عادت السلوكات الإجرامية إلى الجامعة المغربية، وبرزت من خلال المواجهات العنيفة بين فصائل طلابية، وأساسا من خلال تحركات مجموعة طلابية تدعى «المحكمة الشعبية الأمازيغية»، تهدد بقطع أطراف طلبة آخرين ينتمون لفصائل متياسرة. إن ما يحدث في بعض مؤسساتنا الجامعية يثير الدهشة فعلا، ويبعث على الغضب والحنق، ويستدعي الرفض والاستنكار من لدن كل الديمقراطيين، ومن جميع المغاربة. المجموعة المنادية بالقتل، والحاملة لقناعات إجرامية واضحة، تسيء اليوم للأمازيغية، وللحركة الأمازيغية، لكون هذه الأخيرة لم تكن يوما حاملة لمثل هذه الأفكار، بل إن مكوناتها الطلابية والثقافية طالما ناضلت ضد من كانوا يقترفون مثل هذه السلوكات، ومن المستغرب حقا اليوم، أن يتم مثل هذا التبادل المأساوي في الأدوار، ولهذا، فإن الحركة الأمازيغية التقدمية والديمقراطية مدعوة لمواجهة هذه الاختراقات، والتحرك الميداني لرفضها، ولوقف الإساءة لتاريخها، وفضح من يريد تلطيخ السجل النضالي للنسيج الجمعوي الأمازيغي. من جهة ثانية، فإن الفصائل الطلابية الديمقراطية والعقلانية مدعوة هي أيضا لمواجهة مثل هذه السلوكات، وتفعيل اصطفافات طلابية داخل الجامعات دفاعا عن حرية الاختلاف، وعن الحق في الحوار، ورفضا لكل من يستهدف حياة الطلبة وسلامتهم الجسدية. إن ما يجري هذه الأيام في بعض جامعاتنا يعيد التنبيه إلى خطورة ما يحياه الطلبة من فراغ ، وخطورة إهمال طبقتنا السياسية للجامعة والطلبة طيلة سنوات، ويفرض التفكير في واقعنا الطلابي، ومستقبل الأجيال التي تتربى في مثل هذه الأجواء والعقليات. إن الجامعة هي أولا فضاء لتلقي العلوم والمعارف، ومن مسؤولية الطلبة أنفسهم وتنظيماتهم التمثيلية النضال قبل كل شيء من أجل حقهم في التمدرس، وفي تلقي تكوين جيد ومنتج، ثم إن الجامعة تعتبر المجال الأرحب لتمثل قيم الاختلاف والحوار والتسامح والحرية، ولمراكمة تكوين سياسي وثقافي يؤهل لبناء الشخصية القوية والمواطنة، وتخريج مواطنات ومواطنين يدافعون عن بلادهم وشعبهم بلا تعصب أو عنصرية أو ضيق أفق . إن هذه «الغزوات» الإجرامية التي تقترف اليوم من لدن بعض المدعين بالانتساب، كذبا وزورا، للحركة الأمازيغية، هي نفسها التي مورست سابقا من لدن متعصبين دينيين وظلاميين، وهي التجلي الهمجي والمتخلف للاختلاف بين الفصائل المتطرفة من كل الملل والنحل، ما يجعل كل المتطرفين يتشابهون في العقلية والأفكار والسلوك، ويلتقون موضوعيا في الأهداف، ومن ثم تحتاج جامعتنا اليوم إلى التقاء العقلانيين والديمقراطيين الحقيقيين من أجل مواجهة التطرف والتعصب وزعماء القتل والإجرام من كل الألوان. الجامعة يجب أن تكون فضاء للحرية و... للعلم.