كتاب مهم، وبالأخص في هذه الظرفية الراهنة، التي أصبح فيها الإنترنت سلطة قائمة الذات، أو ما أسماه مؤلف كتاب «الإنترنت والديمقراطية» عبد النبي رجواني ب«السلطة السادسة». وأهمية الكتاب تنبع من الأسئلة المعرفية، التي يطرحها المؤلف، وهو بالمناسبة باحث رصين وله مصداقية في البحث العلمي، وهي أسئلة تتوسل بالتنسيب، وتروم طرح الفرضيات، وليس إصدار الأحكام النهائية، من قبيل الاستقصاء في علاقة الإنترنت كوسيلة تقنية وكحامل بالديمقراطية، التي هي نظم قانونية وفكرية وممارسة سياسية ونمط سلوك اجتماعي وثقافي. ولذلك، فإن طرح سؤال، هل علاقة الإنترنت بالديمقراطية هي علاقة إنعاش أو تجديد أو تقويض أم تأزيم تكتسب أهميتها الخاصة، وبالأخص اليوم، حيث الحركات الاجتماعية العربية تركب صهوة جواد سابح اسمه الإنترنت، وحيث الحلقات التواصلية، التي كانت مفرودة في السابق هي، اليوم، أكثر تماسكا وتناهيا في الصغر، فإنها عادت تشبه تماما جزيئات الذرة أو الخصائص الكيميائية للماء أو الهواء، فكل ما حولنا في هذا العالم الضاج الممتد، إنترنت، ونحن لم نعد نتنفس الهواء، بل أصبحنا نسبح في عالم افتراضي قلص المسافة بين ما يقع في الواقع وما يحدث على الويب. في إطار علاقة الإنترنت بالديمقراطية، يشير مؤلف الكتاب إلى أن الإنترنت أسهم في إحداث ثورة على مستوى أشكال وأساليب الاتصال، ورسخ الأفقية واللحظية والتحرر النسبي من إكراهات الرقابة والكلفة، زيادة على أن الإنترنت أسهم في توسيع فضاءات حرية الرأي والتعبير، وتجديد آليات تشكل الرأي العام داخل فضاء عمومي مفتوح ييسر مبادرات المجتمع المدني، وهو علاوة على ذلك، وهذا هو بيت القصيد، وفر إمكانيات حقيقية حدت من هيمنة الإعلام المسنود بقوة المال والمصالح. لكن، هل يستعمل الإنترنت كوسيلة للدعاية الانتخابية أو للاتصال السياسي أو للاستقطاب الحزبي؟ ويشير المؤلف إلى أن هذا الدور رهين بما تعرفه الممارسة الديمقراطية نفسها من اهتمام بالشأن العام، وتثمين التعددية والاختلاف والتداول. ويطرح الكاتب سؤالا أساسيا، هل يسهم الإنترنت، مثلا، في تقليص العزوف الانتخابي، وتجديد النخب السياسية والإعلامية على أساس الكفاءة والمصداقية؟ وهل يمارس، مثلا، تأثيرا على الممارسات التنظيمية والتواصلية للأحزاب في اتجاه إرساء الديمقراطية الداخلية، وتطوير اتصال سياسي تفاعلي منتج وتعزيز قيم الانتماء والالتزام؟ وهل أخيرا، يرسي ممارسات كفيلة بترسيخ شفافية إيجابية تنور الرأي العام، دون الجنوح إلى تسويق الإشاعات المغرضة، والتلصص على الحيوات الخاصة؟ هذه أسئلة من جملة أسئلة عميقة يطرحها الباحث عبد النبي رجواني، ويضع مجهر التشخيص الدقيق على غابة القضايا والإشكاليات المرتبطة بهذه الأداة التواصلية. يكتب رجواني محللا علاقة هذا التشابك الملتبس بين الإنترنت والحياة السياسية «مما لا شك أن لا أحدا ينتظر من الإنترنت لوحده التخليق التام والعقلنة الشاملة للمشهد الانتخابي، وخلق الطلب العارم على السياسة، وإعادة الاعتبار للديمقراطية التمثيلية التفويضية أو تأسيس الديمقراطية التشاركية»، لا بد لتحقيق ذلك من النزول من سماء الافتراضي إلى أرض الواقع.