ووطنية مستقلة للأماكن التي يحرم فيها الأشخاص من حريتهم، وذلك بغية منع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. ولهذه الغاية، يضيف الناصري، تنشأ، بموجب هذا البروتوكول، لجنة يطلق عليها «اللجنة الفرعية لمناهضة التعذيب»، تؤدي عملها في إطار ميثاق الأممالمتحدة، وتسترشد بمبادئ السرية والنزاهة وعدم الانتقائية والشمولية والموضوعية، ويكون عملها محل تقرير سنوي يقدم إلى لجنة مناهضة التعذيب. وطبقا لهذا البروتوكول، تتعهد الدول الأطراف باستقبال اللجنة الفرعية المذكورة، وتيسير سبل وصولها إلى أماكن الاحتجاز، وتزويدها بكافة المعلومات ذات الصلة، وتشجيع وتيسير اتصالات اللجنة الفرعية بالآليات الوقائية الوطنية، وبحث التوصيات التي تتقدم بها، والدخول في حوار معها حول تدابير التنفيذ. ويشكل انضمام المغرب إلى هذين البروتوكولين الاختياريين، حسب وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري، مرحلة إضافية في إطار مسلسل انخراط المغرب في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، بعد المراحل التي قطعها سنوات (1990-1993) و(2000-2008)، حيث انضم إلى ثماني اتفاقيات، من أصل تسع آليات مرتبطة بمجال حقوق الإنسان، وإلى ثلاث بروتوكولات من أصل ثمانية. وأضاف الوزير أن الحكومة تؤكد الالتزام الثابت للمملكة المغربية بتعهداتها الدولية، ولاسيما منها تلك المتعلقة بحقوق الإنسان وفقا للمعايير المتعارف عليها دوليا. كما يأتي هذا القرار الأخير في سياق تعزيز الإطار المؤسساتي الوطني للنهوض بحقوق الإنسان، وخاصة من خلال إحداث المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان وتعزيز دور المجلس الوطني لحقوق الإنسان.