مجلس أوروبا يؤكد على "القيمة الكبيرة" التي يوليها الاتحاد الأوروبي لشراكته الاستراتيجية مع المغرب    "البيجيدي" يعزي في مقتل السنوار: "القائد سيخلفه قائد ومسيرة الجهاد لن تتوقف لتحرير فلسطين"    قرعة دوري أبطال أفريقيا تضع سيدات الجيش الملكي في المجموعة الأولى    إلياس بن صغير ضمن قائمة الفتى الذهبي لعام 2024    المنتخب المغربي يتقدم مركزا في التصنيف العالمي للفيفا    وعكة صحية تدخل محمد الخلفي لقسم الإنعاش        حماس تخرج بأول رد لها عقب اغتيال القيادي يحيى السنوار    الدار البيضاء: فتح تحقيق مع ضابط أمن بتهمة اختلاس وتبديد أموال عمومية    ملف الصحراء المغربية .. تفاصيل إحاطة المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن    حركة حماس تنعي رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار    ناشط صحراوي ل"رسالة 24″: مقترح دي مستورا مبرر لانسحابه من هذه الوساطة أو الدفع إلى إقالته    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    في تقرير حديث للأرصاد.. 2023 الأكثر حرارة بالمغرب خلال 80 سنة الماضية    المنتخب المغربي يخوض مباراتين وديتين أمام تنزانيا والسنغال    مراكش: افتتاح الدورة ال14 للمعرض الجهوي للكتاب        ⁨انفوجرافيك | تدهور مستوى المعيشة للأسر المغربية خلال الفصل الثالث من 2024⁩    التوترات الجيوسياسية تدفع الذهب لأعلى مستوياته على الإطلاق    الدوري الممتاز لكرة السلة: قمة ساخنة بين الفتح واتحاد طنجة    شفشاون تحتضن فعاليات مهرجان الضحك في نسخته الرابعة    تامسنا: عرض مسرحية "دوخة" للتحسيس بمرض السرطان    انفوجرافيك | سواء المبردة أو المجمدة.. "أونسا" تحدد الدول المسموح باستيراد اللحوم الحمراء منها    لواء سابق بالجيش الاسرائيلي: "قطيع من الحمقى يقود دولتنا نحو خطر يهدد وجودها"    توقيف 66 شخصا في عملية لمكافحة الإرهاب نسقها الإنتربول' في 14 دولة من بينها المغرب    استهلاك التبغ بين الشباب الأميركيين يسجل أدنى مستوى له منذ 25 عاما    كائنٌ مجازي في رُكْن التّعازي! (من رواية لم تبدأ ولم تكتمل)    السنة الثقافية 2024 .. مبادرة "قطر تقرأ" تقرب الأطفال من ثقافات البلدين    سعر الذهب يتجاوز 2700 دولار للأونصة    أرت'كوم سوب وكوم سوب تفتتح الحرم الجامعي الجديد في الدار البيضاء وتوقّع 14 شراكة استراتيجية    نسبة الفقر تقارب مائة في المائة في قطاع غزة بعد عام على بدء الحرب    الوطن أولا.. قبل ماذا؟    ملامح العلاقة مع المغرب في ظل العهدة الثانية للرئيس الجزائري    مجلس المستشارين يعلن أسماء أعضاء مكتبه ورؤساء اللجان الدائمة    غوتيريش يوصي بتمديد مهمة المينورسو في الصحراء المغربية..    بعد طوفان الأقصى أي أفق لمقترح "حل الدولتين" ؟    مطالب للحكومة بالارتقاء بحقوق النساء والوفاء بالتزاماتها    مغربيان ضمن الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشرة    هل نحن في حاجة إلى أعداء النجاح؟    علماء يطورون تقنية جديدة لتجنب الجلطات الدموية وتصلب الشرايين    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: في الحروب يقف الموت على الأبواب    ديميستورا المنحرف عن الشرعية و التجاوز غير المسبوق لكل القرارات الأممية    النجم حميد السرغيني والمخرج العالمي إدريس الروخ يشاركان بالفيلم السينمائي " الوترة" بالمهرجان الدولي للفيلم بطنجة    أمريكا: مقتل السنوار فرصة لنهاية الحرب    المديني: المثقفون العرب في فرنسا يتخوفون من إبداء التضامن مع قطاع غزة    الدولي المغربي رضا بلحيان محط اهتمام مجموعة من الأندية الأوروبية    تسجيل أزيد من 42 ألف إصابة بجدري القردة بإفريقيا منذ مطلع 2024    توقيع اتفاقية شراكة لتطوير منطقة صناعية جديدة بالجرف الأصفر بقيمة 1.4 مليار درهم    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    ما الذي بقي أمام الجزائر؟    تحسن الوضعية الهيدرولوجية في 6 أحواض مائية يبشر ببداية جيدة للموسم الفلاحي    دراسة تظهر وجود علاقة بين فصيلة الدم وزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    نقطة نظام .. النائبة البرلمانية النزهة اباكريم تطرح وضعية المواطنين بدون مأوى بجهة سوس    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحريات الفردية في المغرب بين الدولة الدينية و الدولة المدنية
نشر في برلمان يوم 28 - 05 - 2017

هناك ثلاث أسس يتفق حولها فلاسفة السياسة للدولة الوطنية الديمقراطية يمكننا أن نلخصها في التالي:
1. مفهوما الوطن و المواطنة: و تعني أن المنتمين إلى الدولة و حاملي جنسيتها لهم مبدئيا نفس الحقوق و نفس الواجبات، فإذا ما كان هناك اختلاف في هذه الحقوق و الواجبات سيكون نابعا من الدور الاجتماعي المنوط بكل مواطن، فيحق مثلا للشرطي حمل السلاح بينما يسحب هذا الحق من مواطن عاد مدني كما أنه من واجب الإطفائي مثلا أن ينقد امرأة وسط حريق معرضا حياته للخطر في حين ينتفي هذا الواجب عند المواطنين المدنيين الآخرين. كما أن المواطن هو نقطة الانطلاق و نقطة النهاية في الدولة المدنية، إذ أن وجودها مرهون به هو وحده، فهي لا تهدف لشيء سوى لأجل حمايته و ضمان أمنه و صون حريته و كرامته و حقوقه.
2. سيادة القانون والشرعية الدستورية: إن القانون في الدولة الوطنية الديمقراطية طبعا هو المصدر الوحيد لتنظيم شؤون الأفراد و المجتمع، و هو الإطار الوحيد الذي يمكن من الحكم على أفعال الأفراد و المؤسسات و تقييمها، و كل حكم أو تقييم لأفعال المواطنين خارج إطاره يكون مرفوضا. و دوره الأساسي يكمن في تنظيم الحقوق و الواجبات حتى لا يحدث صراع حولها بين الأفراد: كما أنه الضامن الوحيد لحرياتهم الدينية و السياسية و الاجتماعية، فأن تكون حرا هو أن تمتثل للقانون، هذا هو شعار الحرية في الدولة المدنية. على أن تطبيقه يكون سواء بين الأفراد فلا فرق فيه بين الغني و الفقير الراشد و القاصر، المرأة و الرجل، إلا ف بعض الخصوصيات التي لا يمكن أن نعتبرها جوهرية. و يتميز القانون في الدولة المدنية بأنه موضوع في كل لحظة على طاولة النقاش الاجتماعي و السياسي و الفلسفي، حيث يفترض أن يكون هناك حد أدنى من الاتفاق حوله بين مختلف المواطنين، و يجوز تغييره في أي لحظة بمنهجية ديمقراطية واضحة و شفافة. كما انه مصاغ في نصوص بلغة واضحة يفهمها الجميع و توضع في متناول كل مواطن عبر نشرها في مختلف وسائل الإعلام.
3. سلطة المؤسسات: لقد قامت الدولة المدنية بابتكار أجهزة اجتماعية تمكن من ضمان الحقوق و الواجبات و تسهر على تنظيم شؤون المجتمع و تمكن الدولة من ممارسة سلطتها و ذلك بسحب جزء من السلطة التي توجد طبيعيا عند الأفراد و منحها لمؤسسات تتكفل نيابة عنهم بممارسة تلك السلطة. و الهدف النهائي هو ضمان حد أدنى من التنظيم الاجتماعي الذي يمكن المواطن من ممارسة حرياته الفردية و إبراز طاقاته الإبداعية و التمتع بحقوقه و القيام بواجباته في أجواء آمنة يعمها السلام. كما أن المؤسسات تعتبر في الدولة المدنية هي الضامن الأساسي للحريات، و هي الوحيدة القادرة على ضمان التطبيق العادل للقانون، فلا يحق للمواطن ممارسة حرياته سواء الفردية أو المدنية خارجها، كأن يتجاوز سلطتها فيفعل ما يحلو له دون حسيب و رقيب.
على أنه يجب ملاحظة أن هذه الأسس الثلاث مرتبطة فيما بينها أشد الارتباط، بحيث أنه لا يمكن أن تتحقق الواحدة دون أن تتحقق الأخرى.
لكن الملاحظ لتتالي الهجمات على الحريات الفردية في الأيام القليلة الماضية في المغرب سيدرك بالملموس أن هذه الهجمات هي هجمة ضد الدولة المدنية لحساب النوع الآخر من الدول و هو الدولة الدينية، حيث قام بعض المواطنين بمحاولة فرض وصاية على مواطنين آخرين فقط لأن هناك اختلافا بينهم في نمط العيش و وجهات النظر. هكذا نصب البعض في حادثة فتاتي انزكان و مثلي فاس نفسه مشرعا للقانون خارج المنهجية الديمقراطية المتعارف عليها في الدولة المدنية و خارج المؤسسات الدستورية التي لها وحدها الحق في سن التشريعات و القوانين. كما أن منطلقه في ذلك مجموعة من النصوص القانونية التي كتبت في القرون الماضية و التي لم يؤخذ فيها رأي أي من المواطنين، و التي أحيطت بهالة من التقديس بحيث لا يجوز لأي مواطن أن يناقشها أو يرفضها أو يشكك فيها أو يعبر عن اختلافه معا، تحت طائلة التكفير و التخوين و النبذ من الملة بل و يصل الأمر إلى حد استباحة حرمة حياته. هكذا فان من قام بالاعتداء على الفتاتين أو على المثلي و من يبرر هذا الاعتداء هو في حقيقة الأمر يعلن سواء بوعي منه أو بدون وعي أنه يخرج عن المفهوم المدني للدولة لصالح مفهومها الديني، و بالتالي فإنه يكفر بأسس الدولة المدنية من مواطنة و قانون و مؤسسات. و لعل هذا هو المبرر الذي يجعل البعض ينصب نفسه بديلا عن مؤسسات الدولة المدنية كالمؤسسة الأمنية و القضائية، فيخرج للشارع ليطبق الأمن كما يتصوره هو و ليس كما اتفق عليه المغاربة. و ينصب نفسه قاضيا بديلا عن القاضي الشرعي الذي يتفق عليه جميع المواطنين، و الذي هو معين طبقا لمساطر قانونية واضحة تمكن من ضمان الكفاءة المطلوبة في من يتولى مثل هذا المنصب، و الذي يقبل الجميع بحكمه سواء كان لصالحهم أم لا. و يحكم بقانون آخر غير القوانين المغربية المنشورة في الجريدة الرسمية. و التي تمت صياغتها طبقا لآليات مؤسساتية واضحة يعرفها الجميع و التي كانت خلاصات لنقاشات اجتماعية في الفضاء العمومي يشارك فيها الجميع و يعبر الجميع عن رأيه حولها بكامل حرية. و هذا هو ما يفسر أنه أثناء الاعتداء على مثلي فاس سمعت هتافات تمجد دولة هي النموذج الحقيقي و الواقعي للدولة الدينية التي لا تؤمن بمفهوم المواطنة و لا بالقانون و الشرعية الدستورية و لا بالدولة المدنية و مؤسساتها. وهذه بالضبط هي المميزات التي تميز دولة الخلافة: حيث أنه لا تعترف مثل هذه الدولة بمفهوم الوطن و المواطن، بل تستعيض عنه بمفهومين آخرين مختلفين هما “أرض الإسلام” و “أمة الإسلام”، فهذه الدولة لا تعترف بالحدود الجغرافية للوطن و هذا ما يفسر كيف أن داعش تقع على أرض دولتين مختلفتين. ذلك أنه بالنسبة لها امتدادها الجغرافي يصل إلى أي أرض يسكنها أناس مسلمين، بمعنى أنه لا فرق عندها بين العراق أو سوريا أو المغرب أو الحجاز أو إندونيسيا أو حتى جزر الفلبين المسلمة. فكل هذه المناطق تقطنها أغلبية مسلمة مطلقة و بالتالي يجب أن تتبع بشكل أو بآخر لخليفة داعش عبر إعلان البيعة له و عبر تطبيق نصوص الشريعة المقدسة بالتأويل الداعشي لها، باعتبارها نصوصا تعبر عن القانون الإلهي المنزل و الذي لا يجوز رفضه أو مناقشته أو حتى إبداء التذمر منه. كما أن على المسلمين الذين يقطنون في كل أرض الإسلام أن يتمردوا على دولهم، و أن يثوروا على مؤسساتها المدنية لتعويضها بمؤسسات دينية هذا إن وجدت فعلا مثل هذه المؤسسات: لأن النظام المؤسساتي في الدولة الدينية فقير جدا إلى درجة أنه يمكن أن نجزم بانعدام المؤسسات فيه، فهو أقرب إلى نظام القبيلة بشكله البدائي حيث يتولى الجميع تطبيق القوانين و تتم محاكمات جماعية لمن يخل بالآداب العامة. و يتولى أناس عاديون تطبيق الأحكام التي تم إقرارها في إطار تلك المحاكمات الجماعية “مثلا طريقة تطبيق حكم رجم الزاني و الزانية، حيث يتولى جميع القوم رجمهما حتى الموت بكبيرهم و صغيرهم”. و هذا السيناريو الأخير هو الذي تكرر في الواقعتين السابقتين بالمغرب: محاكمة جماعية للفتاتين انطلاقا من نصوص قانونية مغلفة بغلاف المقدس و تأويلات معينة لها، و مساهمة الجميع في تطبيق الحكم الذي أصدره الجميع عبر تجمهر الناس في باب المحل التجاري منتظرين خروج الفتاتين، أو مساهمة المارة في ضرب مثلي فاس و محاولة قتله. و ذلك في خروج تام و واضح عن مؤسسات الدولة الأمنية و القضائية، بل و إعلان صريح بالتمرد عليها سواء كان ذلك بوعي أو بدونه.
لكن إذا كانت الواقعتين السالفتي الذكر قد تورط فيها أناس عاديون شاءت الصدف أن يكونوا في موقع الحدث لحظة وقوعه و أخذهم الحماس الجماهيري، بل و يجوز لنا أن نبرر أفعال معظمهم بالانقياد الغريزي نحو سلوك القطيع و ذلك باستجابتهم لغريزة البقاء الموجودة بداخلهم. فإن الحادثة التالية ستظهر بشكل واضح كيف أن هناك بعض الأشخاص المحسوبين على مؤسسات الدولة بل و ينتمون إلى الجزء الأعلى من هرم هذه المؤسسات، هم في حقيقة الأمر يكفرون بمفهوم الدولة المدنية الوطنية، بل و في قرارة أنفسهم يعلنون الولاء للدولة الدينية التي كما قلنا ينعدم فيها مفهومي الوطن و المواطن.
هكذا فقضية أحمد منصور و خليلته المغربية تكشف بالملموس كيف أن هناك من الإسلاميين المغاربة و إن ظهروا بلباس المعتدلين إلا أنهم لا يؤمنون بالدولة، و بالدولة المدنية الوطنية خصوصا. إذ أنه يمكن ملاحظة بسهولة كيف فضل البيجيديون و أنصارهم و المتعاطفين معهم مناصرة أخ ملتح مصري سب وشتم الشعب الذي ينتمون إليه بنسائه و رجاله و إعلامييه وسياسييه… و نسوا على أنهم يناصرون صحفي أجنبي جاء ضيفا على المغرب و لم يحترم أعرافه و قوانينه ومؤسساته. هذا الأمر عائد إلى غياب مفهوم الوطن و المواطنة في إيديولجية هؤلاء، فكل من ينتمي إلى نسقهم الإيديولوجي يعتبر في نفس منزلة المواطن، بل إنه هو المواطن الحقيقي لأن الدولة الدينية تعترف بمواطنة العقيدة و ليس بمواطنة الانتماء للشعب و حمل جنسيته. إذ يمكن بكل بساطة أن يدافع مثل هؤلاء على شخص أجنبي وإن كان ظالما ضد ابن الوطن و إن كان مظلوما، فقط لأن الأجنبي يشاركهم أفكارهم و عقائدهم بينما ابن البلد يختلف معهم فيها و يعارضها، و لعل ما قام به موقع حزب العدالة و التنمية بنشره تلك الشتائم هو مثال واضح على ذلك “قبل أن ينبه إلى ذلك فيقوم بمحو الرد أي سباب أحمد منصور في أبناء و نساء وطنه”.
إضافة إلى ما سبق فإن حادثة أحمد منصور تظهر جليا كيف أن أنصار التصور الإسلامي لا يعترفون بالقانون المدني الذي تم الاتفاق عليه في إطار ديمقراطي، حيث ضربوا مدونة الأسرة بعرض الحائط رغم أنها كانت خلاصة نقاشات مجتمعية في الفضاء العمومي كانوا يلعبون فيه الدور الأبرز مع شقيقتهم العدل و الإحسان، فغيروا كل بند لم يعجبهم فيها، و نزلوا إلى الشارع في مظاهرات مليونية ينددون و يرفضون بعض فصولها مستغلين الانفراج السياسي و الديمقراطي الطفيف الذي وفرته لهم الدولة المدنية آنذاك.
لكن الطمة الكبرى تأتي من المتهم في كونه الشاهد على العقد العرفي هو أحد برلمانيي هذا الحزب أي أحد أفراده المنتمين إلى المؤسسة التشريعية، التي هي الموكول إليها في إطار النظام المدني سن القوانين و مراقبة تنفيذها. فبجرة قلم يضع البرلماني نفسه و معه بطبيعة الحال الحزب الذي يمثله خارج إطار المؤسسة التشريعية و الدولة المدنية و قوانينها و داخل إطار آخر هو القانون الديني في صورته البسيطة و الذي يكتفي بوجود الإيجاب و القبول و العدلين الشاهدين و بعض الشكليات الأخرى حتى يصبح عنده الزواج شرعيا و مقبولا. هكذا فإن السيد حامي الدين لم يعد يعترف بالقانون الذي مهمته تكمن في سنه و مراقبة تنفيذه، مما يبين أن أنصار التيار الذي ينتمي إليه هذا الشخص هم في حقيقة الأمر يعترفون فقط بالقانون الإسلامي المميز للدولة الدينية و الذي هو مخطوط في كتب الحديث و الفقه، و ليس في الجريدة الرسمية للمملكة المغربية: إذ أن الحلال عندهم هو ما حلله علماء الأمة الدينيين و الحرام هو ما حرموه، و ليس أبدا ما أباحه القانون المغربي أو ما منعه. لذلك فمن وقع على هذا العقد لم يجد أي حرج و لم يلاحظ أي تناقض فيما أقدم عليه من المصادقة على عقد هو متأكد بكل اليقين أنه عقد لن يجد طريقه لماحاكم الأسرة المغربية و لا يتوفر فيه أي شرط من الشروط التي يضعها القانون المغربي للعقود، هذا القانون الذي هو مكلف بمراقبة حسن تطبيقه و احترامه. كيف لا و السيد حامي الدين منسجم مع مبادئه الإيديولوجية في توقيعه في ما أقدم عليه، فالإيجاب و القبول موجودين و الشاهدين موجودين و الصداق موجود، بمعنى أن جميع الأركان التي يضعها قانون الدولة الدينية موجودة و بالتالي لا حرج من القيام بالفعل، هكذا ينسى بسهولة مناصري الدولة الدينية أنهم ينتمون إلى دولة مدنية لها قانونها الخاص المتعارف عليه اجتماعيا. وقد أعادت هذه الواقعة إلى الأذهان الزيجات التي كانت تقوم بها مجموعة من الجماعات السلفية في المغرب و التي كانت تكفر بالمجتمع و قوانينه و مؤسساته فتعمد على تزويج الفتيات بمنتسبيها من الذكور بالفاتحة و بحضور الشهود فقط ثم يتركن و أبناؤهن من هذا الزواج دون أدنى حقوق أو وثيقة تثبت نسب الأطفال لآبائهم. و لعل هذا بالضبط ما تقوم به داعش و الجماعات الإرهابية في مالي من تزويج للفتيات و أسيرات المعارك رغما عنهن بالمقاتلين في صفوفها، اعتمادا على نصوص قانونية من القرون الوسطى و تأويلات شيوخ هذه الجماعات لها: فتجدهم مثلا يقومون بتزويج الفتاة التي لا ولي لها رغم رفضها لذلك بدعوى أنهم هم الذي يتولون الولاية فينصبوا أحد شيوخ الجماعة كيفما كان منصب ولاية الفتاة المراد تزويجها..
و أخيرا فقد قام السيد حامي الدين و المناضلة في صفوف جماعته الدعوية و في صفوف حزبه بالتمرد على مؤسسات الدولة المغربية و إعلانهما الثورة عليها و عدم اعترافهم بها، و ذلك من خلال قبولهم الشرط الوحيد لأحمد منصور المتمثل في عدم تسجيل العقد بالمغرب مفضلا عنه لبنان، و بطبيعة الحال لم يجد هذا العقد طريقه للتسجيل في أي دولة مدنية. لأنه و بكل بساطة لا يحتاج إلى ذلك، ففي الفقه الإسلامي لم يوضع شرط تسجيل العقد في المحكمة كأحد أركان الزواج و شروطه، فهو يسجل و ببساطه لحظة توقيعه تحت الأنظار الإلهية. و مرة أخرى فإن السيد حامي الدين و السيدة المناضلة الطاهرة و كل من حضر الزواج من حزب العدالة و التنمية، لم يلاحظوا أبدا أي تناقض في ما يقدمون على فعله و لم يلاحظ أي أحد منهم أنه بشهادته و موافقته على ذاك الزواج فإنه يشهد على فعل ممنوع و مجرم بموجب القانون الجنائي المغربي. لأنه و ببساطة لا تهم فصول و بنود هذا القانون بقدر ما تهم أحاديث البخاري و كتب التفسير و أقوال ابن كثير و ابن تيمية، التي لم تنص على ضرورة تسجيل العقود بمؤسسة قضائية مستقلة، فلا يظن أحد أن داعش توثق تلك الزيجات في عقود مستقلة، و تسجلها في إحدى مؤسسات الدولة –هذا إن وجدت- باعتبارها مؤسسة محايدة هدفها ضمان الحريات و الحقوق. فما تقوم به داعش هو أشبه للزواج القبلي الذي كان سائدا قبل ظهور الدولة المدينة و مؤسساتها.
هكذا يمكننا أن نصل إلى الاستنتاجات التالية:
* يعتبر احمد منصور و خليلته المغربية مرتكبين للخيانة الزوجية بلغة القانون الجنائي المغربي الذي يدافع وزيرنا في العدل المنتمي إلى الحزب الإسلامي على ضرورة إبقاء تجريم ممارسة الجنس الرضائية خارج مؤسسة الزواج، مهددا بتقديم استقالته إذا تم حذف الفصل الذي يجرم مثل تلك العلاقات الرضائية من القانون المغربي.
* إن الإسلاميين المغاربة يطبقون نصف الحديث «أنصر أخاك ظالما أو مظلوما” و يتغاضون عن النصف الآخر. فهم ينصرون أخاهم في الجماعة على حساب شرف المغاربة و المغربيات، و هذا بالضبط هو المنطق الذي تتأسس عليه كل الجماعات الإرهابية في العالم، أنصر أخاك في داعش ظالما أو مظلوما و لو على حساب بني جلدتك، و هذا بالضبط هو الذي يحرك الشباب العربي الذي يهاجر إلى بلاد بعيدة ليقاتل في صفوف تنظيمات على أراض ليست أراضيه و لأجل وطن ليس وطنه و يموت في سبيل قضية ليست قضية شعبه ووطنه.
* إن حادثة زنا احمد منصور في المغرب لا تأخذ أهميتها من الفعل في حد ذاته، ذلك أنه هناك العديد من الأجانب أو المواطنين يمارسون الجنس خارج الأطر القانونية المنظمة له، بل تأخذ قيمتها من النتائج التي ترتبت عن هذا الفعل، و الذي كشفت بالملموس أنه لا فرق بين إسلاميي المشرق و المغرب، ماداموا يؤمنون جميعا بدولة الخلافة التي هي قطعا دولة غير وطنية و غير مدنية، و يعلنون الولاء لمرشد الجماعة على حساب الولاء للوطن و مؤسسات الدولة.
* إن الهجوم على الحريات الفردية تحت غطاء إيديولوجي و ديني يجعلنا نخشى أن يقوم في المستقبل جزء من المغاربة بحمل السلاح في وجه الجزء الآخر دفاعا عن فكرة و قضية هما أبعد ما يكون عن فكرة الوطن و عن قضية الوطن، بل و أن يأتينا أشخاص من كامل بقاع العالم بمباركة إسلاميونا ليفرضوا علينا قوانينهم و يفرضوا علينا كيف نأكل و نشرب و نتزوج، فيحاكموننا وهم الذين دخلوا بيتنا دون استئذان، لأننا خالفنا تعاليمهم الغريبة عن مجتمعنا. كما يحدث حاليا في العراق و سوريا و مالي حيث يقوم شباب أوربي و عربي من مختلف البلدان بتطبيق الحدود على أبناء البلد و بفرض وجهة نظره و أدلوجته المتحجرة في بلاد أصحابها هم الأولى أن يقرروا مصيرها و قوانينها و نمط عيشها..
* إن الأسس الأيديولوجية و النظرية التي يتأسس عليها الإسلام السياسي هي واحدة، فلا فرق فيها بين إسلامي معتدل و آخر متطرف أو إرهابي، كون الأخير يصرح جهرا بهذه الأسس بينما يضمرها الثاني في حين ينكرها بشدة الأول. فكل هؤلاء يرفضون الدولة المدنية الديمقراطية و يؤكدون على دولة الخلافة، أي دولة أبي بكر التي لا مواطنة لها غير مواطنة العقيدة و لا حدود جغرافية ثابتة لها، فهي تمتد من السند و الهند إلى غاية المغرب و الأندلس، كما أنها يمكنها أن تتوسع لتضم بعض الجزر في المحيط الهادي و الهندي وبعض مناطق أوربا، و يمكن في المستقبل أن تعبر الأطلسي إذا ما أسلمت بعض شعوب الأمريكيتين. فهذه الدولة ليست أبدا دولة وطنية تؤمن بالمواطنة كما هي متعارف عليها كونيا.
* إن إدعاء البعض لإمكانية الجمع بين الإسلام السياسي و الدولة المدنية الديمقراطية و احترام الحقوق و الحريات المدنية و الفردية هو ضرب من الخيال المستحيل، حيث أن هناك تعارض جوهري بين مفهوم الدولة و الحقوق و المؤسسات في النظريات و الفلسفات السياسية الحديثة و ما نتج عنها من أنظمة حكم ديمقراطية معاصرة و بين هذه المفاهيم في الفكر الإسلامي السياسي كما أسسه المنظرين الأوائل نهاية القرن التاسع عشر. ذلك أن هناك فرق كبير بين الديمقراطية باعتبارها تتأسس على فكرة أن الشعب هو الحكم في الأمور السياسية الدنيوية، و بين مفهومي الحكم بالشريعة أو الحاكمية الإلهية كما أسسها علي بن أبي طالب و طورها فقهاء الحركات الإسلامية و منظري الإسلام السياسي كابن تيمية و ابن القيم الجوزية و ابن عبد الوهاب و السيد قطب و غيرهم.
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن مواقف صاحبها ولا تلزم موقع برلمان.كوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.