انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي و"طرد البوليساريو".. مسارات وتعقيدات    بايتاس يُشيد بالتحكم في المديونية    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    هل تغيّر سياسة الاغتيالات الإسرائيلية من معادلة الصراع في الشرق الأوسط؟    هاريس وترامب يراهنان على المترددين    مشفى القرب بدمنات يواجه أزمة حادة    طرائف وحوادث الإحصاء    "النملة الانتحارية".. آلية الدفاع الكيميائية في مواجهة خطر الأعداء    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    بذل عمل جديدة لعناصر الجمارك "توضح تراتبية القيادة" شبه العسكرية    الشرطة توقف مروج كوكايين في طنجة    فاتح شهر ربيع الآخر 1446 ه يوم السبت 5 أكتوبر 2024    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت وتقارير إعلامية تتحدث عن استهداف هاشم صفي الدين    المياه المعدنية "عين أطلس" لا تحترم معايير الجودة المعمول بها    رسميا: فيفا يعلن عن موعد انطلاق مونديال كرة القدم سيدات تحت 17 في المغرب    الحسيمة.. عائلة من افراد الجالية تتعرض لحادثة سير خطيرة على طريق شقران    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    إسبانيا على وشك خسارة استضافة مونديال 2030 بعد تحذيرات الفيفا    المنظمة العالمية للملاكمة تقرر إيقاف الملاكمة الجزائرية إيمان خليف مدى الحياة    الملك يهنئ رئيس الحكومة اليابانية الجديدة    أسعار النفط العالمية ترتفع ب 5 في المائة    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": الحكومة لم تحترم الدستور بهروبها من عريضة "إسقاط التطبيع" ومسيرة الأحد تؤكد الموقف الشعبي    مومن: قائمة المنتخب المغربي منطقية        بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    مشروع هام لإعادة تهيئة مركز جماعة "قابوياوا"    "درونات" مزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي لمراقبة جودة البناء    الركراكي: الانتظام في الأداء أهم المعايير للتواجد في لائحة المنتخب المغربي    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    الركراكي يساند النصيري ويكشف هوية قائد المنتخب        أخبار الساحة    أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مهرجان سيدي عثمان السينمائي يكرم الممثل الشعبي إبراهيم خاي    قراصنة على اليابسة    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    عبد اللطيف حموشي يستقبل المستشار العسكري الرئيسي البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا    استدعاء وزراء المالية والداخلية والتجهيز للبرلمان لمناقشة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات    "جريمة سياسية" .. مطالب بمحاسبة ميراوي بعد ضياع سنة دراسية بكليات الطب    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    جائزة نوبل للسلام.. بين الأونروا وغوتيريس واحتمال الإلغاء    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    مؤتمر علمي في طنجة يقارب دور المدن الذكية في تطوير المجتمعات الحضرية    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    القطب الرقمي للفلاحة.. نحو بروز منظومة فلاحية رقمية فعالة        وقفة أمام البرلمان في الرباط للتضامن مع لبنان وغزة ضد عدوان إسرائيل    مندوبية طنجة تعلن عن منع صيد سمك بوسيف بمياه البحر الأبيض المتوسط    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطايا العشر لمشروع تهيئة ضفتي أبي رقراق
نشر في بيان اليوم يوم 07 - 02 - 2011

منذ تدشين انطلاقة مشروع تهيئة ضفتي أبي رقراق في فاتح يوليز2006، ما فتئت الأوساط المعنية من سلطات ومجالس محلية وسكان وجمعيات المجتمع المدني بحاضرة الرباط وسلا، تعبر عن ارتياحها العميق وتأييدها لهذا المشروع الكبير الذي تأمل أن يكون في مستوى تطلعاتها، من خلال القيمة المضافة التي من شأنها تقديمها لهذه الحاضرة، وجعلها في مقام الحواضر المتقدمة على المستويين الوطني والدولي.
هذا ما تم التعبير عنه علنيا في العديد من المناسبات التي نظمتها الأوساط المذكورة، ولاسيما فعاليات المجتمع المدني (مثل جمعيتي أبي رقراق وسلا المستقبل) للتعريف بهذا المشروع، وفتح النقاش حوله. وهو ما مكن من طرح العديد من الأسئلة بشأن عدد من الموضوعات والمجالات المرتبطة به، مثل: التعمير وتصاميم التهيئة، والعقار ونزع الملكية، وتمويل المشروع وتدبيره، والشركات الأجنبية المتدخلة فيه، وإشكالية النقل الحضري، والأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للمشروع (الشغل والسكن والصناعة التقليدية والسياحة..)، والتنسيق مع مختلف البرامج التي تعرفها الحاضرة، والقيادة والحكامة، وتأثير ذلك كله على مستقبل السكان والبيئة بالمنطقة (..).
وهي أسئلة كبرى حاولت وكالة أبي رقراق الإجابة عن بعضها سواء عن طريق مديرها أو بواسطة بعض ممثليها أو خليتها التواصلية عبر تنظيم بعض نقاط الإخبار أو نشر بعض البيانات والمشاركة في بعض اللقاءات المتعلقة بالموضوع، والذي كان آخرها ما صدر عنها بمناسبة انعقاد آخر دورة لمجلسها الإداري تحت رئاسة الوزير الأول (يونيو 2010). لكن باستثناء بعض المعلومات أو الأرقام التقنية المقدمة في هذه المناسبة أو تلك، وجب الاعتراف أن العديد من علامات الاستفهام الكبيرة ظلت عالقة، ولم تتمكن الوكالة من الإجابة عنها إلى الآن.
وإذا كان مما لاشك فيه أننا نؤيد المشروع المذكور وننوه ببعض منجزاته ونقدر الصعوبات الموضوعية التي يواجهها، فإن ما يمكن تسجيله من خلال المعاينة المباشرة والملاحظات أو الانتقادات التي عبرت عنها العديد من الأوساط في حاضرة الرباط وسلا (المنتخبون، وجمعيات المجتمع المدني، والسكان، والصحافة المحلية والوطنية..)، هو أن تدبير المشروع عرف أخطاء كبرى، نجملها عموما في عشرة، هي:
1- احتكار التدبير
يتمثل احتكار التدبير في تخويل كل الصلاحيات القانونية لوكالة تهيئة أبي رقراق لتدبير المشروع. وهذا من خلال القانون الخاص المؤسس للوكالة، والذي أعطاها شخصية معنوية مستقلة، سمحت لها بالاقتصاص من اختصاصات العديد من المؤسسات القائمة (مثل الوكالة الحضرية للرباط وسلا والمجالس الجماعية للحاضرة..). وهو تدبير لا شك أنه جاري به العمل في العديد من البلدان المتقدمة لإدارة بعض المشاريع الكبرى ذات الطبيعة الخاصة (مثل «حي الدفاع» بفرنسا) والتي تفرض إنشاء هيأة أو شركة أو وكالة خاصة لتدبيرها، خارج البيروقراطيات والقوانين المعهودة. كما أن من شأن اللجوء إليه في المغرب، تجنب بعض الإشكاليات التقليدية العويصة مثل إشكالية العقار وتنازع القوانين والصراع بين المؤسسات..، والتي عادة ما تشل كل مشروع له أهمية كبرى (وهذا ما يفسر ربما تعثر المشاريع الكبرى في بلادنا). لكن لهذا التوجه التقنو-تدبيري (Managérial) في السياق المغربي مخاطره مثل: دعم الاحتكار السياسي، والانبهار بالحل التقنوقراطي للقضايا التنموية والاجتماعية، وتهميش الحكومة والبرلمان والمجالس المحلية، وتمييع المسؤولية (من، يقوم بماذا؟)..، وبالتالي تعميق أزمة الديمقراطية.
2- ضعف الشراكة
ضعف المشاركة، يتجلى في نوعية مسايرة السلطات والجماعات المحلية عموما لهذا الوضع الاحتكاري السياسي- التقنوقراطي الذي بدأ العمل به في عدد من البرامج الكبرى (ميناء طنجة المتوسطي، وتهيئة ضفتي أبي رقراق..)، دون إبداء أية ملاحظات ذات شأن تتعلق بالاختصاصات المذكورة أو الاختيارات التقنية أو المشاكل الاجتماعية المرتبطة بهذه البرامج (مثل نزع الملكية والشغل والسكن والنقل الحضري..). وهذا بدعوى أن هذه الأخيرة هي مبادرات تنموية في صالح السكان والبلاد، تتبناها السلطات العليا، ولا داعي إذن للتشاور أو النقاش بشأنها. هذا ما يبدو، على الأقل، أن مدير وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق قد فهمه، واستغله غير ما مرة، وهو يدافع بتعال بالغ عن المشروع، رافضا أي نقد بشأنه من أية جهة كانت. بل، ولم يتردد غير ما مرة في توجيه اللائمة في هذا الصدد إلى رؤساء السلطات والجماعات المعنية والمجتمع المدني والصحافة (كما حدث في لقاء تواصلي نظمته عمالة سلا بالمناسبة).
3- تغيير التصميم
انطلق المشروع بحماس كبير، كما هو معروف. لكن هذا الحماس لم يمنع منذ البداية من بروز بعض الأسئلة القلقة مثل: من قام بهندسة المشروع؟ وهل تم احترام مسطرة المنافسة في ذلك؟ ومدى علاقة التصميم بالواقع؟ وما هي المساحة الحقيقية التي سيأخذها؟ والعقار الذي سيقام عليه؟ والأحياء التي سيتم هدمها أو بناؤها..؟ وهي الأسئلة التي إذا كان جزء منها قد وجد بعض الإجابات بعد صدور التصميم المذكور بشكله النهائي في شتنبر 2009، فإن الغموض ظل قائما بشأن بعضها الآخر، لاسيما ما تعلق منها بالتغييرات التي شملت التصميم (مثل إضافة مركب سكني/باب البحر) والتي لم يتم التشاور بشأنها، أو إجراء أي نقاش علني حولها في وسائل الإعلام. وتم الاقتصار في ذلك على احترام المسطرة الإدارية الروتينية المعروفة بشأن المصادقة على تصاميم التعمير (عرضه على العموم لمدة محددة، واستقبال بعض الملاحظات والاعتراضات، ومحاولة الإجابة عن بعض الأسئلة..)، وكأن القضايا التي يطرحها مشروع كبير من وزن «تهيئة ضفتي أبي رقراق»، هي مجرد قضايا قانونية شكلية فحسب!
4- الارتباك في الاختيارات
ثمة ارتباك في الاختيارات جاء نتيجة ارتباك التصميم ذاته. وتمثل أساسا في الإعلان عن هدم أو نزع ملكية كل المنشآت التي قيل إنها تحجب الرؤيا عن أسوار مدينة سلا ثم التردد في ذلك. بحيث أنه إذا كان قد تم التخلي عن فكرة هدم «حي الرمل»، فإن الغموض لا يزال قائما بشأن «العمالة» و»مستشفى العياشي»، بينما تم الإسراع -أو التسرع- في هدم «الملعب الرياضي» و»الوقت الأخضر». لكن المفاجأة، أن الوكالة بعد أن قامت بهذا الهدم، سمحت لشركة إماراتية (المعبر- أبوظبي) ببناء مركب عقاري ضخم من فئة (R+3) على طول كورنيش مدينة سلا. والحال أن مسألة البناء هذه لم تكن واردة مطلقا في المخطط الأولي للمشروع كما ذكر، كما أن المركب المعني أضحى أكثر حجبا لرؤية أسوار سلا من المنشآت السابقة (إذ لا يتجاوز علو حي الرمل R+1). بل وإن كل مطل على مدينة سلا من الرباط لاشك أنه سيصدم بهذا السور الإسمنتي البشع، الذي أضحى يغطي ليس الأسوار فحسب بل كل معالم المدينة القديمة لسلا (مثل المسجد الأعظم)، خارقا بذلك كل الأعراف وقوانين التعمير التي تمنع البناء العالي على ضفاف الوادي أو الساحل، والتي تم هدم «الوقت الأخضر» على أساسها، يا حسرةٍ !
5- المضاربة العقارية
لكن المسألة لم تقف هنا، فقد تم الترخيص لشركة أخرى ببناء «قصر» (قيل إنه سيكون مقرا لها) يعطي ظهره كليا لوادي أبي رقراق على ضفة سلا، تماما كما كان قد تم السماح في السابق ببناء عدد من المنشأت («دوليز» و»نادي البحر» و»ماجيك بارك»..)، والتي تمنع المواطنين من الوصول إلى ضفة الوادي. بل الملفت للنظر هو تحول الوكالة إلى شركة عقارية، تقوم بتفويت جزء من أراضي المشروع لشركات أجنبية (إماراتية بالأساس) للقيام بمشاريع عقارية ضخمة فوقها (مشروع أمواج بعد مشروع باب البحر). وهذا جزء من اختصاصاتها ربما، لولا أنه تم في ظروف تحكمت فيها اعتبارات سياسية أكثر منها اقتصادية، اتسمت بعدم الشفافية والوضوح. لكن، وبعد انسحاب الشركات المذكورة (بالطريقة الغامضة ذاتها التي أتت بها)، فإن المسألة لا تزال مطروحة بشأن مدى صلاحية البناء في هذه المنطقة، ومدى مصداقية الصفقات المعقودة مع مجموعة المؤسسات الوطنية التي قيل إنها ستعوضها (صندوق الإيداع والتدبير والضحى..)، والتزام الوكالة باحترام القيم والفلسفة التي أعلنت عنها (والتي حددتها في: الصالح العام، والمسؤولية والشفافية والحوار..)، وقيام السلطات والجماعات المحلية بواجباتها في الرقابة والتتبع (..).
6- القنطرة الجديدة
إن اختيار بناء قنطرة جديدة لتعويض أخرى قديمة، بهدف حل إشكالية النقل الحضري بين عدوتي الرباط وسلا، لا خلاف عليه مبدئيا. لكن، هذا الاختيار يطرح في رأينا أسئلة عديدة مثل: هل المشكلة هي في تعويض قنطرة بقنطرة؟ هل الهندسة التي تم اختيارها (علو 12 متر، وعرض 49 مترا) ملائمة فعلا للمنطقة؟ ما هو المبرر الواقعي لرفع علو القنطرة (مسألة مرور المراكب العالية ليست مبررا معقولا)، بل واستمرار هذا العلو إلى ساحة «كاردونا»، وباتجاه يثير الاستغراب (الاتجاه نحو قنطرة السكة الحديدية وليس نحو باب فاس)؟ هل من شأن تركيز ثقل المرور على طرفي القنطرة، أي في مفترقي الطرق «كاردونا» وساحة سيدي مخلوف، أن يحل إشكالية النقل بين العدوتين؟ وما مدى مساهمة تدبير المشروع (إغلاق الطرق وتحديد أولويات البناء..) في التخفيف من عناء المواطنين في هذا الصدد؟ لا إجابات واضحة عن هذه الأسئلة، لكن المؤكد، أن القنطرة وحدها لن تحل إشكالية النقل، وأن ما تحتاجه الحاضرة فعلا هو تصميم مديري أو سياسة عامة للنقل تشمل تشييد قناطر وأنفاق تحت أرضية وممرات تحتية وعلوية، إضافة إلى السكك الحديدية والترامواي.
7- الترامواي
في مجال النقل، إذا تركنا جانبا مسألة النقل السككي، يمكن القول أن إنجاز «الترامواي» يعد مكسبا للحاضرة واختيارا استراتيجيا شجاعا، بالنظر لتحديات النقل والبيئة والتنمية المستدامة. لكن هذا لا يمنع أيضا من التساؤل حول مدى الرهان على اختيار المواطنين للترامواي بدل السيارة، ومدى انسجام ذلك مع سياسة الدولة لتشجيع هؤلاء على اقتناء السيارات، ومدى صحة بعض الاختيارات التقنية للمشروع (الأحياء المعنية، خطوط المرور، التموقع وسط الطريق، تضييق الشوارع، المنعرجات...)، وعلاقته مع باقي وسائل النقل (الحافلات والطاكسيات والقطار..)، أي مدى اندماجه الفعلي في التصميم المديري للنقل في حاضرة الرباط وسلا وتمارة. لن ندخل في تفاصيل مخطط الترامواي الذي يحتاج وحده إلى دراسة، لكن ألم يكن الأولى على سبيل المثال التركيز فيه على الأحياء البعيدة أو الضواحي التي تعاني الأمرين من إشكالية النقل (أحياء سلا الجديدة والقرية وحي اشماعو وسعيد حجي وبوقنادل واليوسفية والنهضة والتقدم وتمارة..)، وترك الأحياء القريبة والمكتظة (وسط سلا والرباط) للحافلات والطاكسيات، في تقاسم وتكامل للأدوار بين وسائل النقل..، على الأقل في المرحلة الأولى من المشروع؟
8- النفق الأرضي
اختارت الوكالة المعنية حفر نفق أرضي تحت معلمة الأوداية الأثرية للتخفيف من الضغط الطرقي في هذا الموقع، وإعطاء الأولوية للراجلين، وإعادة هيكلة هذه المنطقة السياحية بامتياز (الأوداية والشاطئ). والغاية نبيلة دون شك. لكن لماذا اختيار الحفر تحت الأوداية بالذات، علما بأنه كان من الممكن تقنيا، وباعتراف عدد من مهندسي الطرق الذين استشرنا معهم، تفادي ذلك دون تكاليف مادية باهضة وتعريض هذه المعلمة للخطر. وذلك بالحفر تحت الطريق الموجودة حاليا في اتجاه المركب الحرفي بعد هدم هذا الأخير (تحويله إلى مكان آخر) مع بعض المنشآت القليلة المجاورة له. أليس الاختيار المحدد مجرد استعراض هندسي أو تحقيق عمل تقني- فني جيد ربما لا لزوم له في الأصل؟
9- المرفأ والشاطئ
لقد نجحت الوكالة دون شك في بناء «المارينا» قرب باب لمريسة بشكل جعل مدينة سلا تتصالح إلى حد ما مع ماضيها البحري المجيد. وفي انتظار «المارينا الصغيرة» المنتظر إقامتها قرب الشاطئ، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو مدى صواب الاختيارات التقنية لمرفأ الصيد البحري الذي تمت إقامته، وملاءمته لجغرافية المنطقة. لقد كان الاختيار الأنسب -ربما- يقتضي إنشاء هذا المرفأ خارج الشاطئ، بمد حاجز بحري خارجي ينطلق من برج سيدي بنعاشر إلى الحاجز الآخر الموجود حاليا، دون المساس بمعالم الشاطئ الحالية مما كان سيتحقق، دون شك، بأقل تكلفة وأكبر وأجمل بكثير. كما أن هندسة المرفأ الحالي على ضخامتها تدعو إلى الاستغراب (صغر المرفأ، وانغلاق مياهه، ومحدودية تجهيزاته، وقربه من مصب الواد الحار..)، فيما لم يتم إلى حد الآن الإعلان عن التصميم النهائي للشاطئ ولا العقارات المجاورة له (إذ لا توجد أية لوحة إعلامية توضح ذلك). وهو ما يجعل ساكنة سلا وفعالياتها السياسية والجمعوية يتخوفون من أن تصبح هذه العقارات ساحة للمضاربة العقارية الشرسة مثل «باب البحر» و»أمواج»، على حساب البرامج المنتظرة في الأصل.
-10 التواصل
هذا ما يجرنا للحديث عن السياسة التواصلية للوكالة، والتي تتسم عموما بعدم الدقة والوضوح. إذ مرة يتم إظهار المشروع وكأنه المشروع الكلي أو الشمولي لحاضرة الرباط وسلا والذي تدور حوله كل تصاميم التهيئة والمشاريع أو البرامج الأخرى لهذه الحاضرة (وهو ما يفسره تدخل الوكالة أحيانا في مشاكل النقل والبيئة والاستثمار المرتبطة بالحاضرة، خارج اختصاصاتها العادية). ومرة أخرى يظهر هذا المشروع وكأنه مشتت، لا علاقة له ببرامج الحاضرة، كما لا علاقة لمشاريعه بعضها مع بعض. ومثاله الحديث عن «باب البحر»، والسكوت المطلق عن «الساحة الكبيرة» و»قصبة ركراكة» و»صهريج الوادي» و»المنزه الكبير» و»بحيرة السهول». فهل هذا يعني تخلي الوكالة عن كل هذه المشاريع واكتفاؤها بما استطاعت تنفيذه إلى الآن، أم أن الأمر مجرد سوء فهم أو تواصل؟ وفي انتظار جواب الوكالة، لا يمكننا إلا تسجيل عزلة مشروع «باب البحر» عن باقي التصاميم أو البرامج المذكورة، الذي أصبح وكأنه مجرد مركزية حضرية جديدة (une nouvelle centralité urbaine) لها استقلاليتها الخاصة عن محيطها، ومن شأنها أن تشكل عند نهايتها «واحة مترفة في صحراء من البؤس» في مدينة سلا.
هذا ما لا نتمناه، ذلك أن ما ترغب فيه ساكنة سلا في المقام الأول هو أن يكون هذا المشروع قاطرة للتنمية الشمولية للمنطقة ككل، وسلا بشكل خاص. ومن هنا، تأتي أهمية الأهداف والضوابط أو الحدود المفترض أن يلتزم بها. وهي حدود لا تتعلق بالقانون وحده، لأن القانون يعطي للوكالة المدبرة للمشروع كل الصلاحيات كما ذكر. ولكنها تتعلق أساسا بالسياسة، أي بالمعنى أو الغاية من المشروع أساسا. هل هي غاية تقنوقراطية فحسب تروم الإبهار التقني عبر إرضاء أذواق بعض المهندسين المنعزلين عن محيطهم الاجتماعي والسوسيو- ثقافي، أم هي غاية عقارية منفعية تفتح منطقة استثنائية أمام شركات استثمارية أجنبية أو محلية لغرض المضاربات العقارية، أم غاية سياسية - وهمية أو مؤكدة - غرضها تأكيد أبهة السلطة/المخزن دون أي اعتبار للمنتخبين أو الساكنة ؟
هذا لا يعني العدمية أو التشكيك. فنحن كما تمت الإشارة إليه في المقدمة ننوه بهذا المشروع، وننوه ببعض منجزاته، ونتفهم صعوبات إنجازه، ونفترض حسن النوايا بالتالي لدى فاعليه. لكن دون أن يدفعنا هذا للتنازل عن ممارسة فعاليتنا النقدية المشروعة، والتي جعلتنا نسجل ما أسميناه تجاوزا «بالخطايا العشر» المذكورة. ذلك، أن لدينا قناعة (نتقاسمها مع كل الفعاليات الحية للمدينة) مفادها أن للمشروع المعني غاية حضارية في المقام الأول، تروم - بغض النظر عن الأشخاص أو المؤسسات - توحيد حاضرة الرباط وسلا في اتجاه تحقيق مزيد من التوازن والترابطية بين شطريها، وإعادة هيكلة منطقة ذات حساسية تاريخية وإيكولوجية خاصة لفائدة البيئة والسكان، وبالتالي إعطاء قيمة مضافة عالية في مجال التنمية المستدامة كما ذكر للحاضرة المعنية. لكن هذه الغاية تبدو اليوم مهددة. إلى أي حد؟ هذا ما يمكن الاتفاق أو الاختلاف حوله، بهذه النسبة أو تلك.
لكن المؤكد أنه لا نجاح لأي مشروع في المغرب بشكل عام، ولمشروع تهيئة ضفتي أبي رقراق بالتحديد، إلا إذا نجح في تحقيق مكسبين أساسيين –في رأينا- هما: التدبير الديمقراطي الذي يفيد التشاور وإشراك الأطراف المعنية في صنع القرار (المنتخبون والمجتمع المدني وسكان المنطقة..)، وتحقيق الانسجام والتكامل مع سائر تصاميم التهيئة ومخططات وبرامج التنمية القطاعية التي تعرفها الحاضرة في إطار قيادة رشيدة وحكامة جيدة تبني مستقبل الحاضر.
* عضو المجلس الإداري لسلا المستقبل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.