ظل تكريم رواد ورائدات السينما من مخرجين وممثلين وتقنيين ونقاد وموزعين وأرباب قاعات وغيرهم مغيبا أو على الأقل باهتا في أنشطة المهرجان الوطني للفيلم منذ انطلاقته سنة 1982 بالرباط إلى حدود ما قبل الدورات السنوية المنتظمة الأخيرة. ولم يتم الالتفات إلى مسألة التكريم بنوع من الجدية إلا بعد أن أصبح الموت يغيب عنا العديد من وجوهنا الفنية الكبيرة، التي تركت بصمات واضحة على جسد الإبداع السينمائي في جوانبه المختلفة، من عيار الممثلين القديرين حسن الصقلي ومحمد سعيد عفيفي أو من عيار المخرجين إدريس كريم وحسن المفتي وغيرهم. وهكذا تم تكريم الممثلين أمينة رشيد وعبد القادر مطاع والموضبة لطيفة السويحلي في دورة 2010، كما تم تكريم قيدوم المخرجين السينمائيين المغاربة العربي بناني وقيدوم الممثلين المسرحيين والسينمائيين ومصمم الملابس الطنجاوي العربي اليعقوبي والممثلة القديرة فاطمة هرندي المشهورة بلقب «راوية» في حفل افتتاح دورة 2011 بسينما روكسي بطنجة. إلا أن الملاحظ على شكل هذا التكريم أنه تقليدي لا يترك أثرا ملموسا على المستويات الورقية والإلكترونية والسمعية البصرية، فهل بإلقاء شهادات في حق المكرمين وتسليمهم تذكارات وأظرفة مالية أحيانا نكون قد أوفيناهم حقهم المشروع في الاعتراف بعطاءاتهم وخدماتهم الجليلة لمجتمعهم؟ أليس بالإمكان تكريمهم بطرق أكثر تحضرا من خلال إعداد كتب توثق لتجاربهم وتتضمن صورا من أهم محطات مسيرتهم الفنية و إنجاز أفلام سينمائية وتلفزيونية وثائقية وروائية حولهم؟ ألا تغري مثلا، حياة أب السينما محمد عصفور (1927 - 2005) وإنجازاته التقنية والفنية بإنجاز فيلم حوله؟ هل تم حفظ تراثه السينمائي كله من التلف والاندثار؟ لماذا لا يتم الالتفات إلى زوجته الألمانية الأصل التي كان لها ولأخيها فضل كبير على عصفور في الانفتاح على عوالم السينما؟ ألا تستحق هذه السيدة التفاتة تكريمية؟ إن أحسن تكريم للراحل محمد عصفور، لحد الآن، هو الكتاب الذي أصدره الناقد السينمائي أحمد فرتات حول حياته وأعماله بتعاون معه سنة 2000 بعنوان «عشق إسمه السينما»، والمتضمن على امتداد 270 صفحة من الحجم المتوسط للعديد من الصور والوثائق والمعطيات البيوفيلموغرافية. فهذا الكتاب يؤرخ لجزء مهم من تاريخنا السينمائي الذي لم يكتب بعد، وما أحوجنا إلى كتب عديدة مثله وإلى أفلام وثائقية مثل الفيلم الذي أنجزه المخرج إدريس اشويكة حول الفنان المتعدد المواهب العربي اليعقوبي والأفلام التي يعدها كل من علي الصافي ومحمد عبد الرحمان التازي حول المبدع أحمد البوعناني وغيرها. وعلى ذكر الكتب التي تؤرخ لتجارب المبدعين السينمائيين نثمن المجهودات التي تقوم بها جمعية القبس للسينما والثقافة بالرشيدية، التي أصدرت لحد الآن ثلاثة كتب حول تجارب المخرجين السينمائيين المغاربة داوود أولاد السيد ومحمد عبد الرحمان التازي ومومن السميحي، كما نثمن مجهودات الجمعية المغربية لنقاد السينما التي أصدرت هي أيضا ثلاثة كتب حول تجارب المخرجين عبد القادر لقطع وسعد الشرايبي وفريدة بنليزيد، وندعو وزارة الثقافة، التي تكلفت مشكورة بطبع الكتاب الذي أصدره سنة 2010 الباحث والصحفي حسن حبيبي حول حياة وأعمال الممثل الكبير حسن الصقلي بتعاون مع زوجته، إلى إعادة طبعه تفاديا للتشويه المطبعي والإخراجي الذي لحق به، الشيء الذي قد يسيء إلى ذكرى المرحوم حسن الصقلي، الذي تم اختياره ليحظى بتكريم إفريقي في إطار الدورة 22 لمهرجان وغادوغو السينمائي ببوركينا فاصو من 26 فبراير إلى 5 مارس 2011. وبمناسبة هذا التكريم الإفريقي المرتقب للراحل حسن الصقلي، الذي أعلن عنه المندوب العام للفيسباكو السيد ميشيل ويدراووغو في ندوة صحافية احتضنها فندق شالة صبيحة اليوم الثاني من أيام الدورة 12 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، ندعو المركز السينمائي المغربي ومديره العام إلى التدخل لدى وزير الثقافة ولدى السيدة نجاة زوجة الراحل والباحث حسن حبيبي من أجل إخراج الكتاب المذكور في حلة جميلة وأنيقة ومصححة تليق بالمكانة الرفيعة التي يحتلها الراحل حسن الصقلي في تاريخنا الفني.