تعرف النيازك بكونها أجزاء من الصخور و/ أو المعادن، التي أتت إلى الأرض من الفضاء. وتعتبر النيازك حاليا العناصر الفضائية الوحيدة التي بإمكانها إمدادنا بمعلومات عن نظامنا الشمسي. في الواقع، يمكن اعتبار هذه الأجسام السمائية أقدم الرواسب الكونية. فالبعض منها يحتوي على عناصر متضمنة دقيقة أقدم عمرا من الشمس، وبذلك فهي تشهد على تشكل ما يسمى "السديم الشمسي" أو "بروتو نيبيلوز" (Proto-nébuleuse)، الذي أدى تقلصه قبل 4.5 مليار سنة، إلى إنجاب الشمس والكواكب وأقمارها. لهذا، فالنيازك تؤدي دورا أساسا في إثراء المعرفة الحالية بخصوص: أصل النظام الشمسي عموما والأرض على وجه الخصوص؛ أصل الحياة على سطح الأرض؛ توالي انقراض أعداد كبيرة من أنواع الكائنات الحية؛ التركيب الكيميائي للكواكب؛ الحالات المعدنية غير المعروفة على الأرض؛ الكويكبات صخريا ومعدنيا وكيميائيا. ويؤكد البروفسور عبد الرحمان إبهي، أستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر، خبير النيازك، مؤسس ومسؤول عن المتحف الجامعي للنيازك، أن المغرب يعد مكانا مناسبا للتنقيب على النيازك، حيث تم جرد أكثر من ألف وسبعمائة نيزك مغربي إلى غاية أواخر سنة 2020 في قاعدة بيانات (Meteoritical Society)، بفضل صحرائه الشاسعة التي تتميز بمناخ شبه قاحل ودرجة حت ضعيفة مما يسمح بحماية النيازك من التآكل مدة طويلة. ومنذ سنة 2000، عرفت اكتشافات النيازك في صحراء جنوب المغرب تطورا ملحوظا. ومن بين النيازك المغربية مجموعة ذات قيمة علمية كبيرة تشمل أكثر من 83 نيزكا مريخيا (ضمن 144 نيزك مريخي عبر العالم) ضمنها عينة نادرة (تسينت) لكونها خامس مريخية تشاهد خلال سقوطها على الأرض. وعلى الرغم من أهمية المغرب في هذا المجال وكذا قيمة نيازكه، فليس هناك بنية أو متحف وطني أو إقليمي متخصص لتحصيل هذه المجموعة القيّمة من الصخور الفضائية والحفاظ عليها، ومن ثم خلق فضاء تربوي للطلبة والباحثين وكذا عموم المهتمين. ويزيد تخوفنا في حالة عدم حماية العينات النيزكية المغربية، التي قد تضيع داخل مجموعات خاصة، أو يتم بيعها للأجانب لينتهي مآلها في متاحف عالمية. لهذا، وجب التشجيع على استكشاف هذا التراث الفضائي والتحسيس بمكانة المغرب المتقدمة في مجال اكتشاف النيازك. التراث النيزكي والبحث عنه في الصحاري المغربية وكانت الأهمية العلمية والتراثية للنيازك موضوع المحاضرة التي ألقاها البروفيسور ابهي ضمن فعاليات الملتقى الخامس للفكر الحساني بالصحراء المغربية الذي نظمه مركز المستقبل للثقافة والتنمية وجمعية الشعلة للتربية والثقافة فرع بوجدور، في شهر نونبر الماضي، تحت شعار "التراث الحساني.. الأبعاد والتجليات". وأكد البروفسور إبهي أن أفضل مواقع جمع هذه الصخور السمائية هي الصحاري الساخنة والباردة (القارة القطبية الجنوبية)، وذلك بالنظر إلى تباين الألوان. ويظل المغرب موقعا مثاليا للنيازك المكتشفة بفضل: (أ) شساعة الأراضي القابلة للتنقيب في الصحراء التي تمتد آلاف الكيلومترات، (ب) الاستقرار السياسي الذي يسمح بالتجول بأمان في المناطق الصحراوية، (ج) البدو الرحل الذين طوروا معارفهم حول النيازك مع مرور الزمن. فقد أصبح العديد منهم خبراء في ميدان النيازك حيث بإمكانهم تعرف النيزك وأيضا تقدير قيمته النقدية. وخلال رحلاتنا الميدانية، التقينا مئات من صيادي النيازك الرحل بأغلبية أصبحت متخصصة في جمع النيازك ومهارات يُقِرُّ بها الباحثون على الصعيد الدولي. وقد تطورت تجارة حقيقية حول هذه الشظايا السمائية، جعلت المغرب أحد أكبر المصدرين للنيازك في العالم، لزبائن من فئة الأساتذة الباحثين التابعين لمختبرات عالمية كبرى مثل لانسا الامريكية وإيزا الاوربية والمتاحف العالمية الكبرى المتخصصة مثل المتحف البريطاني في وزارة المعادن ومتحف التاريخ الطبيعي بجامعة يال الأمريكية ومتحف التاريخ الطبيعي بباريس وأيضا هواة جمع التحف. وإذا كنت ترغب في تنظيم حملة تنقيب على النيازك في المغرب، يضيف البروفسور إبهي، فستجد ضالتك في الصحراء حيث الأراضي مسطحة ومتجانسة والرؤية واضحة، مما يسهل عليك إيجاد هذه الأحجار السماوية. ولكن ذلك يتطلب أولا تحديد منطقة البحث اعتمادا على شهادات السكان المحليين. فهي خطوة ضرورية لأية حملة تنقيب على النيازك المكتشفة. كما تمكن هذه الشهادات من تحديد دقيق لاتجاه سقوط النيزك ومنحاه. ويمكن التأليف بين مختلف الاتجاهات والأمكنة المحتملة لسقوط النيزك التي وصفها الشهود العيان، من تحديد موقع السقوط. علاوة على ذلك، يجب أخذ الإحداثيات الدقيقة لموقع كل نيزك مكتشف بعين الاعتبار، والتي تسجل بوساطة (GPS) لكون هذه المعلومات تحدد مسار نيزك ساقط، وترسم حقل تناثره. ومع ذلك، وجب التحلي بالصبر والمثابرة، حيث إن الكثير من حملات التنقيب التي نظمناها لم نظفر منها بطائل. أهم النيازك المكتشفة في الصحاري المغربية وأوضح البروفسور إبهي أن النيزك المسمى (NWA 7533) أو (Black Beauty) يعد أول نيزك متوفر آت من الأراضي القديمة لكوكب المريخ. يعود تاريخها إلى أكثر من 2 مليار سنة، مما يجعلها من أقدم أجزاء المريخ التي التقطت إلى اليوم. تم التقاطها في يونيو 2011 من قبل أحد الرحل المغاربة بالقرب من بئر أنزران بجهة العيون بوجدور الساقية الحمراء نتيجة لونها الأسود. هذه الصخرة بحجم مِعْصَم سُميت بالجمال الأسود. وهي صخرة بركانية من الكوكب الأحمر، إلا أنه لا يمكن تصنيفها ضمن أي من المجموعات الثلاث للنيازك المريخية. وتتجلى خاصية هذه الصخرة السمائية في كونها تُظهر عشر مرات أكثر جزئيات الماء مقارنة مع النيازك المريخية المعروفة. وقد تدل على نشاط مائي قديم، مما يمكن من فهم كيفية انتقال كوكب المريخ من وسط حار ملائم للحياة إلى كوكب بارد وجاف كما نعرفه اليوم. الجمال الأخضر، أجمل النيازك وأبهاها وسمي(NWA3725) بالجمال الأخضر′′Green Beauty′′ أو المفرد (Beauté Singulière)، يشير البروفسور إبهي، بسبب لونه الأخضر الداكن. وهو ليس نيزكا كالنيازك الأخرى. فالقطع الخمس والثلاثون الملتقطة في المغرب (345 غراما في مجموعها)، يفترض أن يكون مصدرها كوكب عطارد، الكوكب الأقرب إلى الشمس، إنها العينة الوحيدة من هذا النوع. وقد تم اكتشافه سنة 2012 بمنطقة بمنطقة بير عباس (بوجدور) جنوب المملكة المغربية. بعد تحليل هذا النيزك، اكتشف الباحث (Antony Irving)أن العينة تحتوي على قليل من الحديد والكثير من المغنيزيوم والألومنيوم وسليكات الكالسيوم. وهو تركيب مشابه بشكل مثير لما كشفت عنه مسبار "Messenger" في قشرة كوكب عطارد. ولابد من القيام بعدة تحاليل أخرى قبل تأكيد هذه الفرضية، لأن هناك علماء آخرين يعارضون هذه الفكرة، ويعتبرون أن (NWA7325)يمكن أن يكون مصدرها كويكب مكون من عدة طبقات ذات طبيعة مختلفة. هكذا يتم حاليا القيام بعدة تحاليل لهذا النيزك الغريب ويبدو أن النقاش بصدد مصدره سيدوم طويلا. يعطي التأريخ المطلق لهذا النيزك عمر النظام الشمسي (4.5 مليار سنة)، وهو معروض حاليا بمتحف التاريخ الطبيعي بجامعة يال الأمريكية(Muséum d'Histoire Naturelle de l'Université de Yale) تيسينت، أغلى نيازك في العالم وذكر البروفسور إبهي حين استفاق سكان طاطا والمناطق المجاورة نتيجة انفجار قوي يوم الأحد 18 يوليوز 2011 على الساعة 2:00 صباحا. عشرات صيادي النيازك تجمعوا يومها بالمنطقة للبحث عن أجزاء النيزك، وقد تم اكتشاف أول عينة نهاية دجنبر من السنة نفسها. آلاف الأشخاص انتقلوا إلى منطقة لݣلاب 2Leglab2 (طاطا، المغرب) ومئات العينات تم التقاطها من قبل الرحل، وتجار وصيادي النيازك. ويبقى نيزك طاطا أول سقوط ملاحَظ بالمغرب لنيزك من المريخ والخامس عالميا. تاريخيا، لا يتكرر سقوط نيزك من المريخ إلا مرة واحدة كل 50 سنة أو أكثر (1815 بفرنسا، 1865 بالهند، 1911 بمصر و1962 بنجيريا) بمعنى مرة واحدة في حياة إنسان. نيزك طاطا عبارة عن شركوتيت (Shergottite) نوعي لصخرة مقتلعة من بركان الكوكب الأحمر. هذا النيزك الطري يمثل فرصة مهمة للباحثين للقيام بأبحاث علمية، كما وفر قطعا نموذجية لهواة جمع النيازك. يتم عرض قطعة من النيزك والتي تزن 1099 غرام حاليا بمتحف (Natural History Museum) بلندن، ويتم عرض قطع أخرى صغيرة بأكبر المتاحف العالمية وخصوصا متحف التاريخ الطبيعي (Le Muséum d'Histoire Naturelle) بباريس و(American Museum of Naturel History) بنيويورك بالولاياتالمتحدةالأمريكية وكذلك متحف (Naturel History Museum) بفيينا. ضرورة إنشاء متاحف جهوية او إقليمية للنيازك بالمغرب وطالب البروفسور إبهي بإنشاء متاحف جهوية او إقليمية متخصصة. فعلى الرغم من كون المغرب غنيا بالنيازك، فإنه لا يتوفر على متاحف للحفاظ عليها للأجيال القادمة. ينتج عن هذا خسارة كبيرة على مستوى هذا التراث السمائي المغربي. فغياب هذا المتحف يؤدي إلى (أ) انعدام التفاعل بين المنقبين (البدو الرحل والصيادين) والأساتذة الباحثين (ب) منع المتاحف العالمية من نسج علاقات مع المتاحف المغربية لتبادل النيازك، (ج) تكرار تحاليل تنجز على عينات لنفس النيزك من قبل مختبرات مختلفة بسبب غياب التنسيق بينها، مما يضيع الوقت والمال. ولحماية هذا التراث السمائي، أوصى البروفسور إبهي المسؤلين وصناع القرار في المغرب بالسعي نحو إنشاء متاحف جهوية او إقليمية متخصصة يمكن من عرض ثروتنا النيزكية وحمايتها مما سيسمح للطلبة والباحثين من تعميق دراساتهم حول هذه الصخور الآتية من خارج كوكب الأرض. وسيثير هذا أيضا فضول الشباب المغاربة لفهم العلم الذي يدرس عينات الصخور السمائية والكواكب المنحدرة منها. إضافة إلى إمكانية حل المشكل الذي يعترض المكتشفين، حيث يمكن للمتحف أن يحتفظ بجزء من هذه العينات. يكمن الهدف من جمع العينات النيزكية المعروضة بالمتحف في حماية هذا التراث الطبيعي، وأيضا نشر المعرفة العلمية المتعلقة بها باعتبارها أداة وموضوع بحث بالنسبة للمجتمع العلمي الوطني والدولي، بحيث مكنت من إنجاز العديد من الأبحاث. وإنشاء دليل العينات النيزكية المغربية: إن القيام بجرد هذا التراث المغربي الطبيعي من خلال دليل العينات النيزكية ذو بعد ثقافي، إضافة إلى بعد علمي، يتمثل في إسهامه في تبسيط علوم النيازك وتعريفها لغير المتخصصين. وقد يعتمد إنجاز هذا الدليل على تصنيف النيازك وكذلك إنشاء ورقة تعريفية لكل عينة نيزكية تحتوي على الاسم والمنطقة والإحداثيات الجغرافية والتصنيف والوزن، إضافة إلى صورة النيزك. يشار أن الأستاذ الباحث عبد الرحمان إبهي ، وهو أيضا رئيس المتحف الجامعي للنيازك ومدير مختبر علم المعادن والبلورات والنيازك، بادر إلى إنشاء متحف خاص بالنيازك لحمايتها وعرضها بشكل دائم أمام الزوار، لوعيه بأهمية جمع أكبر عدد من العينات النيزكية والمعلومات المتعلقة بها من أجل الأجيال القادمة. وأحدث المتحف الجامعي للنيازك بأكادير سنة 2016، وهو الأول من نوعه في المغرب بل وعلى الصعيد الأفريقي والعربي، بتدخل عدة شركاء منهم جامعة ابن زهر والمركز الوطني للبحث العلمي والتقني، الشيء الذي ساعد على جمع أكثر من 100 عينة نيزكية مثالية والعشرات من الأجزاء النيزكية التي وجدت خارج منطقة الاصطدام إضافة إلى مخاريط الاصطدام. يعد المتحف الجامعي للنيازك قيمة مضافة من أجل الحفاظ على هذا التراث الكوني، كما أن المتحف سيحفز ويشجع الناس على اكتشاف هذا التراث "الفضائي"، إضافة إلى دوره في التعريف بالمغرب بوصفه بلداً غنياً من حيث العثور على النيازك. ويذكر أن المغرب يعتبر بلدا غنيا من حيث اللقى النيزكية، بعضها يعد مصدرا للمعلومات العلمية المهمة. كما أن أهمية هذا التراث السمائي لا تتجلى في قيمته العلمية والتربوية فقط؛ بل أيضا في فوائده الاجتماعية والاقتصادية والسياحية، حيث بإمكانه الإسهام في تطوير صناعة سياحة قائمة بذاتها (متاحف ومتاجر لعرض وبيع عينات صخرية للنيازك، وزيارات ميدانية موجهة…) تخلق فرص عمل إضافية، كما هو الحال بالنسبة ل"ميتيور كريتر""Meteor Crater" بأريزونا في الولاياتالمتحدةالأمريكية، الذي يستقطب سنويا مئات الآلاف من الزوار. يجب إذن الاعتراف بأهمية وقيمة التراث الجيولوجي المغربي وضرورة الحفاظ عليه وعلى إمكاناته، بوصفه موروثا طبيعيا.