أثار انتشار فيديوهات لشابات مسيحيات يتردين الحجاب اهتمام علماء الاجتماعي بالظاهرة، بعد الشعبية الواسعة التي لقيتها تلك الفيديوهات على "تيك توك" والتي حصدت ملايين المشاهدات. ويعد الحجاب من المظاهر الدينية المشهورة عن التدين الإسلامي، وقد أثار الحجاب الإسلامي جدلا سياسيا وحقوقيا في عدد من الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا التي بلغت حد حظره في الفضاءات العامة، وسجل حضورا كبيرا في الحملات الانتخابية الأخيرة وصراعا سياسيا شديدا. واهتم علماء الاجتماع في دراسة ظاهرة تحجب الشابات المسيحيات ببعض العبارات الإسلامية التي ترافق تلك الفيديوهات، مما أثار لديهم أسئلة كبيرة حول دلالتها السيكولوجية والاجتماعية، وعما إذا كانت هذه الظاهرة مجرد صيحة حديثة، أو علامة تدين. وينتظر أن يشكل انتشار الحجاب الجديد تحديات أمام فرنسا، مما يطرح أسئلة حول كيفية تعاملها مع الظاهرة الجديدة، خاصة وأن محاربتها للإسلام تجد لها سندا في قاعدة عريضة من توجهات الاسلاموفوبيا المتطرفة. ويقول الكاتب "داميان فابر"، في تقريره الذي نشرته صحيفة "لاكروا" (la-croix)الفرنسية؛ حسب الجزيرة نت، إن علماء الاجتماع يرون أن ظاهرة ارتداء الحجاب من طرف شابات مسيحيات يدل على ضبابية الحدود الفاصلة بين الأديان. شابات مسيحيات يروجن لارتداء الحجاب ويوضح الكاتب أن مقاطع الفيديو التي تعود لفتيات، أطلقن على أنفسهن أسماء مستعارة، حصدت ملايين المشاهدات، حيث تختبئ خلف هذه الأسماء مئات الفتيات المراهقات أو الشابات المسيحيات اللواتي يروجن لارتداء الحجاب على موقع "التيك توك" عن طريق بث مقاطع فيديو قصيرة تثير حفيظة الأشخاص الذين لم يبلغوا سن 25 بعد. ويتساءل الكاتب "رغم أن هذه الظاهرة حديثة، لا يتعدى تاريخ أول ظهور لها 4 أشهر، غير أنها اكتسحت نطاقا رقميا واسعا. فكيف يبرر الأشخاص المعنيين هذه الممارسة؟". ووفق الكاتب فإن بعض الفتيات من صناع المحتوى يلفتن النظر إلى رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس التي جاء فيها "كل امرأة تصلي أو تقوم بالدعاء ورأسها غير مغطى، فتتشبه رأسها برأس (الرجل) لأنها والمحلوقة شيء واحد بعينه". ارتداء الحجاب "أنيق للغاية" ويبين الكاتب أن فتاة تدعى هيلينا (22 عاما)، كشفت لصحيفة "لاكروا" أنها قبل شهرين من الزمن كانت ملحدة. وبعد مواجهتها مشاكل شخصية، لجأت إلى التضرع إلى الله وحضور الجلسات لاعتناق المسيحية. وفي المقابل؛ يصف مدير أبرشية للتعليم الديني حجابها الذي ترتديه بشكل يومي بالمحتشم والجميل، وبأنه "يشبه حجاب السيدة مريم"، وفق اعتقاده. وبررت هيلينا اختيارها برغبتها في إعادة إحياء أصولها الإسبانية داخلها، عن طريق ارتداء حجاب "مانتيلا" (Mantilla)، وهو غطاء رأس مصنوع من الحرير المخرم -الدانتيل- يُلبس فوق الرأس والكتفين، كما ترى أن هذه الممارسة خطوة نحو دخول مرحلة جديدة يسودها الإيمان وعبارة عن حماية ذاتية. أما ليانا (14 عاما)، فقد شرحت هذه الممارسة برغبتها "في تقليد السيدة مريم والشعور بالقرب من الله" وفق قولها، مشيرة إلى أنها ترتدي الحجاب في أثناء وجودها في الكنيسة وفي الصلاة، وتخرج فيه إلى الشارع من وقت لآخر. وخلال مقاطع الفيديو التي تغزو شبكة "التيك توك" تتبادل هؤلاء الفتيات المراهقات النصائح ويثنين على حب المسيح -عيسى عليه السلام- ويشرحن كيفية ربط الحجاب بشكل مبسط. ووفق الكاتب؛ فإن الحجاب العلامة الوحيدة للتدين الخارجي الذي تحاول هؤلاء الفتيات إظهاره، في ظل قيامهن بجملة من الممارسات غير المرغوب فيها من قبيل ثقب الأنف والأذن ورسم وشم على الجسد وتغيير اللون الأصلي للشعر والإفراط في التزين. وردّا على مجموعة من الأسئلة على غرار كيفية تفسير الاتجاه الجديد، وعما إذا كان مجرد تركيز على المظهر بسبب مرحلة المراهقة أو نوع من التدين، ترى عالمة الاجتماع الديني إيزابيل جونفو أن هذه الممارسة ناتجة عن رغبة المؤمنين الشباب في إعادة تطبيق الممارسات الدينية الأصلية والتزهد بشكل ملموس. "يسر لنا الله ذلك" وتضيف إيزابيل جونفو أنه منذ قرارات المجمع الفاتيكاني الثاني التي صدرت بين عامي 1962 و1965، اختفت كثير من الممارسات على غرار الصيام؛ حيث تفتقد الكاثوليكية إلى القيود التي عوضت في بعض الأحيان بالممارسات التي تمليها التقاليد الدينية الأخرى مثل ارتداء الحجاب من قبل النساء المسلمات. ويشير الكاتب إلى أنه في أحد مقاطع الفيديو التي راجت على شبكة "تيك توك"، ظهرت عبارة "يسر الله لنا ذلك"، وهو مصطلح منتشر لدى المسلمين غير أنه غير ملحوظ في المعجم المسيحي. ويعتقد الكاتب أن هذا الاتجاه يعكس تأثير البروتستانتية الإنجيلية؛ حيث تعمل منظمة "حركة غطاء الرأس" (Head Covering Movement) في أميركا الشمالية على الترويج لارتداء النساء المسيحيات الحجاب منذ عام 2014. وفي المقابل، لا يرى المتخصص في التبشير، سيباستيان فتح، أن هذه الظاهرة جديدة بل تعود إلى ممارسات الأغلبية في العديد من الدوائر البروتستانتية في عام 1950، ويستمر الحفاظ عليه لدى أتباع كنيسة العنصرة (منظمة دينية من المسيحيين الإنجيليين). إلى جانب ذلك؛ يكشف ارتداء صانعات المحتوى للحجاب عن الانتماء إلى المسكونية (الدعوة إلى توحيد الكنائس). التعددية العقائدية وإلغاء الحدود ووفقا لإيزابيل جونفو يشجع الإنترنت على تداول المحتوى المسيحي الذي لا يروج للتفرقة، كما يجد مستخدمو الإنترنت متعة في التعامل مع المحتوى المعروض وفقا لأحكام المسكونية. وتضيف إيزابيل جونفو "بشكل عام، منذ السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، كشفت الممارسات الفردية عدم تفرقة المسيحيين بين الأمور المستلهمة من تقاليدهم الخاصة والناتجة عن التأثر بديانات مغايرة، لا سيما الديانات الشرقية مثل البوذية. وعليه، ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي على توسيع نطاق ظاهرة كانت موجودة فعلا منذ زمن". وفي نهاية التقرير نوه الكاتب إلى أن هذه الظاهرة قد تندرج ضمن حركة مألوفة بالنسبة للباحثين، وهي تحرير الدين في المجتمعات الحديثة، مرفقة بصياغة معتقدات انتقائية.