صالح يفتح باب الجحيم على نفسه بعد إقحام النساء في معركته ضد الشارع حاصرت قوات تابعة للأمن المركزي والحرس الجمهوري اليمني سيارة إسعاف كانت تقلّ أربع طبيبات في آخر المسيرة، وتم إجبار سائق السيارة على السير باتجاه المناطق المؤدية إلى دار الرئاسة والأمن المركزي، في حين كانت دوريات عسكرية ترافق السيارة من أمامها ومن خلفها، ولم يتم معرفة الجهة التي اقتيدت إليها. اختطاف الطبيبات أثار غضب المتظاهرين، الذين هددوا من منصة ساحة التغيير بأنهم سيزحفون إلى دار الرئاسة بمسيرة مليونية، إن لم يتم الإفراج عنهن. لكن بعد نصف ساعة فقط من تهديد المعتصمين، تم الإفراج عن الطبيبات. وتثير ورقة المرأة في اليمن حساسية المجتمع اليمني، حيث شهدت الأيام الماضية سخطًا واسعًا عقب تحدث الرئيس علي عبدالله صالح عن وجود اختلاط غير شرعي في ساحة التغيير، فخرجت النساء بالملايين إلى الميادين في المحافظات كافة، منددة بخطابه. ونادت النساء والمنظمات بمحاكمة الرئيس على هذه الاتهامات، فحاول صالح تدارك الأمر، حيث جمع له حزبه عددًا من النساء، وبرر أنه لم يكن قاصدًا، لكن الأمر لم يكن مجديًا. جاءت قضية الطبيبات لتثير الحساسية أكثر لكون الطبيبات في الأساس يسعفن الجرحى أولاً، وثانيًا لأنهن من العنصر النسائي. ووسط الهتافات والزغاريد لحشود المعتصمين أمام منصة ساحة التغيير، تم استقبال الطبيبات بعد الإفراج عنهن، وألقت إحدى الطبيبات المفرج عنهن كلمة، حيّت فيها الحشود وكل الجهود المبذولة من قبل الشباب ومن قبائل اليمن كافة التي أعلنت المناصرة للمختطفات. وقالت الطبيبة إنهن تعرضن للتهديد أثناء التحقيق معهن في حال عودتهن مرة أخرى، مؤكدة أنها وزميلاتها لا يعبآن بهذه التهديدات، وأن أول قرار اتخذنه عقب الإفراج هو العودة إلى ساحة التغيير. وشكرت الطبيبة عناصر الشرطة النسائية، اللواتي تعاطفن معهن، وقمن بخدمتهن، وكذلك إدارة المستشفى الميداني على المتابعة الحثيثة لقضيتهن. خال من أي مسؤولية يفتح الرئيس صالح على نفسه جبهة لا يمكن إغلاقها، حيث ستخرج اليوم مسيرة لمئات الآلاف، بعد إعلان اللجنة التنظيمية لما يسمى «شباب الثورة» عن «يوم غضب»، كرسالة للسلطة المتهالكة عن أن ساعة تحقيق واحة لن تمر. وتقول الناشطة اليمنية سمية القواس ل إيلاف إنه «ربما لم يعد هناك من مفاجآت حول تصرفات على عبدالله صالح، فالرجل أصبح يحارب بضراوة في معركة لحماية الذات، وليس البقاء في السلطة، وبالتالي فقد أصبحت تصريحاته وتصرفاته الأخيرة، وتحديدًا في ما يخص النساء من ناشطات ومعارضات له يدل على انه أصبح كما لو أنه (خفيف العقل) كما نقول باللهجة اليمنية للشخص، الذي يتصرف بغباء خال من أي مسؤولية أو اعتبار لأي عواقب». وأضافت سمية إن «الوصول إلى اختطاف الطبيبات والدخول في محاذير للمجتمع اليمني في ما يخص النساء دليل واضح على أن الرئيس أصبح خارج نطاق السيطرة، وان الوضع أصبح اكبر من أن يستوعبه عقله، لكن ما يمكن أن نستخلصه من حكمة من أفواه المجانين هو أن دور المرأة مؤثر بالفعل، وأنها أقلقت منامه». اعتداءات متزايدة هذا وشهدت العاصمة اليمنية الثلاثاء يومًا داميًا، حيث قتل 6 أشخاص، فيما أصيب أكثر من 40 شخصًا برصاص قوات الأمن، ومن يسمون بالبلطجية، في حين سقط المئات بالغاز المسيل للدموع. وخرج مئات الآلاف في مسيرة اعتيادية تجوب شوارع العاصمة، ثم العودة إلى ساحة التغيير، غير أن قوات الأمن تقدمت هذه المرة إلى شارع الستين، وقطعت خط سير المظاهرة في منطقة بعيدة عن الأماكن الحساسة. قوبل المتظاهرون بوابل من قنابل الغاز، إضافة إلى المياه الموجهة بالخراطيم، من قبل السيارات التابعة للأمن المركزي، في حين أطلق مسلحون يرتدون زيًا مدنيًا الرصاص على المتظاهرين، واسقطوا هذا العدد من القتلى والجرحى. يأتي ذلك في الوقت الذي ينتظر فيه الإعلان عن نتائج اجتماع مجلس الأمن الدولي واجتماعات وزراء خارجية دول الخليج في أبوظبي، وذلك مع الوفد المكلف من الرئيس صالح ببحث المبادرة الأخيرة، بعدما كانوا قد اجتمعوا في الرياض بالمعارضة التي تمسكت بمطلب رحيل صالح. ويقول المحلل السياسي سامي غالب ل»إيلاف» إن المبادرة الخليجية تبدو للشعب اليمني وللشباب أداة يستخدمها صالح للمناورة، وأن على الحكومات الخليجية أن لا تسمح بحرف جهودها لمصلحة المزيد من المعاناة والعذابات للشعب اليمني». وتشهد بقية محافظات اليمن احتجاجات تتسع كل يوم، في حين تشهد مدينة تعز 250 كيلومترًا جنوب العاصمة عنفًا أشد من قبل قوات الأمن، حيث سقط يوم أمس قتيل وعشرات الجرحى. فشل مجلس الأمن حول اليمن فشل مجلس الأمن الدولي الذي عقد أول اجتماع له أول مس الثلاثاء حول الوضع في اليمن، في صياغة إعلان مشترك، وقد أعرب بعض الدبلوماسيين عن «قلقهم» حيال القمع الدموي الذي يقوم به النظام اليمني. وقال دبلوماسيون إن ألمانيا ولبنان، العضوين غير الدائمي العضوية في مجلس الأمن، قدما إعلانًا، ولكن أقلية أعضاء المجلس عرقلته. وقالت سفيرة الولاياتالمتحدة سوزان رايس للصحافيين «كان الإعلان يتضمن دعوة إلى ضبط النفس، واستمعنا إلى معلومات مقلقة حول اليمن». وأضافت أن «أعضاء مجلس الأمن أجروا محادثات، لكنها لم تثمر» بدون أن تعطي أية تفاصيل. وأوضحت رايس أن أعضاء المجلس أعربوا عن دعمهم الوساطة التي تقوم بها دول مجلس التعاون الخليجي لإيجاد مخرج للازمة في اليمن، حيث يتمسك الرئيس علي عبد الله صالح بالسلطة، بالرغم من المظاهرات والاحتجاجات في الشارع. من ناحيته، قال سفير ألمانيا في الأممالمتحدة بيتر ويتينغ، الذي دعا إلى هذا الاجتماع، «أعربنا عن قلقنا حيال الوضع الذي يتدهور في اليمن، ودعونا إلى ضبط النفس والحوار». لكنه لم يوضح ما إذا كان ما قاله يعبّر عن موقف ألمانيا أو موقف مجلس الأمن. وفيما عقد مجلس الأمن جلسته الأولى لمناقشة الوضع في اليمن، يدأب وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في أبوظبي خلال اجتماعهم الاستثنائي مع وفد حكومي يمني إلى تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة، إذ تتمسك المعارضة بطلبها تنحي الرئيس علي عبد الله صالح فوراً، في حين يطلب الوفد الحكومي أن يكون ذلك وفق ما وصفه ب»الشرعية الدستورية». يشار إلى أن دخول ألمانيا على الخط في اليمن، بدا واضحاً في رغبتها بلعب دور حالي في عملية التغيير التي تشهدها، وإن كان الهدف مجهولاً حتى اللحظة، إذ صرح السفير الألماني لدى الأممالمتحدة، بيتر ويتينغ الاثنين في نيويورك على هامش اجتماع للأمم المتحدة: «الوضع المتفاقم حالياً في اليمن مثير للقلق، إننا نحث على تحقيق تقدم في عملية المفاوضات، ستكون إشارة مهمة أن يضع مجلس الأمن اليمن الآن على جدول أعماله».