في أحد شهور عام 2001 قررت الشبيبة الاشتراكية لحزب التقدم والاشتراكية وفي إطار أنشطة «الجامعة الربيعية لحقوق الإنسان» تنظيم دورة حول موضوع «الحقيقة، المصالحة والإنصاف» بمدينة فاس، وهو ما أثار آنذاك سخرية وتعليقات عدد من الفاعلين السياسيين بما فيه بعض القياديين داخل حزب التقدم والاشتراكية، بحكم أن الموضوع كان طوباويا في ذلك الوقت إلى أبعد الحدود ولم يكن أشد المتفائلين في ذلك العام، يعتقد أن بإمكان المغرب أن يقدم على خطوة تحت عنوان المصالحة والإنصاف أو غيرها، ورغم كل العراقيل التي وضعت في طريق شبيبة التقدم والاشتراكية من أجل تنظيم هذه الفعالية وتحت هذا الشعار، نجحت شبيبة الحزب في الدعوة إليها وحضر إلى مجمع القدس بمدينة فاس أزيد من 200 شاب من مختلف مناطق المغرب من أجل التداول في سبل تحقيق المصالحة والإنصاف وإظهار حقيقة الماضي الأليم، حيث حضر في هذه الفعالية عدد من النشطاء الحقوقيين يتقدمهم الناشط والمحامي أحمد شوقي بنيوب الذي يحكي أعضاء الشبيبة أنه كان من أكثر المتحمسين لهذا النشاط وساعد شباب الحزب في تنظيم هذه الجامعة واقترح الأسماء التي بإمكانها إنجاحها، كما عرفت هذه المحطة مشاركة بعض معتقلي تازمامارت سابقا الذين أدلوا بشهاداتهم حول ما تعرضوا له من تعذيب، وغيرهم من سجناء الرأي حيث كانت لشبيبة التقدم والاشتراكية جرأة طرح هذا الموضوع في ذلك الوقت بالذات. ولم تمر سوى ثلاث سنوات وبضعة شهور، على هذه الجامعة حتى فاجئ الملك محمد السادس الرأي العام الوطني والدولي بإحداث هيئة المصالحة والإنصاف بأمر ملكي بتاريخ 7 يناير 2004 كخطوة مهمة من أجل طي صفحات مؤلمة من تاريخ المغرب وإعادة الاعتبار لكل من تضرر من سنوات الرصاص، خاصة وأن إحداث هذه الهيئة جاء في سياق التحولات التي عرفها المغرب منذ يوليوز 1999، وبالتالي كان من المرتقب أن تتم الدعوة إلى هذه الخطوة التي يتم العمل من خلالها على ترسيخ توجه المغرب نحو تكريس حقوق الإنسان، حيث أن هذه الهيئة التي أسندت رئاستها إلى المرحوم إدريس بنزكري نجحت في فتح مجموعة من الملفات والتي كان من أهمها تنظيم جلسات استماع علنية لضحايا سنوات الرصاص، حيث أنه لأول مرة يتم تنظيم مثل هذه النوع من الجلسات التي ترمي إلى جبر الضرر وفسح المجال للحديث علانية عن ما تعرض له البعض خلال سنوات الرصاص. ورغم أن التوصيات التي نجمت عن عمل هذه الهيئة لم تكن في مستوى انتظارات المتابعين خاصة منهم الجناح الذي كان يروج لعدم إفلات الجلادين من العقاب، فإن مغرب العهد الجديد ارتأى التعامل بنوع من المرونة مع بعض القضايا التي تم التعرض لها من طرف الهيئة حتى لا يتم تحويل المغرب إلى فضاء لمطاردة الساحرات، حيث تم اللجوء إلى التعويض المادي عن الضرر واتخاذ إجراءات أخرى من أجل جبر الضرر الفردي والجماعي هذا إلى جانب النزوع نحو نوع من العدالة في التعامل مع بعض الجهات التي اعتبرت مارقة في الماضي وتم تهميشها، وذلك من أجل بناء المغرب الجديد مغرب الحق والقانون. واليوم، وفي ظل التعديل الدستوري المرتقب، لم يغفل جلالة الملك محمد السادس هذا المعطى، حيث أراد من خلال خطاب 9 مارس 2011 ترجمة وعوده في مجال حقوق الإنسان من خلال التنصيص على ضرورة دسترة مسألة حقوق الإنسان وخاصة التوصيات الصادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة وذلك من خلال قوله في الخطاب: «ترسيخ دولة الحق والمؤسسات، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وضمان ممارستها، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان، بكل أبعادها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، والثقافية والبيئية، ولاسيما، بدسترة التوصيات الوجيهة لهيأة الإنصاف والمصالحة، والالتزامات الدولية للمغرب»، حيث إن هذه الفقرة لا تكتفي فقط بالدسترة ولكن أيضا تسعى إلى تكريس وتوسيع الحريات الفردية والجماعية وضمان حقوق الإنسان في كل المجالات، وهو ما يمكن اعتباره بكل فخر نوعا من الإبداع المغربي الذي نجح الملك في ترسيخه من خلال خطابه التاريخي الذي نتمنى أن ترى كل النقط التي تضمنها النور وأن تعمل اللجنة الدستورية المكلفة بالمراجعة بتضمينها الدستور الجديد، كما نأمل من الأحزاب، وخاصة تلك التي عانت من القهر خلال سنوات الرصاص، مثل حزب التقدم والاشتراكية، التقدم باقتراحات من شأنها أن تغني هذا الاتجاه، خاصة وأن موضوع حقوق الإنسان كان دائما في صلب اهتمامات الحزب، وكان دائما تتم الدعوة إلى ترسيخها ضمن مقترحات المغرب الجديد الذي يحمل لواء الدعوة إليه هذا الحزب الذي لعب دورا كبيرا منذ ما يزيد عن 66 عاما في وضع المغرب على سكة التقدم والازدهار وهو ما يتم جني مكاسبه اليوم والتي نأمل أن تكون في مستوى انتظارات المغرب الحقوقي وفي مستوى انتظارات الشعب المغربي على وجه العموم.