نشر محمد حاجب، المدان السابق في قضايا الإرهاب والتطرف وعلى ذمة أعمال الشغب التي سجلها سجن الزاكي بسلا في سنة 2011، شريط فيديو مقتضب يعلن فيه ما سماه "تعليق نشاطه الإعلامي نزولا عند طلب بعض عائلات المعتقلين على خلفية قضايا الإرهاب والتطرف". وأعزى محمد حاجب المعروف حركيا بلقب "أبو عمر الألماني"، ظاهريا، سبب تجميد خرجاته على شبكات التواصل الاجتماعي إلى الرغبة في عدم التشويش على ماوصفها ب"مبادرة مقبلة تروم منح العفو على فئة من هؤلاء المعتقلين في إطار قضايا الإرهاب" . لكن تصريحات محمد حاجب، الذي جنّدته القاعدة في سنة 2009 ك"خادم مكلف بشؤون أرامل المقاتلين وما ملكت إيمانهم" في مضافات الأدربدجان في وزيرستان، ما انفكت تتصدع وتصدح بالتناقضات والمغالطات العقدية والأخلاقية، لدرجة أنها انطوت على انتهازية مفضوحة في أبشع مظاهرها، تجلت أساسا في مطالبة معتقلي "السلفية الجهادية" بمقايضة حرياتهم بالمال والغنائم والمكرمات الدنيوية!. محمد حاجب.. تناقضات مفضوحة ادعى محمد حاجب (أبو عمر الألماني) أنه "سيوقف نشاطه الإعلامي إلى حين مرور الأعياد الوطنية المقبلة من أجل الوقوف على صحة المعلومات المتعلقة باحتمال العفو عن المعتقلين الإسلاميين"، معزيا هذا القرار إلى ما قال أنه "يأتي نزولا عند طلبات عائلات المعتقلين" التواقين للحصول على العفو الملكي السامي. لكن من يستمع لهذا الكلام ومسوغاته، وهذا التعليل ومبرراته، يدرك جيدا بأنه مفعم بالكذب، ومطبوع بالتناقض الصارخ، وفيه تضخيم نرجسي "لسرديات محمد حاجب في شبكات التواصل الاجتماعي". فالعفو الملكي السامي لم يكن في يوم من الأيام مقرونا أو معلقا على النشاط "الإعلامي" لمحمد حاجب أو غيره من المعتقلين أو المدانين. والدليل على ذلك، أن عاهل البلاد أنعم مؤخرا بالعفو الملكي على 29 معتقلا في قضايا الإرهاب والتطرف خلال مناسبة عيد الفطر السابق، في وقت كان فيه محمد حاجب "في ذروة نشاطه الافتراضي". وفي سياق متصل، فقد اعتبر محمد عبد الوهاب رفيق المشتهر بلقب "أبو حفص" أن العفو الملكي عن بعض المعتقلين المحكومين في قضايا الإرهاب هو "حلقة أخرى من حلقات تنفيذ برنامج مصالحة"، وهو نفس التوجه الذي سارت عليه رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان آمنة بوعياش عندما اعتبرت برنامج "مصالحة" بأنه "يعبّر عن انخراط الدولة في الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب، وإدماج المعتقلين على خلفية هذه القضايا". لكن تناقضات محمد حاجب تزداد حدة وفداحة، عندما نعلم بأن هذه المرة لم تكن هي الأولى التي يجاهر فيها بتعليق نشاطه الافتراضي في الشبكات التواصلية! فقد سبق لهذا المعتقل السابق أن نشر في 9 ديسمبر 2021 رسالة تأبين لنشاطه الفايسبوكي اختار لها عنوان "وداعا أحبابي"، تعهد فيها بالقطع النهائي مع الظهور في الشبكات التواصلية، قبل أن ينكث عهده ويستأنف نشاطه مجددا بشكل عادي. فهل سيلتزم محمد حاجب بقراره الراهن أم أن الظروف والإملاءات الخارجية هي من تتحكم في خرجاته الافتراضية؟ ومشروعية هذا السؤال تدعمها حقيقة مفادها أن محمد حاجب عندما قرر تجميد نشاطه في ديسمبر من السنة الفارطة كان مدفوعا إلى ذلك بضغط ألماني وفق ما أكده مصدر قريب من مصالح رسمية ألمانية. والدليل على ذلك أنه مباشرة بعد رضوخه لقرار التجميد المفروض عليه، صدرت رسالة الرئيس الألماني الموجهة لجلالة الملك في 5 يناير 2022، والتي مهدت الطريق لتبديد مطبات المسار في العلاقات المغربية الألمانية بسبب سوء الفهم الكبير حول قضايا استراتيجية منها قضية الوحدة الوطنية. وفرضية هذا الضغط الخارجي تتأكد وتتعاظم، عندما ندرك كذلك بأن خرجة محمد حاجب الأخيرة جاءت في أعقاب خرجة سابقة "لمّح فيها إلى أن السلطات المغربية سجلت نقطا في ملعبه دون أن يكشف عن الكثير من التفاصيل". وهذا الضغط الخارجي لا يمكن تصوره فقط في توجيهات من جهات رسمية أو تعليمات تكتيكية من محامي محمد حاجب، بل يمكن أن يتجسد أيضا هذا الضغط في إيقاف الدعم المالي الذي كان يحظى به هذا الأخير من بعض الجهات الألمانية، خصوصا وأنه ما فتئ يتحدث في خرجاته الأخيرة عن "الإكراهات اللوجيستكية التي شكلت عائقا أمام عودته إلى نشاطه، من قبيل غياب استوديو للتصوير". ومن هذا المنظور، لا يستبعد العديد من المهتمين بأن يكون محمد حاجب قد لجأ "إلى الكذب والاحتيال لتبرير توقيف نشاطه الافتراضي"، عندما ادّعى بكثير من الجسارة والبسالة (بالمفهوم العامي) أن "حلّ ملف المعتقلين الإسلاميين يتوقف على نشاطه الفايسبوكي وخرجاته على موقع يوتيوب!". غنائم الألمان.. واستحلال أموال المغرب كشفت خرجة محمد حاجب الأخيرة عن "انتهازية مفضوحة تتقاطع في بعدها المقصدي مع مرتكزات الفكر التكفيري ومع نظرة القاعدة وداعش لجهاد الاحتطاب". فقد "نصح" أبو عمر الألماني كل من سيشمله العفو الملكي المحتمل بأن يستفيد ماديا قدر الإمكان، بدعوى أن المخابرات المغربية "لن تدخر جهدا في عرض المساعدة المادية كما فعلت مع المرحوم الشطبي" حسب قوله. والملاحظ أن تصريحات محمد حاجب في هذا السياق لم تكن محسوبة جيدا، وهو ما جعلها تكشف العديد من التناقضات والمغالطات في كلام الرجل. فقد برهنت هذه الدعوة على أن محمد حاجب يحرض جميع المعتقلين على مساومة حرياتهم واستعمالها كوسيلة للابتزاز، مثلما فعل هو مع السلطات الألمانية عندما طالبها بتعويض مالي قدره مليون ونصف مليون يورو بسبب "علامات التعذيب المزعوم التي رسمها على جسده بخليط من الزيت والسواك والحناء". كما أن مطالبة محمد حاجب للمعتقلين في قضايا الإرهاب والتطرف ب"ابتزاز السلطات" لقبول العفو الملكي، لا تنطوي فقط على احتقار صريح لهؤلاء المعتقلين وتقديمهم ك"شناقة" يبحثون عن "الهمزة" مثلما فعل هو مع الألمان، بل هي أيضا مؤشر واضح على مدى تشبع هذا المعتقل السابق بمرتكزات الفكر التكفيري وبأدبيات التنظيمات الإرهابية. فمحمد حاجب بهذه الدعوة إنما يشرعن أموال الدولة حتى ولو لم تكن مستحقة، بدعوى أنها "غنيمة" إن هي سلبت بقتال، و"فيء واستحلال" إن تم الحصول عليها بغير قتال. وخلاصة القول، أن خرجة محمد حاجب الأخيرة فضحته من حيث كان يظن أنه يستغبي بها الرأي العام. فالرجل يعاني حتما من مشروعية الخطاب، لأن من يحرض على الفيء والاستحلال لا يختلف كثيرا عن أبو أيمن الظواهري وغيره من قادة القاعدة وداعش. كما أنه يرزح تأكيدًا تحت ضغط ألماني قد يتجسد في تراجع منسوب تدفق المساعدات المالية، بدليل أنه أضحى يبحث عن فضاء لتسجيل أشرطته بعدما ضاقت به شقة زوجته الإيرلندية. وأكثر من كل ذلك، فمحمد حاجب استنفذ كل ما في جعبته من ادعاءات ومزاعم وأراجيف، ودخل مؤخرا مرحلة "الموت السيبراني"، خصوصا بعدما انقشع غبش الضباب عن العلاقات المغربية الألمانية، ولم يعد هذا "الغيلم" يستطيع السباحة في الصفاء بعدما ألف في السابق الغوص في المياه الآسنة والبرك الراكدة.