نخبة من الباحثين والمفكرين يقاربون التاريخ والثقافة والتراث المشروع يستجيب لتصاعد الطلب الاجتماعي على التاريخ في إطار مشروع تأسيس دار تاريخ المغرب بمدينة الدارالبيضاء، نظم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بشراكة مع المؤسسة الوطنية للمتاحف وكلية العلوم الإنسانية بالرباط وجمعية الدارالبيضاء كاريان سنطرال، ندوة دولية على مدى يومي السبت والأحد الماضيين.. وفي الكلمة الافتتاحية لرئيس المجلس إدريس اليزمي، أشار إلى أن مشروع دار تاريخ المغرب يأتي تطبيقا لفلسفة وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، التي ترجمت على أرض الواقع بإحداث متاحف جهوية، بالريف والصحراء، كما أن مشروع هذه الدار يندمج ضمن برنامج عام يهم الأرشيف والذاكرة والتاريخ. وتحدث رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف المهدي قطبي، عن القيمة المضافة لمشروع دار تاريخ المغرب، باعتباره فضاء حيا، من شأنه أن يتيح لنا الاستفادة من التاريخ والتصالح مع الماضي، وبشكل أساسي إعادة الاعتبار لتاريخ المغرب، إيمانا منه بأن من يعرف تاريخه سيكون حتما منفتحا على الآخر وسيستفيد من ثقافته. وركز عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط عبد الرحيم بنحادة، على الموقع المشرف للتاريخ في سلك التعليم، باعتباره تخصصا معرفيا، وذكر الرصيد الذي حققته الكلية في هذا الباب من حيث النسبة الكبيرة من المنشورات، أي ما يفوق مائة وستين كتابا تاريخيا، تعالج مختلف حقب التاريخ. وتناول رئيس جمعية الدارالبيضاء كاريان سنطرال مصطفى ملوك، الرصيد النضالي لهذا المكان الرمزي، حيث نشأت العديد من الحركات النقابية، وحيث سادت روح المقاومة والتحدي والالتزام، وعرج على القول بعد ذلك بأن هناك نقصا في ما يخص المعلومات عن تاريخ المدينة ككل، باعتبار أن لها ماضيا، وباعتبار أنها مطبوعة بطابع التعددية، ومن ثم فهو يرى أن اختيار مدينة الدارالبيضاء لإنشاء دار تاريخ المغرب، يعد اختيارا منطقيا. وأشارت كلمة مفوضية الاتحاد الأوروبي، إلى المجهود الذي يبذله هذا الاتحاد في خدمة محيطه بشكل عام، من حيث رعاية حقوق الإنسان، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق بدون مصالحة وطنية مع الماضي، والعناية بالذاكرة المشتركة، من منطلق أن الذاكرة هي شيء حي وليس عبارة عن مقبرة، ولهذا هناك وعي بضرورة مواجهة هذا التحدي. وتوقف وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق عند خريطة الإنتاج التاريخي في المغرب، مبينا مدى اتساعها، فهناك ما يفوق ألفي عنوان، تهم التاريخ العام وعهود الأسر الحاكمة فضلا عن مونوغرافيات القبائل والقرى والنصوص المحققة، مع الإحاطة علما بأن أغلب هذا الإنتاج مكتوب باللغة الفرنسية، غير أنه في مقابل ذلك، لا تزال وضعية الأرشيف دون الطموحات حيث غياب المعالجة الفنية وعدم الإيداع لدى مؤسسات مستقلة عن الإدارة، وأوضح التوفيق الأهمية التي يكتسيها الأرشيف باعتباره مسألة حقوق قبل أن يكون مسألة ذاكرة. وتحدث التوفيق كذلك عن قيمة التاريخ باعتباره معرفة إنسانية عامة حاملة للقيم التي تصب في الإصلاح، من منظور الحاضر الذي يتفاعل مع أسئلته، مما يعين على اكتشاف الاختلالات والملابسات المعقدة. وأثار الانتباه إلى أن المغرب لم يحظ بدراسات في التاريخ الديني، كما تطرق إلى مجموعة من الإشكاليات التي ما تزال في تصوره بحاجة إلى الدراسة والبحث، من قبيل أصل سكان المغرب، التاريخ القديم لليهود في المغرب، الأثر الروماني، الفتح الإسلامي، الاستقلال السياسي عن المشرق.. إلى غير ذلك من الإشكاليات التي لابد من إسهام علوم أخرى فيها لحسمها. وأشارت الورقة التقديمية لهذه الندوة الدولية، التي حملت شعار «من أجل دار تاريخ المغرب: تاريخ، ثقافة، تراث»، إلى أن شغف المغاربة المتزايد بمعرفة تاريخهم، وعلى الخصوص كل ما يتعلق بالماضي القريب، ساهمت فيه بشكل خاص التغطية الإعلامية لأنشطة وجلسات الاستماع التي نظمتها هيئة الإنصاف والمصالحة والتوصيات الصادرة عن هذه الهيئة، وتخليد الذكرى الخمسينية لاستقلال المغرب، ونشر تقرير اللجنة العلمية متعددة التخصصات حول الخمسينية. وجاء في هذه الورقة كذلك أن كتابة التاريخ الراهن، يستلزم التمييز بين التاريخ والذاكرة والالتفات إلى خصوصيات الذاكرة وإلى الإشكال الذي تثيره وطأة الراهنية ونزعة إعادة طرح أسئلة حول الفترات الغابرة في ضوء انشغالات وتساؤلات الحاضر، ولا شك أن من شأن ذلك إثراء المعرفة التاريخية. وقد جاء مشروع إنشاء دار تاريخ المغرب باعتباره جزء من منطق الرد على تصاعد الطلب الاجتماعي على التاريخ، ومن المؤكد أن خلق مؤسسة ذات وزن كبير لتعميم المعرفة التاريخية وجعلها في متناول الجميع، يتطلب تأملا مشتركا لفرضيات هذه المادة وماهية الغرض منها، من خلال التركيز على خصوصيات تاريخ المغرب بمكوناته الإثنية واللغوية والدينية، بالإضافة إلى مختلف تفاعلات بلدنا مع المحيط الإقليمي والدولي. وشهدت هذه الندوة تنظيم ثمان لقاءات، على مدى يومين، تمحورت حول التعددية المغربية، الدولة المغربية عبر التاريخ، الثقافة المغربية، التراث المادي وغير المادي، الهجرة والمهاجرون، الدارالبيضاء، الأرشيف والذاكرة ووسائل الإعلام، البحث العلمي والتعليم.