الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    الحكومة تعفي استيراد الأبقار والأغنام من الضرائب والرسوم الجمركية    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية        "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    إسرائيل: محكمة لاهاي فقدت "الشرعية"    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)        بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلطة المالية للبرلمان
نشر في برلمان يوم 11 - 05 - 2014

تحتاج الدولة لممارسة وظائفها لأموال تتعدد مصادرها تتنوع منابعها وهذه الأموال توجه لتنفيذ السياسات العمومية لمختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و غيرها، والتي تتسم بصفة العمومية وبذلك وجب أن تحظى بالحماية القانونية وتأمين حرمتها واحترام قدسيتها[1].
وإذا كانت بداية الألفية الثالثة تتميز بسيادة النهج الليبرالي وسياسة التحرير حيث انسحبت الدولة من ممارسة النشاط الاقتصادي، فإنه على مستوى الدول الثالثة السائرة في طريق النمو فإن أعباء الدولة لم تنخفض، مما نتج عنه تزايد حاجاتها للأموال لتثبيت ميزانيتها وضمان التوازن بين المصاريف والنفقات، وبالرغم من تطور أبعاد مالية الدولة وتزايد حدت الإكراهات التي تواجهها باستمرار، فإن تسيير هذه المالية ظل في بعض الدول حبيسا لمنهجية تقليدية موروثة في جوهرها على الفترة الاستعمارية ومنها المغرب، حيث أنه وفي الوقت الذي تنطوي فيه هذه المنهجية على الإفراط في المساطر الجامدة والشكليات المعقدة، فإنها لا تعير الاهتمام الكافي لمردودية وفعالية التدبير المالي بالرغم من أن هذه المنهجية تروم حماية المال العام من التبذير و الإسراف[2].
وفي هذا الإطار، فإن المشرع في أغلب الدول الديمقراطية إسهاما منه في حماية المال العام وصيانته وعقلنة استعماله عمل على إخضاعه للدراسة والتصويت داخل المؤسسة التشريعية المنتخبة، خاصة وان القانون المالي يشكل القالب القانوني لمالية الدولة مما يستوجب حصول موافقة ممثلي الشعب، وإسدال الشرعية عليه.
والمشرع المغربي إيمانا منه بأهمية القانون المالي عمل منذ دستور 1962 على إعطاء البرلمان سلطة التصويت على قوانين المالية، وهو ما تم تكريسه في جميع الوثائق الدستورية التي تلت الدستور الأول مما جعل البرلمان ينفرد بخاصية النظر في مشاريع قوانين المالية والبت فيها بالموافقة أو الرفض، علما أن مجالات الاختصاصي المالي مختلفة ومتعددة إلا أن أكثرها أهمية هي قوانين المالية التي تشمل القانون المالي السنوي والقانون المالي التعديلي وقانون التصفية، والتي تتيح للبرلمانيين فرصة للمناقشة والمشاركة لاقتراح التعديلات، كما أن آجال مناقشتها وإيداعها تكون محددة بقانون تنظيمي للمالية عكس المجالات الأخرى التي تنحصر فيها المبادرة البرلمانية في أضيق الحدود.
فالبرلمان كما هو معلوم يمارس الاختصاص التشريعي انطلاقا من الإطار الدستوري متبعا آليات العقلنة البرلمانية، سواء على مستوى مجال القانون أو فيما يرتبط بضوابط المسطرة التشريعية ، ورغم ذلك استطاعت الممارسة البرلمانية المغربية أن تفرز عدة خصوصيات كفيلة برصد آفاق هذه الممارسة وتحديد اتجاه تطورها ، فمن الناحية الكمية اتجه البرلمان نحو الرفع من حصيلة النصوص التي يصادق عليها مع تعاقب الولايات البرلمانية، ومن الناحية الكيفية، فإن الممارسة لازالت تكرس تفوق الحكومة على البرلمان كمصدر للتشريع، نفس القاعدة تنطبق على التشريع المالي، الذي عرف بدوره تطورا من حيث الممارسة مع تعاقب الدورات التشريعية ، رغم الحفاظ على نفس الآليات الدستورية والقانونية التي تنظمه[3].
وتكمن أهمية هذا الموضوع في كون الأساس في نشوء البرلمان هو حماية المال العام قبل أن يتطور ليصبح اختصاصه سن القانون في جميع الميادين المحددة له بنص الدستور، ذلك أن الوظيفة المالية للبرلمان توجد في قلب الاختصاص البرلماني نظرا لكونه ممثلا عن الشعب وناطقا باسمه، وبالتالي أن جميع التصرفات التي قد يترتب عنها تكليف مالي لمالية الدولة يجب بالضرورة عرضها على البرلمان قصد الموافقة عليها، وإلا فإن هذا التصرف سيتسم بعدم الشرعية.
غير أنه ومع ظهور ما يعرف بالعقلة البرلمانية، فإن جميع نصوص القانون التي تتضمن انعكاسا على مالية الدولة والتي يوافق عليها البرلمان، سواء تعلق الأمر بالمعاهدات الدولية التي ينص الدستور على عرضها على البرلمان أو مشاريع ومقترحات القوانين التي ترتبط بميزانية الدولة، أصبحت الحكومة تمتلك آليات دستورية وقانونية وفرها لها المشرع من اجل الحد من سلطة البرلمان التشريعية والتقليص من اختصاصه المالي في اتجاه جعل الحكومة الطرف المهيمن على المجال المالي وبالتالي تطرح مجموعة من الإشكالات :
ما هو دور البرلمان في اعتماد قوانين المالية؟ وما هي الاختصاصات والمجالات المالية الأخرى التي يمكن للبرلمان أن يتدخل فيها؟ وإذا كانت ميزانية الدولة هي المرآة التي تعكس حياة المجتمع بجوانبه المختلفة، لماذا لا يكون للبرلمان دور في إعداد وتحضير قانون المالية؟ وإذا كانت السلطة التشريعية لها الرقابة على سياسة الحكومة وأعمالها، فلماذا لا يكون لها ممارسة هذا الحق أثناء التدبير المالي؟
وللإجابة على هذه الإشكاليات ارتأينا تقسيم العرض إلى ثلاث مباحث:
المبحث الأول: التدخل البرلماني لاعتماد قوانين المالية.
المبحث الثاني: المجالات الأخرى للاختصاص المالي للبرلمان.
المبحث الثالث: الحدود الواردة على الاختصاص المالي للبرلمان
المبحث الأول: التدخل البرلماني في اعتماد قوانين المالية
يمارس البرلمان المغربي الاختصاص التشريعي، انطلاقا من الإطار الدستوري، متبعا آليات العقلنة البرلماني، سواء في المجال القانوني أو بمسطرة التشريع. وقد عمل البرلمان على تقوية ممارسته مع تعاقب الولايات البرلمانية لكن الممارسة لا زالت تكرس تفوق الحكومة كمصدر للتشريع وذلك يتضح جليا في المجال المالي، فهذا الأخير متنوع ومتعدد، لكن أكثرها أهمية هي قوانين المالية التي تشمل القانون المالي السنوي والقانون المالي التعديلي وقانون التصفية .
فما هو دور البرلمان في اعتماد قوانين المالية؟ هذا ما سنحاول التطرق إليه في مطلبين اثنين.
المطلب الأول: دور البرلمان في اعتماد القانون المالي.
يعتبر قانون المالية الإطار العام للسياسة الاقتصادية والاجتماعية الذي من خلاله تتمكن الحكومية من تنفيذ برامجها في مدة محددة وهي السنة، وهو كذلك إطار تفصيلي للموارد الإعتمادات المالية المرصودة خلال هذه الفترة ، فالأهداف التي يتضمنها هذا القانون تكون دائما بمثابة المؤشر الحقيقي على التوجهات الفعلية للحكومة، ولأهمية هذا القانون كان من الضروري إحاطته بجميع الضمانات حتى تكون في مستوى الأهداف المنتظرة منه، وذلك في جميع مراحل إعداده وتحضيره حتى المصادقة عليه ، فقانون المالية هو ذلك القانون الذي يحدد العلاقة بين الموارد العامة والنفقات العامة وتأثيرها على الشأن العام .
فالمشرع الدستوري المغربي في جميع الدساتير المتعاقبة منذ دستور 1962[4]، وهو ما تم تكريسه في دستور 1996، نص على أهمية هذا القانون، حيث تحدث عن القانون المالي في الفصلين 50 و51 وهو ما أكده في القانون التنظيمي للمالية رقم 98-7 عندما أوضح في المادة 2 أن قانون المالية يتضمن ثلاثة أصناف : قانون مالية السنة وقانون المالية التعديلي وقانون التصفية، وقد جاء دستور 2011 مؤكدا ذات المعطى عندما نص على أن قانون المالية يصدر عن البرلمان، وأحال على القانون التنظيمي الذي ينظم كيفية إعداده وتحضيره ومناقشته والمصدقة عليه ، كما أنه نص على أن الحكومة تناقش مشروع قانون المالية في إطار مجلس الحكومة ، مما يفسح المجال أمام مناقشة تفاصيله وأرقامه، بينما نص الفصل 49 على أن المجلس الوزاري ينظر في التوجهات العامة للمشروع ، ليحال وجوبا على مكتب مجلس النواب حيث تخصص جلسة مشتركة بين المجلسين للاستماع لتقديم مشروع القانون المالي من طرف وزير المالية، تليه مباشرة إحالته على اللجنة النيابية المختصة للشروع في دراسته دراسة تفصيلية قبل إحالته إلى الجلسة العامة لمناقشته وتعديله والتصويت عليه ، وهنا لابد من الإشارة إلى أن المشرع الدستوري ألزم البرلمان والحكومة بضرورة السهر على الحفاظ على توازن مالية الدولة، كما هو منصوص عليه في الفصل 77. وهذا من المستجدات التي جاء بها الدستور الجديد، بعدما كانت الحكومة تلجأ إلى استعمال الدفع بعدم قبول كل مقترحات البرلمان إذا كانت تخل بالتوازن المالي، هذا الحق الذي تستعمله الحكومة بتعسف جاء الدستور الجديد ليقيده نوعا ما عندما ألزمها بضرورة تعليلها للدفع بعدم القبول المالي كلما لجأت إليه.
وللتذكير فإن الحكومة تنفرد بصياغة مشروع القانون المالي ويبقى للبرلمان صلاحية تقديم التعديلات والتصويت عليه، مما يجعل من البرلمان مجرد غرفة للتسجيل مقيد الصلاحيات في المجال المالي، علما أن نجاعة تدبير السياسات العمومية يتطلب الشفافية وتعزيز دور البرلمان في المجال المالي. ونجد أن المشرع المغربي سلك مسلك النموذج الفرنسي من حيث إجراءات إعداد الميزانية ومناقشة القانون المالي والمصادقة عليه. أما آجال الإيداع والمناقشة فيحددها القانون التنظيمي للمالية علما أن الطبيعة المؤقتة لقانون المالية تعطي لعملية الإيداع أهمية خاصة ضمن مسطرة الاعتماد البرلماني. والتجربة المغربية في هذا الإطار جديرة بالمتابعة رغم حداثتها، حيث أصبحت الحكومة في السنين الأخيرة تودع مشروع القانون المالي داخل آجال معقولة لا تتجاوز تاريخ 25 أكتوبر ، رغم أن الدستور أو القانون التنظيمي لم ينص صراحة على تاريخ محدد لإيداع القانون المالي لدى البرلمان، غير أن دستور 1996 أحال على القانون التنظيمي للمالية، هذا الأخير وضع بشكل دقيق آجالا دقيقة للبث والاعتماد[5]، هذا ما يمكن أن نستشفه من المادتين 33 و34 من القانون ن التنظيمي رقم 7.98 ، لكن الممارسة أثبتت عدم احترام تلك الآجال سواء من طرف البرلمان أو الحكومة [6] .
المطلب الثاني: الاختصاص البرلماني في مجال قوانين المالية المعدلة وقانون التصفية.
يتم اللجوء إلى القانون المالي التعديلي أثناء تنفيذ القانون المالي السنوي وذلك لتصحيح التقديرات المرخص بها عن طريق تعديلها أو تغييرها كلا أو بعضا، ذلك أن الحكومة قد تتفاجأ ببعض الإكراهات غير المتوقعة تربك التوازن المالي كما صادق عليه البرلمان ، ولا يمكنها بحق القانون إدراج أي تعديل بدون موافقة البرلمان صاحب السلطة في قبول أو رفض التعديلات، وطبقا للمادة 4 من القانون التنظيمي للمالية لسنة 1998 المعدل سنة 2000 فإن تغيير أي مقتضى من القانون المالي لا يتم إلا بقانون مالي تعديلي، ونسجل في هذا الإطار سابقة وقعت سنة 1983 عندما تقدمت الحكومة بقانون مالي تعديلي بعد أن اضطرت بسبب أزمة الديون إلى جدولة الديون وعقد اتفاقات مع الدول والمؤسسات الدائنة وفق شروط مجحفة مما جعل الدولة تلجأ إلى سن سياسة جديدة سميت بسياسة التقويم الهيكلي التي مست قطاعات اجتماعية.
وللإشارة فإن قوانين المالية التعديلية تساهم عمليا في الزيادة في الإعتمادات أو التقليص منها أو تغيير أوجه تخصيصها، ولولا هذه الزيادات أو التغييرات لما وجدت قوانين المالية التعديلية، ومن حيث الشكل فإنها تستفيد من إدراجها في جدول أعمال المجلسين مع باقي مشاريع النصوص القانونية دون أن تلفت الانتباه إليها رغم أهميتها، خاصة أنها قد تدخل تغييرا جوهريا على النواة الصلبة للقانون المالي أي المقتضيات الجبائية أو النفقات الاجتماعية ، علما أن مناقشة القانون المالي تحظى باهتمام ومتابعة كبيرين.
وما دام أن التجاوز تكرسه الممارسة المالية، يطرح التساؤل حول دلالته على الرغم من كون البرلمان يحدد سقف النفقات ويستوجب بالتالي اللجوء إلى آلية القانون المالي التعديلي لتصحيح الخلل ، مما يفهم معه عدم دقة الأساليب الفنية المستعملة التي تبقى رهينة تقلبات يصعب ضبطها مسبقا وفي بعض الأحيان يكون الخطأ ظرفيا [7] ، خاصة في موضوع الإصلاح الجبائي أو في تغيير الأساليب الفنية للوعاء أو التصفية الضريبية، كأن يحذف المقدم من الضريبة على القيمة المضافة ويمنح الملزمين الحق في استرداد مبالغ الضريبة التي تحملها، فمن شأن هذا الإجراء أن يرفع من نفقات الدولة، لكن عندما تكون التجاوزات في صرف النفقات متكررة على نفس الأبواب، فلا علاقة هنا بالأساليب الفنية، فسبب الظاهرة سياسي يستهدف من ورائه تقليص حجم العجز الفعلي للميزانية وقت مناقشة القانون المالي و إجراء تغيير على هيكلها لاحقا عن طريق قانون مالي تعديلي ، وبذلك يطرح التساؤل عن جدوى الترخيص البرلماني .
وخلافا لقوانين المالية التعديلية التي تندرج ضمن الباب المخصص لقانون المالية تم التنصيص على قانون التصفية في باب مستقل من القانون التنظيمي للمالية لسنة 1998، حيث نصت المادة 47 على إدراج المبلغ النهائي للمداخل المقبوضة والنفقات المأمور بصرفها والمتعلقة بنفس السنة المالية وحصر حساب السنة، في قانون يسمى قانون التصفية، يودع و كمشروع على مكتب أحد مجلسي البرلمان)مجلس النواب بالأسبقية وفق الدستور الجديد( النواب في نهاية السنة الثانية الموالية لسنة تنفيذ الميزانية على أبعد تقدير، ويرفق هذا المشروع بتقرير يعده المجلس الأعلى للحسابات حول تنفيذ المالية، وبالتصريح العام بمطابقة المحاسبة الفرعية للحساب العام للمملكة[8]، ويمكن القول أن قانون التصفية يشكل تقديما لقانون المالية للسنة القادمة.
وأهمية هذا القانون تظهر أثناء تقديمه ، ويستشف ذلك من التجربة الفرنسية، حيث يتم إلغاء الإعتمادات غير المستعملة الواردة في قانون التصفية، كما أنه يحدد مجموع عمليات تنفيذ القانون المالي وعمليات خزينة الدولة والترخيص بالتحويل المحاسبي لحساب الخزينة وبذلك فان مناقشة قانون التصفية تكتسي أهمية خاصة، حيث تتمكن من الوقوف على الاختلالات وحصر النفقات وأوجه الصرف المختلفة وتوظيفها في مساءلة الأداء الحكومي، وهو ما دفع بالبعض إلى المطالبة بالإسراع في إيداع قانون التصفية واحترام الآجال المعطاة للسلطات الإدارية لتقييم مشروع قانون التصفية، بالإضافة الى ذلك فان دعم المجلس الأعلى للحسابات لا يمكنه إلا أن يساهم في إضفاء قيمة مضافة على قانون التصفية. وقد عرف قانون التصفية في فرنسا احتراما للآجال خلال الجمهورية الخامسة، وتأكد من خلال مرسوم 2 يناير 1959 وقانون 28 يونيو 2001[9].
وبالتالي فقانون التصفية يكتسي أهمية بالغة باعتباره آلية لإخبار البرلمانيين وإطلاعهم على كيفية صرف الاعتمادات واستخلاص الموارد وهو كذلك وسيلة لممارسة الرقابة البعدية على أعمال الحكومة . وهو ما يمكن أن نستشفه من خلال التنصيص عليه في الدستور الجديد، وبالتالي إضفاء الطابع الدستوري على قانون التصفية، ومن هذا المنطلق فإنه أصبح على الحكومة لزوما تقديم مشروع قانون التصفية أمام البرلمان لمناقشته ومعرفة أوجه صرف المال العام، بعد أن كانت الحكومة تماطل في عرضه على الحكومة إلا بعد مرور عدة سنوات.
المبحث الثاني: المجالات الأخرى للاختصاص المالي للبرلمان
لقد أشرنا فيما سبق إلى الاختصاص البرلماني في مجال القوانين المالية وكيفية تقديمها، على أن المجالات الأخرى تتجلى في موافقة البرلمان على مخططات التنمية و في الموافقة على المعاهدات الدولية التي لها آثار مالية (المطلب الأول) ومن جهة أخرى تتجلى في الدور البرلماني في المجال الجبائي(المطلب الثاني).
المطلب الأول: صلاحية الموافقة على قوانين الإطار والمعاهدات الملزمة لمالية الدولة
يشتمل المخطط على مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية و حتى البيئية، فهو يتضمن التوجهات الكبرى الاقتصادية و الاجتماعية التي تنوي الحكومة تنفيذها لمد معينة، وبدلك فهو يستلزم نفقات ليست بالقليلة، وهو مايجعلنا نتساءل، هل يمكن اعتبار تصديق البرلمان على المخطط هو بمثابة اختصاص مالي فعلي أم أن هذا التصديق هو مجرد إجراء شكلي تحتاجه الحكومة لإضفاء الشرعية على تنفيذ بنود مخطط هو في الأصل من إعدادها؟(فقرة أولى)، ومن جهة أخرى فقد أقر الفصل 55 من الدستور الجديد في فقرته الثانية، بأن المعاهدات الملزمة لمالية الدولة لا تقع المصادقة عليها إلا بعد الموافقة البرلمانية، إلا أن التساؤل المطروح، هل كل الاتفاقيات الملزمة لمالية الدولة يوافق عليها البرلمان؟ وهل بإمكان البرلمان تعديل بنود المعاهدة؟ ماهي طبيعة وماهية المعاهدات الملزمة لمالية الدولة؟(فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: الموافقة على مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية
تعتبر الموافقة على مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مجالا آخر منح للبرلمان المغربي كي يمارس بعض من سلطاته، إلا أن اختصاصه في هذا المجال يبقى محدودا مقارنة مع دوره في الميزانية. فبالرغم من النواقص التي يعاني منها البرلمان المغربي وضعف تجربته في مجال اعتماد المخطط، تبقى هناك أهمية خاصة يجب إعطاؤها لهده المرحلة من المسطرة التشريعية لأجل إدخال عادات أخرى على وظيفة المؤسسات المغربية، فانطلاقا من هذه الشروط يمكننا الوصول إلى تطوير دور البرلمان وإعطاءه كل الوسائل لممارسة اختصاصاته التشريعية في إطار أكثر شمولية.[10]
وعموما فالمشرع المغربي لم يفرض مقتضيات خاصة بمخططات التنمية، بل جاءت بشكل عام ضمن المجال الذي حدده المشرع للقانون وذلك وفقا لمقتضيات الفصل 71 من الدستور المغربي الجديد والذي جاء تقريبا بنفس الصياغة التي كان عليها الدستور القديم، حيث نص على أنه “… للبرلمان، بالإضافة إلى الميادين المشار إليها في الفقرة السابقة، صلاحيات التصويت على قوانين تضع إطارا للأهداف الأساسية لنشاط الدولة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية و البيئية والثقافية”. إذن فقوانين الإطار الواردة في هذا الفصل أو كما يسميها البعض هي قوانين تضعها المجالس التشريعية حينما تقدم الدولة على سياسة إصلاحية معينة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية أضيف إليها في الدستور الجديد حتى البيئية، مع اقتصارها على المبادئ الأساسية، لتتولى السلطة التنظيمية مهمة تنفيذ البرنامج بموجب مراسيم، شرط ألا يكون التنفيذ مما يندرج في ميدان القانون[11].
لقد وضعت المبادئ الأساسية للتخطيط بالمغرب مند سنة 1957 ( ظهير 22 يونيو 1957) وقد أكدت الدساتير المغربية المتلاحقة على دلك بوضوح، محددة الاختصاصات البرلمانية في مجال التخطيط. لكن ما يلاحظ في التجربة البرلمانية المغربية أنه لم تعرض المخططات على البرلمان للتصويت عليها إلا بعد 1977، وما قبل ذلك من المخططات تم اعتماده دون موافقة البرلمان[12].
وتندرج المشاركة البرلمانية في فحص المخطط في مرحلة أولى يمكن اعتبارها استشارية، حيث كان يمثل البرلمان بعشرة أعضاء من لجنة المالية في أعمال المجلس الأعلى للإنعاش الوطني والتخطيط، وهذا الأخير هو الذي أسند إليه المشرع الدستوري مهمة إعداد المخطط وذلك منذ أول دستور لسنة 1962[13]. إن فحص المخطط خلال هذه المرحلة الإعدادية والإعلامية يعد بمثابة تبني للمخطط من قبل البرلمان، فخلال هذه المرحلة يتمكن البرلمان من فحص المخطط في مرحلته الإعدادية قبل أن يعرض عليه قصد الموافقة عليه، وهذه الأخيرة هي ما يهمنا، ومن خلالها يبرز دور البرلمان في مخططات التنمية. إلا أنه ومع دستور 1992 وما تلاه فقد أصبح دور المجلس استشاري وفقط، يكتفي فقط بوضع توصيات، وهذه المسألة كانت تسمح ” وبالأخص لأعضاء لجنة المالية” بإعداد العمل البرلماني عندما يتم عرض المشروع على المجلس. عموما فتدخل البرلمان في فحص المخطط يترجم عن طريق اعتماد أو رفض هذا المخطط، غير أن الأمر يبقى نظريا فقط، والجزاء البرلماني الذي يكمن في قبول أو رفض اعتماد المخطط مرتبط كثيرا بالإذن السنوي للالتزام بنفقات الميزانية المدرجة في القانون المالي السنوي المصوت عليه من طرف البرلمان. وقد عملت الدساتير المغربية المتعاقبة على منح البرلمان سلطة اعتماد مشروع المخطط، حيث كان المخطط الثلاثي هو أول مخطط يقدم للبرلمان لأجل المصادقة عليه، واعتبر دلك عملا إيجابيا قطع مع الطريقة التقليدية التي كان يعتمد بها المخطط، حيث كان يناقش في المجلس الوزاري ويدخل حيز التنفيذ دون مروره على الجهاز التشريعي[14].
فمخططات التنمية لها ارتباط وثيق بالميزانية، ذلك أن الرابط الموجود بين المخطط و الميزانية يجعل هذه الأخيرة مجرد الجزء السنوي الأول. لهذا فإن دراسة مفصلة للقانون المالي السنوي على ضوء توقعات المخطط ستصبح ضرورة ويمكنها بدون شك أن تأتي بعنصر الجواب لمعالجة تجاوزات إذن الميزانية الذي يشكلظ جزء من التصديق على المخطط، ويندرج هذا الأخير في اختصاصات البرلمان الذي يجب أن يسهر على الانسجام و التماسك بل والعمل على ربط المخطط من جهة و الميزانية من جهة أخرى، كي يستجيب الاثنان معا لأهذاف التنمية الاقتصادية والاجتماعية و البيئية.
وإذا عدنا إلى النص الدستوري الذي يوضح لنا كيف يصوت البرلمان على اعتمادات المخطط، نجد أن الفصل 75 من الدستور الجديد الذي جاء بشكل مشابه إلى حد ما لما كان منصوصا عليه في الفصل 50 من الدستور السابق، حيث جاء في فقرته الثانية أن “…يصوت البرلمان مرة واحدة على نفقات التجهيز التي يتطلبها، في مجال التنمية، إنجاز المخططات التنموية الإستراتيجية، والبرامج متعددة السنوات، التي تعدها الحكومة وتطلع عليها البرلمان، وعندما يوافق على تلك النفقات، يستمر مفعول الموافقة طيلة مدة هذه المخططات و البرامج، وللحكومة وحدها الصلاحية لتقديم مشاريع قوانين ترمي إلى تغيير ما تمت الموافقة عليه في الإطار المذكور…”، كما يقر القانون التنظيمي للمالية رقم 7.97 في المادة 24 بأنه ” لا يمكن أن تترتب على المخططات الموافق عليها من قبل البرلمان التزامات الدولة إلا في نطاق الحدود المعينة في قانون المالية للسنة”. ومن جهة أخرى تنص المادة 25 من نفس القانون التنظيمي أنه ” يمكن أن تمنح في شأن نفقات الاستثمار الناتجة عن تنفيذ مخطط التنمية ترخيصات في برامج تحدد التكلفة الإجمالية والقصوى لمشاريع الاستثمار المعتمدة”
كل هذه النصوص تحدد حق البرلمان في التصديق على مشروع المخطط، لكن هذا الدور الممنوح للبرلمان لا يخلو بدوره من المشاكل و الصعوبات. فبالإضافة إلى الصعوبات العملية التي يطرحها المخطط هناك صعوبات متعلقة بالجوانب التشريعية، ويمكن البدئ بنقص التجربة، فتدخل البرلمان في المصادقة على المخطط غالبا ما يكون سطحيا، بالإضافة إلى النقص في العناصر الأساسية التي تمكن من مناقشة المخطط في عموميته، وإعطاء المقترحات الخاصة بكل قطاع، مع الأخذ بعين الاعتبار الواقع الاقتصادي والمالي للدولة، كل هذا يؤدي إلى تقليص مهم من الاختصاص البرلماني، يمكن أن نضيف إلى ذلك أيضا صعوبات أخرى ذات طابع تقني و اقتصادي يجب على البرلمان مواجهتها[15].
و عموما فإذا كانت الإمكانية الوحيدة الممنوحة للبرلمان المغربي هي القبول أو الرفض لمشروع المخطط المعروض عليه، فإن هذا لا يمنع من إيضاح العلاقة التي تجمع الميزانية و المخطط، حيث أن هدا الأخير يبدو مجرد تمني، أو مجموعة من التنظيمات، والترتيبات المحددة، اتفق عليها من أجل الوصول إلى أهداف عامة، و إيجاد الوسائل التي يتم الاتفاق عليها لتحقيق هذه الأهداف، في حين أن الميزانية ترخيص واجب التنفيذ، كما تعتبر طرق التحضير محورا للاختلاف كذلك، ذلك أن تحضير الميزانية أمر تقوم به وزارة المالية لوحدها، بينما المخطط مهمة تشترك فيها عدة وزارات و إدارات وهيأت وأطراف اقتصادية و اجتماعية مختلفة، كما أن الميزانية تنحصر في الموارد والنفقات العمومية، بيد أن مضمون المخطط يتسع ليشمل مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية و البيئية[16]. إلا أن كل هذه الفوارق تبقى في الواقع ذات طابع شكلي عمومي، فالعلاقة بين المخطط والميزانية تشابه حقيقي، والروابط التي تجمع بينهما ذات طابع قانوني. فقوانين المالية السنوية، هي وسيلة تضمن تنفيذ المخطط، إذ أنها تهم جزء مهما من استثمارات الدولة وتوجه بطريقة أو بأخرى مشاركة المؤسسات العمومية و الخاصة في تنفيذ بعض المشاريع، فهي تلبي الاحتياجات التي يتطلبها تنفيذ التدابير المنصوص عليها في المخطط. ذلك أنه بالتصويت على مشروع قانون المالية فإنه يتم التصويت على جزء مهم من المخطط. وهو ما يمكن أن نستشفه من قراءة الفصل 75 من الدستور المغربي السالف الذكر. وفي مقابل هذه الأهمية التي تربط بين الميزانية والمخطط، نلاحظ أن هناك اختلافا كبيرا في المشاركة البرلمانية بخصوص هذا المجال، ذلك أن سلطة البرلمان تخضع للتفكيك من خلال الفحص المفصل للميزانية و المخطط، وعادة ما يتزامن اعتماد المخطط و دخوله حيز التنفيذ مع الميزانية الثانية المخصصة لفترة للمخطط[17].
وعموما، دون أن ندخل تفاصيل كثيرة قد تخرجنا عما هو مطلوب، وهو إبراز السلطة المالية للبرلمان فيما يتعلق بالمخططات، يمكن القول أن سلطة البرلمان في هذا الصدد محدودة جدا، حيث تنحصر في التصويت فقط، دون المبادرة، كما أن الغرفتين لا يمكنهما تقديم أي اقتراح يرمي إلى إدخال أي تعديلات يمكن أن تترتب عليها تكاليف للمخطط، نظرا لما لها من آثار مكلفة للقانون المالي، إلا أنه ومع دلك يمثل التدخل البرلماني للموافقة على المخطط أهمية خاصة، إذ يمكنه من فحص المشاريع الاستثمارية للدولة ومن معرفة ما إذا كان عمل السلطات العمومية يحقق أهداف التنمية الاقتصادية و الاجتماعية.
الفقرة الثانية: الموافقة على المعاهدات الملزمة لمالية الدولة
إنه مجال آخر يمارس من خلاله البرلمان المغربي سلطته المالية، فعلاوة على اختصاصه في الموافقة على قانون المالية، وكذا موافقته على مخططات التنمية الاقتصادية، فإن الدستور المغربي أقر لفائدة البرلمان صلاحية مالية أخرى تتمثل في الموافقة على المعاهدات التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة.
و الأصل أن المعاهدات يصادق عليها من طرف الملك دون الرجوع إلى البرلمان، إلا أن هذا النوع من المعاهدات مادام أنها تحمل التزاما ماليا لمالية الدولة، والأصل أن كل ما يلزم مالية الدولة يرجع أمر الموافقة عليه للبرلمان، فإنه بالضرورة إخضاع هذا النوع من المعاهدات للموافقة البرلمانية، وهو ما كان منصوصا عليه في الفصل 31 من الدستور المغربي لسنة 1996 والذي ميز بين 3 أنواع من المعاهدات[18]:
– المعاهدات التي لا تتضمن أي مقتضيات تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة
– المعاهدات التي تتضمن أحكاما تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة
– المعاهدات التي قد تتضمن مقتضيات مخالفة لأحكام الدستور
وقد جاء الدستور الجديد ل2011 مضيفا أنواعا أخرى من المعاهدات التي تخضع لنفس المسطرة التي تخضع لها المعاهدات التي تلزم مالية الدولة، وهو ما نص عليه الفصل 55 منه، حيث نص في الفقرة الثانية منه على”… يوقع الملك المعاهدات ويصادق عليها، غير أنه لا يصادق على معاهدات السلم والاتحاد، أو التي تهم رسم الحدود، ومعاهدات التجارة أو تلك التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة، أو يستلزم تطبيقها اتخاد تدابير تشريعية، أو بحقوق وحريات المواطنات والمواطنين العامة أو الخاصة، إلا بعد الموافقة عليها بقانون”. إذا يتضح لنا أنه علاوة على ما كان منصوص عليه في الفصل 31، جاء الفصل 55 من الدستور الجديد متضمنا لعدة أنواع من المعاهدات التي تعرض إلزاما على الموافقة البرلمانية، إلا أن مايهمنا في هدا الخصوص هو المعاهدات الملزمة لمالية الدولة، التي جاءت بشكل غامض سواء في دستور 1996 أو الدستور الجديد المعدل له، حيث اكتفى الفصلين معا بذكر المعاهدات التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة، دون تحديد ماهية أو طبيعة المعاهدات الملزمة لمالية الدولة، وكذا الإجراءات التي يقوم بها البرلمان للموافقة عليها.
فإلى جانب الإجراءات المسطرية التي إبرام والتصديق على المعاهدات، فإن التساؤل المطروح يدور حول المقصود بالمعاهدات الملزمة لمالية الدولة. فمن وجهة نظر المحاسبة العمومية يعتبر إلزاما كل تصرف قام به جهاز عمومي وترتبت عنه تكاليف، وانطلاقا من هدا الأساس يرى البعض أن الحكومة ليست ملزمة كي تعرض على البرلمان إلا المعاهدات التي تنشئ بشكل مباشر دينا حقيقيا على كاهل الدولة، وتبعا لدلك يمكن أن ندرج في هدا الإطار جميع المعاهدات التي يتطلب حيز التنفيذ تكاليف مالية بالنسبة للدولة[19]. ومن جهة أخرى، ومن الناحية الدستورية، فإن منح ” الموافقة” الذي جاء ضمن الفقرة الثانية من الفصل 55 من الدستور الجديد المقصود منه الترخيص التشريعي الذي يمنحه البرلمان من أجل المصادقة على المعاهدة الدولية التي تترتب تكاليف تلزم مالية الدولة، لكن طبيعة هده السلطة التي يملكها البرلمان هي أقرب إلى الاختصاص المالي منه إلى الاختصاص التشريعي. فهو عمل مشروط في شكل تشريعي لكن ليس قانونا بالمعنى المادي[20].
فارتباط المعاهدة بالالتزام المالي هو الذي يخول البرلمان حق التدخل، وهو الذي يضفي نوع من الغموض على هذا الجانب، لأن كل المعاهدات والاتفاقيات التي تبرمها الدولة يمكن أن ينتج عنها التزام مادي على الدولة، وبالتالي يصبح أمر عرضها على البرلمان وفقا منطوق الفصل 55 من الدستور أمرا ضروريا، وهده المسطرة من شأنها تعقيد مراحل إبرام المعاهدات التي تتطلب السرعة والوضوح. ومن جهة أخرى يمكن للحكومة أن تتذرع بعدم وجود ارتباط فعلي بين التصديق على المعاهدة الدولية و إلزام المالية العمومية بالتكاليف. فمن جهة لا يمكن لا يمكن عرض كل الاتفاقيات التي تبرمها الدولة على الموافقة البرلمانية، ومن جهة ثانية لا يمكن للحكومة أن تقصي البرلمان من منح الترخيص بالموافقة على نوع من المعاهدات التي تلزم مالية الدولة فعلا.
لقد أقام Gaston Jése في استشارة قانونية أثناء الجمهورية الفرنسية الثالثة تمييزا بين المعاهدات المتعلقة بمالية الدولة و المعاهدات الملزمة لمالية الدولة. حيث اعتبر المعاهدة ملزمة لمالية الدولة إذا تولد عنها عبئ ماليا مباشرا و مؤكدا، في المقابل لا تلزم مالية الدولة المعاهدة التي تقلص الدين، فهذه الاتفاقيات تتعلق بمالية الدولة و لكن لا تلزمها[21].
يمكن أن نخلص من ذلك أن المعاهدات التي تعرض على الموافقة البرلمانية هي التي يترتب عنها أثر مباشر على ميزانية الدولة، لأن المعاهدة تمس مباشرة التوازن المالي للدولة و ذلك يتطلب فتح اعتمادات مالية مباشرة، وبالتالي تحتاج إلى ترخيص برلماني بالموافقة.
هذا من جهة، ومنناحية أخرى وفيما يتعلق بمسطرة الموافقة التشريعية على المعاهدة، فإنه بعد عرض هدا النوع من المعاهدات على المجلس الوزاري يتم إيداع مشروع القانون القاضي بالموافقة من حيث المبدأ لدى مجلس النواب، وهذا من المستجدات التي جاء بها الدستور الجديد بعد أن كان للحكومة أن تختار أي من المجلسين تودع لديه المشروع أولا. وتخضع دراسة هذا المشروع لنفس المسطرة التي تخضع لها القوانين الأخرى باستثناء ممارسة حق التعديل، إذ أن الموافقة التشريعية من حيث المبدأ تهم مختلف بنود المعاهدة باعتبارها كلا لا يتجزأ، ومن ثم يستبعد اقتراح أي تعديلات عليها بالنظر إلى قيام أحكامها على أساس اتفاقي بين السلطات الوطنية المغربية وبين الأطراف الأخرى[22].
وعلى الرغم على الرغم من أن البرلمان يملك سلطة الموافقة من حيث المبدأ على الاتفاقيات والمعاهدات التي تعرض عليه تماما كما يملك سلطة رفضه الموافقة، فإن الممارسة التشريعية خلال مختلف الولايات النيابية قد كرست سلوك الموافقة التلقائية والمباشرة على جميع المعاهدات و الاتفاقيات التي عرضت عليه.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى ضرورة التمييز بين المعاهدات التي تكلف مالية الدولة و تخضع لمسطرة الموافقة التشريعية من حيث المبدأ قبل عرضها على جلالة الملك للمصادقة عليها، وبين الاتفاقيات المالية التي تشير إليها المادة 7 من القانون التنظيمي رقم 7.98 المتعلق بقوانين المالية، والتي تندرج في إطار اتفاقات أو اتفاقيات أو عقود بين الدولة المغربية ممثلة في رئيس الحكومة أو وزير المالية أو الشخص الذي ينيبه خصيصا لهدا الغرض، وبين دولة أخرى أو منظمة دولية أو مؤسسة من مؤسسات التمويل الدولية أو الجهوية، والتي تهدف إلى تمكين المغرب من الحصول على قروض خارجية لتمويل بعض المشاريع الاقتصادية أو الاجتماعية أو المندرجة في إطار تطبيق برامج التعاون الثنائي أو المتعدد الأطراف. وهذا النوع لا يندرج في إطار مفهوم المعاهدة حسب الأحكام الواردة في الفقرة الثانية من الفصل 55، كما أنها لا تعرض على البرلمان للموافقة، بل هي من الناحية القانونية عقود اقتراض تخضع لمسطرة خاصة، و يتمثل أساسها القانوني في الإذن الذي يمنحه البرلمان سنويا من أجل الاقتراض من الخارج في حدود المبالغ المقدرة للموارد، و المسجلة في الباب الخاص في الميزانية العامة للدولة المتعلق بحصيلة الاقتراض مقابل قيمة الاقتراضات الخارجية[23].
وعموما فهذا النوع من لاتفاقيات المالية لا يندرج ضمن مفهوم المعاهدة ولا يخضع لمسطرة المصادقة عليها.
وكخلاصة القول فإنه رغم أن المشرع الدستوري منح البرلمان حق التدخل للموافقة على المعاهدات الملزمة لمالية الدولة، إلى أنه ترك هذا الأمر غامضا، دون أن يحدد طبيعة هذه المعاهدات الملزمة لمالية الدولة، مما ترك المجال للحكومة للتحكم في هدا الحق، وأن تعرض على البرلمان إلا المعاهدات التي ترى هي ضرورة عرضها عليه. ومن ناحية أخرى فإنه حتى البرلمان كما ثبت في الممارسة لم يسبق له أن رفض معاهدة، وإنما يوافق عليها دون أي نقاش حتى أنه في بعض الأحيان تكون الموافقة بالإجماع. بالإضافة إلى مجوعة من الحدود التي ترد على هدا الحق، إلا أنه في نهاية المطاف يبقى حقا للبرلمان يتوجب عليه ممارسته كما هو منصوص عليه في الدستور.
المطلب الثاني:التدخل البرلماني في المجال الجبائي
إن أي دولة كيف ما كانت طبيعتها، تعتمد بشكل أساسي في تغطية نفقاتها على الموارد الدائمة، ويمكن كذلك الاصطلاح عليها بالموارد العادية للميزانية، وهي تتشكل أساسا من الموارد الجبائية، والتي تمثل %70تقريبا من مجموع مداخيل الميزانية العامة للدولة، بالإضافة إلى المداخل الأخرى التي تشكل مجتمعة %30فقط.
ويمكن تعريف الضريبة بأنها أداء نقدي يتحمله الشخص سواء كان طبيعيا أو معنويا بصفة إجبارية و نهائية، ويقوم بدفعه دون مقابل من أجل تغطية النفقات العمومية و غيرها من الأهداف [24]. و من الناحية التاريخية يمكن القول أن الاختصاص المالي للبرلمان بدأ بالتصديق على الضرائب، قبل أن يتطرق إلى التصديق على النفقات ثم إلى إقرار الميزانية بعد أن كسب حق التصديق على الواردات. فإلى جانب سلطة الميزانية و الحق في الرقابة على المالية العمومية التي يتمتع بها البرلمان كما أشرنا إلى ذلك في المبحث الأول، توجد السلطة الجبائية في قلب الوظيفة المالية للبرلمان، والتي تعتبر من أهم اختصاصاته، فهو وحده من له منح الإذن من أجل فرض ضرائب على المواطنين، ويرجع للسلطة التنفيذية صلاحية استخلاص هذه الضرائب.
ويرجع السبب في ذلك إلى كون الضريبة باعتبارها تفرض على الأشخاص، وبالتالي فإن هؤلاء لا يمكنهم أن يخضعوا لضريبة دون موافقتهم عليها، وهنا يتجلى دور البرلمان باعتباره ممثلا للأمة مجسدا لمبدأ سيادة الأمة، وبالتالي لا يمكن فرض ضريبة دون موافقته، وهنا تتجسد السلطة الجبائية للبرلمان، فهو الذي يعطي الترخيص بفرض الضرائب واستخلاصها.
إن الاختصاص الجبائي للبرلمان مبني على أساس توافقي، ومرجعه النظري في ذلك يستند إلى مبدأ القبول بالضريبة، وهو من المبادئ الأساسية المدرجة في جميع الدساتير الديمقراطية، حيث يوكل الاختصاص الضريبي للأجهزة التمثيلية سواء كان الأمر يتعلق بضرائب الدولة المحلية، وكذلك كل الاقتطاعات الإجبارية كيفما كانت طبيعتها، بالإضافة الرسوم الشبه جبائية و المساهمات الاجتماعية. ومبدأ القبول الذي يستند عليه البرلمان للتدخل في المجال الجبائي يقوم على نظرية الملائمة بين إرادة الناخبين مع إرادة المنتخبين، وهو مبدأ مرهون بالملزمين. وعموما إدا كان الجميع يطرح مبدأ سيادة البرلمان تماشيا مع ما سطرته التقاليد، فإنه على المستوى التطبيقي والعملي تظهر الامتيازات الحكومية التي تزداد أهميتها في المجال الجبائي. ففي البداية عمل المشرع على إناطة السلطة التنفيذية بمهمة تنفيذ النصوص التشريعية، وما لبث أن منحها حق إعداد مشاريع القوانين، وهذا ما مكنها من ممارسة تأثير هام على مضمون النصوص الجبائية[25] .
لقد أصبح تدخل البرلمان في مسلسل صنع القرار محدودا جدا، فهو يظهر أساسا عند فحص مشاريع قوانين المالية والتصويت عليها، فهده المشاريع تتضمن تدابير جبائية جديدة، ومن هذا المنطلق يمكن تأييد ما ذهب إليه بعض الفقه من أن قواعد البرلمانية المعقلنة وميكانيكية الأغلبيات السياسية، قامت بتقليص السلطات الجبائية للمجالس في كل الأنظمة السياسية، إلا أنه ومع ذلك فإن سعة هذه السلطة لا زالت مهمة، لكن أين تتجلى هذه الأهمية (فقرة أولى)، وما هي طبيعة السلطة التي يمارسها البرلمان في المجال الجبائي(فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: أهمية التدخل البرلماني في المجال الجبائي
يعتبر اختصاص البرلمان في المجال الجبائي من المبادئ الأساسية للقانون العام، ويتجلى دلك من خلال سلطته في فرض الضريبة، والتي تكرس ممارسته لمبدأ السيادة. يتعلق الأمر هنا بقدرته على خلق القوانين، ومنحه للإذن بالتنفيذ. هذه القاعدة تعبر عن واقع قانوني مفاده أن المادة الضريبية كانت دائما وراء نشوء ودوام الأنظمة البرلمانية.
فصلاحيات البرلمان في المادة الضريبية هي صلاحيات خاصة لا يمكن فصلها عن التطور الديمقراطي، وأهمية تدخله في هذا المجال نتبع من مبدأين مختلفين، الأول يتعلق بمسألة التعبير عن السيادة الوطنية والثاني مرتبط كما أشرنا إلى ذلك أنه لا ضريبة إلا بقانون، والمؤهل لذلك هو البرلمان وحده باعتباره ممثلا للشعب. وأي محاولة لإعفاء فرد أو مؤسسة من الأعباء المالية تكون محاولة غير شرعية إذا لم تخضع للقانون[26].
إذن فالاختصاص المالي للبرلمان يعد من أهم الوظائف التي ارتكز عليها في ظهوره، إلا أن تطور الأحداث وتعدد المشاكل بفعل التقدم العلمي و التكنولوجي، وما أضحى يتطلبه من سرعة كبيرة وكفاءة عالية في التصدي للأحداث ومعالجة الأمور، أظهر عدم كفاية المجالس النيابية أو تأدية مهامها ذات الطبيعة التشريعية كما هو مطلوب، وهو ما أدى إلى تقلص أو تراجع دور البرلمان مما جعل التساؤل مشروعا حول مدى أهمية وسعة التدخل البرلماني في المجال الضريبي[27].
فبالعودة إلى المقتضيات الدستورية نجد أنه خلافا لما جاء به الدستور الفرنسي في الفصل 34 من تحديد لكيفية التدخل البرلماني في المجال الضريبي بكل أنواعه، فإن الدستور المغربي سواء تعلق الأمر بدستور 1996 في فصله 17 أو بالدستور الجديد الذي جاء بنفس الصياغة تقريبا في فصله 39، حيث اقتصر على ذكر مصطلح “التكاليف العمومية” التي للقانون وحده الصلاحية لإحداثها وتوزيعها. فالتعبيرين معا كما يؤكد على ذلك الأستاذ الهبري يؤكدان على أن الاختصاص البرلماني يشمل على الضرائب والرسوم، وكل الإسهامات التي يؤديها المواطنون إلى خزينة الدولة.
فبالعودة إلى فصول الدستور سواء الفصل 17 من دستور 1996 أو الفصل 39 من الدستور الجديد والذي جاء حاملا لنفس الصياغة ” على الجميع أن يتحمل كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية، التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في هدا الدستور” يمكن أن نستنتج مبدأ الاختصاص العام للبرلمان على مستوى تحديد النظام الضريبي. ومن هذا المنطلق فإن المشرع وحده من يملك الحق في تحديد طرق التقدير وكذا القواعد المتعلقة بنسبة الضريبة، بالإضافة إلى كونه يتوفر على سلطة تجديد ثمن الضريبة، ومنه فهو الوحيد القادر على منح أي تعديل طوال الفترة التي يعتبرها ضرورية، وبالأساس فهو السلطة الوحيدة التي بإمكانها تحديد الأنشطة والأصناف أو الأقاليم الجغرافية التي بالإمكان إعفاؤها إلى غير ذلك فيما يتعلق بالضريبة وطرق تحصيلها[28].
وعموما يمكن القول أن الاختصاص الجبائي للأجهزة النيابية هو مبدأ أساسي نصت عليه جميع الدساتير الديمقراطية، وهو يعطي لهذه الأجهزة الاختصاص الضريبي بغض النظر عن درجة تدخلها. وإذا كانت أهمية التدخل البرلماني نابعة من العلاقة التي تجمع الأجهزة التمثيلية بالملزمين وفقا لمبدأ السيادة التي تتمتع به البرلمانات من جهة، ومبدأ القبول الذي يخضع له الملزمون من جهة أخرى، فإن التساؤل المطروح يبقى حول طبيعة الترخيص البرلماني في هذا المجال؟
الفقرة الثانية: طبيعة الترخيص البرلماني في المجال الجبائي
يعود القرار النهائي في المجال الجبائي إلى البرلمان، ويتم ذلك عن طريق الترخيص، أو ما يطلق عليه الترخيص الجبائي. فهناك ارتباط بين مفهوم الميزانية ومفهوم الإذن الذي يقدمه الملزمون وممثلوهم باستخلاص الضريبة. فالقانون التنظيمي للمالية يخضع الموارد الجبائية لترخيص السلطة التشريعية، مستندا في ذلك إلى تدابير الفصل 17 من دستور 1996 الذي تم إلغاؤه بموجب دستور 2011 والذي جاء بنفس الصيغة تقريبا في فصله 39 كما أشرنا إلى ذلك من قبل. كما أن المادة الأولى من القانون التنظيمي للمالية رقم 7.98 نصت على أن قانون المالية يتوقع لكل سنة مالية موارد وتكاليف الدولة، وأشارت المادة 11 إلى الضرائب و الرسوم كموارد للدولة[29].
إن الترخيص بالموارد الجبائية له طابع خاص يميزه، بل قد يتعارض مع الإذن الممنوح للنفقات، وهده الخصوصية تظهر عبر الإذن “بتطبيق نص” تم سنه باستقلال عن القانون المالي، وعبر الطابع التقديري لتوقعات الموارد المدرجة في القانون المالي السنوي[30].
فالقانون المالي يرخص باستخلاص الضرائب، ويعتبر هذا الإذن شرطا لتحصيل الموارد الجبائية التي يتم إدراجها في الجزء الأول من القانون المالي و الذي يتضمن الشروط العامة للتوازن المالي من جهة والتدابير التشريعية اللازمة لتنفيذ العمليات المالية للدولة خلال السنة، وهو ما تنص عليه المادة 27 من القانون التنظيمي 7.98، وبناء على ذلك يتم الترخيص بالموارد العمومية التي تتشكل من الضرائب والرسوم، بالإضافة إلى أنواع أخرى من الموارد ضمن الجزء الأول من القانون المالي، وعلى خلاف الإذن بنفقات الميزانية العامة، فإن الموارد تشكل موضوعا لترخيص ضروري، وبهذا المعنى فقط يتم توقع موارد الميزانية والترخيص بها ضمن القانون المالي السنوي حتى تكون قابلة للتحصيل[31]. ومن هذا المنطلق لا يمكن للمحاسبين العموميين تحصيل الموارد العمومية إلا بعد حصولهم على الإذن بالموافقة من طرف القانون المالي. ومن ناحية أخرى فإنه لا يمكن للحكومة أن تعدل مورد جبائي كان حاصلا على إذن مسبق من البرلمان، ذلك أنه لابد من إذن جديد حتى تدخل التدابير الجديدة حيز التنفيذ، ويدخل هذا في إطار الإذن المستقل عن القانون المالي للسنة، غير أن الحكومة من جهة أخرى يمكنها أن تتحكم في الرسوم شبه الضريبية وتعدلها متى شاءت دون انتظار أي جزاء من البرلمان، وقد استثنى القانون التنظيمي رقم 7.98 من اختصاص البرلمان جزء من الموارد تتمثل في الاقتطاعات شبه الضريبية، حيث أنها تفرض بمرسوم الوزير الأول كما ورد في القانون التنظيمي دون الرجوع للبرلمان، وهو ما يعني التقليص من اختصاص البرلمان في المجال الجبائي.



المبحث الثالث: الحدود الواردة على الاختصاص المالي للبرلمان
لقد كان البرلمان من قبل هو صاحب الاختصاص في المجال المالي وشكل استيلاؤه على الاختصاصات المالية مرحلة فارقة في تاريخ تطور المؤسسات السياسية بالدولة ، لكن التطور المؤسساتي المتصارع في القرون الثلاث الأخيرة نتيجة الصراع المحتدم في قلب مؤسسة الدولة أدى إلى بروز عدم التوازن في الاختصاصات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لصالح هذه الأخيرة.

وإذا كانت السلطة التنفيذية قد استطاعت أن تحافظ على توازنها، فإن السلطة التشريعية أصبحت تعاني من محدوديات مختلفة أقرتها كل من التدابير الدستورية والنصوص القانونية والتنظيمية، هاته الأخيرة التي جاءت لتحد من دور البرلمان لم تستثني مجالا من المجالات المالية إلا وجعلته يسير في اتجاه الحكومة دون البرلمان، وعلى تنوع المحدوديات وكثرتها يمكن أن نميز في إطارها بين محدوديات المبادرة و الاعتماد في المجال المالي وبين محدوديات التصويت البرلماني وسلطة الرقابة البرلمانية.

المطلب الأول: محدوديات المبادرة البرلمانية والاعتماد في المجال المالي.
تعرف المبادرة برأي HOSTIOU هي بمثابة حق في الاقتراح تمكن صاحبها من المشاركة في مراحل تكوين التصرف القانوني من خلال قدرته على تحريك مسلسل إنشاء هذا التصرف[32]، وتاريخيا كانت المبادرات المالية في فرنسا خلال الجمهورية الرابعة في مجال النفقات العمومية ممنوحة للنواب فقط.
إلا أن المادة 17 حصرتها في عدم استعمالها خارج مناقشة الميزانية، ونفس الشيء تم نهجه في الدساتير المغربية منذ سنة 1962 إلى يومنا هذا في دستور 2011، وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن البرلمان لا يمكنه عمليا تعديل مشروع القانون المالي المعد من طرف الحكومة فهو مجبر عمليا على اعتماده وفي آجال ضيقة.
الفقرة الأولى: محدودية المبادرة البرلمانية.
إن العملية التشريعية لا تبدأ من فراغ ولا يظهر القانون إلى الوجود طفرة واحدة ، إذ لا بد من بداية تتمثل في الاقتراح الذي يساهم في تحديد القاعدة القانونية والذي بدونه تتعذر إضافة قانون جديد إلى النظام القانوني القائم[33]، وإذا كان البرلمان من خلال الدستور لديه الحق في المبادرة التشريعية فالملاحظ أن هذه المبادرة ضعيفة في المجال التشريعي ومنعدمة في المجال المالي.

1_ حدود حق الاقتراح والتعديل المخولين للبرلمان.

لقد أعطى الدستور المغربي لسنة 1996 فصل 52 و فصل 79 من الدستور الحالي 2011، للسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية حق التقدم باقتراح القوانين، حيث أن الدستور لم يقم بتمييز الاقتراح في المسائل المالية بنظام خاص، وهو ما يحمل على القول بأن الاقتراح في المسائل المالية حق للسلطتين معا، لكن نشأ عرف دستوري مفاده استبعاد المقترحات البرلمانية في المجال المالي وقصر هذا الحق على الحكومة وحدها[34]، وذلك منعا للإسراف والتبذير الذي يمكن أن تتعرض له مالية الدولة .
إن التقليص من المبادرة المالية للبرلمان المغربي يأتي في سياق القيود القوية المفروضة على الوظيفة التشريعية، فإذا كان البرلمان يصوت على القانون[35]، فإن مجال هذا الأخير يعتبر محددا في مجالات عددها الدستور ونفس الشيء بالنسبة لجدول الأعمال إن كان يعد نظريا من طرف البرلمان فإن الأولوية ترجع للحكومة[36]، ومن أوجه محدوديات السلطة التشريعية أيضا موافقتها فقط على الضرائب و أوجه الإنفاق وليس من اقتراحها ، كما للحكومة الحق في عدم قبول أي مقترح أو تعديل لا يدخل في السلطة التشريعية لذلك فإن حق التعديل الذي يتوفر عليه البرلمانيون يبقى ضعيفا فيما الحكومة تبقى سيدة الموقف حيث بإمكانها أن تعدل إراديا نص الجنة المشتركة وإعادته في مجموعه أو في جزء منه إلى نصه الأصلي كما يمكن أن تجبر المجلسين على التصويت بتصويت واحد واللجوء إلى التصويت الموقوف.
2_ مسطرة الدفع بعدم القبول.( الفصل 77من دستور 2011).
كما ذكرنا سابقا بأن المبادرة التشريعية تكاد تكون من اختصاص السلطة التنفيذية، حيث أصبحت مشاريع القوانين المتعلقة بالميزانية السنوية تقدم من قبل الحكومة، وهي حرة التصرف في هذا المجال من حيث تاريخ تقديمها إلى المجلس النيابي لمناقشتها والتصويت عليها[37]، ويتبين هذا من خلال الفصل 51 من دستور 1996 والفصل 77 من الدستور الحالي 2011، الذي منع كل المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة لقانون المالية إلى تخفيض الموارد العمومية أو إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف كما لا تقبل المبادرات التي تقلص مستوى الموارد إذ نستنتج مما سبق أن محدودية المبادرات البرلمانية تعتبر عامة وتطبق على كل تعديلات أو اقتراحات القوانين، إلا أنها تعتبر مشددة في مجال قانون المالية.

الفقرة الثانية: محدودية اعتماد القانون المالي.

لا يعتبر اعتماد قانون المالية مجرد قرار برلماني متعلق بالنفقات والموارد، بل هو أيضا سلطة معطاة للحكومة من أجل تنفيذ القرار المتخذ لذلك تم التقليص من محتوى الترخيص البرلماني حيث تتوفر الحكومة على هامش من الحرية اتجاه محتوى قانون المالية ذاته.



1_ محدودية الترخيص البرلماني.

تنص المادة 1 من القانون التنظيمي للمالية رقم 98-7 على أنه “يتوقع قانون المالية لكل سنة مالية مجموع موارد وتكاليف الدولة و ينص عليها ويأذن بها ضمن توازن اقتصادي ومالي يحدده القانون المذكور”، بمعنى أخر فالقانون المالي السنوي يتوقع ويرخص لمجموع موارد وتكاليف الدولة بحيث أن الأمر هنا لا يتعلق بتحديد مجال القانون، وخاصة في مجال الموارد ولكن فقط بقرار الترخيص المالي، فالبرلمان ولكي لا يمس بامتيازات الحكومة في المجال الجبائي فإنه لا يستطيع أن يمنع أو يرفض الترخيص. هكذا لا يمكن للبرلمان تعديل رسم ضريبي أنشئ بواسطة مرسوم أو مصاحبة الترخيص بشروط تضييق من حرية قرار الحكومة بإنشاء هذه الموارد، لأن قيمة الترخيص ترتبط بدرجة دقتها، إذ أن المراقبة البرلمانية للنفقات العمومية تتطلب تصويتا مفصلا يحدد للوزارات إطار عملها ولذلك نصت المادة 38 من القانون التنظيمي للمالية “يجري في شأن تقديرات المداخل تصويت إجمالي فيما يخص الميزانية العامة وتصويت عن كل صنف من أصناف الحسابات الخصوصية للخزينة”
وبالنسبة للنفقات يتم التصويت على الأبواب والفصول بالنسبة للميزانية العامة وعن كل صنف من الأصناف بالنسبة للحسابات الخصوصية[38].
كما أن البرلمان إذا كان بمقدوره أثناء المناقشات المالية أن يعدل بتفصيل مخصصات الاعتماد المقترحة من طرف الحكومة، فإن هذه التعديلات تتعلق بفقرة خاصة ولا تمس إلا الأرقام الإجمالية التي تشكل موضوع تصويت البرلمان مما يعني أن الحكومة تهيمن على مجال تعديل الترخيص المالي ويتجلى ذلك في السلطات الموسعة المعترف لها بها في تغيير الإعتمادات خلال السنة المالية.
2_ محدودية سقف الإعتمادات.

تظهر محدودية الترخيص السنوي في أسلوبين هما ترحيل الإعتمادات و الترخيصات في البرامج.
– بخصوص ترحيل الإعتمادات لا يمكن لها حسب المادة 46 من القانون التنظيمي للمالية أن ترحل الاعتمادات المفتوحة في الميزانية العامة برسم سنة مالية إلى السنة الموالية.
– أما بالنسبة للترخيصات في البرامج، فإن الميزانية قد أصبحت أداة تدخل اقتصادية يحصر إطارها الزمني في حدود السنة، خاصة في موضوع نفقات الاستثمار. والحكومة هي التي تملك الصلاحية في التقدم بمشاريع قوانين ترمي إلى تغيير البرنامج المصادق عليه وهو ما أكد عليه الفصل 50 دستور1996 والفقرة الثانية من الفصل 75 من الدستور الحالي 2011.
المطلب الثاني: محدوديات التصويت وسلطة الرقابة البرلمانية.
إذا كنا في المطلب الأول قدمنا هيمنة حكومية مطلقة على مستوى المبادرة المالية وعلى مستوى تخصيص الترخيصات المالية ، فإن تقنية التصويت والرقابة تفسح المجال أمام المشاركة ولكنه في نفس الوقت يخضع ذلك لشروط مقيدة.
الفقرة الأولى: محدوديات التصويت البرلماني.
إذا كان الفصل 50 من الدستور المنصرم والفصل 75 من دستور 2011 قد جعلا التصويت على قانون المالية من اختصاص البرلمان، فإنه يلاحظ أن صلاحيات هذا الأخير تبقى رغم ذلك محدودة، ذلك أن نفقات التجهيز لا يصوت عليها البرلمان إلا مرة واحدة وذلك عندما يوافق على مشروع نفقات التجهيز[39]، كما توجد قيود قانونية أخرى تتعلق بمكونات الميزانية متمثلة أولا في عدم مناقشة البرلمان الجزء الثاني قبل التصويت على الجزء الأول، كما يلاحظ أن هناك قيد آخر يرد على سلطة البرلمان في المجال المالي ويتمثل في قصر المدة المتاحة له لدراسة مشروع القانون المالي.
1_ شروط التصويت على نفقات التجهيز.
كما ذكرنا سابقا الفصل 50 من الدستور المنصرم والفصل 75 من دستورالحالي 2011 في الفقرة الثانية منهما قد نصا على أنه ” يصوت البرلمان مرة واحدة على نفقات التجهيز التي يتطلبها في مجال التنمية ، إنجاز المخططات التنموية الإستراتيجية والبرامج المتعددة السنوات، التي تعدها الحكومة ويطلع عليها البرلمان، وعندما يوافق على تلك النفقات، يستمر مفعول الموافقة تلقائيا على النفقات طيلة مدة هذه المخططات والبرامج وللحكومة وحدها الصلاحية لتقديم مشاريع قوانين ترمي إلى تغيير ما تمت الموافقة عليه في الإطار المذكور” يعني أن البرلمان لا يصوت على نفقات التجهيز بحيث أنه إذا استحدثت أمور تستوجب إعادة النظر في مقتضيات بنفقات التجهيز فإن المجلس التشريعي لا يملك هذا الحق وعليه أن ينتظر حتى ينتهي الأجل الذي حدد لتنفيذ البرامج المصادق عليها من قبل البرلمان وذلك عن طريق تقديم مشاريع قوانين تهدف إلى تعديل نفقات التجهيز.

2-وجوب التصويت قبل بداية السنة المالية.

يجب على البرلمان أن يبث في مشروع قانون المالية في نهاية السنة المالية التي تسبق سنة تنفيذ الميزانية، أي 31دجنير. و إذا لم يتم في نهاية السنة المالية التصويت على مشروع قانون المالية، فإن العمل يسترسل باستخلاص المداخيل طبقا للمقتضيات التشريعية والتنظيمية الجاري عليها، أما فيما يخص النفقات فإن الحكومة في هذه الحالة تفتتح بمرسوم الإعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية والقيام بالمهام المنوطة بها على أساس ما هو مقترح بالميزانية المعروضة بقصد المصادقة[40].
البرلمان يناقش في 70 يوما والتصويت عليه، هذا ما إذا احترمت الحكومة الأجل المحدد في المادة 33 من القانون التنظيمي للمالية، فإذا لم تحترم الحكومة الاجل فإن المدة تتقلص ويؤذي ذلك بالتالي إلى احتمال عدم التوصل إلى قرار بشأن مشروع القانون المالي خلال الأجل المحدد له الشيء الذي يسمح للحكومة بأن تفتح بموجب مرسوم الإعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية والقيام بالمهام المنوطة لها،كما أن قاعدة فتح الإعتمادات هذه تشكل قيدا مهما على سلطة أعضاء البرلمان في المجال المالي، بحيث سيجدون أنفسهم محصورين بعامل الوقت والخوف من تطبيق هذه القاعدة على الموافقة على مشروع القانون المالي حتى وأن تضمن بعض المقتضيات التي هي ضد قناعتهم، وبالتالي فإن من شأن هذه التقييدات أن تؤدي في آخر المطاف إلى انفراد الحكومة بالمبادرة التشريعية بشكل فعلي وبذلك تصبح هي صاحبة القول الفصل فيما يخص قانون المالية والعملية التشريعية بصفة عامة.[41]

3– التصويت على الجزء الاول قبل الجزء الثاني.

تنص المادة 36 من ق. ت. للمالية على أنه “لايجوز في أحد مجلسي البرلمان عرض الجزء الثاني من مشروع قانون المالية للسنة للمناقشة قبل التصويت على الجزء الأول” أي أن البرلمان يجب أن يصوت على الموارد العمومية، أي التقديرات الإجمالية لنفقات ومدا خيل الدولة الواردة في الجزء الأول قبل أن يصوت على الجزء الثاني الذي يتضمن تقسيم هذه التقديرات بين مختلف المصالح العمومية. ويتجلى الهدف من هذا التقييد في دفع البرلمان إلى التصويت على الجزء الأول قبل الجزء الثاني، وذلك من أجل الحصول على التزام من البرلمان على قبول الجزء الثاني.
نستخلص من خلال التدابير التي أتى بها القانون التنظيمي للمالية رقم 7.98 خصوصا المادتين 36و39[42]أن سلطة البرلمان مقيدة خصوصا فيما يتعلق بالتصويت على قانون المالية، حيث لا يمكن التصويت بالإيجاب عندما يقوم بالتصويت الإجمالي ثم ينقض ذلك التصويت عند قيامه بالتصويت الجزئي.
والملاحظ أيضا أن هناك محدودية في التصويت، خاصة عندما يوجد خلاف بين مجلسي النواب والمستشارين وذلك لتجنب الذهاب و الإياب ، نص القانون التنظيمي على مسطرة للتوفيق التي تعتبر أداة لتشريع القرار البرلماني، أي أن هذه المسطرة تعطي للحكومة نوع من التحكم في البرلمان ،بالإضافة إلى القيود السابقة هناك قيود أخرى ويتعلق الأمر بوضع جدول الأعمال، الذي يرجع الاختصاص في وضعه في الأصل إلى البرلمان ما دام أنه شأن داخلي يخصه، إلا أننا نجد أن المشرع الدستوري كرس هيمنة الحكومة على وضع جدول أعمال البرلمان والمتمثل في فرض الأسبقية لمشاريع القوانين التي تتقدم بها الحكومة ومقترحات القوانين التي تقبل بها، وهو ما يمكن أن نستشفه منم الفصل 56 من الدستور الملغى، وهو ما حاول دستور 2011 تجاوزه في فصله 82 إلا أنه لم يفلح في دلك حيث اكتفى بمحاولة المساواة بين مشاريع ومقترحات القوانين مع أسبقية المشاريع. مع أن مشروع قانون المالية يحض بالأهمية القصوى في جدول الأعمال.
نستنتج أن هناك نوع من التحكم في جدول الأعمال الذي يبرز تناقض مع ماينص عليه الدستور من توزيع للمبادرة بين الحكومة وأعضاء البرلمان.

الفقرة الثانية: حدود سلطة الرقابة البرلمانية.
للبرلمان وسائل يملكها لفرض الرقابة على الجهاز الحكومي والمتمثلة أساسا في إثارة مسألة الثقة وملتمس الرقابة.
1_طرح الثقة:
تعد هذه الوسيلة مهمة جدا كما يقول جوبيرد G-burdeau ” حيث من شأنها أن تفضي إلى التشكيك في المفهوم الكلاسيكي للقانون باعتباره تعبيرا عن الإرادة العامة ليصبح القانون بهذه الحالة خاضعا للإرادة العامة وليس معبرا عنها. حيث تعد هذه التقنية فرصة ثمينة للحكومة تمكنها من إطلاع البرلمان على الموقف الذي تنوي اتخاذه بخصوص قضية معينة وتطلب ثقته فيها للمضي قدما في تنفيذ مضمون السياسة العامة وضمان عدم تعرضهما للانتقاد [43]كما أن الفصل 103 من الدستور الحالي يمنح للحكومة إمكانية أن تضمن المصادقة على النصوص المالية بدون تصويت ، في حين فرنسا نصت في مادتها 49 من الدستور على هذه المسطرة التي استعملت بشكل منتظم خاصة في مجال القوانين المالية، حيث أثار هذا الاستعمال مجموعة من الاحتياجات داخل البرلمان، الشيء الذي أدى إلى تدخل المجلس الدستوري الفرنسي في حسم الخلاف بقوله صراحة أن الوزير الأول يمكنه إثارة مسؤولية الحكومة بناءا على الجزء الأول من قانون المالية وحده.
وبالرجوع إلى نظامنا نجد أن الفقرة الثانية من الفصل 103 من الدستور الحالي تنص على أنه “لا يمكن سحب الثقة من الحكومة، أو رفض النص، إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب” ونظرا لكون الحكومة تتوفر على أغلبية برلمانية مساندة لها فلا يمكن أن نتصور أنه بإمكان مجلس النواب إسقاطها عبر سحب الثقة، كما تنص الفقرة لثالثة من نفس الفصل أنه “لايقع التصويت إلا بعد مضي ثلاث أيام كاملة على تاريخ طرح مسألة الثقة” وهذا الآجل في صالح الحكومة كما يمكن لهذه الأخيرة إجبار المجلس على التصويت على نص ذي طبيعة تشريعية إذا كانت مسألة الثقة تثار بمبادرة من الحكومة فإن البرلمان أيضا يمكن أن يثير المسؤولية السياسية للحكومة عن طريق ملتمس الرقابة.
2_ ملتمس الرقابة :
على غرار ما كان ينص عليه دستور1996 جاء دستور2011 متضمنا لنفس الآلية في الفصلين 106-105 حيث نص على إمكانية أعضاء البرلمان بمجلسيه في طرح ملتمس الرقابة أو سحب الثقة من الحكومة، وبهذا يخول للبرلمان صراحة إمكانية معارضة الحكومة في مواصلة وتحمل المسؤولية وذلك من خلال المصادقة على ملتمس الرقابة أو سحب الثقة إلا أنها قيدته بشروط نص عليها الدستور[44] حيث أنه لا يمكن تقديم ملتمس الرقابة إلا إذا وقعه على الأقل ربع الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب حسب الفقرة الأولى من دستور 1996 في حين دستور 2011 ، نص في الفصل 105 ف1 “…لا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه على الأقل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس ” من خلال النص يتضح لنا أن الدستور الجديد وسع من إمكانية لجوء البرلمانيين لملتمس الرقابة بجعل أمكانية اللجوء إليه تتم بخمس الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب ،أو خمس أعضاء مجلس المستشارين عوض ما كان منصوصا عليه في الدستور القديم حيث كان يشترط لقبول ملتمس الرقابة بمجلس النواب التوقيع عليه من طرف ربع أعضاء المجلس وفي مجلس المستشارين اشترط التوقيع عليه من طرف ثلث أعضائه، إلا أنه في ما يتعلق بالتصويت نسجل تراجع الدستور الجديد من ناحية مقارنة مع دستور 1996، حيث جعل إمكانية التصويت على ملتمس الرقابة تتم فقط في مجلس النواب وأقصى مجلس المستشارين من هذا الحق حيث يناقش فقط ملتمس الرقابة دون أن يكون من حقه التصويت عليه كما كان عليه الأمر سابقا.

خاتمة

ما يمكن أن نخلص إليه في ختام هذا العرض، هو أن الميدان المالي من الناحية الدستورية يعتبر مبدئيا من اختصاص البرلمان، إلا أن هذا الاختصاص تحده عدة قيود، منها ما هو قانوني ومنها ما هو واقعي، تجعل مؤسسة البرلمان ضعيفة في هذا المجال، لكن بالمقابل نجد دور الحكومة يتطور وينمو على حساب هذا الأخير، ودلك طبقا لمبدأ عقلنة العلاقة بين السلطتين.
لكن التعديل الدستوري الجديد حاول أن يرجع للبرلمان مكانته في الاختصاص المالي، متجاوزا بذلك مجموعة من القيود المسطرية التي تكبح صلاحيات المؤسسة التشريعية بالرغم من غموضها على مستوى منطوق النص الدستوري، خصوصا وأن القانون التنظيمي للمالية باعتباره قانونا مكملا للدستور)والذي ينتظر منه أن يعدل مجموعة من الأمور في القانون التنظيمي للمالية الحالي التي هي مخالفة لمقتضيات الدستور الجديد وجعله يتماشى مع متطلبات الحكامة المالية والتدبير العمومي الجيد اللذان أصبحا ضرورة تقتضيهما المرحلة الراهنة للتخلص من التدبير التقليدي والمساطر الجامدة للمالية(، لم يصدر بعد لتوضيح وتدقيق النص الدستوري لتتأكد لنا صلاحيات البرلمان في المجال المالي هل ستبقى كما كان عليه الحال في ما سبق،أم أنها ستتغير حقا؟ ويصبح للبرلمان مجالا واسعا في الميدان المالي؟ والذي سيوضح كذلك مدى صلاحية الطرق التي تدبر بها الشؤون المالية كما هو منصوص عليه في القانون التنظيمي للمالية الذي لا زال معمولا به رغم كونه يتضمن بنودا مخالفة للدستور الحالي؟ أم أنه سيحاول أن يحذو حذو المشرع الفرنسي ويساير آليات المقاربة الجديدة لتدبير الميزانية؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.