النقاد الغربيون يعتبرون الكاتب المسرحي الشهير وليم شكسبير أديبا وفنانا فقط، إنما عالما لغويا، ساهم بدور كبير في إثراء اللغة الإنجليزية، لايقل عن دور إسحاق نيوتن في الفيزياء والرياضيات. وكما ساهم هذا الأخير في الثورة العلمية بأوروبا، أحيا الأول لغته، بإعطائها نفسا جديدا، وإغنائها بمفردات وتعابير، لم تعهدْها من قبل! ولهذا نسبوا له آلاف الكلمات والألفاظ، التي نعثر عليها في اللغة اليومية للمواطنين البريطانيين..! وهذا الأمر ليس غريبا ولا عجيبا، فالعديد من الأدباء أبدعوا كلمات، وحمّلوا أخرى معاني دالة، لكنْ، في الكتابة النقدية، وأذكر منهم الناقدين نجيب العوفي ومحمد برادة، فالأول نحت في اللغة، والثاني استغل طاقة المصطلح النقدي الروسي، فأضفى غنى على الأساليب النقدية المغربية والمغاربية..! وكما قلت سابقا، ظلتْ هذه الجهود رهينة الكتابة، أي بين ثنايا الكتب والمجلات والجرائد والقاعات المغلقة. بينما إضافات شكسبير تَمَسْرَحتْ، فانتقلتْ إلى الساحات والقاعات العمومية، مما جعلها تعانق الأكثرية، فتترسخ في اللغة اليومية للمواطنين، بل ترجمتْ إلى لغات العالم. ويرجعون العامل الأساسي في هذه الإضافات إلى ذكائه، وسرعة بديهته، وقدرته الفائقة على التأويل والتخييل، وإلى عامل آخر، يتمثل في الحقبة التاريخية التي نشأ فيها؛ إذ أن الحروب والمعارك التي كانت تشهدها أروبا، دفعته إلى الاحتكاك بالمواطنين والجنود الوافدين على أنجلترا، والتقاط ألفاظ من لغاتهم، تقدر بألف وسبعمئة كلمة..! إن الأديب لا يعبر عمّا يشغل فكرَ شعبه فقط، ولا ما يعانيه من آلام قاسية فقط، ولا يُمَتِّع قارئه بِما يخطه قلمه فقط، لكنه يُحافظ على لغته، ويَعَضُّ عليها بالنواجذ، كما يقال، ويُثْريها بألفاظ وتعابير لَمْ يعْهدْها من قبل. والوَيْلُ لمنْ يسْتَهينُ بِها، فيُفَرِّط فيها، ظنا منه أن غيرها من اللغات يَفي بالغرض، فإن شخصيته ستفقد قوتَها وسِرَّ حياتِها. ولولا حفاظ الأمم المتقدمة على لغاتها، لَمَا بلغتْ ما بلغته من تطور ورقي..!