تعيش قيادة جبهة البوليساريو بمخيمات تندوف على أعصابها هذه الأيام، إثر انفجار الأوضاع بالجزائر وخروج مئات الآلاف من الجزائريين للشوارع والساحات للمطالبة بتغيير النظام، بعد أن تمادى في إهانة الشعب الجزائري مصرا على بقاء الرئيس المقعد على كرسي متحرك في سدة الحكم، وهو الذي لا يقوى على الكلام ورفع يده. ولأن جل القوى السياسية والمنظمات المدنية الجزائرية المعارضة ترفض الدعم والمساندة التي يقدمها النظام الجزائري للجبهة الانفصالية، مثلما لم تقبل يوما بأن تكون بلادهم طرفا رئيسيا في معاداة بلد جار وشعب شقيق، بمعاكسة حقوقه التاريخية في السيادة على أقاليمه الجنوبية، فإن قياديي البوليساريو بات يتملكهم الرعب وهم يتابعون هبة الجزائريين من أجل التغيير، وطي صفحة نظام تفنن في إهدار مئات الملايير من الدولارات في صفقات التسلح، وإنفاق جزء أساسي منها طيلة أربعة عقود الأخيرة في إسناد الانفصاليين في معارك دبلوماسية خاسرة. فانفصاليو البوليساريو يدركون الآن بأن عهدا جديدا سيلوح ببلد المليون شهيد، وبأن الجزائريين مصممون على شطب نظام جنرالات العسكر والسياسة الذي جثا على صدورهم منذ الإستقلال، وأحكم قبضته الحديدية على الرقاب؛ ولذلك فهم في حيرة من أمرهم، ويَعُدّون أيام بقائهم بتندوف بعدد أصابع اليد الواحدة. و كم ستكون الأمور قاسية وصعبة عليهم في قادم الأيام والأشهر، لأن سقوط داعميهم في خضم الحراك الشعبي الجزائري، سينهي بقائهم في مقرات الرابوني حيث ينعمون بعائدات المساعدات الانسانية التي يتاجرون بها في أسواق دول الصحراء والساحل، وقد كانوا يحلمون ب”دولة” في أحلام اليقظة، إلى أن أدركوا بعد الضربات والصفعات التي تلقتها البوليساريو ومن ورائها النظام الجزائري، في المحافل الدولية وعلى مستوى العلاقات الاستراتيجية بين المغرب وبين الدول الصديقة وشركائه الكبار في العالم، بأنهم كانوا يرسمون طيلة أربعة عقود ونصف “جمهورية” الوهم على رمال صحراء تندوف. وبمجرد أن هبت رياح التغيير انمحى الرسم وتبخرت الأحلام، وسقطت الأقنعة فماذا هم فاعلون. هكذا منطق التاريخ، فما بني على باطل فهو باطل، ولن يدوم تزوير الحقائق التاريخية طويلا مثلما لا يطول بقاء الزبد على صفحة الماء، وقد شاهد قياديو البوليساريو بأم أعينهم كيف تهاوت أطروحة الإنفصال فوق رؤوسهم إثر تصديق البرلمان الأوروبي على تجديد اتفاقيتي الصيد البحري والفلاحة، رغم الدعاوي القضائية التي رفعوها في المحكمة الأوروبية، وكذا تصديق الكونغرس على شمول المساعدات الأمريكية المقدمة للمغرب للأقاليم الجنوبية، وقبل ذلك سحب العديد من الدول اعترافها ب”جمهورية” الوهم، بعد أن فطنت إلى أن النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء كان لعبة قذرة لعبها الراحل الهواري بومدين بأحلام توسعية في زمن الحرب الباردة، واستمر فيها من بعده نظام جنرالات الجيش الجزائري. هي رياح التغيير قد هبت إذن على القطر الجزائري الشقيق، والجزائريون يحرصون على أن يكون التغيير سلميا، لترسيخ أسس الديموقراطية ونهج سياسة حسن الجوار مع أشقائهم المغاربة، وذلك هو عين الصواب الذي سيمكن البلدان والشعوب المغاربية من إعادة بناء الاتحاد المغاربي الذي يشكل خيارا استراتيجيا سيعطي دفعة قوية للتنمية وحل العديد من المشاكل التي يعاني منها المغاربيون.