ولأنني هناك أرسم تفاصيل الليل دوني و أبكي، وأخلق القصص لأشياء، أوشك على خوضها معي، أنتظرها ثم أخوضها بالشكل الذي تأتي به.. أرسمني بين السمارة والرعاة الفتية والزرع، السادة والشيوخ، أرسم صوتي على النايات وأجدني في أغانيهم، في ترانيم الشعراء، تراتيل المنشدين، خرير المياه، وأنين السواقي.. لكني لا أجدني فيمن يمر بي. شاردة ولا أطالبني أن آتي كما أشاء، أكتفي بتصوري قرب ذاتي، وأبتسم.. كخصلة ترشح بعطرهم وبعض الخزامى ورسائل تنام على وجنة القمر لا بل خد الذكرى أظنها تكفيني… أراوغ اللحظات سهوا وأنزل للأرض وأصعد للأعلى بنفسي نحو السماء لا أكثر … هناك حيث صنعت لأجلي شيئا آخر !!! شيئًا وقع في قلبي للأبد، كالضياع مثلا… شيئا عاديا جدا لكنه في اللحظة المناسبة… أنت حمقاء يا أنا، بل أنت في الواقع مجنونة يا هند !… كيف استبد بك الخيال إلى هذا الحد؟ لقد وعدتني بأن أكون طيفا، لكن سرعان ما انقلبت إلى خيال، لا عقل له ولا إدراك . أأُسرفك يا أنا؟ أأُغنيك ياأنتِ؟ بسمفونيات الألم المدفون.. أم ماذا يا مجنونة ؟ ! أمممم … أتعلمين ! كنت أُريدك اللانتهاء … كنت أُريدك السماء والضياع والسراب . تبا قلي يا أناي … : أأختصر روحي أم أختصرك حتى أسافر إلى ذاتي؟! فقط أعيدوا إلى وطن الروح السنونوات المهاجرة، وأيقظوا بذاكرتي رائحة القهوة ونادوا على ساعي الأحلام أن يحضر مكاتيبي العتيقة، ولطخوا الطرقات بعطر الإياب كي أستطيع العودة لأحضاني . بسهام حروف الكبرياء، أقول في داخلي شوقٌ يتنفسُ مني.. يقتلني على مهل . بغرور أجبت…. فقلت في داخلي ثورة أنا، وطبعي التمرد أيها العالم… سأضع جسدي في معزل مني وأتمتم يا "هند" أنت سراب، وجزء من الوهم صعب أن يصدقك العقل، وتستوعبك الذات . وانتظرت… أجل هناك انتظرت ……… فاجتاحني الحنين مع بزوغ الفجر، لتزورني الذكريات على هيئة صرخات… توقظ الألم من غفوته ... تارة…. تبدو الأشياء الصغيرة متشابهة عندما أغيب .. فالأيام كلها يوم واحد، وبحة الأسماء متداخلة، حتى حروف الهجاء عليلة .. وحده نبضي من فزع، وأصبح كخيول الأندلس يوم الرحيل حين بلغ منتهاه .. أجل أندلسية أنا متهالكة، تود أن توقظها أجراس اللهفة .. فلا أطيل المكوث هناك، أنا وأوراقي وكل قصائدي، وأصيص الحبق، لم نبرح زقاق اللقاء . يدثرني كف اللقاء بلمسة حنان، كغيمة شاردة تمر بحلمي، تلهج الروح للمعة ومض وانبلاج نور وسط الضياع، وعطر وردة حمراء، تناغش سريرتي، وللروح في لغة التيه آلاف الحكايات، وفي شغف الوجد الخصب الدافئ نور ونار يشق المساء، يؤثث الأحلام… يا ذاتي، يا برعم اللهفة بداخلي، رفقا برعشة رمش، أهاته تريق شهوة السماء لاحتضان الغمام… أنت بل أنا، إدمان .. وجوارحي مني سُكارى نبيذ معتق.. أفسد عقلي وأعصابي وبدائيتي وبت أتوه فيه توقدا، وهذيانا، شرودا وأحزانا.. حتى في صحوتي، أهذي وأزف رسائلي لروحي، لأني أكتب إلي احتضارا… سأخبرني يا أنا، أنني ضالة العمر، وحلم السنين، وكل الفراغ ملأ دنياي وعالمي.. فعكفت عليه الليالي، ثم أفرغت به أحلامي ومُثلي . فأمنت مرتله …. أجل أنا …! ويستحيل أن أخطئ.. أراني في كل شيء ولست أنطوي عن مُثلي، أحملني معي حيثما توجهت . عرفت منذ الأبد أنني غريبة … ولم أخطئ قط في توقعاتي… ولا أخطأت أبدا فيها . بنشوة عامرة، وذهول هنيء، أغمضت عيني، ورحت أحلم بأنني وجدتك يا أناي … رأيت الدنيا كلها نشيداً جديداً… فريدا… غريبا…. سماوي النغم، يهتف به كياني بملء إيماني. أنني أنا.. ولم أكن مخدوعة، ولست بالواهمة… ألهث وراء يومي تحت وطأة الماضي، ووحدتي باتت تبهرني، تفقدني أحيانا توازني، تصلب مشاعري مرات، ومرات، على مرآة الحياة، تائهة عن الآتي، فأظل قابعة، خارج الفصول… دعيني يا عزلتي، أنتشي بلحظاتي، أتسلى بمجريات أحلامي، لأبلغ مداها اللانهائي.. أسبر أغوار صمتي، وأفقه معالم ذاتي، بعيدا عن ظلال الأوهام، وحطام التفاصيل لتنجلي، بلاهة الانزواء وتنطفئ، حرقةُ السُّؤال… أنا بعيني .. كما عرفتني، وكما تمثلتني الطبيعة… وكما اقترحت علي السماء أن أكون . وحتى إِن حن فيا ذلك البريق المنكسر… ربما أضطجع قرب الفجر بحلمي على عكازه التعب… وأشكي لرب الكون إن عزّت علي معانقة روحي وعز مني الوصال لذاتي وحرم الطلب سأخلد في ذاتي للأبد…… بقلم: هند بومديان