اختيار المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس يعكس جودة التعاون الثنائي (وزيرة الفلاحة الفرنسية)    بدء أشغال المؤتمر السابع للبرلمان العربي ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية بالقاهرة بمشاركة المغرب    صدمة كبرى.. زيدان يعود إلى التدريب ولكن بعيدًا عن ريال مدريد … !    بنسليمان.. شرطي يطلق النار لإيقاف رجل حاول تهريب ابنه    حديقة المغرب الملكية في اليابان: رمز للثقافة والروابط العميقة بين البلدين    البطولة: "ريمونتادا" اتحاد تواركة أمام حسنية أكادير تقوده لتحقيق انتصاره السادس هذا الموسم    ألمانيا.. فوز المحافظين بالانتخابات التشريعية واليمين المتطرف يحقق اختراقا "تاريخيا"    تجار سوق بني مكادة يحتجون بعد حصر خسائرهم إثر الحريق الذي أتى على عشرات المحلات    الملك محمد السادس يهنئ سلطان بروناي دار السلام بمناسبة العيد الوطني لبلاده    نجوم الفن والإعلام يحتفون بالفيلم المغربي 'البطل' في دبي    المغربي أحمد زينون.. "صانع الأمل العربي" في نسختها الخامسة بفضل رسالته الإنسانية المُلهمة    الإمارات تكرم العمل الجمعوي بالمغرب .. وحاكم دبي يشجع "صناعة الأمل"    مصرع فتاتين وإصابة آخرين أحدهما من الحسيمة في حادثة سير بطنجة    الكاتب بوعلام صنصال يبدأ إضرابًا مفتوحا عن الطعام احتجاجًا على سجنه في الجزائر.. ودعوات للإفراج الفوري عنه    إسرائيل تنشر فيديو اغتيال نصر الله    انتخاب خالد الأجباري ضمن المكتب الوطني لنقابة الاتحاد المغربي للشغل    لقاء تواصلي بمدينة تاونات يناقش إكراهات قانون المالية 2025    مودريتش وفينيسيوس يقودان ريال مدريد لإسقاط جيرونا    هذه هي تشكيلة الجيش الملكي لمواجهة الرجاء في "الكلاسيكو"    عامل إقليم الدريوش ينزل للعالم القروي ويعطي انطلاقة مشاريع تنموية ورياضية ببودينار وأولاد امغار وبني مرغنين    أمن تمارة يوقف 3 أشخاص متورطين في نشر محتويات عنيفة على الإنترنت    تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس : الجمعية المغربية للصحافة الرياضية تنظم المؤتمر 87 للإتحاد الدولي للصحافة الرياضية    المغرب ضمن الدول الأكثر تصديرا إلى أوكرانيا عبر "جمارك أوديسا"    نقابة تدعو للتحقيق في اختلالات معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة    رسالة مفتوحة إلى عبد السلام أحيزون    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية المسلجة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الإثنين    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي يُهدد القدرات المعرفية للمستخدمين    بوتين يستخدم الدين لتبرير الحرب في أوكرانيا: مهمتنا الدفاع عن روسيا بأمر من الله    المغرب في الصدارة مغاربيا و ضمن 50 دولة الأكثر تأثيرا في العالم    تقرير.. أزيد من ثلث المغاربة لايستطيعون تناول السمك بشكل يومي    جمال بنصديق يحرز لقب "غلوري 98"    عودة السمك المغربي تُنهي أزمة سبتة وتُنعش الأسواق    حماس تتهم إسرائيل بالتذرع بمراسم تسليم الأسرى "المهينة" لتعطيل الاتفاق    هل الحداثة ملك لأحد؟    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومتميزة في مكافحة الإرهاب    "غضب" نقابي بسبب "انفراد" رئيس جماعة الفقيه بن صالح بإجراء تنقيلات واسعة في صفوف الموظفين    لقاء تواصلي بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية ووفد صحفي مصري    نجاح كبير لمهرجان ألوان الشرق في نسخته الاولى بتاوريرت    سامية ورضان: حيث يلتقي الجمال بالفكر في عالم الألوان    نزار يعود بأغنية حب جديدة: «نتيا»    متهم بالتهريب وغسيل الأموال.. توقيف فرنسي من أصول جزائرية بالدار البيضاء    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    الصين تطلق قمرا صناعيا جديدا    رضا بلحيان يظهر لأول مرة مع لاتسيو في الدوري الإيطالي    القوات المسلحة الملكية تساهم في تقييم قدرات الدفاع والأمن بجمهورية إفريقيا الوسطى    القصة الكاملة لخيانة كيليان مبابي لإبراهيم دياز … !    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى امحمد الخليفة: متى ستدرك بأنّ المغرب قد تغيّر؟
نشر في بيان اليوم يوم 17 - 06 - 2011

يدهشني السيد امحمد الخليفة ويثير استغرابي، ليس بقدرته على الحديث في كلّ القضايا بما فيها التي لا يفهم فيها أكثر مما يفهم الفخّار في صناعة الحرير، بل أيضا عندما يتحدّث بدون أن يخجل من نفسه باسم المغاربة في غيابهم، وهي عادة سيئة اكتسبها من ثقافة حزبه الذي عاش عقودا على هذا الوهم الكبير.
فلنضع في غربال النقد بعض ما قاله السيد الخليفة في برنامج حوار يوم الثلاثاء الماضي، قال إن ترسيم الأمازيغة سيؤدي إلى حرب بين المغاربة، وأن الأمازيغية لهجات متفرقة وينبغي أن تبقى كذلك، وأن حرف تيفيناغ حرف فينيقي لا شرعية وطنية له، وأنه لا يجوز الاستفادة من معجم اللغة الأمازيغية المتواجد في بلدان أخرى في شمال إفريقيا، وأن الخليفة وحزبه لا يجهلون تاريخ المغرب، وأن حزب الاستقلال هو «الحزب المظلوم» بعد أن «حرّر البلاد»، وأنه حزب «مع الملكية بدون حدود»، وأن الدعوة إلى تصحيح التحريف في أسماء الأماكن أمر غير مقبول، وأن حزب الاستقلال سيحصل على الأغلبية في الانتخابات القادمة لأن هذا أمر بديهي !!؟
فلنفحص هذه المعميات الواحدة تلو الأخرى، والتي تفسر بوضوح كيف أصبحت السياسة في وجدان المغاربة ووعيهم مرادفة للكذب واستغفال الجمهور.
ترسيم اللغة الأمازيغية:
قام السيد الخليفة بتمييع مقصود لموضوع توحيد اللغة الأمازيغية، وهي نفس الطريقة التي يعتمدها عمدة فاس في التضليل واللعب بالكلمات، عندما قال مرة في حوار تلفزي متحدثا عن القوى الديمقراطية (إنهم يريدون «العقلانية» وهي نفي الغيب وإرادة الله ونحن قوم مؤمنون بالله)، وهي نفس الطريقة التي انتهجها زعيمهم علال الفاسي عندما قال مخاطبا جمهورا من العمال الأميين، حزب الشورى يعني أنهم «باقين كايتشاورو على الاستقلال واش بغاوه أو لا»، فعادة التدليس والمغالطة والتعتيم وخلط الأوراق هي إذن عادة متداولة في هذا الحزب منذ بدايته، وكذلك فعل الخليفة سيرا على نهج سلفه، فترسيم الأمازيغية هو أن تأتيك أنت الناطق بالعربية مراسلة إدارية بالعربية وتأتي لزوجتك الأمازيغية مراسلة أخرى بالأمازيغية، وهذا غير معقول طيعا، هذا التنكيت الذي لا يدلّ على الجهل ولكن على دهاء سياسي غير نزيه وأقرب ما يكون إلى الشعوذة، المقصود منه تنفير الجمهور وتخويفه، بينما يعلم الجميع أن ترسيم لغتين يعني أن تكون بهما معا المراسلات والنصوص الإدارية في المؤسسات، وهذا لا يضرّ أحدا بل لن يؤدّي إلا إلى نتائج إيجابية، فالذي لا يعرف الأمازيغية سيقرأ النص العربي، والعكس، وهو أمر متداول في العالم الديمقراطي ولا لبس فيه. وفي الوقت ذاته فاختزال ترسيم الأمازيغية في المراسلات الإدراية هو في حدّ ذاته نوع من التضليل المكشوف الذي لا طائل من ورائه، فالمطالبون بترسيم الأمازيغية لا يعتبرون المراسلات الإدارية أولوية مستعجلة، بل الهدف من الترسيم هو ضمان الحماية القانونية لمشروع النهوض بالأمازيغية في كل القطاعات من تعليم وإعلام وقضاء وكذا قطاع الصحة، والكتابة بها في الفضاء العمومي وعلى واجهات المؤسسات العمومية والشركات والمحلات والجمعيات، هذه هي أهداف الترسيم الأولية، أما المراسلات الإدارية فستأتي بالتدريج مع تكوين الأطر الكفأة كما تمّ في العربية والفرنسية. ففي بداية الاستقلال لم يكن لدى الدولة في المصالح الإدراية العدد الكافي من الموظفين الذين يتقنون صياغة مراسلات بالعربية، وتمّ ذلك بالتدريج بفضل تعميم تعليم العربية.
فمهاترات السيد الخليفة باطلة من أساسها في هذه النقطة، وكان يجدر به دراسة الموضوع من مختلف أوجهه والاطلاع على مذكرات الأحزاب المغربية الديمقراطية.
توحيد اللغة الأمازبيغية:
في هذا الموضوع بدا السيد الخليفة كالناقة العشواء التي تخبط على غير هدى، وارتكب أخطاء بالجملة لأن حزبه لا يتوفر على أي ملف يتضمن المعطيات العلمية الصحيحة المطلوبة، حيث ظلّ الإستقلاليون يركنون إلى التخمين والإشاعة عوض استقاء المعلومات من خبراء اللسانيات الأمازيغية ومختصّي هذه اللغة والعاملين في تهيئتها يوميا.
فالتوحيد لا يعني قتل اللهجات التي هي حية في المجتمع يتخاطب بها الناس يوميا بل هو إغناء لها، والحل الوحيد للإبقاء على اللهجات والحفاظ عليها هو تدريس اللغة الموحدة، والذي يريد للأمازيغية أن تبقى لهجات متفرقة هو من يسعى إلى إبادتها التدريجية.
والسؤال المطروح على الخليفة ومن معه هو التالي: هل تمّ الاطلاع على منهجية توحيد اللغة الأمازيغية التي اتبعت منذ سنوات، وهل تمت قراءة دروس الكتاب المدرسي ونصوصه، وهل تمّ الاطلاع على تجارب شعوب أخرى في توحيد لغاتها التي كانت عبارة عن لهجات متفرقة وأصبحت اليوم لغات موحدة ورسمية؟ كيف تمت عملية التوحيد في هذه الدول، هل يمكن توحيد لغة ما بدون جمع معجمها من مختلف المناطق، كيف تمّ جمع اللغة العربية خلال القرن الثاني الهجري من طرف اللغويين؟ أليست المترادفات في العربية عبارة عن مفردات تحيل على التنوع اللهجي للقبائل العربية، والتي تمّ جمعها في معجم واحد بعد ذلك بمجهود اللغويين؟ هل يعرف الخليفة شيئا عن هذا الموضوع، بالطبع لا يعرف لأنه تحدث في موضوع لا يفقه فيه شيئا. فالقول إن جمع كلمة من تاريفيت بجانب كلمة من تامازيغت وأخرى من تاسوسيت أمر غير مقبول يطرح السؤال عن مبرر الرفض ومعياره، لماذا نرفض أن نجمع لغة يعتبرها الخليفة نفسه وطنية؟ ولماذا نرفض أن يعرف المغربي اللغة الأمازيغية ككل، ولماذا نريد له أن يبقى متقوقعا في اللهجات المحلية؟ بالطبع لكي نقول له فيما بعد إن اللغة العربية هي وحدها اللغة الحقيقية ولغة الجميع، والأمازيغية لهجة السوسي أوالريفي أوالأطلسي، أي لهجات «الشلوح»، وهذه أطروحة سقطت وانتهت بالتقادم بعد خطاب أجدير 2001، والذي نتج عنه عمل جبار أنجز على مدى العقد الأخير.
يستشنع الخليفة أن يقوم الباحثون اللسانيون بجمع المفردات من دول أخرى كالجزائر ومالي والنيجر، وقد نسي بأن العربية تم جمعها بنفس الشكل، فكلمة الطائرة والحاسوب وغيرها من الكلمات في العربية الحديثة أبدعتها مجامع اللغة العربية في الشرق (سوريا مصر لبنان) وتبناها المغاربة، لأن للعربية «وطن» هو كل هذه البلدان، وكذلك الأمازيغية فهي موجودة في «وطنها» الممتد من جزر كاناريا إلى واحة سيوا بمصر، فلماذا نحرم على الأمازيغية ما نحلله للعربية. إنّ من حق الأمازيغ أن يتبادلوا المفردات والمعطيات الثقافية، وأن يطلعوا على لغتهم وتراثهم في كل البلدان التي يتواجدان بها، لأن في ذلك اكتشافا لحقائق قد لا يتعرف عليها المرء بالبقاء محصورا في رقعة ضيقة. وتلك طبيعة الثقافات والحضارات عبر التاريخ، وهي التبادل والاغتناء. بينما العزلة عامل قاتل للثقافات واللغات وهذا ما يريده الخليفة للهجات سيئة الحظ.
وحتى يكون الرجل على بينة من هذا الأمر أزفّ إليه البشرى التالية:
اتصل الثوار الليبيون بنا في المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات قبل ثلاثة أيام مطالبين بالترجمة الأمازيغية لمجموعة من الكلمات الرسمية ومنها «الأمن الوطني» ليكتبوها على واجهات المؤسسات وعلى بذلة الشرطة بالأمازيغية بجانب العربية، وقد فعلوا ذلك لأنهم يعتبرون أن المغرب هو عاصمة الأمازيغية في العالم، والمرجع في كل شمال إفريقيا في هذه اللغة، وإذا سأل الخليفة الثوار الليبيين لماذا لجأوا إلى بلد أجنبي هو المغرب لكتابة الأمازيغية، فسيجيبونه بأن الأمر يتعلق بلغة واحدة ممتدة بلهجاتها على كل الشمال الإفريقي، من جهة، ومن جهة ثانية لأن السياسة العنصرية لسيء الذكر القذافي قد أدّت إلى محو الكثير من ملامح هذه اللغة في ليبيا، وقد آن الأوان لإعادة البناء في زمن الكرامة.
المعرفة بتاريخ المغرب:
لم يقبل الخليفة أن ينعت هو ومن معه بالجهل بتاريخ المغرب، وهذا أمر إيجابي لكنه خلال حديثه صرح بأمور لا تنبئ عن أية معرفة حقيقية، فالقول إن الأمازيغ قد حاربوا الرومان والوندال والبيزنطيين والقفز على قرنين من الزمان ليسرد حكاية تبعث على النوم وقوفا وهي حكاية استقبال ادريس بالأحضان وانتظار ولادة ادريس الثاني لمبايعته هي الرواية الرسمية المفبركة المأخوذة عن مؤرخي السلاطين كالناصري وغيره، غير أن التاريخ يقول أيضا إن الأمازيغ قد حاربوا الرومان والوندال والبيزنطيين كما حاربوا العرب الأمويين 75 سنة في معارك مهولة يقول المؤرخون إنه قتل فيها «أشراف العرب وسادتهم»، ولم تضع الحروب أوزارها إلا بعد أن سقطت دولة الأمويين بسبب ما وقع لها من إنهاك واستنزاف في حروب شمال إفريقيا، لينصرف الأمازيغ المغاربة إلى بناء دولتهم المستقلة عن الشرق، في الإطار الإسلامي لأنهم إن كانوا يرفضون الغزو والنهب وسبي النساء فإنهم لم يكونوا أبدا ضد الديانات واللغات الأخرى، فكتبوا باللاتينية والبونيقية واليونانية كما كتبوا بالعربية دون أن يتخلوا عن لغتهم الأصلية التي ظلت حية إلى اليوم، لتستحق الترسيم في دستور وطنها.
من كان يعرف تاريخ بلده لا يبدأ التاريخ من مجيء إدريس بن عبد الله هاربا من الشرق، فالأدارسة الذين هم أمازيغ أبناء كنزة الأوربية لم يؤسسوا أكثر من إمارة محاصرة من الشرق بإمارة سجلماسة ومن الشمال بإمارة بني مدرار الصالحيين، ومن الغرب بإمارة برغواطة التي وجدت قبل الأدارسة واستمرت بعدهم أربعمائة سنة، وقد حاولوا عبر حروب كثيرة توسيع إمارتهم خلال فترة ادريس الأول (5 سنوات) وادريس الثاني (23 سنة)، لكنهم لم يفلحوا ليتقوقعوا بعد ذلك داخل مدينة فاس إلى نهايتهم، فاعتبار بداية الدولة المغربية مع الأدارسة هو قراءة إيديولوجية لتاريخ المغرب تكذبه مصادر التاريخ الكبرى.
والقول إن المغاربة قد انتظروا كنزة الأوربية حتى تلد ادريس الثاني ليبايعوه فيه تعميم غير مقبول، فالذين انتظروا كنزة أن تلد هم قبيلة أوربة وليس المغاربة قاطبة، لأن باقي التراب المغربي كان إمارات أخرى وقبائل أخرى لا شأن لها بمشاكل أوربة وما جاورها.
ورغم ذلك لن نقول إن السيد الخليفة لا يعرف تاريخ بلده، ولكنه فقط يقوم بتزويره لأغراض سياسية ضيقة، آن الأوان لتجاوزها.
الحزب «المظلوم» الذي «حرر البلاد»:
ظلّ زعماء هذا الحزب يكرسون عن عمد مجموعة من الأساطير التي لا يتقاسمها معهم المغاربة، ومنها أن حزبهم هو «محرر البلاد»، بينما يقول التاريخ ويعرف المغاربة أن الذي حرّر البلاد هو جيش التحرير المغربي الذي انقطع في الجبال والصحاري متحملا الجوع والعطش والحرمان من الملذات، تاركا الأهل والأولاد من أجل عزة الوطن وكرامته، ولكي ينعم امحمد الخليفة بربطة العنق وبالخطابة في منابر الزيف والمسخرة.
الذي حرر البلاد هم الفدائيون الذين وهبوا أرواحهم على مذبح الحرية، ومنهم الزرقطوني والحنصالي وعلال بنعبد الله وغيرهم كثير الذين ساروا على درب الزياني والخطابي وعسو أوباسلام بتواضع جمّ، ونكران للذات. والذين لا نجد اليوم أسماءهم على واجهات المؤسسات والساحات والشوارع التي استأثر بها كتاب المقالات في الجرائد والخطباء المفوهون داخل المقرات الحزبية. حدث هذا عندما أصدر حزب السيد الخليفة بياناته ضد «الإرهاب» بالدار البيضاء ومراكش، الإرهاب الذي لم يكن إلا العمل الفدائي الوطني، وعندما شرع في اختطاف المقاومين واغتيالهم وتعذيب مناضلي حزب الشورى أيام كان حزب الخليفة يهدف إلى تمرير مؤامرة «الحزب الوحيد» التي كانت ستؤخر المغرب (الذي هو بلد التعددية بامتياز) سنوات ضوئية، من أجل رفاهية برجوازية مدينية أنانية وطفيلية.
نعم كان حزب الاستقلال سيكون هو محرر البلاد لو كانت الأوطان تتحرر بعقد بعض الاجتماعات، وبإصدار بعض الصحف وإلقاء بعض الخطب الرنانة.
مع الملكية «بلا حدود»:
قال الخليفة إن حزبه مع الملكية «بلا حدود»، وهذا أمر لا غبار عليه، فالحزب مع الملكية المطلقة ومع الحكم الفردي منذ البداية وإلى الأبد، و لهذا صوّت بنعم للدستور الممنوح عام 1962 ضدا على مطلب الجماهير الشعبية التي قاطعت الاستفتاء، وتولى الحكومة بعد ذلك ليعمل على تنصيب شبيبته في مراكز النفوذ بالدولة الناشئة، وكان ذلك جزاء تواطئه مع سلطات الاستبداد، ولهذا لم يقترح في مذكرته ما يفيد أي تغيير بهذا الخصوص حرصا على نصيبه من الكعكة القادمة، لكن السيد الخليفة وقع في تناقض صارخ، فحزبه مع الملكية في كل شيء إلا في الأمازيغية، فقد رفض حرف تيفيناغ الأمازيغي وهو يعلم أنه قرار ملكي بل إن الملك محمد السادس بعث برسالة تهنئة إلى المجلس الإدراي للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي اقترح في إطار إبداء الرأي كتابة الأمازيغية بحرفها الأصلي العريق في شمال إفريقيا، ولم يقم الملك بذلك إلا بعد أن استدعى القيادات الحزبية إلى الديوان الملكي لإخبارهم بهذا القرار قبل إعلانه ولم يتحفظ عليه إلا حزبان هما حزب السيد الخليفة وحزب العدالة والتنمية، وهما أقلية صغيرة أمام 31 حزبا لم يروا مشكلا في الحرف الأمازيغي، فشرعية تيفيناغ ثابتة باعتباره توافقا وطنيا. إذا كان الخليفة يريد مراجعة ذلك فسيكون الأمازيغ سعداء بكتابة لغتهم بالحرف اللاتيني الكوني الذي سيفتح آفاق تطور أرحب للغتهم.
فأن تكون مع الملكية «بلا حدود» هو توقيع مطلق على بياض، وهو يعني أن تكون معها في كل خطواتها وقراراتها بدون تمييز.
التوبونيميا وأسماء الأماكن:
استنكر الخليفة أن نطالب بتصحيح الأسماء الأمازيغية للأماكن التي تم تحريفها في إطار تعريب مقصود لجغرافية المغرب، وقد نسي بأن هذا ما تدعو إليه اتفاقيات دولية وقع عليها المغرب، حيث لا يجوز حسب هذه المرجعية الدولية تغيير أسماء أماكن بأخرى من لغة أخرى حفاظا على تاريخ الشعوب وحضاراتها. وعلى الخليفة ليتأكد بنفسه أن يسأل أهل أزيلا التي تسمى «أصيلة» أو أهل تطاون أو أهل الشاون إن كانوا ينطقون أسماء مدنهم من قبل بغير نطقها الحقيقي قبل أن تأتي طاحونة التعريب الإيديولوجي الهوجاء.
«لن نقبل»:
ظل السيد الخليفة يكرر عبارة «لن نقبل» وكأنه الحاكم الفعلي للبلاد، وكأن رأيه يوافق اتجاه التاريخ، وفي هذا الباب نقول له: «إذا تحليت بقدر من نسبية الفكر العلمي عليك أن تكون مستعدا لأن تتعايش في وطنك فيما تبقى لك من أيام العمر مع ما لا تقبل، فالمغرب يتغير في غفلة منك ومن الذين معك، خاصة إذا كانوا شيوخا ومحافظين».
تكمن مشكلة حزب الاستقلال في أمرين اثنين: شيخوخة القيادة التي لم يبق إلا أن يقال لها Dégage، والجمود الإيديولوجي الذي جعل الحزب عاجزا عن مواكبة التحولات المتسارعة.
هل كان صدفة أن يؤتى بهذا الرجل الذي يرمز إلى الرجعية والمحافظة، في هذا الظرف بالذات ليتحدّث في الإسلام والأمازيغية والملكية البرلمانية، الطابوهات الكبرى للحياة السياسية المغربية، بشكل يعاكس نبض الشارع وطموح القوى الديمقراطية؟
لا أعتقد، ولكن ما ينبغي أن يعلمه الخليفة وغيره من دهاقنة سياسة الاستعباد هو أن ساعة التغيير قد دقّت، وأن العودة إلى الوراء هي من ضروب المستحيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.