الناقد والأديب المغربي محمد يوب ألقى بحصاه في بحر القصة المغربية المعاصرة ، ونفذ إلى ما وراء الدوائر والأشكال التي تركها حصاه ، من خلال تأليفه لكتاب نقدي هام صدر حديثا عن سلسلة " دفاتر الاختلاف " في (205صفحة) تحت عنوان : " في معرفة القصة المغربية المعاصرة " ، يجمع في هذا الكتاب بين التنظير والتطبيق معا ، لمعرفة ( بنياتها - مواضيعها – إبدالاتها و كتابها -....) مع تخصيص الجزء الأخير منه لمقاربات نقدية تخص بعض المجاميع القصصية المغربية المعاصرة بدءا من التسعينيات ، لمبدعين مغاربة تميزوا على الساحة القصصية مغربيا وعربيا ، مع دراسات تطبيقية / نصية . الكتاب جاء خلافا لكتب نقدية أخرى خصصت جزءا للتنظير وآخر للتطبيق ، لكنه هنا جمع بين المهمتين على مدار سبعة فصول جاءت متسلسلة كما يلي : 1- البنية الفنية في القصة المغربية المعاصرة 2- الرؤية إلى العالم والرؤية من خلف في القصة المغربية المعاصرة 3- الشخص والشخصية في القصة المغربية المعاصرة 4- مستويات التلقي والتأويل في القصة المغربية المعاصرة 5- جماليات ما وراء القص في القصة المغربية المعاصرة 6- القصة القصيرة جدا بين القبول والرفض 7- الفهم - الإفهام - الإقناع - الاقتناع في القصة القصيرة جدا . هذا العمل النقدي الهام جاء ليحيي النقد المغربي الحديث وإعادة الاعتبار إليه ، في فترة حرجة من تاريخ النقد الأدبي المغربي ، كادت تكون فيه الساحة الأدبية شبه خالية من الإصدارات النقدية إلا من قلة قليلة ، بعد استراحة الرواد ( د.محمد مفتاح - د حميد لحميداني - د. نجيب العوفي وآخرون... ). الكتاب في مجمله أيضا ، يقدم مجموعة من التقاطعات السردية والتشاكلات السيميولوجية في القصة المغربية القصيرة مع أجناس أخرى ، منها الرواية والمسرحية والسيناريو المسرحي/ السينمائي . وقد ظهر جليا أن هناك قاسما مشتركا بنويا / سيمائيا ، تلتقي فيه كل هذه الأجناس الأدبية ، لتزيح بذلك فكرة استقلالية الأجناس ، مع احترام خصوصية كل جنس ، لأن الأصل في السرد القصصي عند الناقد محمد يوب هو القصة القصيرة . فعندما تتمدد تصبح رواية ، أما عندما تنكمش تصبح قصة قصيرة جدا . فإذا كانت الرواية تحكي اليوم كله والقصة القصيرة تحكي بعضه ، فالقصة القصيرة جدا تقتطع من هذا اليومي جزءا يتناسب وحجمها ، معتمدة في ذلك على التكثيف بأسلوب سهل ممتنع ، كما هو ملاحظ عند أغلب القصاصين والقصاصات بعيدا عن اللغة المتعالية. لكن الذي يختلف فيه الأدباء حسب محمد يوب ، هو طريقة سرد هذه الأحداث . فكل عمل سردي يعتمد على حدث أو حالة مقتطفة ، وهذا يعطينا قصة قصيرة جدا. والذي يختلف فيه القصاصون حسب الناقد محمد يوب هو طريقة سرد هذه الأحداث ، فكل عمل سردي يعتمد على حدث ، عن حالة مقتطفة وبالتالي يعطينا قصة قصيرة جدا. يسلك كل القصاصين والقصاصات أسلوب التتابع في ظل وجود شخصيات ، رغم أن القصة القصيرة جدا لا تهتم في الغالب بتفاصيل الشخصيات ، عكس القصة القصيرة والرواية اللتان تفسحان المجال لشخصياتها بالتمدد. وتعتبر القصة بأشكالها المختلفة : ( قصة - أقصوصة - قصة قصيرة جدا-...) مجالا يشتغل فيه القاص انطلاقا من إيديولوجية معينة و قناعات خاصة ، تخرج إلى عالم الكتابة كطلقات صادمة ، بلغة تبتعد عن التقرير والمباشرة ، وتنزاح إلى الترميز والتشفير الأدبي الجميل ، معتمدا على لغته الخاصة لأنه " ليس في اللغة إلا الاختلاف " كما يقال. وانطلاقا من قراءة المجاميع القصصية لعدد من القصاصين والقصاصات يتضح بأن تقنيات الكتابة واختلاف القواميس والمعاجم من قاص(ة) إلى أخر(ى)، تتنوع اللغة وتتنوع عوالمها لذلك " لا نجد فيها عالما متماسكا يجمعها ، ولا مضمونا موحدا يوحدها ". كل يعتمد على ألفاظ ، غالبا ما تكون وليدة الواقع. فالقصص تتقاطع في مواضيعها مع الطرح الفلسفي والفانتاستيكي في فهم الحياة ، وأيضا اليومي المعيشي أو السرد / حكائي الذي يغرف من المقامة الأدبية ، وهناك من يخضع النكتة الدارجة لتجريب الكتابة القصصية ، مع وجود تطريز آخر يغرف من الدراسات النفسية و من سلوكيات الحيوانات ، لأن " البيولوجي والثقافي متداخلان فيما يسمى بالذكاء الاصطناعي" كما يسميه د محمد مفتاح . يلاحظ الناقد المغربي محمد يوب كذلك أن " أغلب كتاب القصة المغربية المعاصرة يبدؤون الجمل القصصية بالجمل الاسمية بدل الجملة الفعلية ، لأنه في وعي الكتاب تكمل أهمية الإنسان (الاسم)" .إذا كان (كريماص) ينطلق من التفرقة بين البنية العميقة والبنية السطحية للنص ، أيضا محمد يوب يسلك نفس النهج تقريبا ، فعلى مستوى الظاهر تبدو الكتابة معتادة من وجهة نظره ، لكن على مستوى التأويل تصبح ذات إيحاءات و دلالات متعددة ، بتعدد الحمولات الفكرية التي تحملها الكلمات ، وبهذا المعنى تتجه اللغة من الكلمة / العلامة إلى التركيب. ومن هنا أيضا يتبين أن " البنية الفنية في القصة المغربية المعاصرة ، ليست فقط ألفاظا منتقاة بكل عناية وانتظام ، بل هي عبارة عن ألفاظ تفهم حسب السياق وحسب تموقعها داخل الجمل ، لأنها تفهم في حالتها السكونية " ، فاللغة بمفردها لا تحدث هذا الأثر الفني في حالتها السكونية ، لكن في البنية الفنية يصبح الواقع في شكل مفارق بعيدا عن لغة الأفعال والأسماء ، بل يقارب لغة الأسئلة التي تشغل بال القارئ وتحيره ، بحكم أن الثابت والمتغير كليهما تحكمهما علة مادية أولى في الدينامية (*). وبذلك تصبح الحروف رموزا وألوانا ترسم لوحة درامية ، تتفاعل فيها الشخصيات العاملة في سير مجريات الأعمال القصصية. كما أن الزمن في القصة المعاصرة (وفق رؤية الناقد) زمنان : زمن الوقائع وزمن القص ، أي زمن الكتابة الذي يتحرك عبر البنية الفنية ، ليساهم في خلق الزمن الممكن من خلال أفعال تتحرك ، فيصبح القارئ عاملا مساعدا وليس عاملا معاكسا كما يقول السيميائيون ، فيفك أسر اللغة وذلك بإخراجها من المعنى الذهني المعجمي القائم على الصراحة ، إلى المعنى الشاعري التخيلي المبني على إطلاق العنان للخيال ، لأن " اللغة الطبيعية لا تتيح للإنسان أن يولد منها ما يشاء ، بعكس اللغة الصورية" (ص15) ، وهذا يحيلنا من جديد إلى الصورة الشعرية في اللغة بشكل عام و القصة القصيرة بشكل خاص ، وأيضا إلى مقولة الشاعر أدونيس " الشعر يحرر اللغة " ، وهذا ما قد يعطي القصة القصيرة شرعية الامتحاء من لغة الشعر. كما أن الناقد محمد يوب يرى بأن أغلب القراءات النقدية التي تناولت القصة المغربية المعاصرة تكون في مجملها ، إما وصفية تقارب الأعمال من خارج النص ، مبدية إعجابا به أو سخطا عليه.