اختتم المنتدى العربي للبيئة والتنمية مؤتمره السنوي الحادي عشر حول “تمويل التنمية المستدامة في البلدان العربية”، الذي عقد يومي 8 و9 نونبر الجاري بالعصمة اللبنانيةبيروت، بمشاركة نحو 420 مندوبا و50 متحدثا من 36 بلدا، يمثلون الهيئات الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات الإقليمية والدولية ومراكز الأبحاث والمجتمع المدني والأكاديميين والطلاب. وأعلن أمين عام المنتدى نجيب صعب توصيات المؤتمر التي أكدت أن الالتزام باتفاقية باريس المناخية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة يتطلبان استثمارات ضخمة، تحتاج بدورها إلى آليات تمويل مبتكرة. ونظرا إلى أن الحكومات وحدها لا تستطيع تلبية كل الاحتياجات، فإن منظمات العون وصناديق التنمية والشركات والقطاع المصرفي مدعوة بشكل متزايد إلى المساهمة. وشدد المؤتمر على ضرورة وضع القوانين والتشريعات الضرورية لاجتذاب المساعدات والاستثمارات، ووقف الهدر والفساد. ودعا المؤتمر إلى تعديل أنظمة دعم الأسعار لإدارة الموارد الطبيعية بكفاءة، خاصة الطاقة والمياه، وتطوير أنظمة الضرائب لتعزيز مصادر الدخل مع تأمين توزيع عادل للثروة. وأوصى المؤتمر بوضع استراتيجيات وخطط متكاملة واقعية وقابلة للتنفيذ، مع تحديد أولويات واضحة ومتسلسلة لأهداف التنمية المستدامة على المستوى المحلي، وفقا لجدول زمني محدد للتنفيذ، مدعوم بدراسات جدوى معدة بشكل جيد. ويجب أن يقترن ذلك باعتماد الإطار التشريعي والتنظيمي الملائم مما يضمن ثقة الجهات المانحة. صورة قاتمة استهل الجلسة الافتتاحية للمؤتمر رئيس مجلس أمناء “أفد” رئيس الوزراء الأردني السابق الدكتور عدنان بدران، مذكرا بجهود الباحثين الذين تقدموا بأوراق لتحقيق أهداف التنمية المستدامة حتى عام 2030، ومشيرا إلى أنه تم بحث أجندة التنمية المستدامة ضمن إطار أجندة أديس (Addis Agenda)، وتبلغ كلفتها التقديرية في جميع أنحاء العالم حوالي 5 – 7 تريلون دولار، وتحتاج المنطقة العربية إلى 230 مليار دولار سنوياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والفجوة التمويلية للدول العربية التي تعاني عجزا ماليا تقدر حاجتها ب100 مليار دولار. وهذا يتطلب تحويل جزء من تمويل المشاريع التقليدية إلى مشاريع التنمية المستدامة. ويمكن تحقيقه إذا أنهينا الصراعات والحروب في المنطقة التي تجاوزت خسارة العرب فيها 900 مليار دولار منذ نشوبها عام 2011، مما يستوجب من الحكومات العربية إدارة الموارد البشرية والموارد المالية والموارد الطبيعية بكفاءة عالية، والقضاء على الترهل الحكومي والفساد وإنشاء شراكة بين القطاع العام والخاص لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، واحلال السلام من خلال الدبلوماسية النشطة لحل النزاعات القائمة في دول المنطقة وتحويل النفقات الباهظة لشراء الأسلحة إلى تمويل الاقتصاد الأخضر للتنمية المستدامة يفتح فرص عمل للحد من البطالة. كما يجب توجيه المساعدات الإنمائية والاستثمارات الخارجية وتبني سوق الكربون وإصدار السندات الخضراء وغيرها لتمويل أهداف التنمية المستدامة. صعب: أكثر من 45 مليون نسمة في البلدان العربية يفتقرون إلى مياه نظيفة وخدمات صحية مأمونة وأفاد أمين عام “أفد” نجيب صعب أن تحقيق أهداف التنمية والانخراط في المساعي الدولية لرعاية البيئة ومواجهة آثار التغير المناخي تتطلب أولا سياسات وخططا ملائمة. لكن التنفيذ يستدعي، في نهاية المطاف، إيجاد مصادر التمويل المناسبة. وأشار صعب أن المنتدى العربي للبيئة والتنمية “أفد” دعا في تقاريره وتوصياته إلى نموذج تنموي متجذر في اقتصاد أخضر، يقوم على إعطاء وزن متساوٍ للتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية. فتلبية هذه الأهداف الثلاثة يوفر أساسا سليما لمعالجة نواقص الاقتصادات العربية، من تخفيف الفقر والبطالة، إلى تحقيق أمن غذائي ومائي وطاقوي، إلى توزيع أكثر عدالة للمداخيل. إلى ذلك، يركز الاقتصاد الأخضر على الاستعمال والتوزيع العادلين للأصول الطبيعية من أجل تنويع الاقتصاد، وهذا يوفر مناعة في وجه تقلبات الاقتصاد العالمي. وأضاف صعب أنه يمكن فهم التوترات العامة التي تسببها نماذج التنمية العربية الراهنة من خلال تفحص بعض المؤشرات. فالفقر يهيمن على مائة مليون نسمة في البلدان العربية. وانعدام الأمن الاقتصادي يتفاقم مع ارتفاع مقلق لمعدلات البطالة التي تجاوزت 15 في المائة من السكان، وهي تصل إلى 30 في المائة في صفوف الشباب. ولن تتمكن الاقتصادات العربية، وفق هيكليتها الحالية، من خلق 50 مليون وظيفة جديدة يُتوقع أن تكون مطلوبة بحلول سنة 2022. وتساءل صعب عن أبرز التحديات البيئية في العالم العربي، وإمكانية تمويل البرامج الضرورية لمعالجتها ليجيب أن الموارد المائية تواجه أزمة حادة في معظم البلدان العربية، مدفوعة غالبا بسياسات تشجع على الإفراط في الاستهلاك وتجيز المبالغة في استغلال الموارد المائية الشحيحة المتوافرة. و”في البلدان العربية اليوم أكثر من 45 مليون نسمة يفتقرون إلى مياه نظيفة وخدمات صحية مأمونة، وهم يمثلون نحو 10 في المائة من عدد السكان”. ويشكل الأمن الغذائي تهديدا كبيرا آخر، يدفعه بشكل رئيسي إهمال القطاع الزراعي وتخلفه، الأمر الذي يؤدي إلى سوء الإنتاجية الزراعية وانخفاض كفاءة الري وتدهور الأراضي المنتجة. وقد بلغت الفجوة الغذائية العربية نحو 40 بليون دولار سنويا، مع ازدياد الوضع سوءا بسبب تأثيرات تغير المناخ والحروب والنزاعات. ويفتقر نحو 60 مليون نسمة في البلدان العربية إلى خدمات طاقة حديثة، ما يحد من الفرص المتاحة لهم لتحسين مستويات معيشتهم. وتُعتبر اقتصادات عربية عدة من بين الأقل كفاية والأكثر تلويثاً حول العالم في مجالات الطاقة. كما أن كل التمويل المطلوب ليس مبالغ إضافية جديدة. فقسم كبير منه يأتي من وضع حد للهدر وتحويل جزء من الالتزامات المالية التقليدية في الموازنات الحالية إلى مشاريع تدعم أهداف التنمية المستدامة. كما وجد التقرير أنه يمكن تمويل جزء كبير من احتياجات التنمية عن طريق مكافحة الفساد، الذي يحرم المنطقة العربية من نحو 100 بليون دولار سنوياً. الراجحي: استراتيجية لتمويل التنمية المستدامة وأشار توفيق الراجحي، وزير المشاريع الكبرى في تونس، إلى أن الدستور التونسي الجديد كرس الحق في البيئة السليمة. وأضاف أن تحديات التنفيذ فرضت وضع استراتيجية تمويل التنمية المستدامة في تونس، وذلك بتعزيز موارد صناديق الخزانة المخصصة للبيئة، مثل صندوق إزالة التلوث وصندوق التحول الطاقي، وبالشراكة بين القطاعين العام والخاص، والاستفادة من التعاون المالي الدولي. السنيورة: إصلاحات تتلاءم مع المتغيرات وقال الرئيس فؤاد السنيورة أن من ضمن الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة، المتكاملة مع بعضها بعضا، هناك ضرورة للإشارة إلى ثلاثة أهداف أساسية لكونها تشكل ثلاثية أساسية في الكثير من المناطق في العالم، وخاصة في عالمنا العربي. وهي ثلاثية الطاقة والمياه والغذاء. وهذه الثلاثية وفي كل مجال منها تشكل بالنسبة للمنطقة العربية مصدرا من مصادر القلق الشديد على المستقبل لما تحمله معها من تحديات مترابطة ومتداخلة، وما تتضمنه وتتسبب به من مشكلات ومن تفاقم للاختلال الاستراتيجي القائم في المنطقة العربية ومن حولها في هذه الشؤون. وتناول السنيورة إشكالية المياه، مذكرا أن المنطقة العربية تشكل بمساحة اليابسة فيها قرابة 10% من مساحة اليابسة في الكرة الأرضية، وعدد السكان فيها يزيد قليلا عن خمسة بالمائة من عدد سكان العالم ولكن هذه المنطقة تمتلك ما يقل عن 1% من مصادر المياه العذبة المتجددة في العالم. غير أن ما يزيد هذه المشكلة تعقيدا وحدة، أن ما يزيد عن 56% من مصادر تلك المياه العذبة تأتي من مصادر عابرة للحدود الدولية. وذلك ما يعطي صورة قاتمة عن طبيعة المشكلات التي تعيشها المنطقة العربية في هذا الصدد. وهذا ما يشكل أيضاً عقبة كأداء في قدرة الدول العربية المعنية على بسط سلطتها والتحكم الحر في مصدر أساسي من مصادر الحياة بالنسبة للمواطنين والمقيمين في العديد من أقطار العالم العربي ولاسيما بالنسبة لدول مثل السودان ومصر والعراق وسوريا. وعلى مستوى الغِذاء، قال السنيورة إن المنطقة العربية تعاني من مشكلة مستعصية، فهي ماتزال تُعتبر بين أكثر المناطق في العالم استيرادا للغذاء. وهذا العامل أيضا يؤشر إلى حجم المشكلات التي تتناسل في هذا الخصوص لتضيف مزيدا من التعقيد والاستعصاء على الحال التي وصلت إليه المنطقة العربية على مسارات تحقيق أهداف التنمية المستدامة. مشيرا إلى أن في بعض المناطق مثل السودان إمكانات زراعية هائلة ولكنها ماتزال كامنة وبحاجة إلى إنشاء بنى تحتية كبيرة وإلى تطوير وإجراء إصلاحات بنيوية عديدة، بما في ذلك في إدارة الموارد المائية المتاحة بشكل منظّم وكفء. وذلك ما تحتاجه أيضاً معظم بلدان العالم العربي لتجنب الهدر الكبير الحاصل في استخدام المياه، لتتم الاستفادة من كامل الفرص الكامنة. “إنه وعند القيام بها، فإنّ ذلك ربما يسهم في تحقيق تقدم على مسار توفير كميات إضافية من الغذاء لذلك الكم الكبير والمتعاظم من الأفواه في العالم العربي والتي تنتظر أن يصار الى تلبية حاجاتها في العقد القادم”. مناقشة التقرير وقدم المؤتمر خلال يومه الأول عبر أربع جلسات نتائج تقرير “أفد” وناقش أبرز توصياته. وتناول ممثلو صناديق التنمية العربية والدولي سبل التعاون لتعبئة موارد إضافية تقود إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وأكدوا على أن الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لا تتطلب كلها أموالا جديدة، بل تعتمد بشكل كبير على تحويل وجهة التمويل من المشاريع التقليدية إلى أخرى تقوم على مبادئ الاستدامة. ودعت جلسة لتمويل الطاقة المستدامة إلى اعتماد أدوات جديدة مثل السندات الخضراء والصكوك، وشددت على أهمية استقطاب استثمارات القطاع الخاص في الطاقة المتجددة. وتحدث ممثلون عن قطاع الأعمال عن الفرص التجارية التي يوفرها التحول إلى التنمية المستدامة، شرط وجود الحوافز والتشريعات والقوانين الملائمة. وعقدت منظمة التعاون الدولي والتنمية جلسة خاصة قدمت فيها تقريرا أعدته عن دور تمويل المشاريع والبرامج المتعلقة بتغيّر المناخ في دعم خطط التنمية المستدامة عامة. وقدمت ثلاث جلسات خلال اليوم الثاني تناولت ربط النظم المالية مع أهداف التنمية المستدامة، وتمويل التنمية من خلال مكافحة الفساد. وعرض مجموعة من رواد الأعمال الشباب عرضا للاستراتيجيات التي يعتمدونها لتمويل مشاريعهم. وتخصص جلسة لطلاب “منتدى قادة المستقبل البيئيين”، يشارك فيها نحو 50 طالبا من جميع أنحاء العالم العربي. في اليوم الثاني لمؤتمر “أفد”، حضر رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة جلسة في موضوع “تمويل التنمية من خلال مكافحة الفساد”. فعلق بأن “الرقابة ليست بديلا عن حسن الإدارة، فالفساد ليس فقط عملية سرقة، لأن الإدارة الفاسدة هي الأساس”. وأضاف أن “مكافحة الفساد عملية مستمرة وليست حملة عابرة، والفاسد دائما يسبق بأساليبه الذين يراقبونه، لذا على أجهزة الرقابة أن تتطور مع تطور أساليب الفاسدين”. واعترض السنيورة على المثل الشعبي القائل “أعطِ خبزك للخباز ولو أكل نصفه”، مطالبا بتحويله إلى “أعطِ خبزك للخباز وراقبه حتى لا يأكل نصفه”، فالمطلوب وضع الكفوء في موقع المسؤولية بالتوازي مع قوانين وقواعد تنظم عمله. وقال السنيورة إن توزيع الحصص على اُسس مناطقية وطائفية وحزبية “يحول الإدارات إلى مستعمرات للحماية، حيث الولاء ليس للدولة بل لمن أتى بالموظفين إلى الإدارة”، داعياً إلى “إصلاح المنظومة الفاسدة التي هي أساس الفساد”. وتحدث في جلسة مكافحة الفساد باتريك موليت رئيس شعبة مكافحة الفساد في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومختار الحسن مدير التنمية الاقتصادية والتكامل في الاسكوا، وأركان السبلاني كبير المستشارين الفنيين لمكافحة الفساد والنزاهة في المركز الإقليمي لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي في الدول العربية، وأيمن دندش مدير المشاريع والبرامج الميدانية في الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية-لا فساد. وأدار الجلسة الدكتور ناصيف حتّي، مدير المعهد العالي للعلوم السياسية والإدارية في جامعة الروح القدس- الكسليك. تمويل الاقتصاد الأخضر وأدار حسين أباظة، مستشار وزيرة التخطيط في مصر، جلسة حول “مواءمة النظم المالية مع أهداف التنمية المستدامة”، تحدث فيها الدكتور سعد عنداري، نائب حاكم مصرف لبنان، عن برامج مصرف لبنان حول الاقتصاد الأخضر وتعاونه مع المصارف اللبنانية في هذا المجال. وشارك في الجلسة يوس فيربيك الممثل الخاصّ للبنك الدولي لدى منظمة التجارة العالمية في جنيف، وأمل العربي مديرة التنمية المستدامة في البنك التجاري الدولي في القاهرة. ونظمت “سويتش ميد” برشلونة جلسة لمناقشة سبل الوصول إلى مصادر تمويل مبادرات الاقتصاد الأخضر، أدارتها كلوديا باني مديرة مشروع ريادة الأعمال الخضراء في المنظمة. فعرضت مجموعة من رواد الأعمال الشباب نماذج لمشاريعهم وبينهم مارك عون من CubeX، وحسام حنوني من FabricAid، وسمية مرعي من Taqa، وميشيل مرقدي من Alfanar، وترايسي الأشقر من مؤسسة Diane، وفادي نفاع من AgryTech. وشارك نحو 50 طالباً من الجامعات العربية الأعضاء في منتدى “أفد” لقادة المستقبل البيئيين في جلسة نقاشية حول تنمية مستدامة يقودها الشباب، أدارتها الدكتورة لما سخنيني من جامعة البحرين. وأدار أمين عام “أفد” نجيب صعب نقاشا عاما، تلاه إعلان توصيات المؤتمر التي ستعمم على الحكومات والهيئات العربية والدولية. “جائزة العمر البيئية” إلى الحربش وقدم نجيب صعب “جائزة العمر البيئية” إلى سليمان الحربش، مدير عام صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد) الذي تولّى قيادة الصندوق بين 2003 و2018، “تقديرا لعمله خلال 15 عاما على إدخال البيئة والتنمية المستدامة في صلب اهتمام صندوق أوبك، وهو من قاد ادخال القضاء على فقر الطاقة كواحد من أهداف التنمية في الأممالمتحدة”. وأشار إلى أن “فترة رئاسة الحربش للصندوق تميزت بازدياد كبير في القروض والمنح التي تم منحها لمشاريع تتعلق بالبيئة والطاقة المتجددة على نحو خاص”. وسبق أن منح “أفد” الجائزة سابقاً إلى العالم المصري الراحل محمد القصاص (2008) ورئيس المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية، عبد الرحمن العوضي (2016). وقال الحربش في كلمة بالمناسبة إن “الوصول إلى خدمات الطاقة الحديثة شرط مسبق وحيوي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وإن حملتنا من أجل القضاء على فقر الطاقة هي من أهم إنجازاتنا، وهي سابقة لمبادرة الأممالمتحدة المتعلقة بالطاقة المستدامة للجميع”. مضيفا أن مكافحة فقر الطاقة تستند إلى استراتيجية ذات أركان ثلاثة هي حشد التأييد وتوسيع العمليات في الميدان والشراكات. يشار أن المؤتمر عرف مشاركة وزراء ونواب وديبلوماسيون ورؤساء منظمات معنية بالبيئة وصناديق تنمية إقليمية وعالمية، بينها البنك الدولي والاسكوا والفاو ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية والبنك الإسلامي للتنمية والصندوق الكويتي. وضمت لائحة المتحدثين وزير الإصلاحات الكبرى التونسي توفيق الراجحي، ووزير الطاقة الأردني السابق خالد الإيراني ووزير البيئة الأردني السابق طارق الشخشير ونائب حاكم مصرف لبنان سعد عنداري وممثل البنك الدولي لدى منظمة التجارة العالمية في جنيف يوس فيربيك، والمبعوثة الخاصة لوزارة الخارجية الهولندية حول المياه والطاقة تيسا تيربسترا ومدير دائرة مكافحة الفساد في منظمة التعاون الدولي والتنمية باتريك موليت. بيروت: محمد التفراوتي **** المنطقة العربية في حاجة إلى 230 مليار دولار لتحقيق أهداف التنمية المستدامة تناول المنتدى العربي السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، مند تأسيسه كمنظمة غير حكومية، ما يناهز 10 تقارير قطاعية تشكل المحاور الكبرى لقضايا البيئة بالوطن العربي. وباتت ملاذا عاجلا للعديد من الأطراف والهيئات التي تنشد النمو ومكافحة المعضلات البيئية الحادة، ووضع الاستراتيجيات التنموية. تقارير أثرت بشكل ملموس على التركيبة النظرية والبحثية للمشهد البيئي العربي، ومختلف قطاعاته الدقيقة كما ونوعا. كما أضحت مراجع موثوقة ومستقلة من مستويات مختلفة، مرفوقة بتوصيات تستوجب التطبيق من قبل ذوي القرار السياسي وواضعي السياسات العامة. لكن كل هذه التقارير تتطلب تحديد الاحتياجات التمويلية والثغرات والخيارات والآليات، مع التركيز على المصادر ودور كل منها . من هنا اهتدى المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) لسنة 2018 إلى تخصيص تقريره السنوي لموضوع "تمويل التنمية المستدامة في البلدان العربية”، معالجا متطلبات التمويل للانتقال إلى النمو المستدام وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، في سياق خطة عام 2030، ومتطلعا إلى عرض وتحليل البيانات من مختلف القطاعات حول تمويل التنمية المستدامة في البلدان العربية، وتحديد الحواجز أمام التنمية المستدامة في البلدان العربية ثم دعم الإجراءات والتدابير اللازمة لسد الفجوات في السياسات الحكومية الحالية وكذا رفع مستوى الوعي العام وإثارة النقاش حول حسابات البيئة كخطوة استراتيجية نحو التحول إلى الاقتصاد الأخضر. وأظهر التقرير أن المنطقة العربية تحتاج إلى أكثر من 230 بليون دولار سنويا مخصصة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. أما الفجوة التمويلية السنوية فقدرت بأكثر من 100 بليون دولار. كما بين أن الخسائر في النشاط الاقتصادي بسبب الحروب والصراعات في المنطقة العربية منذ العام 2011 بلغت نحو 900 بليون دولار، وهذا سيعيق تنفيذ أهداف التنمية، لتداخلها مع متطلبات إعادة الإعمار. كما بين أن الفساد تسبب بخسارة توازي المبالغ المطلوبة لسد فجوة الاستثمار في التنمية، والمقدرة بمائة بليون دولار سنويا. وأشار التقرير إلى انحسار مصادر التمويل العامة والخاصة في المنطقة العربية. ففي مقابل كل دولار يدخل من خلال تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، يتم إعادة استثمار نحو 1.8 دولار فعليا في الخارج، إما بواسطة تدفقات الاستثمار المباشر إلى الخارج، أو من خلال تحويل الأرباح التي يحققها المستثمرون الأجانب. وفي الوقت نفسه، تظل المنطقة مقرضة للبنوك الأجنبية، حيث كانت ودائع العملاء العرب لدى البنوك الدولية الرئيسية أعلى باستمرار من القروض المقابلة للعملاء العرب من هذه البنوك. ودعا إلى العمل على عكس اتجاه الاستثمارات إلى المنطقة العربية، ما يستدعي إصلاح السياسات المالية والنظام الضريبي ومكافحة الفساد وإعطاء حوافز وتسهيلات لتشجيع الاستثمار واستخدام الموارد بكفاءة. وذكر تقرير “تمويل التنمية المستدامة في البلدان العربية” أن متطلبات الالتزام باتفاقية باريس المناخية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة تستدعي استثمارات ضخمة، إذ تحتاج المنطقة العربية إلى أكثر من 230 بليون دولار أميركي سنويا مخصصة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. أما الفجوة التمويلية في الدول العربية التي تعاني العجز فقُدِّرت بأكثر من 100 بليون دولار سنوياً، أي 1.5 تريليون دولار حتى عام 2030. وبلغ إجمالي المساعدات الثنائية المقدمة من الدول العربية سنة 2016 نحو 13 بليون دولار، ذهب ثلثها إلى دول عربية أخرى. وقدمت صناديق التنمية العربية ما مجموعه 204 بلايين دولار حتى نهاية 2017، ذهب 54 في المائة منها إلى الدول العربية. أما إجمالي المساعدات الإنمائية الرسمية المقدمة إلى البلدان العربية من مصادر خارجها فبلغ 22 بليون دولار عام 2016. ومع أن هذا يمثل زيادة كبيرة عن السنوات السابقة، لكنه يخفي حقيقة أن ما يصل إلى 15 في المائة كان مخصصا لمساعدة اللاجئين والمعونات الإنسانية، التي هي في الواقع ليست جزءا من برامج التنمية. وانخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المنطقة العربية إلى 32 بليون دولار سنة 2016، من 88 بليون دولار عام 2008. ولا تزال هذه التدفقات متقلبة ومرتبطة بتقلبات أسعار النفط وعدم الاستقرار السياسي. ويتطلب عكس هذا الاتجاه وجود إطار تنظيمي يولّد الثقة القادرة على جذب المستثمرين وتعبئة المدخرات الخاصة. وحدثت زيادة سنوية بمقدار 14 ضعفا في إصدار السندات الخضراء، على الصعيد العالمي، من 11 بليون دولار سنة 2013 إلى أكثر من 155 بليون دولار سنة 2017. ولكن رغم نموها السريع، فإنها لا تزال بعيدة جدا عن سوق السندات العالمية المقدرة بحوالي 100 تريليون دولار. وفي سنة 2017، أطلق بنك أبو ظبي الوطني أول إصدار لسندات خضراء في المنطقة العربية بقيمة 587 مليون دولار أميركي، تستحق في سنة 2022. ويحمل استغلال إمكانات التمويل الإسلامي من خلال الصكوك (السندات المتوافقة مع الشريعة) فرصا كبيرة لتمويل البنية التحتية، ومشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة وتغير المناخ. وكذلك تصميم المنتجات المالية التي تناسب المغتربين والتي يمكنها تسخير التحويلات في مزيد من الاستثمار الإنمائي. ولا يجوز للقوانين، التي ينبغي تطبيقها بالتساوي على الجميع، أن تقتصر على القيود والتدابير الرادعة فحسب، بل يجب أن توفر أيضا حوافز لتشجيع الأنشطة والاستثمارات المستدامة. وتعتبر التدفقات المالية غير المشروعة وغسيل الأموال وسرقة الأموال العامة وهدرها أحد التحديات التي تواجه العديد من الدول العربية. ومن المقدر أن تولّد عائدات مكافحة الفساد في الدول العربية ما يصل إلى 100 بليون دولار أميركي سنوياً، وهو ما يكفي لسد معظم الفجوة المالية في الاستثمارات اللازمة لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة. ودعا تقرير”أفد” الهيئات التنظيمية والرقابية العمل مع المصارف لاعتماد أفضل الممارسات في إدارة المسائل المرتبطة بالبيئة. ويمكن معالجة بعض العوائق باعتماد تدابير تنظيمية وسياسات موجّهة نحو إعطاء تسهيلات وحوافز للتمويل الطويل الأجل للمشاريع التي تقع في خانة تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وأوصى التقرير بإعطاء حوافز، على شكل تسهيلات ضريبية وشروط تمويل مدعومة، جنبا إلى جنب مع الإلغاء التدريجي لتدابير الدعم المالي غير الملائمة لتحقيق التنمية القابلة للاستمرار. كما أن السياسات النقدية الملائمة ضرورية لتشجيع التمويل الأخضر، على شكل حوافز من البنوك الوطنية المركزية، مثل قبول بعض الأصول الخضراء كضمانات للقروض. وناشد التقرير الدول النفطية إلى تنويع الاقتصاد نحو قطاعات منتجة غير بترولية وإعادة النظر في أنظمة دعم الأسعار، لمواجهة آثار تقلبات الأسعار على الدخل وتحقيق نمو طويل الأمد. أما الدول ذات الدخل المتوسط، فلا بد لها من تعديل الأنظمة الضريبية بحيث ترتفع نسبة الدخل من الضرائب مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، مع تأمين العدالة وفق شرائح الدخل والثروة. وهناك حاجة ملحة إلى إصلاحات مالية لتشجيع الاستثمارات ذات البعد الاجتماعي، إلى جانب التدابير المالية القادرة على دعم تنويع الاقتصاد وإدارة الديون والاستقرار البعيد الأمد في النمو وتحصيل الإيرادات. والمطلوب أن تكون الإدارة الضريبية مبسطة وشفّافة لتجنّب التهرّب الضريبي التي يتسبب فيها عدم الوضوح. ويستوجب استقطاب التمويل من القطاع الخاص في مشاريع التنمية المستدامة، بما فيه تشجيع استثمار المدخرات، خصوصا عن طريق أدوات مالية تستطيع اجتذاب التحويلات، وتطوير الأسواق المالية، واستقطاب الاستثمارات الخارجية المباشرة عن طريق سياسات وحوافز تمنح الثقة للمستثمرين. وعلى الدول تطوير آليات تشجع التمويل المختلط، مثل الشراكات بين القطاعين الخاص والعام، واستخدام القروض من المؤسسات المانحة وصناديق التنمية كضمانات للحصول على قروض إضافية من القطاع الخاص. ودعا التقرير إلى التركيز على كفاءة استخدام الموارد المالية المتوافرة، من القطاعين العام والخاص، وتغيير وجهتها، فضلا عن تأمين مصادر جديدة للتمويل، حيث يلزم الأمر، وفق جدول أولويات، لدعم المشاريع والبرامج الكفيلة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة. كما لا بد من القضاء على الفساد والهدر، ووضع سياسات متكاملة صديقة للاستثمار، وكذا ضرورة الاستثمار في تنمية محورها الناس، تعزز دمج حقوق الانسان، بما في ذلك الحق في التنمية، ومبادئ المشاركة الشعبية الحقيقية والمساءلة والشفافية وعدم التمييز، في أجندة التنمية.