تتسبب العمليات الإرهابية التي تقوم بها الجماعات المتطرفة في العديد من الدول الأوروبية في الكثير من المتاعب والضغط النفسي للمسلمين المقيمين في تلك الدول، فما إن يتم الإعلان عن هجوم إرهابي في دولة أوروبية ما حتى يشعر المسلمون أنهم متهمون وعليهم دفع شبهة الإرهاب عنهم، وهو الوضع الذي يتكرر حاليا مع المسلمين في فرنسا بعد الأحداث الدامية التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس مساء الجمعة الماضي. وبحسب الشهادات التي استقتها هسبريس من لدن العديد من المغاربة المقيمين في فرنسا، سواء منهم الذين تربوا هناك أو الذين هاجروا للتحصيل العلمي، فإن حالة من الخوف تسود في أوساط المسلمين وكل من يحمل اسما عربيا، مؤكدين أن الخوف ليس فقط من الاتهامات المعلنة أو غير المعلنة التي يتم توجيهها للمسلمين بسبب ادعاء "داعش" أنها تنفذ إرهابها دفاعا عن الإسلام، بل الخوف من الاعتداءات الجسدية، خصوصا وأن واقعة قتل مهاجر مغربي على يد متطرف فرنسي بعد أحداث "شارلي إيبدو" لا تزال عالقة في الأذهان. في هذا الصدد، يقول عبد العزيز أسوكا، الذي حل بعاصمة الأنوار خلال هذه السنة من أجل متابعة دراساته العليا بجامعة ديكارت الباريسية، في تصريح لهسبريس، إن "هجمات باريس بثت الرعب في نفوس عرب ومسلمي فرنسا"، قبل أن يصف المناخ العام في العاصمة الفرنسية "حيث التوجس والخوف هو سيد الموفق في جميع الأماكن، في الشارع، في الميترو وحتى في الجامعة، والنصيب الأكبر من الشك طبعا يكون من نصيب المسلمين". وواصل الطالب المغربي أنه يعرف طالبتين مغربيتين هاجرتا إلى فرنسا للدراسة وترتديان الحجاب، وبعد أحداث باريس طلبت منهما أسرهما نزع الحجاب خوفا على سلامتهما الجسدية من أي اعتداء عنصري، حيث وصل الأمر بأمٍّ أن قالت لابنتها: "أنا ساخْطة عليك إلا خْرَجْتي للشارع بالحجاب"، مردفا أنه في الجامعات، وفي مشهد غير معهود، تتم مراقبة هويات الطلبة وحقائبهم قبل الدخول، "وأعتقد أن الشعور السائد لدى غالبية المسلمين أنهم متهمون حتى تتثبت براءتهم". الإحساس بالخوف نفسه عبَّرت عنه طالبة مغربية أخرى تتابع دراستها في فرنسا، إلا أن الضغط عليها أكثر لارتدائها الحجاب، وتقول خديجة، التي فضلت عدم ذكر اسمها كاملا، إنها تتوقع الأسوأ خلال الأيام القادمة "والمستقبل سيكون صعبا على المسلمين، وبعد الأحداث كنت خائفة من رد فعل زملائي في القسم وحتى رد فعل الناس في الشارع، خصوصا وأنني فتاة محجبة". وتضيف الطالبة المغربية أن أول شيء افتتحوا به درس الاثنين هو الحديث عن أحداث باريس، وظهر من خلال حديث الطلبة الفرنسيين أن الجميع يدين الأحداث، وهناك دعوة لإعادة النظر في التحركات الفرنسية وتدخلها عسكريا في العديد من الدول، وزادت أنها فضلت عدم الخوض في النقاش خوفا من أن يساء فهمها أو يرد عليها أحد الطلبة بشكل متشنج، "في الجامعة أشعر أنني آمنة أكثر، أما في الشارع فأنا أتوقع الأسوأ والأيام القادمة ستكون عصيبة على المسلمين"، تؤكد خديجة. من جهته أكد محمد جعيط، الكاتب العام لفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بباريس، أن الأيام القادمة "ستكون صعبة على العرب والمسلمين والمهاجرين بصفة عامة"، مضيفا أن حالة الطوارئ التي أعلنها الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، تسمح للأمن بالقيام بعمليات تفتيش للمنازل وتفتيش الأشخاص في الشارع، "وإذا كانت ملامحك عربية، فتوقع أن يطلب منك دائما بطاقة هويتك". وشدد جعيط على أن أحداث باريس لا يمكن تبريرها، إلا أنه أكد على ضرورة أن تعيد فرنسا حساباتها وتراجع سياستها الخارجية، "ففرنسا مسؤولة عما يقع من قتال في العديد من دول العالم، بالإضافة إلى تحيزها في القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل". وإذا كان الوضع صعبا بالنسبة للمغاربة المقيمين في فرنسا والذين قدموا إليها سواء من أجل العمل أو الدراسة، فإنه ليس بأفضل حتى بالنسبة لأولئك الذين نشؤوا وتربوا في الجمهورية، كما هو الحال بالنسبة ليامنة شريراع، التي تشغل منصب مكلفة بمهمة بمديرية التنمية الاقتصادية لمدينة "نانت" الفرنسية والمنتخبة الفرنسية منذ سنة 2009، حيث أكدت أن هذه الأحداث لا "يمكن القول إنها للدفاع عن الإسلام"، مشيرة إلى أن الوضع الحالي مختلف عن هجمات "شارلي إيبدو"، "الآن يبدو أن هناك حالة وحدة وطنية لإدانة العمل الإرهابي والابتعاد عن الخلط بين الإسلام ومهاجمي شارلي إيبدو". وتضيف الفرنسية المغربية، التي انتقل والداها إلى فرنسا وهي في سن الثانية، أن الجميع يدين الهجمات، "لكن أن نطلب من المسلمين أن يشرحوا كل مرة بأن الإسلام لا علاقة بالهجمات الإرهابية وبأنهم يدينون الإرهاب، فالمسلمون تعبوا من هذا الوضع لأنهم فرنسيون ويؤمنون بمبادئ الجمهورية". وأقرت المسؤولة الفرنسية ذات الأصول المغربية بأن المسلمين يعيشون وضعية صعبة خلال الفترة الحالية، "واليمين المتطرف يصعد على سلم معاناة المسلمين"، الإضافة إلى حالة الخوف التي تسود في أوساط المسلمين بفرنسا من الاعتداء عليهم جسديا، "وبالفعل فقد تم ضرب شاب من أصول مغاربية من طرف بعض الفرنسيين المتطرفين"، تؤكد يامنة.