من مفارقات حركة "خميسة"، التي دبجت بيانا تأسيسيا في منصات التواصل الاجتماعي ووسائط الإعلام البديل، أنها أول حركة نسائية مفترضة في العالم تنتصر لثقافة الاغتصاب وهتك العرض وكل أصناف الاعتداءات الجنسية، متى كانت هناك "شبوهات" حول تورط أجهزة الدولة في الإيعاز بالشكاية أو تبنيها!! وكلمة "شبوهات" المستدل بها هنا، نقلناها بأخطائها اللغوية والمفاهيمية كما وردت في مناسبتين في البيان التأسيسي لحركة "خميسة"، وذلك من باب التقيد بإملاءات الملكية الفكرية، وأيضا للإيحاء بمستوى مؤسسي الحركة الذين، أو عفوا اللائي يناضلن من أجل التشجيع على الإفلات من العقاب. نساء.. ونساء مبدئيا، المتمعن في البيان التأسيسي المذيل بتوقيع حركة خميسة يطرح سؤالا بديهيا حول هوية الناشطات اللواتي أسسن أو شاركن في تأسيس هذه الحركة؟ وعلى ضوء هذا السؤال المبدئي يمكن وقتها تحديد انتماءاتهم وارتباطاتهم العضوية والإيديولوجية، حتى يتسنى فهم مرامي ومقاصد تأسيس هذه الحركة. ومرد هذا التساؤل المشروع، هو أن البيان التأسيسي جاء مجردا من أي توقيع، وغير مقرون بهويات المؤسّْسات المفترضات، وإنما أمعن في "الإحالات المبنية للمجهول"، وكأن صاحبات البيان يتهربن عمدا من الإفصاح عن هوياتهن مخافة النيران الصديقة التي قد تطلقها عليهن النساء الضحايا وعموم النساء الحرائر، أو أن الأمر يتعلق بمجرد انتحال صفة النساء من طرف فلول الطابور الخامسمن أجل تصريف خصوماته السياسية مع الدولة عبر تسييس القضايا الجنائية المعروضة على القضاء. وإذا كان الطرح الثاني هو الأقرب إلى التصديق والترجيح، على اعتبار أن ديباجة البيان التأسيسي أمعنت في ازدراء النساء الضحايا، وقدمتهن كعرائس دمى أو كومبارس يؤدون دور الضحية في قضايا جنائية، وذلك قبل أن تعمد (الديباجة) إلى الانتصار جهرا للمتابعين في هذه الاعتداءات الجنسية، والذين وصفهم البيان "بالصحفيين المستقلين والنشطاء الحقوقيين المعروفين بنشاطهم الحقوقي والسياسي وكتاباتهم المنتقدة والمزعجة لجهات واسعة داخل أجهزة الدولة". فهل يصدق عاقل أن النساء قد يدافعن عن مغتصبي النساء وهاتكي أعراضهن؟ وهل هناك حركة نسائية في العالم يمكنها أن تتطبع مع الاعتداءات المبنية على النوع الاجتماعي، وتعتبرها مجرد "ضريبة للنضال"؟ وهل تخوين الدولة يسوغ تبرير جرائم اغتصاب النساء تحت ذرائع "حرية الصحافة والتعبير "؟ بطبيعة الحال، ليس هناك نساء بهذا الإجحاف في حق أنفسهن، ولا بهذا الاستهتار بمعاناة بناتهن وشقيقاتهن ومعارفهن متى كن ضحايا عنف جنسي. وهذا ما يحيلنا إلى ترجيح فرضية "الانتحال المفضوح" لصفة النساء لنشر هذا البيان التأسيسي الموغل في "شرعنة الاغتصاب". ولعل ما يعزز هذه الفرضية ويعضدها، هو خلفية محرر البيان التأسيسي المنسوب زورا للنساء. إذ لا يعقل أن تنبري النساء لإدانة " قضاياها" بدعوى "التصفيات السياسية". فالمنطق يقتضي أن تدين النساء مبدئيا (المغتصبين والمستغلين جنسيا مهماكانت مراكزهم القانونية أو المهنية أو الاجتماعية)، لأن الأصل هو حماية النساء وحقوقهن الفئوية، وبعد ذلك يمكن إدانة حملات التشهير أو الاستغلال التي قد تطال هذه القضايا. أكثر من ذلك، لا يقبل العقل والمنطق، وكل النواميس الطبيعية، أن تطالب سيدة أو حركة نسائية بتبرئة المحكومين أو المتابعين بقضايا جنسية بدعوى أن الدولة والمؤسسات تستهدفهم. فمثل هذا النداء، والذي أصبح للأسف موضة نضالية بالمغرب، فيه أولا ازدراء لحقوق النساء، ممثلة في الضحايا حفصة ووداد ونعيمة وأسماء وسارة والأخريات. كما أنه يقصي حقوق النساء ولا يدافع عنهن كما يزعم ذلك، بشكل مفضوح، أصحاب حركة خميسة. فأن تزعم بأن "خميسة" حركة نسائية تدافع عن المغتصبين، فكأنكتقول، بمفهوم المخالفة، بأن النساء المشتكيات هنكاذبات زائفات مسخرات منتدبات للمشاركة في الإيقاع ب"الجاني الفحل". فهل هناك منطق يقبل بأن تشهر النساء بالنساء؟ وهل يستقيم أن تستهجن النساء حقوق بني جنسهن؟ "الحاصول" كما يقول المغاربة، "خميسة" هي حركة افتراضية بحكم نشأتها في الرحم الافتراضي، وهي مجهولة النسب إلى أن تكشف الخبرة الوراثية أصلها الذكوري حتما. إذ لا يمكن للنساء الحرائر أن تتطبعن مع جرائم الجنس مهما كانت "الشبوهات" كما كتب بطريقة خاطئة البيان التأسيسي. عمر الراضي..والآخرون حركة "خميسة" المنسوبة غصبا للجنس اللطيف، حاولت أن تسدل طابع الرضائية على علاقة عمر الراضي مع ضحيته حفصة، مستندة في ذلك إلى تصديق كامل لإفادات المتهم، وضاربة عرض الحائط كل الشكايات والتدوينات والتعليقات التي كتبتها حفصة، والتي ضمنت فيها معاناتها الجسدية والنفسية والاجتماعية في مجتمع لا زال فيه البوح بمثل هذه القضايا من الطابوهات المحرمة. فهل من المنطقي أن تثق النساء في الغاصب المتهم وتخون المرأة الضحية؟ إنه النضال المعكوس على الطريقة المغربية! فقد كان حريا بأصحاب البيان أن ينفثوا، على الأقل، بعض التوابل النسوية على البيان لإعطاء نكهة التصديق لمزاعمهم، وذلك من قبيل " أنهن يصطفن إلى جانب الضحية حفصة، ويشاطرن معاناتها بحكم الجنس الواحد، ثم يشرعن بعد ذلك في تصريف رسائل التضامن المخدوم مع المتهم عمر الراضي". لكن، أن تقصي الضحية من بيان تأسيس الحركة، المحسوبة زورا على النساء، وتنبري متعاطفا مع عمر الراضي، فكأنك تقول للرأي العام الوطني والدولي " إننا أول حركة نسائية تدافع على مشروعية وشرعية الاغتصاب، وعلى التطبيع مع جرائم الاتجار بالبشر، في تناغم واتساق كاملين مع مطالب بعض السلفيين الذين يحملون المرأة الضحية "شبوهات" الغواية، ويجعلنها غاصبة مغتصبة مثلما قال فقيه المقاصد والكفايات عن توفيق بوعشرين. أما بخصوص قضية سليمان الريسوني، فالأمر قد يختلف بعض الشيء لأن الضحية ليس من جنس النساء وإنما هو من الأقليات الجنسية. لكن اللافت للانتباه، هو أن بيان الحركة تعامل بلامبالاة مقصودة مع الضحية آدم، وقفز عمدا عن الحقوق والاختيارات الجنسية الجندرية، وصار يتحدث عن مسألة ثانوية هي فرضية محامية الضحية في استقطاب ضحايا مفترضين جدد ضد سليمان الريسوني، مع أن المنطق يقول بأن المحامي يمكنه الدفاع عن مصالح موكله بجميع الطرق المشروعة، بما في ذلك الاستفسار حول ما إذا كان هناك ضحايا مماثلين، وذلك لتعزيز مواقفه ودفوعاته أمام المحكمة. أيضا، يقتضي المنطق الحقوقي أن تكشف حركة خميسة عن موقفها من "الهوية المثلية"، لا أن تقفز عليها بنزق كبير، لأن المفروض هو أن مبادئ حقوق الإنسان هي وحدة كاملة وشاملة لا تقبل التجزيء. وبكل صراحة، لا يمكن للمتمعن في بيان خميسة، الموغل في الانتصار لثقافة الاغتصاب والتطبيع مع جرائم الجنس، إلا أن يخرج بقناعة راسخة مؤداها أننا أمام اجترار لنفس مزاعم وادعاءات المعطي منجب وماما خديجة. إذ كيف يمكن لحركة نسائية مزعومة أن تنتصر لتوفيق بوعشرين، إذا لم تكن الأيادي غير البيضاء للمعطي منجب أو محمد رضا قد تسربت إلى بيانها التأسيسي. فالشخص مدان بخمسة عشر سنة سجنا نافذا في قضايا متاجرة بالنساء، والإدمان على اغتصابهن في 52 شريط فيديو، والقضاء الجنائي بدرجتيه قال كلمته الأخيرة التي أصبحت هي عنوان الحقيقة، ثم تأتيبعد ذلك حركة نسائية افتراضية، لتقول بأنها تناضل من أجل توفيق بوعشرين على حساب ضحاياه!! إن العبث النضالي الذي أصبح ماركة مسجلة باسم "الحرية الآن" ومن يدور في فلكها. حداثيات.. ومحافظات استعرض بيان "خميسة" حالة أمينة ماء العينين وفاطمة النجار وليلى السلاسي.. بدعوى أنهن كن عرضة للتشهير والمساس بحياتهن الخاصة. ولعمري، أن توخي المناصفة في هذا البيان التأسيسي بين النساء الحداثيات والمحافظات كان مقصودا من جانب كاتب البيان. فهو كمن يقول بأنني أدافع على جميع ألوان الطيف النسائي، ناسيا أو متناسيا بأن الشخصيات النسائية العمومية، من قبيل البرلمانيات والمناضلات الدينيات والحداثيات، عندما يخترن دائرة الضوء، فلا بد من تحمل تبعاته الإعلامية، لأن الفراشات تحترق في الضوء كما يقول المثل الصيني القديم. فأمينة ماء العينين وصلت للبرلمان عبر خطاب دعوي وليس على أساس برنامج انتخابي، وهذا حال حزبها كله. لذا كان من المفروض أن لا تسقط في فخ ازدواجية الخطاب والمواقف. وبتعبير آخر أكثر بساطة، كان عليها أن لا ترتدي لباس الشغل بالمغرب، بملحافه ووشاحه، ثم ترخي العنان لضفائرها وجدائلها في "المولان غوج بباريس الفرنسية. نفس الشيء بالنسبة للجدة" فاطمة"، التي تركت مجالس الوعظ والنصيحة التي تعتبر فيها "غمزة" الدلال غنجا محرما، بينما هي تخلف صلاة الفجر للتيمم "بالصعيد غير الطيب" لعمر بنحماد. وبصرف النظر عن هذه الزاوية في مقاربة الموضوع، والتي قد نختلف فيها بسبب تباين مدخلاته ومخرجاته، إلا أن المفروض المتوافق بشأنه هو أن تدافع حركة خميسة على الحقوق الأصيلة لأمينة وفاطمة والأخريات، بما في ذلك حقهن في الجسد، وفي اختياراتهن الجنسية، وفي رضائية العلاقات ولو في خريف العمر، لا أن تقفز على كل ذلك وتحصر النضال في الخلفيات السياسية. وبالمحصلة هذه المرة، فالذي يستغل قضايا النساء ليست هي الدولة، التي صارت للأسف الشديد مشجبا للمعطي منجب وماما خديجة الرياضي يعلقان عليها أوزار اضطهاد الإيغور واليزيديات وغيرهن، وإنما هم أولئك الذين ينشرون بيانا تأسيسا باسم النساء، مذيلا باسم مستعار "هو خميسة"، زاعمين النضال من أجل النساء وقضاياهن العادلة، بيد أنهم أول من يزدري حقوق النساء ويقدمها قربانا للغاصبين والمستغلين جنسيا، بل وأكثر من ذلك ينشرون بيانات التعاطف والتضامن مع الغاصبين وينكؤون جراح الضحايا من النساء. وهكذا، ففي الوقت الذي تلتئم فيه جميع نساء العالم في حركة " Me-too" أو" أنا أيضا" للبوح بجرائم التحرش والاغتصاب، والتي كان آخرها النساء الإيرانيات، نجد أن "خميسة المغاربة" تسبح بمفردها ضد التيار، مطالبة بإعفاء المغتصبين من العقاب، وجبر ضررهم ببيانات التعاطف والتضامن، بينما تمعن في المقابل في جلد النساء الضحايا في "سادية غير مفهومة لجلد الذات".