يبدو أن رهان معرض الدارالبيضاء الدولي للكتاب، الذي اختتم فعالياته يوم أمس السبت وخلاف الدورات السابقة كان يستهدف رفع شعار المصالحة مع الكُتّاب والمبدعين، سواء من خلال تصريحات وزير الثقافة محمد الأمين الصبيحي، أو عبر حوارات مدير المعرض الشاعر حسن الوزاني طوال أيام النشاطات، قد تحقّق إلى حدّ ما، فقد ساهم الكُتّاب الغاضبون من الوزير السابق في برنامج المعرض ونظموا الندوات ووقّعوا الكتب. وعرف المعرض حركة واضحة هذه السنة مقارنة بسابقتها رغم غياب العديد من دور النشر المهمة. وكان المعرض شهد في افتتاحه توزيع جوائز المغرب للكتاب. وفاز بالجائزة في فرع الدراسات الأدبية كتاب «جماليات البين-بين»، للكاتب رشيد بنحدو، وفي فرع العلوم الإنسانية والاجتماعية منحت الجائزة مناصفة لكتاب «التوازنات البيئية الغابوية بالأطلس المتوسط الغربي: مقاربة صون- تنموية لمنطقة آزرو» للكاتب إدريس شحو، وكتاب «إشكالية العقل والوجود في فكر ابن عربي: بحث في فينومينولوجيا الغياب» للكاتب أحمد الصادقي. وفاز في مجال الترجمة مناصفة كتاب «الفلسفة السياسية في القرنين التاسع عشر والعشرين» لغيوم سيبرتان - بلان للمترجم عز الدين الخطابي وكتاب «ما التاريخ الأدبي ؟» لكيلمان موازان للمترجم حسن الطالب. ويقول حسن نجمي، الذي حصل على جائزة الشعر، عن ديوانه الشعري «أذى كالحبّ»، إنّه سعيد بهذه الجائزة «رغم أنّها لا تضفي مشروعية على القصيدة وإن كانت تمنح القصيدة شغبها الخلاق وتدعه ينبش باحثاً عن طفولة الكلمات. فالقصيدة الحقيقية توجد دائماً على يسار المشاعر الرسمية». اعتاد الجمهور المغربي أن يعتبر معرض الكتاب الدولي موسماً ثقافيا يتمّ فيه التلاقي وتقديم الكتب وحضور الندوات، وبما أن ضيف شرف المعرض الدولي للكتاب هذا العام هو المملكة العربية السعودية، فإنّ حضور الكتاب السعودي في ندوات المعرض بدا لافتاً سواء من خلال توسّط رواق المملكة للمعرض وعرض بعض الأعمال الجديدة أو من خلال الندوات التي لم تقتصر على قاعات المعرض بل خرجت إلى فضاءات أخرى في الرباط - جامعة الحسن الثاني-ومقر الملحقية الثقافية السعودية. ونظّمت الملحقية الثقافية السعودية ووزارة التعليم العالي ندوة شارك فيها الباحث المغربي عبد الهادي التازي والباحث السعودي محمد بن ناصر العبودي وتمّ التطرّق فيها إلى تجربة الرحالة المغربي ابن بطوطة٬ صاحب «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» والاطلاع على وثائق عن رحلة له قدمها عبد الهادي التازي، مثل الخريطة الجغرافية لمسار مغامرة الرحّالة من طنجة إلى الصين. وانسحب النقاش حول أهمية رحلة ابن بطوطة وتأثيرها على الحوار بين الحضارات ودور الرحلات في وصول الإسلام إلى أقطار بعيدة. وحاول العبودي خلال الندوة ربط الحاضر بالماضي من خلال تدقيق الأحداث والأمكنة ومقارنة القديم بالجديد. وفي ندوة حول النشر والكتاب من وجهة نظر نسائية بعنوان «ناشرات عربيات في الواجهة» نظّمها اتحاد كتاب المغرب وشاركت فيها رنا إدريس من لبنان وفاطمة البودي من مصر ولينا كريدية من لبنان وليلى الشاوني من المغرب وأدارتها الشاعرة إكرام عبدي، تمّ الحديث عن إكراهات النشر وصعوبته في العالم العربي، لكن الجمهور لمس تحدّياً وإصراراً من الناشرات المشاركات على خوض غمار هذه التجارب باندفاع رغم إكراهات النشر والتوزيع. واتفقت الناشرات على حضور الكتاب المغربي ضمن خريطة النشر لديهن خلال السنوات الأخيرة، بحيث عرف هذا الكتاب انتشاراً ملحوظاً جعل المخطوطات التي تصل إلى دور النشر العربية، خصوصاً في مجال الرواية لدى دار الآداب، وفي مجال الشعر لدى دار النهضة تبلغ رقماً قياسياً. وشاركت مجموعة من النقاد والباحثين في ندوة بعنوان «أي مستقبل للثقافة العربية في ضوء المتغيرات الاجتماعية الجديدة» وتمّ الحديث خلالها عما تعرفه المجتمعات العربية من حراك سياسي. وانتقد الباحث المغربي مصطفى القباج ضعف دور الثقافة في التفاعل مع هذه التحولات، وقال إن واقعاً عربياً متأزماً لا يمكن إلا أن يفرز ثقافة عربية مأزومة، بينما لاحظ الأديب حميد سعيد أن هذه التحولات تضع موضع التساؤل قدرة القوى الجديدة التي تحكم على تحقيق التوازن إزاء السلطة والخارج. واستعرض عماد أبو غازي وزير الثقافة المصري الأسبق مسار الثورة المصرية وصور الإسهام الثقافي والفني في مسارها والإضافات التي حققتها هذه الإسهامات، بحيث استطاعت الثورة المصرية أن تحرر المجال الفني من ضيق أعوام طويلة. عدا الأطفال، لم يكن حضور الجمهور لافتاً، سواء في أروقة الكتب أو خلال الندوات. لكن الإصدارات تنوّعت وتعددت، وبدا لافتًا حضور عناوين جديدة متعددة لدى مجموعة البحث في القصة المغربية المعروفة بترجماتها من الإسبانبة والبرتغالية، ولدى رواق بيت الشعر الذي احتفى بتجارب جيدة في سلسلة سمّاها «شاعر لأول مرة»، ولدى دار الآداب التي نشرت روايات جديدة لكتاب من المغرب مثل رواية يوسف فاضل «قط أبيض جميل يسير معي»، وهي الراوية التي رُشّحت بقوة لجائزة المغرب للكتاب، ولدى دار الساقي ورياض الريس اللبنانيتين كذلك. وكان الجمهور الأدبي على موعد مع قراءات لشعراء وأدباء مغاربة وعرب حضر بعضهم وغاب بعض آخر لأسباب مختلفة، وكانت مساهمة «بيت الشعر المغربي» لافتة خلال المعرض، بحيث أصرّ على تقديم جائزة الأركانة العالمية للشعر، التي فازت بها شاعرة أميركية شهيرة هي مارلين هاكر، خلال جلسة عرفت حضوراً وأدارها الشاعر ياسين عدنان في حضور وزير الثقافة وشخصيات أدبية. وقال رئيس بيت الشعر بهذه المناسبة إنّ جائزة الأركانة سجلت في دورتها السادسة سابقتين، أولاهما أن بيت الشعر في المغرب أسند رئاسة لجنة تحكيم الجائزة لامرأة، هي الناشرة البريطانية مارغريت أوبانك، والثانية أن لجنة تحكيم الجائزة استقر خيارها الأخير على شاعرة أميركية مرموقة، لتكون المرأة الأولى التي تحصل على الجائزة. ينتهي إذاً، معرض الكتاب الدولي في الدارالبيضاء بعد أن حقّق أهدافاً كثيرة، وقد لوحظ اهتمام الصحافة المغربية بهذا الحدث طوال أيامه، فأفردت الصحف صفحات يومية للمعرض، وهي سابقة جديرة بالتنويه، خصوصاً في ظل مجتمع مغربي لا تزال تقاليد القراءة ضعيفة لديه.