من المنتظر أن يعقد حزب العدالة و التنمية مؤتمره الوطني خلال هذه السنة لانتخاب أمين عام جديد مكان عبد الإله بنكيران الذي قد يكون استنفذ الولايتين اللتين يسمح بهما القانون الأساسي لحزب المصباح. لكن هل السيد بنكيران مستعد للتنحي و ترك كرسي الرئاسة أم أن حب الزعامة و طعم السلطة سيدفعان به الى التمسك بالريادة و لو على حساب الشرعية و أبجديات المبادئ الديمقراطية؟ حصيلة بنكيران على رأس الحزب إيجابية و إيجابية جدا، حيث أخرج هيئته السياسية من منطقة الظل والتهميش اللذان عانت منهما سنوات طوال، لتلعب أدوارا طلائعية في الحقل السياسي، بل و تصل إلى رئاسة الحكومة بعد فوزها الساحق في الإنتخابات التشريعية في 25 نونبر 2011. صحيح أن عبد الإلاه ابن كيران استفاد من موجة الربيع العربي التي عصفت بعدد من الأنظمة العربية و المغاربية على الخصوص، و أثرت على الشارع المغربي الذي فتح الباب على مصراعيه لحزب العدالة و التنمية بعد سلسلة من احتجاجات أسفرت عن دستور جديد. لكن حزب المصباح لم يكن ليكتسح الساحة السياسية لو لم يكن الربان كائنا سياسيا متميزا اسمه عبد الإلاه بنكيران، هذا الرجل الذي يشهد له خصومه قبل أصدقائه السياسيين بحنكته و عناده، و هي صفات مكنته من تجاوز عقبات المنافسة الداخلية الشرسة حول قيادة الحزب، قبل أن يسيطر على الساحة السياسية برمتها و يبعثر أوراق خصومه، و كل الحسابات والتكهنات السياسية التي خيمت على البلاد قبل و أثناء اندلاع الربيع العربي. لكن الحقيقة التي لا يمكن طمسها هي أن قيادة حزب شيئ، و تدبير شؤون أمة أمر مختلف. فالإرتباك الذي أحدثته هزيمة 25 نونبر 2011 في صفوف الأحزاب العتيقة، و لدى حزب الأصالة والمعاصرة، والفراغ الذي ملأه بدون منافس حزب المصباح، أعطيا ثقة مفرطة للحزب، و خاصة لزعيمه ابن كيران، لدرجة أن هذا الأخير اعتقد أن الناخب المغربي وقع له شيكا على بياض، فراح يتخذ قرارات سياسية و اقتصادية و اجتماعية أحادية لاشعبية، مما أدى إلى تصدع داخل أغلبيته انتهى بانسحاب حزب الإستقلال من الحكومة و تعويضه، كي لا يفقد ابن كيران الأغلبية، بحزب التجمع الوطني للأحرار. غرور رئيس حزب المصباح أدى به إلى مواجهة الشعب المغربي خلال خرجة تلفزيونية حاول فيها الدفاع و تبرير زيادة صاروخية في ثمن المحروقات، تلتها أوتوماتيكيا زيادات متتالية في أسعار مواد أخرى كالنقل مثلا. وإذا كانت هذه المبادرة تتسم بنوع من الشجاعة، فإنها تعتبر سابقة يمكن أن تدرس في مادة العلوم السياسية، لكنها تعد بمثابة خطإ قاتل يؤدي الحزب و زعيمه اليوم ثمنه كبيرا. خلال الشهور الأولى لتربعه على كرسي رئاسة الحكومة، أبرز عبد الإلاه ابن كيران مهاراته في البوليميك مع خصومه السياسيين، سواء في البرلمان بغرفتيه، أو إبان لقاءات جماهيرية أو حزبية شدت أنظار المتتبع للشأن السياسي المغربي، و أثارت فضول المواطن المغربي البسيط الذي أبدى اهتماما لخرجات ابن كيران و خطابه و تعابيره الغريبة عن المعجم السياسي، و المثيرة للضحك و الفضول عند العامة. لكن مع مر الأيام و استمرار الأزمة الإقتصادية، و ارتفاع نسبة البطالة، و الزيادة في أثمنة جل المواد الأساسية، و عدم الوفاء بالإتزامات و بالوعود الإنتخابية، لم تعد بهلوانية ابن كيران كافية وحدها لإبقاء الضحك و البسمة على وجه المواطن المغربي، و لا قادرة على إدخال البهجة و السرور إلى بيوت المغاربة. حتى نكت ابن كيران “الحامضة” غابت عن محياه، بل إن صورته كبهلواني ذابت واندثرت وسط المشاكل الإقتصادية و الإجتماعية التي تتخبط فيها البلاد، و ظهر جليا عجز حزب العدالة و التنمية عن تقديم حلول تخفف من وطأة الضغط اليومي الذي يعيشه المواطن المغربي. كما ظهر واضحا فشل حزب المصباح في تدبير ملفات كالتقاعد، و صندوق المقاصة، و غيرها. اما محاربة الرشوة و الفساد و الزبونية و المحسوبية فقد هزمت حكومة ابن كيران بالضربة القاضية، وكل هذه الملفات جعل منها حزب العدالة و التنمية حصان طروادة للوصول إلى الحكم. واليوم، وبعد ثلاث سنوات من حكم ابن كيران و حزبه، يلاحظ المغاربة تفشي الرشوة و الفساد و المحسوبية. بل وصل الفساد إلى الدائرة القريبة من ابن كيران، دون أن يحرك هذا الأخير ساكنا. فترى وزيرا ينفق المال العام في شراء الشوكلاطة لأسرته، وآخر يشوه صورة المغرب خلال تظاهرة رياضية عالمية، و الثالث يتدخل من أجل منصب شغل لابن رئيس حركته الدعوية على حساب المنافسة الشريفة، و يبقى شعار ابن كيران “عفى الله عما سلف” شعارا يتجدد مع كل فضيحة. و تبقى الصحافة المستقلة إلى جانب التماسيح و العفاريت هي السبب في إخفاقات رئيس الحكومة و حزبه حسب نظرهما، ليظهر ابن كيران عدم قدرته تحمل النقد و ميوله إلى قمع الرأي الآخر. في ظل هذه المعطيات، ماذا سيفعله ابن كيران خلال مؤتمر حزبه الذي من المفروض أن ينعقد في غضون سنة 2015؟ هل سيسلك طريق عباس الفاسي الذي خرق دستور حزبه، و فاز بولاية ثالثة لاشرعية على رأس حزب الإستقلال مكنته من الاستمرار في منصب الوزير الأول؟ أم أن ابن كيران سيطلب من حزبه تعديلا استثنائيا للنصوص يمكنه من الترشح لولاية ثالثة؟ وهل سيطلب تأجيل المؤتمر إلى ما بعد الإنتخابات التشريعية لسنة 2016، و من بعده الطوفان؟ أم سيطلب من أنصاره خلال افتتاح أشغال المؤتمر التصفيق و الضجيج و مناشدته البقاء على رأس الحزب؟ لكن هناك سؤالا قد يقلب الأجوبة المُحتملة لكل تلك الأسئلة وهو: هل سيعطي ابن كيران درسا كبيرًا في الديمقراطية للسياسيين المغاربة، خصوما و حلفاء؛ فيعقد مؤتمر حزبه داخل الآجال المحددة و يترك المكان لدم جديد؟ بضعة أشهر تفصلنا عن الأجل القانوني لانعقاد المؤتمر، و لا أحد من حزب المصباح، قيادة و قاعدة، يتحدث عن أكبر حدث في حياة الأحزاب السياسية، و كأن الأمر يخص هيأة سياسية أخرى، و كأن هناك تعليمات بعدم الخوض في الموضوع، و هو مؤشر على ما سوف تؤول إليه الأمور.