أقيمت في الأيام الأخيرة نقاشات هامة حول قطاع الصحافة ببلادنا، حيث عقدت مثلا النقابة الوطنية للصحافة المغربية مجلسها الوطني الفيدرالي ومؤتمرها الدراسي، وبالإضافة إلى قضايا الحياة التنظيمية والحق النقابي والحوار في المؤسسات الإعلامية، فإن المناقشات انصبت حول سؤال في غاية الأهمية والخطورة، ويتعلق بمستقبل المهنة ذاتها على ضوء كل ما يشهده العالم من تحولات... وقبل هذا، كانت المنسقية العامة للحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع قد رعت بدورها نقاشا غنيا حول الصحافة المكتوبة. ومن حسنات المناقشات التي يقودها الإعلامي جمال الدين الناجي، أن الكل بات اليوم يتحدث عن «المقاولة الصحفية»، والمطلب صار تدريجيا يتمحور حول سبل وأشكال تأهيل هذه المقاولة والنهوض بها، بالإضافة طبعا إلى المطلب المرتبط بمهنيي القطاع أنفسهم، باعتبارهم فئة مهنية لها بدورها مطالب وتطلعات تجاه الدولة. بالنسبة للمقاولة الصحفية، الدولة مدعوة إلى التفكير في مشكلاتها باعتبارها قطاعا اقتصاديا له أيضا اختلالات ومطالب، وهو في حاجة إلى مخطط إقلاع. وهنا تطرح مثلا قضية الإشهار، كأهم الموارد المالية للصحف، وضرورة تأطير المجال بالقانون وبالوضوح، وأيضا بالرؤية الإستراتيجية اللازمة، علاوة على مراجعة وضعية التنافس الغريب الذي يمثله التلفزيون على هذا الصعيد، وأيضا اللوحات الإشهارية، إلى جانب غموض العلاقة بين وكالات الإشهار والمقاولات الصحفية، وافتقار عمل الوكالات المذكورة لأية معايير موضوعية في توزيع الإشهار على الصحف، إلى حد أن هذا المجال صار في بلادنا منظومة ريعية متكاملة، ومن دون رفع اختلالاتها لا يستقيم أي حديث عن تأهيل المقاولة الصحفية أو النهوض بها. المشكلة الثانية تتعلق بتأطير العلاقة بين المقاولات الصحفية والمؤسسات البنكية والمالية، وجعل الأبناك تنخرط في مسار دعم الصحف وفق منظومة ذات خصوصية. وترتبط المشكلة الثالثة ببلورة نظام ضريبي خاص يهتم بمستقبل القطاع، لكن أيضا بما تراكم على عديد مؤسسات من ديون، وجعل التسهيلات الجبائية مقرونة بالانخراط في مسلسل التنظيم المقاولاتي. حل المشكلات الثلاث سيمكننا من تحديد المؤسسات التي ترغب في التأهيل فعلا، وسيتحول القطاع تدريجيا نحو ممارسة واضحة ومنظمة بالقانون. وطبعا عندما تضاف إلى ما سبق مبادرات أخرى مثل: دعم التوزيع، دعم الطباعة والمطابع، اقتناء المؤسسات العمومية للصحف الوطنية، انخراط المدرسة والجامعة في تشجيع المقروئية والإقبال على الصحف، إعلان الدولة عن برامج موجهة للصحفيين في ميادين السكن والنقل والرعاية الصحية وباقي الأعمال الاجتماعية، فإن المنظومة في كليتها ستجسد انطلاق مرحلة جديدة في هذه المهنة. هي فرصتنا لتفعيل خطوات جدية وحقيقية لإصلاح القطاع، ومن المسؤولية الوطنية عدم تضييع الفرصة، وجعل النهوض بالقطاع ورش المرحلة..