تتوسط السياسة “السيبيرية” اليوم، التحركات السياسية التي يعرفها المشهد السياسي المغربي. ففي هذا الفضاء تتجاذب وتتنافس الأحزاب السياسية. الأمر يتعلق إذن بتلك السياسة التي تستعمل وسائل التكنولوجيا الجديدة؛ كأجهزة الكومبيوتر والانترنيت لتحقيق أهدافها، وذلك بإيصال المعلومات فورا إلى أعداد هائلة من الأفراد من خلال الشبكات التواصلية التي تجمعهم، فالانترنيت وسيلة تفاعل تفسح المجال للمحادثات والمناقشات ونشر الصور، والمقاطع الصوتية، والفيديو وأشكال التعبئة الأخرى. السياسة التقنية سلاح للنضال الفورة التي عرفها المشهد الإعلامي المغربي وخاصة مع تطور الوسائل الجديدة لوسائل الاتصال الحديثة (شبكات التواصل الإجتماعي)، فتحت الباب أمام أشكال جديدة للنضال السياسي، وأدخلتها التنظيمات السياسية في استراتيجياتها معتبرة إياها كسلاح للنضال. ويعتبر مارشال ماكلوهان صاحب النظرية الإعلامية (نظرية مساعدة شكل وسائل الإعلام المستخدمة في كل مرحلة على تشكيل المجتمع، أكثر مما يساعد مضمون تلك الوسائل على هذا التشكيل). ويرى مكلوهان أن “وسائل الإعلام التي يستخدمها المجتمع أو يضطر إلى استخدامها ستحدد طبيعة المجتمع، وكيف ستعالج مشاكله؟ وكيف ستشكل هذه الوسائل ظروفا جديدة محيطة تسيطر على ما يفعله الأفراد الذين يعيشون في ظل هذه الظروف، وكيف ستؤثر على طريقة تفكيرهم؛ أي الوسيلة امتداد للإنسان”. حضور وغياب الأحزاب في العالم الافتراضي وحسب نظرية ماكلوهان لا يمكن لأي حزب سياسي أن يكون حاضرا بشكل قوي داخل المجتمع وقائما بأدواره الدستورية في تأطير المواطنين والمشاركة في السلطة، دون مشاركة وتأطير فئة واسعة من الشعب المغربي المرابطة في العالم السيبيري. ويشكل الحضور الوازن للأحزاب السياسية في تداول الرسائل والرموز والقيم والصور… مرجعا لتفاعل الناس ويدفعها لتندرج في النماذج القيمية والسلوكية التي تخلقها وتطرحها في التداول العمومي في الفضاء الافتراضي. وليست كل الأحزاب فطنت لهذا التحول في التقنيات الحديثة للإتصال، فمنها من كان سباقا لغرف المزيد من الفوائد السياسية من العالم الإفتراضي، وأخرى التحقت في مواعيد سياسية محددة، وخاصة في المحطات الإنتخابية الموسمية. حملات إنتخابية “سيبيرية” لصرف “عملة” الأصوات الافتراضية يلاحظ العديد من المتتبعين ورواد مواقع التواصل الإجتماعي، تأسيس العديد من الأحزاب السياسية لصفحات لها على الموقعين الشهيرين “فيسبوك” و “تويتر”، وضخ مبالغ مهمة من الدولارات لصاحبيهما عبر تقنية “سبونسورينغ-SPONSORISE” بهدف حشد المزيد من المتابعين والمعجبين لصفحاتهم، وذلك لتوسيع دائرة المؤيدين والمتعاطفين، ومهاجهة الخصوم السياسين ومحاولة تقويض دائرتهم. مع إقتراب موعد الانتخابات الجماعية والجهوية المزمع إجراءها يوم 4 شتنبر، انتشرت حمى الحملات الانتخابية السابقة لآوانها عبر الشبكات الإجتماعية، في محاولة لجذب أصوات الناخبين من العالم الإفتراضي وصرفها إلى أصوات واقعية في صناديق الإقتراع. حرب الطواحين التي تجري في العالم “السيبيري”، نابعة من قناعة أغلب الأحزاب السياسية أن الجمهور المتتبع لوسائل الاتصال التقليدية من اجهزة الراديو والتلفزة والصحافة الورقية قليل بالمقارنة مع أعداد المنخرطين في الشبكات الإجتماعية. وكانت الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، قد كشفت في دراسة لها أن حوالي نصف سكان المغرب يستخدمون الشبكة العنكبوتية، أي حوالي ال15 مليون شخص، 53% منهم يرتبطون بالإنترنت بطريقة يومية و35 %على الأقل مرة في الأسبوع. وأكدت الدراسة أن الولوج إلى شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة “فيسبوك”، يعد أول استخدام للإنترنت عند المغاربة، الشيء الذي دفع البعض إلى إعتبار “فيسبوك” “أكبر حزب مغربي” من حيث عدد المنخرطين. ويبقى أكبر تحدي أمام الأحزاب السياسية هو إقناع هذه الفئة العريضة ببرامجها الإنتخابية، وأفكارها السياسية والتوجه إلى صناديق الإقتراع يوم 4 شتنبر، خاصة وأن أغلب رواد الشبكات التواصلية عازف عن المشاركة الإنتخابية، لكن في المقابل حاضر بقوة في تداول القضايا السياسية عبر هذه الفضاءات المفتوحة.