هي لحظة استحضار قوية للذاكرة النضالية لشعبنا شهدتها مساء أول أمس المكتبة الوطنية بالرباط بمبادرة من قيادة حزب التقدم والاشتراكية... عدد من السياسيين والإعلاميين والجامعيين والمثقفين والمناضلين الحقوقيين تحلقوا هذا المساء حول المودة والوفاء، في تكريم كان بصيغة منتهى الجموع، على حد إبداع شاعرنا الجميل إدريس الملياني. المحتفى بروحيهما هذا المساء هما شمعون ليفي ومحمد فرحات، والمتحدثون جمعتهم مراحل عمر وأفكار وانشغالات وقيم وعلاقات مع الراحلين الكبيرين، والمكان كله كان يبعث لنا جميعا بالرسائل والوصايا والإشارات. الفقيدان معا كانا من قادة الحركة الشيوعية والتقدمية في بلادنا، لكنهما معا انشغلا ومارسا الكتابة والثقافة والإعلام إلى جانب نضالهما السياسي والحزبي. الفقيدان معا عرفا بالتزامهما الحزبي والإيديولوجي الواضح، لكن ذلك لم يمنعهما معا من التأثير والتفاعل مع العديد من المناضلين والطلبة والصحفيين والمثقفين من ساحات فكرية متعددة، وكان لهما معا حضورهما في المجتمع، وفي صيرورة نضال شعبنا داخل الحزب، وداخل النقابات والجمعيات، وفي الصحافة، وفي المجتمع. الفقيدان معا اتفق معهما الكثيرون، واختلف أيضا معهما العديدون، لكن الجميع شهد لهما بقوة القناعات، وبأناقة التعبير عنها، على حد تعبير أستاذنا وزميلنا مصطفى اليزناسني. من سيرة الكبير شمعون تلقينا هذا المساء النداء بضرورة انخراط القادة السياسيين الكبار في فعل الكتابة والتكوين واغناء الجدل الإعلامي والسياسي المنتج... ومن سيرة الرائع سي فرحات تعلمنا جدلية الالتزام والانفتاح، والربط الخلاق بين المهني والسياسي، وأيضا اعتبار الصحافة فعلا فكريا ونضاليا وليس استرزاقا، ثم تعلمنا كذلك أن المواقف النبيلة والقناعات يمكن التعبير عنها بأناقة اللغة وبلطف الكلمات والتعابير. الصحفي فرحات كان أيضا استباقي النظرة، هو الذي حرص على إعداد صفحة للأمازيغية في(البيان)، وبقيت مفتوحة للباحثين ولنشطاء الحركة الثقافية الأمازيغية، وكانت المبادرة مؤسسة فعلا لكل ما نتابعه اليوم من مكاسب ومنجزات في هذا المجال. الصحفي فرحات احتضن كتابات الكثير من الشباب، ومنهم من صار اليوم مبدعا يشهد له بالكفاءة والحضور في الساحة الثقافية الوطنية... الصحفي فرحات زار بقاع كثيرة في العالم، والتقى شخصيات متعددة، وقادة العديد من الدول، وعمل في ألبانيا وفي غيرها، ويعتبر من كبار صحفيينا باللغة الفرنسية، كما كان بهي التعبير أيضا باللغة العربية، ومع ذلك بقي قابضا على تواضعه، وعلى قوة إنصاته للجميع، وعلى إخلاصه لرفاقه وحزبه وصحيفته... كم نحن في حاجة اليوم، في مهنتنا وفي مجتمعنا، لأمثال شمعون وفرحات، تكوينا ونضالا ووفاء و...تواضعا. الرحمة والسلام للفقيدين. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته