خصص الصالون الأدبي المغربي لقاءه القصصي السنوي الرابع لاستشراف أمكنة القصة من خلال شهادات للقصاصين حسن البقالي وفاطمة الزهراء الرغيوي وسعيد جومال. افتتح الجلسة الناقد محمد يوب. منوها بقيمة القصة المغربية كما وكيفا. ثم أعطى الكلمة للقاصة فاطمة الزهراء الرغيوي لتقديم شهادتها عن المكان في تجربتها القصصية. في البداية شكرت الأصدقاء في الصالون الأدبي على الاستضافة وعلى فرصة اللقاء الجميل رفقة أصدقاء القصة وكتابها. ثم قاربت بعد ذلك مفهوم المكان في القصة عبر طرح سؤالين أساسيين: أين تكتب، أي مكان تكتب فيه أو عنه؟ فعبرت الكاتبة عن عشق خاص لعدة أمكنة، أبرزها مدينة مراكش التي تحولت بفضل تفاعل وجداني وكيميائي من مدينة عابرة إلى مدينة راسخة في القلب والوجدان، معرجة على أمكنة أخرى ترى الكاتبة أن لها علاقة خاصة بها مثل شجرة الأوكالبتوس لأنها تعبر عن مرحلة، سمحت لها أن تجنح نحو الخيال. فيها وبين أغصانها وحولها كان يمكن أن تتصور أي مكان آخر فتختلق بيوتا لم تزرها ومدنا لم تتعرف إلى ساكنيها وشوارعها.. لقد بدأت تجربة الكتابة وقتها وبين أحضان شجرة كانت محرابها الخاص. لم تكن تحمل قلما ولا ورقة ولكنها كانت تجرب الكتابة كعالم مواز لخلق القصص وكتابة الأمكنة، وبخيال شاسع أسس لعلاقتها بالكتابة.. قالت الكاتبة أيضا: «يمكنني القول إننا نكتب المكان ونكتب داخل مكان. وفي كلتا الحالتين، لن يتم اختياره عشوائيا لأننا نكتب انطلاقا من شغف ما يحدد مسبقا علاقتنا بما نريد حكيه وكيف وأين سنحكيه. لا أكتب في مكان محدد، لكنني أستحضر ما ذكرته عن الجدية والجهد والتركيز والخيال. ثم إنني أستعين بذاكرتي البصرية التي تساعدني في التقاط تفاصيل قد تبدو هامشية لناظر عابر وقد أخلق أخرى لأجمل المكان مع الإشارة هنا إلى أن الجمالية التي أتحدث عنها هي جمالية تخدم النص وليس بالضرورة الجمالية المتفق عليها. أحب الأماكن التي تحفزني والتي لا تدعني أعبرها بحياد وهي بالتالي الأماكن التي أحبذ الكتابة عنها أو فيها. بعد ذلك، تناول الكلمة القاص سعيد جومال معتبرا أن المكان وعاء يحمل بنية حكائية هي في الأصل مكان واحد يقضي الكاتب حياته يكرره ويستعيده وإذا تعذر عليه الكتابة عن أمكنة واقعية لإكراهات عدة، فإنه يلجأ إلى أمكنة افتراضية تستجيب لمزاجيته المتقلبة. ثم انتقل إلى تقديم أمثلة عن المكان في مجموعته القصصية «الباب» الصادرة حديثا، التي اعتبرها تمجد المكان وتحتفي به بل تجعله سيدا على الشخصيات والحبكة والزمان نفسه. وقال إن الرغبات التي لا نستطيع تحقيقها تدفع الكاتب إلى البحث عن أمكنة بديلة وجديدة مستخدما أسلوب المقارنة والمفارقة والسخرية. مما يجعل الأمكنة القصصية وعاء حقيقيا لفلسفة الكاتب في الإبداع والحياة. وتناول القاص المتميز حسن البقالي -الذي أضحى في السنوات الأخيرة علامة قصصية فارقة تنمو وتزدهر في صمت لكن بتألق ابداعي فريد من نوعه- الكلمة، فقرأ في البداية قصة قصيرة جدا للقاص شتيفان أوركين عنوانها «البيت»، التي اعتمدها أرضية لطرح أفكاره حول المكان في القصة، معتبرا أن الإنسان من يخلق فضاءه انطلاقا من تمثلاته للأحياز المحيطة به وهي لا تتجاوز التصور ذاته الذي يترسخ في الذهن ترسخا لا مهرب منه. هذا التصور قد يختلف عند الكتاب، إذ كيف يمكننا أن ننجح في نقل المكان من عالمه الإشاري إلى عالم دلالي ومن من الوعي الحسي إلى الوعي الجمالي؟ وعليه فإن الكاتب وأمام هذه الوضعية الإشكالية، يترك في الغالب للنص أمر تدبير مكانه، ينمو وفق توافقات وانبعاثات ومصادفات. يعتبر الكاتب نفسه رحالة في الأمكنة التي يمر بها أو تمر به.