نشرت صحيفة "أوبزيرفر" مقال رأي للصحافية صفية خان- روف، علقت فيه على الانتخابات الفرنسية، قائلة: "لوبان سيئة ولكن الكثير من المسلمين لن ينتخبوا ماكرون أيضا". وأشارت الكاتبة إلى أن الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون جعل الحياة صعبة للمسلمين في فرنسا، مع أن معظمهم مترددون في التصويت له. وأضافت أن المرأة المسلمة أصبحت موضوعا محوريا في السياسة الفرنسية، وسط تحضير الناس للجولة الثانية من الانتخابات. وأشارت إلى تصريحات ماكرون في الأسبوع الماضي التي قال فيها "بالنسبة لي، مسألة الحجاب ليست هوسا"، معبرا عن رضاه بمنعه في المدارس وبقائه على ما هو في الأماكن العامة، ومقترحا أن خطط منافسته مارين لوبان لمنعه في الأماكن العامة خارجة عن حدود المقبول. وهناك ما بين 5-6 مليون مسلم في فرنسا، وصوّت معظمهم في الجولة الأولى لمرشح اليسار جان لوك ميلانشون (أي نسبة 69%). وفي الجولة الثانية، لم تقرر نسبة كبيرة منهم لمن سيمنحون أصواتهم أو أنهم قرروا عدم المشاركة. كل هذا رغم دعوات عدد من الأئمة بمن فيهم إمام مسجد باريس، المسلمين لكي يصوتوا لصالح ماكرون ومنع لوبان من الرئاسة. وترى الكاتبة أن القلق مفهوم، فهناك الكثير من الناخبين لديهم سخط عميق من ماكرون، بعد سنوات مخيبة للآمال ومواقف من موضوعات تتعلق بالمسلمين. وعليه، فالمهمة صعبة لإقناع المسلمين بالتصويت بشكل تكتيكي، وحتى في ضوء المواقف السيئة لمنافسته. وبرغم جهودها لتخفيف صورتها، لا تزال لوبان زعيمة ديكتاتورية لحزب معاد للمهاجرين ومعاد للسامية وإسلاموفوبي "التجمع الوطني". وقالت في وقت سابق إنه لا يمكن النظر للحجاب على أنه علامة على معتقد الشخص، بل "زي إسلاموي"، وقارنت أيضا المسلمين الذين يصلون في الشارع عام 2010 بالاحتلال النازي. وهذه هي المرة الثالثة التي تترشح فيها لوبان للرئاسة، ولم تكن في المرات السابقة قريبة للرئاسة مثل اليوم، ووضع استطلاع حظوظها الحالية ب48.5% مقارنة مع 33.9% عام 2017، و17.9% عام 2012. ورغم هذا التقدم، إلا أن انتخاب ماكرون لا يزال غير مؤكد. ويحتوي بيان لوبان الانتخابي على عناصر من نظرية الاستبدال العظيم، حيث تطمح لتغيير الدستور لمنع مستويات الهجرة التي "تغير مكونات وهوية" الشعب الفرنسي. وتريد قطع الدعم عن القاصرين الذين هاجروا بدون مرافق، والتفريق بين السكان الأصليين والآخرين. وأظهرت أبحاث منظمة "أمل لا كراهية" كيف زرعت لوبان الانقسام في حملة انتخابات 2022، وكيف لم يعد الشارع الفرنسي يتعامل مع حزبها بأنه ناشر للأفكار السامة كما كان. ومع أن المرشحين السياسيين مثل لوبان وحتى إريك زمور الذي كان يريد منع الأسماء المسلمة مثل محمد، واستحداث وزارة باسم "إعادة التهجير" لترحيل المهاجرين، مسؤولون عن التحول لليمين المتطرف، إلا أن فرنسا تصارع مسألة الهوية والهجرة منذ عقود. وتحت غطاء مكافحة الإسلاميين وحماية العلمانية في فرنسا، تم منع الرموز الدينية في المدارس الدينية عام 2004 والنقاب عام 2011 والبوركيني في الشواطئ العامة في 2016. ويشعر الكثير من المسلمين الفرنسيين بخيانة ماكرون لهم، بعدما قادهم للتفكير أنه يدافع عن أجندة اجتماعية متقدمة، وتراجع عنها، في محاولة، كما يقول نقاده، لتحييد اليمين المتطرف. ففي 2017، أشار ماكرون إلى الكيفية التي يستخدم فيها البعض اللائكية لمواجهة الإسلام. إلا أنه قاد حكما لمدة خمسة أعوام تعرضت فيه حياة المسلمين للنقد، وسنّ تشريعات تقيد حياتهم. وتضم هذه القوانين منح السلطات الصلاحية لمراقبة المنظمات الإسلامية. وانتقد حلفاؤه مثل وزير الداخلية جيرار دارمانين الرفوف المخصصة للطعام الحلال والكوشير في المتاجر، واصفا إياها بعدوة الجمهورية، وذلك بعد مقتل مدرس في 2020 على يد لاجئ شيشاني. وقالت منظمة أمنستي إن هذه التصريحات "تركت أثرا مرعبا على الناس والمنظمات المشاركة في مواجهة العنصرية والتمييز في فرنسا". وحذر مروان محمد، المدير السابق لمنظمة "التجمع ضد الإسلاموفوبيا" والتي حلّها دارمانين، الناخبين من التصويت للوبان من أجل معاقبة ماكرون، "لم أر عددا كبيرا من الناس يريدون التصويت لها لتدفيع ماكرون ثمن الأذى الذي تسبب به". ومن المهم النظر إلى أن التمييز ضد المسلمين ليس الموضوع الوحيد الشاغل للناخب الفرنسي، وسجل ماكرون ضد الإسلام ليس الموضوع الوحيد الذي يشكو منه الناخبون، فهو يريد زيادة عمر التقاعد، وصعب على الجامعات زيادة الرسوم، ولم يفعل إلا القليل من أجل تحسين المساواة بين الجنسين والتغيرات المناخية. والشكوى الوحيدة هي أنه لا يوجد إلا فرق قليل للتفرقة بين المرشحين، وأن التمييز ضد المسلمين سيتواصل. وأصبح هاشتاغ "لا الطاعون ولا الكوليرا" ترند بين مسلمي فرنسا على تويتر. وتحول حزب "التجمع الوطني" إلى جزء من التيار الرسمي في السياسة الفرنسية، يعني أنه سيحقق مكاسب جيدة في الانتخابات البرلمانية في حزيران/ يونيو. وتقول الكاتبة التي تعمل باحثة في منظمة "أمل لا كراهية" إنها تتفهم حالة التعب والحنين للماضي الذي يشعر به الكثير من المواطنين الذين طلب منهم الاختيار بين أقل الشرين، أو أن يكونوا حاجزا ضد اليمين المتطرف. والكاتبة تتفهم الكراهية الواضحة ضد ماكرون الذي فشل بتجسيد وتعزيز الرؤية البراقة الشاملة التي باعها للفرنسيين في 2017. وعلينا ألا أن نتجاهل خطورة هذه الصورة المعدلة للوبان، والأثر الذي ستتركه على فرنسا وأوروبا والاتحاد الأوروبي وعلى اليمين المتطرف بمواقفها العنصرية والمعادية للإسلام. وفوز مارين لوبان هو تقبل لمُثُلها المتطرفة، مما يعني خلق مزيد من المخاطر على العالم وعلينا جميعا. (عن القدس العربي).