بتشكيلة جديدة في جل عناصرها شابة في مجملها وبسلطات موسعة، يوجد مجلس النواب الجديد الذي انتخب، أول أمس الاثنين، رئيسه وهياكله في وضع ملائم للاضطلاع بدوره في مجال التشريع ومراقبة العمل الحكومي. انسجاما مع التحولات التي يعرفها العالم اليوم، جاء الدستور الجديد، الذي اعتمد في استفتاء شعبي في يوليوز الماضي، ليستكمل مسلسل الانتقال الديمقراطي من خلال تجديد وتعزيز صلاحيات المؤسسة البرلمانية. فالسلطات الواسعة التي خولت لمجلس النواب في ظل الهندسة المؤسساتية الجديدة تضع المجلس في مصاف البرلمانات الديمقراطية العتيدة وتجعل من المملكة ديمقراطية برلمانية تحظى بالاحترام. بقراءة النص الدستوري، يتبين أنه يصوغ آلية مجددة للنظام التمثيلي، من حيث أنه يقيم رابطا رسميا بين التمثيلية والاقتراع العام. يكرس النص أيضا صلاحيات مجلس النواب على صعيد التشريع ومراقبة العمل الحكومي، حين ينص على أن التشريع اختصاص حصري للبرلمان. وقد تعزز مجال القانون ب 30 مادة جديدة في النص الجديد انضافت الى المواد الستين السابقة. ويتعلق الأمر بالخصوص بالعفو العام، الجنسية ووضعية الأجانب ونظام السجون ونظام مصالح وقوات حفظ النظام والتقطيع الانتخابي. كما ينص الدستور الجديد على أن بامكان مجلس النواب لوحده أن يثير مسؤولية الحكومة عبر التصويت على ملتمس الرقابة. على أنه لا يمكن النظر في الملتمس إلا بتوقيعه من قبل خمس أعضائه على الأقل. ويخصص البرلمان جلسة سنوية لمناقشة وتقويم السياسات العمومية، فضلا عن واجب تقديم رئيس الحكومة لحصيلة مرحلية للعمل الحكومي أمام المجلس. إنها بالدرجة الأولى مسألة توازن بين السلطات، ليس فقط بين التنفيذي والتشريعي، بل أيضا بين سلطة ممارسة الحكم وسلطة المعارضة. ومن بين التدابير الطليعية للدستور، يجدر التوقف عند الطابع البرلماني للنظام السياسي المغربي. فالبرلمان يعزز في نفس الآن موقفه ومجموعة من صلاحياته. وهو يكرس المكتسبات السابقة، ينحو الدستور الجديد إلى تعميقها في إطار مؤسساتي متجدد يفسح المجال أمام تحديث العمل البرلماني. وهو توجه سيتعزز بشكل أعمق في ظل الخريطة السياسية الجديدة المنبثقة عن انتخابات 25 نونبر في أفق توطيد سلطات البرلمان ومؤسسة رئاسة الحكومة. فضلا عن ذلك, يخول القانون الأسمى للبلاد البرلمان وسائل مساءلة ومراقبة العمل الحكومي، على غرار التصويت على الثقة واستجواب الوزراء وإحداث لجن للتحقيق ودراسة مشاريع قوانين من قبل اللجن والموافقة أو رفض مشاريع القوانين والتدابير الجبائية بالتصويت. وفي نفس الاتجاه، يتوفر مجلس النواب على صلاحية قبول أو رفض البرنامج المعروض من طرف رئيس الحكومة والذي يناقشه مجموع النواب. يتعلق الأمر بإتاحة فرصة توسيع النقاش حول برنامج العمل الحكومي تمهيدا لتصويت تزكية الحكومة من طرف المجلس. هكذا يجد تجديد الممارسة البرلمانية تعبيره الأمثل في اعتماد وتجريب ممارستين جديدتين: مشاركة البرلمان في تأسيس السلطة الحكومية وتعيين رئيس حكومة منبثق عن حزب الأغلبية داخل البرلمان في إطار التناوب الديمقراطي. المعارضة البرلمانية بوضع أكثر تحديدا بالنسبة للمختصين في القانون البرلماني، فإنه مع التفعيل الأمثل لمقتضيات الدستور، سيكتسي عمل النواب مزيدا من الفعالية وسيتاح للمعارضة البرلمانية تجاوز وضعها الهامشي. من المسلم به أن وجود معارضة نشيطة يضفي بعدا نوعيا على ممارسة العمل البرلماني، مما يستدعي تمكينها من التعبير عن انتقاداتها وتقديم الحلول التي تقترحها، في صميم المعارضة البناءة. لقد تم الاعتراف بالمعارضة كمكون رئيس للغرفتين بنظام فعلي يضمن لها العديد من الحقوق وخصوصا التمويل العمومي ورئاسة لجنة التشريع والمساهمة في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية وممارسة السلطة على المستويات المحلية والجهوية والوطنية. إن احترام الديمقراطية يتمثل في القبول بخيار الناخبين، قانون الأغلبية، لكنه يقتضي أيضا الاعتراف بحقوق المعارضة من خلال منحها وسائل الدفاع عن أفكارها وتطوير بدائلها.