يشكل المهرجان الدولي للرقص التعبيري، الذي ينعقد سنويا بمدينة فاس، فرصة لتلاقي التجارب الكوريغرافية العالمية بمختلف تجلياتها التقليدية والحديثة، ومناسبة هامة لتلاقح التجارب وتبادل الخبرات، واعتماد الفن وسيلة أساسية لدعم حوار الحضارات وترسيخ ثقافة الاعتراف بالآخر وتأصيل الهويات بالانفتاح على كل الفنون والثقافات ذات التوجه الإنساني الكوني. تعقد جمعية بابل للثقافة والفن بفاس، الدورة السادسة من المهرجان الدولي للرقص التعبيري في الفترة ما بين 16 و20 أكتوبر تحت شعار» الجسد الجليل»، بمشاركة فنانين من المغرب وإسبانيا وفرنسا والجزائر وتونس والسينغال وساحل العاج والهند وهنغاريا، ويتضمن برنامج هذه الدورة تقديم عروض كوريغرافية وتنظيم مائدة مستديرة في موضوع «إشراقات الجسد» بمشاركة نخبة من الأساتذة المغاربة والأجانب المختصين، وإقامة محترفات للرقص، وتنظيم معارض فوتوغرافية وتشكيلية، وعرض أفلام كوريغرافية ، وتكريم الكوريغرافية والراقصة الهندية سانغيطا إسفران، وتفعيل بنك المعلومات المتعلقة بالرقصات التقليدية والحديثة، إلى جانب أنشطة أخرى موازية. وبالمناسبة أعدت اللجنة المنظمة ورقة تحت عنوان «الجسد الجليل، الجسد المشع»، بمثابة أرضية للنقاش، مما جاء فيها أنه «بأية وسيلة يمكننا أن نعيد ابتكار الجسد والرفع من شأنه، دون المساس بالعلاقة التي تربطه بالآخر/المتفرج؟ وما الذي يدفعنا إلى تبجيل الجسد وبأية جدارة؟ كيف لنا أن نساعد الجسد على الانفلات من سكونيته وتحريره من كل ما يجعله مجرد موضوع للاستهلاك البدني؟ تلك هي الأسئلة التي تطرح نفسها كلما فكرنا في الجسد بعيدا عن أي اعتبار دنيوي، وبكل ما يستحقه بهاؤه من تقدير وتبجيل: حينما «تلعب» الراقصة (أو الراقص) بجسدها وتسخره عوضا عنا كي تضعه في منزلة وسطى بين الرغبة واللذة، بواسطة لغة تتجاوز وظيفتها الإخبارية وتتحول، من تلقاء نفسها، إلى موضوع للتأمل والتذوق الشهي و»القراءة» البصرية. في خضم اليومي يصبح الجسد مستعصيا على الرؤية والإدراك، لامتهانه وابتذاله، لكننا بفضل الرقص نتوصل إلى استرداده وإعادة اكتشافه من خلال طاقاته الحركية والحسية، وإلى الاغتراف من ينابيعه التحررية التي تبعث على الانتشاء والانصهار في بوتقة الكون، وبذلك يستعيد الجسد مكانته الطبيعية والأصلية. ليس الرقص مجرد تحريك للجسد، بل هو تخلص من الجاذبية، حوار باطني لا يدرك معاني كلماته سوى القلب والروح، هو سعي خفي يفضي بالجسد إلى مراقي الرفعة والسمو، وإلى ابتكار لغة خاصة وثيقة الصلة بالجلال والفصاحة الأنيقة . الرقص انجذاب إلى النجوم واختراق للتخوم، بغية استرجاع أصالة الجسد ومنحه إمكانية الأخذ بألباب المشاهدين، بفضل التناغم الروحي والرشاقة الجسدية، إلى أن يتحول الرقص إلى ما يشبه تحليق فراشة عند مطلع الفجر».