اعتبر أحمد المديني، الكاتب والناقد المغربي المقيم في باريس، أن حدث "طوفان الأقصى" ضاعف لدى العرب والمسلمين في فرنسا الشعور ب"نقصان الأمان وتفاحش ظاهرة رُهاب الإسلام"، مؤكدا أن فرنسا تعيش "ظاهرة الهجرة الصامتة المضادة". وقال المديني، في مداخلة ألقاها ضمن ندوة "النخب العربية في المهجر: التحدي القائم والدور الممكن" مساء أمس الخميس، في إطار فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي، إنه "أمام المشاهد المروّعة في غزة، والاستنكار العالمي لما تعرض له الفلسطينيون من قتل ودمار، وجد كثير من العرب والمسلمين أنفسهم محبطين عاجزين أو متخوفين من التعبير عن تضامنهم واحتجاجهم". وأضاف المتحدث ذاته أن "المثقفين العرب في فرنسا باتوا يُخوَّنون بتهمة جاهزة هي معاداة السامية، وتستعملهم أحزاب وقنوات إعلامية ككبش فداء لتغويل الإسلام وترويع المسلمين"، حسب تعبيره. وشدد الكاتب والناقد المغربي على أن "هذا الوضع ولّد ظاهرة الهجرة الصامتة المضادة"، لافتا الانتباه إلى أنه "لا غرابة أن تستفحل هذه الظاهرة مع الصعود المثير لليمن المتطرف، ليس في فرنسا وحدها، بل في أوروبا الغربية، ما أصبح يثير مخاوف ذوي الأصول العربية الإسلامية ويدفعهم إلى البحث عن ملاذات آمنة خاصة تجاه هذا الاستثناء الفرنسي". وسجل المديني أن "النّعرة المتطرفة التي كان المتعصب إريك زمور غدّاها بقوة بترويجه أطروحة ما سمّاه الإبدال الكبير تصاعدت"، موضحا أنه "عنى بها وجود خطة ومؤامرة مدبّرة ضد فرنسا وشعبها لإحلال المسلمين بدلا عنهم". وزاد الكاتب ذاته منتقدا ما سماها "السياسية المعادية" لوزير التربية الوطنية الأسبق مشيل بلانكي، "الذي خلق سجالا مفتعلاً حول ما اعتبره وجود تحالف يساري إسلاموي، وصمه بأنه يهدد العيش المشترك في فرنسا"، كما أشار إلى "قرارات حلّ وملاحقة جمعيات إسلامية، وقطع المساعدات العمومية عنها وإغلاق حساباتها البنكية؛ وفي آخر هذا المسلسل توجيه تهمة مديح الإرهاب لنائب برلماني لمناصرته القضية الفلسطينية في حدث ما". وذهب المتحدث إلى القول إن "أمورا من هذا القبيل تُرجع الشخص إلى أصوله التي لم يعرفها أو ظنّ أنها باتت وراءه"، متسائلا: "أوَليس فرنسيَّ المنشأ والتعليم، وكما تحب إيديولوجية الدولة يؤمن بقيم الجمهورية ومتشبعٌّ بشعارها الثلاثي (حرية، مساواة، أخوة)؟"، ولافتا إلى أن "هذه الأخوة يفتقدها فتراه أخيرًا وقد طفح الكيل يسعى إلى العثور عليها في بلدان أخرى". وأشار المديني إلى أن "المرأة الأكثر تضرّرًا، إذ تحسّ بأنها لا تستطيع ممارسة دينها على الوجه الكامل وتتعرض لمضايقات شخصية أو اجتماعية ورسمية شاملة"، وزاد: "إنها تتغاضى عن أساليب التمييز وعمّا يشبه السلوكَ العنصريَّ تجاهها، لكنها تصاب في الصميم بإحساس التضييق على معتقدها في الصلاة في مساجد يُغلَق القليلُ المتوفرُ منها، وفي أداء فريضة الصيام وسط مجال يتحفّظ ممن يختلف عنه، فيتكتّم الصائم أو يخادع ليُخفي صيامه كجُرم أو سرقة، ولهذا أمثلة بلا حصر". وذهب الناقد المغربي إلى أن "ما تتعرض له النساء جرّاء وضعهن الحجاب تحوّل في فرنسا رسميًّا وسياسيًّا لدى اليمين المتطرف وفي وسط المسلمين إلى أزمة مجتمعية؛ وذلك ابتداءً من صدور القانون الذي يمنع ارتداء العلامات الدينية في الفضاءات العملية، وانتهاء بقرار وزارة التربية الوطنية منع دخول التلميذات المسلمات إلى المدارس بالعبايات، وهو ما امتثل له قسم ويتمرد عليه قسم آخر، وجعل مرتدياتِ الحجاب يعانين بسببه في أعمالهن وعلاقاتهن، وعند بعضهن يتضاعف الإحساس بالتمييز"، مؤكدا أن "هذا الشعور حقيقيًّا كان أو مضخّمًا تحوّل عندهنّ إلى ما يشبه الاضطهادَ الدينيَّ فقرّرن وأزواجهنَّ البحثَ عن ملاذ".