اعتبر الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، لحسن الداودي، أن “المغرب يسير في مسار تصاعدي” وأنه يتقدم على عدة مستويات بفضل ما اعتبره الداودي “الجهود التي تبذلها الحكومة التي يقودها حزبه”، خاتما تدخله بتصريح مثير للجدل، بحيث اعتبر أن الوضعية الحالية للمغرب التي تطبعها بعض مظاهر الأزمة الاجتماعية، هي نتاج لفشل الحكومات المتتالية، مضيفا قوله “كون حكمنا المغرب منذ الاستقلال مايبقاش هكذا”. خرجة الداودي هذه وإن كانت مجرد مزايدة سياسية بالنظر إلى أن “إنجازات” الحكومة الحالية وسابقتها هي حصيلة عمل مشترك لكافة الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية وليس ل”البيجيدي” فحسب، تحيلنا إلى البرنامج الانتخابي الذي خاض على أساسه حزب العدالة والتنمية انتخابات 2011 التشريعية، والذي غازل تطلعات المغاربة بالوعود العرقوبية التي أشارت آنذاك إلى تحقيق نسب نمو كبيرة، والقضاء على الفساد. وها هي البلاد بعد مرور 7 سنوات على قيادة “البيجيديين” لحكومتين تتراجع فيها نسب النمو عن المعدل الذي حققته الحكومات السابقة، وتعرف فيها الأجور جمودا غير مسبوق مقابل الارتفاع الصاروخي للأسعار. يتذكر المغاربة كيف وعد حزب العدالة والتنمية الناخبين في برنامجه الانتخابي سنة 2011 بمناسبة الانتخابات التشريعية برفع نسبة النمو إلى 7 بالمائة، لتتقلص هذه النسبة إلى 5.5 بالمائة في البرنامج الحكومي بعد تشكيل الائتلاف الحكومي بقيادة عبد الاله بن كيران، غير أن ذلك لم يتحقق حيث لم تتعدى نسبة النمو 1.6 بالمائة خلال سنة 2016 وهي آخر سنة من الولاية الحكومية الأولى للعدالة والتنمية، أما سنة 2018 فقد عرفت نسبة نمو لم يتعدى ال 3 بالمائة، في حين وعد البرنامج الحكومي 2016-2021 بنسب تتراوح بين 4.5 و 5.5 بالمئة. ووضع البرنامج الحكومي 2011-2016 ضمن أولوياته خفض نسب البطالة إلى 8 في المائة في أفق 2016، لكن الحكومة لم تفي بوعدها هذا، فقد وصلت نسبة البطالة سنة 2016 إلى 9.4 في المائة، ما دفع حكومة العثماني إلى التصريح على التوجه نحو تقليص نسبة البطالة إلى 8.5 في المائة، في إطار البرنامج الحكومي 2016-2021، غير أن النسبة الفعلية للبطالة قفزت إلى 10 في المائة خلال الفصل الثالث من سنة 2018. هذا بخصوص نسب النمو التي وعد حزب العدالة والتنمية المغاربة بتحقيقها في حملاته الانتخابية ولم يفي بوعده، أما في ما يتعلق بما جاء على لسان قائده آنذاك عبدالاله بن كيران حول محاربة الفساد، الذي يضيع على المغرب حسب تعبيره نقطتين من نسبة النمو الاقتصادي، فقد فشل في هذا الامتحان فشل ذريعا إلا أن الرجل غطى على ذلك بوجود ما أسماها “التماسيح والعفاريت” التي تحاربه وتمنعه من تحقيق التصدي للفساد. وعوض ممارسة اختصاصاته الواسعة التي منحها الدستور لرئيس الحكومة، أسقط بن كيران مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في مقاربة الاعفاء، وأطلق عبارته الشهيرة “عفا الله عما سلف” مصرحا أنه لن يحمل “مصباحا ويبحث عن المفسدين في أركان الدولة.. لأن ذلك سيكون جريمة في حق الوطن”. ولا ننسى أيضا أنه وفي الولاية الحكومية التي قادها عبد الإله بن كيران تغول الفساد أكثر من السابق، حيث أشارت تقارير دولية لمنظمة “ترانسبارنسي” إلى أن المغرب حقق رتبا مقلقة في تفشي ظاهرة الرشوة، الشيء الذي يؤدي إلى انتشار الريع الاقتصادي وخنق وتهميش المقاولات الصغرى والمتوسطة، ما يؤكد فشل الحزب “الاسلامي” في تحقيق أحد أكبر شعاراته الانتخابية. عبد الاله بنكيران نفسه الذي كان أشد منتقدي تمكين الوزراء السابقين من معاشات بعد انتهاء صلاحياتهم، أصبح اليوم يتقاضى معاشه بصدر رحب قائلا “وفين كاين المشكل”، المشكل يكمن في أن الحزب عجز عن خلق أي تغييرات تذكر، بل ودخل في علاقة مصالحة مع من كان يهاجمهم أيام المعارضة كما أنه لم يتردد في تصريف مواقفه الإيديولوجية كلما أتيحت له فرصة تحقيق مكاسب جديدة. وقد وظف الحزب براغماتية سياسية حرص من خلالها على مصالحه الانتخابية، فلم يتوانى عن الدخول في برنامج حكومي ذو لمسة علمانية، كما استند إلى خطاب المظلومية و”مرجعيته” الدينية للحفاظ على شعبيته معلقا فشله على شماعة مفاهيم غامضة من قبيل “الدولة العميقة” و”التحكم”. أكثر من ذلك فقد خلق حزب العدالة والتنمية تجربة فريدة من نوعها في عالم السياسة حيث مارس المعارضة من داخل الحكومة بشكل غير مألوف ويستحق الدراسة والتحليل الاكاديمي حسب المهتمين بالشأن السياسي. وإذا كانت الحسنة الوحيدة للحكومة هي خفض معدل عجز الميزانية إلى حد ما، فإن هذا الخفض كان على حساب الطبقات الاجتماعية، من خلال عدة إجراءات مثل رفع دعم صندوق المقاصة عن محروقات، وارتفاع نسبة البطالة نظرا لتقليص مناصب الشغل، بالإضافة إلى هشاشة الشغل بسبب تجميد الأجور وضعف أو غياب الحماية الاجتماعية، وانبطحت هاتان الحكومتان لصندوق النقد الدولي وكانت وفية في تطبيق توصياته بدقة ما زاد ارتباط المغرب بديون هذه المنظمة.