الأستاذ عبد القادر مطاع ( 73 سنة ) ممثل مغربي عصامي التكوين ودائم الحضور في مشهدنا الفني السمعي والبصري على امتداد جزء كبير من تاريخنا الفني . تميزت مسيرته الإبداعية ، التي دخلت عقدها السادس ( 1952 2011 ) ، بالمزاوجة بين فنون الإشهار المسموع والمرئي وبين تشخيص الأدوار المسرحية والسينمائية والإذاعية والتلفزيونية المتنوعة . حظي في السنوات الأخيرة بتكريمات في مناسبات فنية وثقافية وتربوية عدة نذكر منها على وجه الخصوص تكريمه مرتين سنة 2010 ، أولا بطنجة في إطار المهرجان الوطني الحادي عشر للفيلم ، وثانيا بفاس في إطار المهرجان الوطني العاشر للفيلم التربوي ؛ ويشهد مطلع سنة 2011 تكريما جديدا له في إطار الدورة الثامنة لمهرجان السينما والهجرة بأكادير من 9 إلى 12 فبراير إلى جانب الممثل والمخرج الجزائري الأصل محمود الزموري . فيما يلي ورقة تعرف بأهم محطات تجربته الفنية الطويلة. مرحلة الطفولة والميولات الأولية لفن التشخيص ولد عبد القادر مطاع سنة 1938 بالدار البيضاء ، في الحي الشعبي المعروف " درب السلطان " ، وهناك ترعرع واحتك بوجوه فنية ، في الغناء والموسيقى أمثال الحاجة الحمداوية والراحلون سليم الهلالي و زهرة الفاسية وإبراهيم العلمي و أحمد جبران وأحمد الغرباوي ، وفي التشخيص الإذاعي والمسرحي أمثال الطيب الصديقي ومحمد الخلفي ونعيمة المشرقي والشعيبية العذراوي وعبد العظيم الشناوي ومحمد الحبشي ومحمد التسولي وعبد اللطيف هلال وعائد موهوب وغيرهم . التحق أولا بالكتاب وحفظ ما تيسر من الآيات القرآنية ، ثم بالمدرسة الإبتدائية التي لم يستطع المكوث بها أكثر من موسمين بسبب فقر أسرته ، خصوصا بعد وفاة والده سنة 1950 ، الشيء الذي سيضطره ، رغم صغر سنه ، إلى الخروج للعمل في النجارة أحيانا وفي إصلاح الدراجات وبيع الخضر وغير ذلك من المهن أحيانا أخرى .إن الطفولة الصعبة التي عاشها مطاع علمته الإعتماد على النفس ، وانفتاحه المبكر على سوق الشغل جعله يحتك بشرائح اجتماعية مختلفة ويتعلم منها أشياء كثيرة ستنفعه لاحقا في تقمص أدوار متنوعة ومختلفة في المسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة والإشهار . اكتشف الكوميديا من خلال متابعته لبرنامج " إضحك معي " الذي كان يشرف عليه المسرحي الراحل البشير العلج ، حيث كان مواضبا على تتبع تشخيص الممثلين آنذاك لأدوار اليهودي والبدوي والمرأة بصوت رجولي في مسرحيات هذا الأخير ، وكان يحس كمتلقي بمتعة كبيرة . من خلال تتبعه المستمر للمسرحيات والسكيتشات الرائجة في أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي نبع ميله المبكر إلى فن التشخيص وبدأت ذائقته الفنية في التشكل خصوصا وأنه عاش في درب السلطان لحظة افتتاح سينما الملكي ، التى أحيى فيها المطرب الراحل فريد الأطرش والراقصة الراحلة سامية جمال سنة 1948 سهرة فنية تابعها مطاع الطفل كما تابع فيما بعد أفلام هذا الأخير الإستعراضية وغيرها التي كانت تعرض بنجاح في مختلف القاعات السينمائية الشعبية البيضاوية قبيل وبعد استقلال المغرب عن الحماية الفرنسية . من الهواية إلى الإحتراف برزت الموهبة الفنية لعبد القادر مطاع الطفل واليافع ، في التشخيص المسرحي ، في صفوف جمعية الكشفية الحسنية المغربية في مطلع الخمسينات من القرن الماضي ، حيث كان لمخيماتها الصيفية فضل كبير في اقتحامه لعوالم التشخيص عبر مجموعة من السكيتشات التي كان يشارك فيها مع رفاقه الكشافة ، الشيء الذي جعله يكتشف بعض أسرار التشخيص المسرحي . ومن خلال متابعته لمختلف الأعمال الدرامية الإذاعية أصبح يشعر شيئا فشيئا بميل قوي إلى الفن الدرامي ، الشيء الذي سيدفعه إلى ركوب مغامرة الهواية المسرحية لصقل موهبته الفطرية عن طريق التحاقه بمسرح الحي الجديد بالدار البيضاء واحتكاكه بفنانين كبار من عيار الأستاذ محمد الخلفي في مسرحية " الصحافة المزورة " والراحل مصطفى التومي في مسرحية " المدرسة الجديدة " . في أواخرالخمسينات إذن كانت انطلاقة مطاع المسرحية ،كهاو ، وفي سنة 1960 سيدخل مرحلة الإحتراف بانضمامه إلى فرقة المسرح البلدي ، الذي كان يديره آنذاك أستاذ الأجيال ورائد المسرح المغربي الفنان الشامل الطيب الصديقي وسيشارك في مجموعة من المسرحيات نذكر منها : محجوبة أو مدرسة النساء و لعبة الحب والمصادفة و مومو بوخرصة ... وعندما استقلت الجزائر سنة 1962 شارك عبد القادر مطاع ، رفقة العديد من المسرحيين المغاربة ، في جولة فنية جابوا من خلالها معظم المدن الجزائرية ، وكان لهذه الجولة دور كبير في انبثاق التجربة المسرحية الجزائرية التي ساهم في إرساء دعائمها مبدعون جزائريون لهم وزنهم في الساحة كالفنان علي بوكويرات والشهيد عبد القادر علولة وغيرهما . بعد هذه البدايات المسرحية الأولى انضم إلى فرقة المعمورة ليستكمل تكوينه ويعمقه وشارك في بعض مسرحياتها ( مسرحية " فليفلة " نموذجا ، من اقتباس الراحلين علي الحداني وإدريس التادلي وإخراج عبد الرحمان الخياط سنة 1969 ) ، وقبل ذلك التحق بفرقة التمثيل التابعة للإذاعة والتلفزة المغربية تحت إشراف الرائد عبد الله شقرون وشارك معها طيلة ثلاث سنوات في العديد من المسرحيات و التمثيليات الإذاعية والتلفزيونية . خلال هذه المحطات وبعدها استمر الفنان مطاع في ترسيخ أقدامه في عالم التشخيص المسرحي عبر أدوار متنوعة شخصها في عدة مسرحيات يزخر بها ريبرتواره نذكر منها بالخصوص : مدينة النحاس ،معركة واد المخازن ، ديوان سيدي عبد الرحمان المجدوب ، أمجاد محمد الثالث ... المزاوجة بين المسرح والسينما لم يكن للفنان عبد القادر مطاع حضور مسرحي فحسب بل شارك إلى جانب العديد من الممثلين المغاربة في الإنطلاقة التأسيسية الأولى للأفلام المغربية القصيرة والمتوسطة في الستينات ( فيلم " تساوت " من إخراج لطيف لحلو سنة 1968 ) وارتبط إسمه بأفلام تعتبر علامات مؤسسة للإبداع السينمائي المغربي في السبعينات مثل " وشمة " (1970) لحميد بناني و " البراق " (1973) لمجيد الرشيش و " الشرقي أو الصمت العنيف " (1976) لمومن السميحي . كما شارك في الإنتاج المغربي الروماني المشترك " ذراعي أفروديت " (1978) من إخراج الروماني دراغان وفي الفيلم الدرامي الدنماركي الإيطالي " كريستيان " (1989) من إخراج غابريال آكسيل ... بعد ذلك سيحتجب عبد القادر مطاع ويغيب عن السينما ليعود سنة 2004 في فيلم " الباندية " لسعيد الناصري وأفلام قليلة أخرى آخرها " كلاب الدوار " (2010) لمصطفى الخياط . ولعل انعدام شروط العمل الإحترافي في حقلنا السينمائي منذ الثمانينات إلى الآن هو السبب الرئيسي في عدم حضوره بالشكل الذي يليق بمكانته كممثل كبير واكتفائه بالعمل المكثف في حقل الإشهار الإذاعي والتلفزيوني لضمان قوته اليومي والحفاظ على مستوى محترم من العيش الكريم . حضور تلفزيوني مستمر بالإضافة إلى الإشهار كان ولازال للفنان عبد القادر مطاع حضور لافت في التلفزيون المغربي منذ انطلاقته الأولى يوم 4 مارس 1962 ، فقد كان من أوائل الممثلين الذين اشتغلوا فيه مقابل تعويض مالي مع فرقة الإذاعة والتلفزة المغربية تحت إشراف الأستاذ عبد الله شقرون إلى جانب الفنانين عبد الله العمراني وزكي الهواري والراحلين العربي الدغمي ولطيفة كمال ، الزوجة الأولى للممثل الراحل حسن الصقلي ، وغيرهم ، حيث شارك في العديد من السكيتشات والتمثيليات والمسرحيات التي كانت تقدم آنداك بشكل مباشر. وكان أول مسلسل تلفزيوني ظهر فيه يحمل عنوان " المنحرف " (15 حلقة) من إخراج عبد الرحمان الخياط ، زوج الممثلة القديرة نعيمة المشرقي ، وتلته مسلسلات أخرى من توقيع المتألقة فريدة بورقية وغيرها نذكر منها : " ستة من ستين " و " خمسة وخميس " و " أولاد الناس " و " دواير الزمان " و " علاش أولدي " ... هذا بالإضافة إلى سيتكومات " لاباس والو باس " و " الربيب " و " هذا حالي " ... وأفلام تلفزيونية من قبيل " ثعلبة " و " صدفة الخاتم " و " دوار الشوك " و " المعلمة "وغيرها . والملاحظ أن البعد التلفزيوني في تجربة الفنان عبد القادر مطاع التشخيصية هو الذي ظل حاضرا بقوة في الوقت الذي تراجع فيه حضوره المسرحي وتوقف تعامله مع الراديو بعد مرحلة الإذاعة الوطنية في أواخر الستينات ومرحلة " ميدي 1 " ( إذاعة البحر الأبيض المتوسط ) لبضع سنوات منذ انطلاقتها سنة 1980 من باريس قبل أن تستقر بطنجة وظل حضوره السينمائي متقطعا. لقد برع مطاع في تشخيص العديد من الأدوار الكوميدية وغير الكوميدية ( أدوار الشرير والطاغية والمنتقم وزوج الأم القاسي القلب ...) بصدق وإقناع ولم تتح له لحد الآن فرص كافية لتفجير الجزء الكبير من طاقاته التشخيصية المخزونة ، فتحية تقدير واحترام له كإنسان ولتجربته المعتبرة كفنان ومزيدا من العطاء.