ما تشهده بلدان عربية في سياق تحولات الربيع الديمقراطي، وخصوصا ليبيا واليمن على سبيل المثال، يطرح مشكلات ضعف أو انعدام الحياة السياسية والحزبية في البلاد، ومن ثم، فقد كان طبيعيا أن نشهد في البلدين، وأيضا في غيرهما، العودة القوية للخطاب الماضوي، وبروز الاصطفاف القبلي والطائفي أثناء التداول في الآليات المؤسساتية والسياسية لتدبير البلاد. في المغرب، يجب أن نسجل أن توفر البلاد على دينامية سياسية ومجتمعية عريقة، وذات مصداقية، هو ما أكسب التحول المغربي فرادته وتميزه، وهذا أيضا ما جعل حراك الشارع عندنا بمثابة استمرارية لحراك سياسي تعيشه البلاد منذ سنوات، وبالتالي، فهذا هو المعنى الحقيقي لتأكيد جلالة الملك في خطاب العرش على أن دخول بلادنا مرحلة جديدة، لم يكن محض مصادفة، ولا من صنع ظروف طارئة... المستفاد من الكلام إذن، أن نقطة قوة المغرب توجد في توفره على أحزاب سياسية لها تاريخ وأصل وهوية، وتمتلك قرارها، مع الإشارة طبعا إلى وجود أحزاب أخرى لا تمتلك، من جهتها، سوى الوهم والنفخ المغشوش، ولهذا، فإن حماية تعددية حزبية وسياسية حقيقية ومنتجة مسألة حيوية لمستقبل المغرب، ولقوته الداخلية. عندما ندعم الأحزاب الجادة والحقيقية، بغض النظر عن أعداد مقاعدها الانتخابية، ونوفر لها شروط الوجود والتطور والمتانة والجاذبية، ونتيح لها إمكانات التواصل والانتشار، فإننا بذلك نكون بصدد تمتين مقومات مناعة بلادنا، وتحصين استقرارها ووهجها، وواهم من يعتقد أن إضعاف الأحزاب الجدية والتاريخية، لن تكون له تبعات على البلاد في المستقبل. لقد جربت كل الأساليب في هذا الإطار، سواء في الماضي وفي زمن الرصاص، أو في الأمس القريب مع عقلية الهيمنة والتحكم، لكن في النهاية بقيت الأحزاب الحقيقية واقفة وموجودة، وهي التي تتعبأ باستمرار، في الميدان وعبر العالم وبواسطة صحافتها ورموزها للدفاع عن المغرب وعن قضاياه الوطنية الكبرى. المهمة اليوم ليست فقط في الحرص المستمر على تقوية تعدديتنا السياسية، ودعم أحزابنا الوطنية الحقيقية والجادة، وإنما أيضا في إسناد هذه القوى بغاية استعادة السؤال السياسي بصفة عامة في ساحتنا الوطنية. في الفترة الأخيرة صار الكثير من النقاش الإعلامي كما لو أنه يتركز فقط حول المشاكل الداخلية والثانوية لعدد من الأحزاب، كما صار العمل البرلماني ينحو نحو أساليب استعراض العضلات أمام القنوات التلفزيونية، وبدا المشهد العام يتحول إلى سباق حول التلويح بفضائح هنا واتهام بالفساد هناك، وتسريب لهذه الصحيفة، وهجوم بواسطة تلك الصحيفة، وفي النهاية البلاد هي التي تجد نفسها بعيدة عن ... السياسة، وهذه الأخيرة، في المنطق، لا يمكن أن تصنعها سوى الأحزاب الحقيقية، بتنظيماتها ومناضلاتها ومناضليها وجمهورها وأطرها وصحافتها ومنتخبيها، ولهذا يجب تثمين ما تمتلكه بلادنا من دينامية سياسية وحزبية، والحرص على حمايتها وتطويرها وإسنادها بكل الوسائل لتقوية بلادنا، ولإنجاح مستقبلها الديمقراطي. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته