قال سعيد السعدي، إن السياسة هي مجموعة من القيم والمبادئ، الهادفة إلى العمل من أجل المصلحة العامة، وتغليبها على المصالح الشخصية، والاصطفاف إلى جانب الفئات الاجتماعية. وأضاف عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، في محاضرة له حول "الوضع السياسي الحالي وآفاق التنمية" ألقاها يوم الخميس الماضي بالخزانة البلدية بمقاطعة سيدي البرنوصي بالدارالبيضاء، أن الوضعية الشاذة التي يعيشها المشهد السياسي اليوم، تسائل الجميع. وقدم مثالا على ذلك، بما عرفته انتخابات رئيس مجلس النواب مؤخرا، التي بينت هشاشة أحزاب الأغلبية، بعد أن صوتت أطراف من المعارضة لصالح مرشح الأغلبية. ------------------------------------------------------------------------ ولم تفته الإشارة في الوقت نفسه لانتخابات 2007، التي اعتبرها انتخابات غير شفافة، بسبب أنه مازال هناك هامش تتحرك فيه الإدارة للتحكم في الخريطة السياسية، مما أدى إلى نوع من النفور، والعزوف عن المشاركة في العملية الانتخابية، وسهل بالتالي، العمل على من وصفهم ب"المتربصين والانتهازيين الذين يريدون السيطرة على المؤسسات"، وهي المؤشرات التي وصفها المحاضر بالخطيرة. وعن من يتحمل المسؤولية في هذا الوضع؟، أكد سعيد السعدي، الذي استضافه حزب التقدم والاشتراكية بسيدي البرنوصي، في إطار الاستعداد للمؤتمر الوطني الثامن، بحضور مناضلي ومناضلات الفروع الحزبية بجهة الدارالبيضاء الكبرى، وممثلي بعض أحزاب اليسار، أن المسؤوليات متفاوتة، وأن الأحزاب تتحمل بدورها جزء في ذلك، من خلال تراجعها النسبي على التأطير والإنصات والانخراط إلى جانب المواطنين في الدفاع عن قضاياهم اليومية، مما نتج عنه التشكيك وفقدان الثقة في العمل السياسي، مؤكدا على ضرورة ممارسة النقد الذاتي من أجل أن نسترجع هذه الثقة ومصالحة المواطن مع العمل السياسي. بعد ذلك، تساءل المحاضر: كيف يتعامل الفاعلون السياسيون مع هذا الوضع.؟ وفي هذا الصدد، قال سعيد السعدي، انطلاقا من تجربته في قيادة حزب التقدم والاشتراكية، أن الصف الديمقراطي - يقصد الكتلة- قد عمل على تحقيق العديد من المنجزات على الصعيد الاجتماعي والسياسي وإلى حد ما على الصعيد الاقتصادي، موضحا، أن الكتلة قدمت خدمات جليلة لبلدنا، وأنها الآن في حالة عطب ناجمة عن مفارقة داخل الكتلة، داعيا الأحزاب المكونة لها، إلى وضع اليد في اليد، لأن ميثاق الكتلة لا زال لم صالحا، وأن هناك جزء مهما من هذا الميثاق لم يطبق بعد، مما "يدفعنا إلى أن نبقى متحدين كي نخلق ميزان قوى لصالح الديمقراطية، وتكريس ثقافة حقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين ووضع مبدإ العدالة الاجتماعية في صلب اهتمامات الدولة". كما دعا إلى عقلنة المشهد السياسي، لأنه لايعقل في نظره، أن يكون في المغرب 34 حزبا سياسيا وبالتالي 34 مشروعا سياسيا، مبرزا، أن المغرب في حاجة إلى تكوين أقطاب سياسية، تتمثل في أقطاب اليسار واليمين والوسط، قبل أن يستدرك، أن المشكل المطروح يتمثل في المقاربة المتبعة لتشكيل هذه الأقطاب، خصوصا بعد ظهور الفاعل الجديد في إشارة إلى "البام"، حيث اعتبر المحاضر، أنه يراد أن تكون هذه القطبية من فوق، في حين أن القطبية بالنسبة له، عملية طبيعية ينبغي أن تكون نابعة من المجتمع، حيث تقرر الأحزاب بعد عمل مضني وشاق، توحيد صفوفها وتنسيق مواقفها، لكن للأسف، هذه المقاربة غائبة في الوقت الراهن بالنسبة له، مما يفرض في نظره، أن تتوحد الكتلة أكثر وتتوسع، من أجل أن تكون في مستوى التحديات المطروحة اليوم ومن أجل أن تعيد الثقة إلى المواطن. وعن الوضعية الاجتماعية والاقتصادية لبلادنا، قال سعيد السعدي، إنها صعبة، لأن الأزمة العالمية أرخت بظلالها على المغرب، وقد تستمر الأزمة، وإن ليس بنفس الحدة التي عرفتها سنة 2009، وأن نسبة النمو ستبقى ضئيلة في البلدان الرأسمالية، ولأن اقتصاد المغرب مرتبط بالاقتصاد الأوروبي، فكلما تراجع النمو الاقتصادي الأوروبي، كلما انعكس ذلك على القطاعات الاقتصادية بالمغرب، خصوصا القطاعات المصدرة والصناعية والسياحية وتحويلات العمال والاستثمارات، التي ستتضرر وبالتالي سيتضرر معها الاقتصاد الوطني. وعلى مستوى آخر، قال سعيد السعدي، إن البلاد حققت الكثير من الأشياء خاصة منذ التسعينات، وبالضبط مع تجربة التناوب التوافقي، وأن هناك نوعا من العطب أصاب الانتقال الديمقراطي، مما يتطلب إعطاء نفس جديد لهذا الانتقال الديمقراطي. واقترح في هذا الصدد، تعاقدا سياسيا جديدا، وأن يكون هناك توافق قوي بين المؤسسة الملكية والحركة الوطنية الديمقراطية، من أجل مصالحة المواطن مع العمل السياسي من خلال دستور جديد يمنح مساحة أكبر لممثلي الشعب من اتخاذ قرارات تهم مصالح الشعب، مع إعادة توزيع السلط وبصيغة فعالة أكثر وبمشاركة أكبر للحكومة والبرلمان في صنع القرار السياسي، وكل ذلك بتشاور مع جلالة الملك، إضافة إلى القيام بإصلاح سياسي، يتضمن مراجعة قانون الأحزاب للحد من الترحال السياسي ومراجعة قانون الانتخابات ونمط الاقتراع وتطبيق الجهوية الموسعة، أي تحقيق اللامركزية مما سيمكن من اتخاذ القرارات التي تهم المواطن على الصعيد المحلي والجهوي.