المتشددون يمتلكون اليد الطولى داخل نظام الحكم في سوريا في وقت بدأ يشدد فيه النظام السوري وقوى المعارضة في البلاد من مواقفهم، يبدو أن الإضراب العام الذي بدأ يوم أمس في جميع أنحاء البلاد بهدف إسقاط الرئيس بشار الأسد من خلال وسائل سلمية لن يتكلل بالنجاح في نهاية المطاف. ولفتت في هذا الصدد صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية إلى أن الاشتباكات العنيفة التي وقعت في سوريا خلال الآونة الأخيرة قدمت أدلة أخرى على أن النضال المستمر منذ حوالي تسعة أشهر بغرض إسقاط نظام الأسد، قد تتطور في تلك الأثناء إلى صراع مسلح. وقد تزامن هذا القتال المكثف مع الإضراب الذي بدأ أمس بهدف فرض مزيد من الضغوطات على السلطات السورية. غير أن هناك شكوكاً مثارةً في الوقت الحالي بشأن قدرة إضراب كهذا على تسريع وتيرة إسقاط حكومة الأسد وتجنيب انزلاق البلاد بشكل أكبر إلى المزيد من عمليات سفك الدماء. ورغم تنامي الضغوط الدولية والإقليمية وتدهور الوضع الاقتصادي والأمني، إلا أن نظام الأسد لم يظهر أية إشارات دالة على تخفيفه من حملته القمعية التي يمارسها ضد ناشطي المعارضة والجنود المنشقين المسلحين. وأوردت الصحيفة ضمن هذا السياق عن محللين قولهم إن الحل السلمي لتلك الأزمة بات مستبعداً بعد تصعيد العنف. وقال برهان غليون، رئيس المجلس الوطني السوري، في تعليقات نشرتها أمس مجلة دير شبيغل الألمانية: «المعارضة لم تعد مستعدة للتفاوض مع القتلة. كما أن المجلس الوطني السوري مستعد للتحدث مع السلطات المدنية والعسكرية التي لا تمثل النظام وإنما تمثل المؤسسات». ثم مضت الصحيفة تشير إلى أن عملية صنع القرار داخل القيادة السورية العليا تعتبر عملية غامضة بصورة سيئة السمعة. وبدا من الواضح أن النظام يميل إلى حل تلك الأزمة عن طريق القوة. وقال مصدر دبلوماسي في بيروت إن المتشددين هم الذين يتولون زمام الأمور بصورة تامة الآن في دمشق. وأضاف هذا الدبلوماسي: «يتضح أن السياسة في دمشق الآن هي أنه ليس بمقدورك أن تظهر أي ضعف أو تنازلات. فما عليك سوى أن تستخدم القوة الوحشية وستحصل بعدها على مزيد من الاحترام». واستناداً لما ذكره مسؤول فلسطيني بارز، فإن تنافساً قد نشب بين الأسد وشقيقه الأصغر الأكثر تشدداً، ماهر. وأضاف هذا المسؤول الفلسطيني الذي يتواجد في لبنان لكنه يسافر بانتظام إلى دمشق «هذا موقف صعب بينهما. وأعتقد من جانبي أن النظام السوري سيتغلب على الأزمة في الأخير». وتابع هذا المسؤول: «واهم وحالم كل من يتصور أن نظام الأسد سينهار. فإيران تدعمه، وكذلك لبنان، والعراق، وروسيا، والصين. ولن توافق جميع الدول على عقوبات الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي المفروضة على سوريا». وقد حاولت السلطات السورية يوم أول أمس أن تظهر أن الأمور تسير بصورة طبيعية بإجرائها الانتخابات البلدية في جميع أنحاء البلاد. لكن الإقبال جاء ضعيفاً من قبل الناخبين. وقتل شخص واحد على الأقل صباح يوم أمس في محافظة ادلب المضطربة شمال سوريا، عندما هاجمت قوات حكومية عدة قرى بحثاً عن عناصر جيش سوريا الحرة. وقد وقعت اشتباكات عنيفة قبل يومين بين القوات الحكومية والمنشقين في ادلب والإسراء جنوب سوريا، حيث احترق العديد من مركبات الجيش. وأوضحت الصحيفة كذلك أن تزايد التقارير التي تتحدث عن الاشتباكات المسلحة تشير إلى أن الجنود يواصلون هجرهم للقوات النظامية، من أجل الانضمام إلى وحدات المنشقين التي تعمل إما بصورة مستقلة أو تحت مظلة جيش سوريا الحر. وتم إطلاق الإضراب العام يوم أمس على أمل أن يعجل انهيار الاقتصاد من رحيل الأسد. ولفتت ساينس مونيتور في هذا الجانب إلى أن الناشطين المعارضين للأسد يخططون للقيام عقب الإضراب العام بحملة عصيان مدني لإغلاق الجامعات والهيئات المدنية والطرق السريعة الرئيسة. في غضون ذلك، نوهت الصحيفة بتنامي مشاعر عدم الارتياح في الجارة، لبنان، خشية انتقال اضطرابات سوريا عبر الحدود. إلى ذلك، قالت الهيئة العامة للثورة السورية إن 41 شخصا قتلوا الثلاثاء برصاص الأمن السوري في اليوم الثالث بإضراب الكرامة، أغلبهم في محافظة إدلب شمالي غربي البلاد، في وقت تحدث ناشطون عن مقتل سبعة من عناصر الأمن في هجوم شنه منشقون عن الجيش في نفس المحافظة. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن من بين القتلى ستة مدنيين سقطوا نتيجة إطلاق قوات الأمن النار على مشيعين لجنازة في إدلب. وأوضح المرصد أن سبعة من عناصر الأمن لقوا مصرعهم في هجوم شنه منشقون على موكب أمني كان يسير على طريق إدلب باب الهوى، وأشار إلى أن العملية جاءت ردا على مقتل 11 شخصا وإصابة العشرات في هجوم نفذته قوات الأمن والشبيحة فجر اليوم في قريتي معرة مصرين وكفر يحمول بإدلب. وأوضحت الهيئة العامة للثورة السورية أن حمص شهدت إطلاق نار كثيفا سمع بكل من الخالدية والقصير فيما قامت قوات الأمن بكسر المحلات وإطلاق النار عليها في باب السباع، كما تحدثت عن عملية قنص للمدنيين في دير بعلبة. وأكدت الهيئة أن مواطنا تركيا يحمل الجنسية السعودية قتل اليوم بعد أن فتحت قوات الأمن النار على سيارته. وقال ناشطون إن قوات الأمن السوري في باب السباع بمحافظة حمص تطلق النار على كلِّ ما يتحرك. وتظهر صور بثها ناشطون في شبكة الإنترنت مقتل رجل مسيحي وإصابة ابنته لدى محاولتهما الخروج من منزلهما. وفي خربة غزالة بمحافظة درعا أفاد ناشطون بأن انفجارين هزا وسط البلدة بالتزامن مع إطلاق نار كثيف. وأشارت الهيئة إلى أن عددا من المدن بدمشق وريفها تعاني من انقطاع للغاز والكهرباء والماء منذ عدة أيام، معتبرة أن تلك المدن أصبحت منكوبة. وفي نفس السياق، قال المرصد لحقوق الإنسان إن السلطات قطعت الاتصالات عن مدينة دوما بريف دمشق.