“لم يكن هناك وفيات، لأن الآلهة تسكن في هذا المكان من سبتة”، بهذه العبارة التي لا تخلو من سخرية، علق صحفي اسباني من يومية “إلفارو” على الأحداث التي شهدها أمس الخميس، اليوم الرابع منذ أن فتح الممر الجديد “تراخال2” بين سبتةالمحتلة والمغرب، والمخصص لعبور حمالي سلع وبضائع التهريب. كان من المفروض أن يمثل هذا المرر الجديد حلا لكثافة تدفق الآلاف من هؤلاء “المعذبين في الأرض”، الذين يبدو أن الحكومة المغربية قد صرفت النظر نهائيا عن مأساتهم وما يكابدونه من عذاب وإهانة. الصحفي الاسباني، الذي تابع معلقا على المأساة : “مستحيل، غير مقبول، يا للعار”، نشر شريطي فيديو على موقعه ، يظهران مآت النساء من مختلف الأعمار ، ورجال شباب ،صغارا وكبار، ومسنين ، ومعاقين ، يحملون على ظهورهم عشرات الكيلوغرامات من السلع المهربة التي أخرجوها على التو من المخازن الضخمة ل “البيلينيغون” (El Poligono) ، التي ينتشي أصحابها فرحا من الأرباح المهمة التي تذرها عليهم تجارتهم ، والتي تكلف المليارات كخسائل للاقتصاد المغربي. مشهد رهيب حقا ، في هذا اليوم يؤثث معبر “تراخال2” : صراخ هستيري ، إغماءات، سقوط لعشرات الأشخاص فوق الأرض من فرط الازدحام ، ضربات عصي فقوق رؤوس المغلوب على أمرهم من قبل عناصر الحرس المدني الاسباني . إنها المأساة بكل ما في الكلمة من معنى. يحصل هذا رغم ما تم توفيره بهذا الممر من أعداد كبيرة لعناصر الأمن التابعة للحرس المدني الاسباني، الذين، رغم دعمهم من قبل عناصر الأمن الخاص ، لم يتمكنوا من مواجهة هذا التدفق البشري الهائل ، الذي فاق 10.000 شخص ، حسب الصحافة الاسبانية ، كلهم يحاولوا إخراج السلع الموجهة إلى ملء متاجر المدن المجاورة ، كالفنيدق وتطوان ومارتيل وغيرها من المدن الأخرى. مشاهد، لم تتردد الصحافة الاسبانية في وصفها ب”المخجلة”، أثارت ردود فعل المسؤولين والمنتخبين الاسبان في المدينةالمحتلة. فتساءل النائب عن تحالف أحزاب كبالا (Caballas) خوان لويس أروستيغي ، في ندوة صحفية الخميس ، عما إذا لم يكن الوقت قد حان للاختيار بين : تطبيق القانون بصرامة ، وبالتالي إغلاق الممرات، مع كل ما يمكن أن ينتج عن ذلك من عواقب ، خاصة على الصعيد الديبلوماسي والسياسي والاقتصادي ، معتبرا أن مثل هذا القرار يمكن ألا يكون مقبولا. أما الخيار الثاني، حسب النائب الاسباني، فهو إحكام تدبير هذا المشكل بتفهم ورؤية عميقة. وأضاف النائب أن المدينة لا يمكن أن تستغني عن منطقة رئيسية (المنطقة الصناعية) خاصة بها، داعيا الإدارة الاسبانية إلى تقديم مزيد من الدعم لعناصر الحرس المدني، مؤكدا أنه لم يعد في وسعهم مواجهة 10.000 حمال ، و ما فتئ عددهم في تزايد ، وبالتالي زيادة مخاطر وقوع ، إن “آجلا أو عاجلا”، مأساة كما سبق أن وقع في 2009 عندما لقيت امرأتان مصرعهما. ومع توالي صمت الحكومة المغربية والمنظمات غير الحكومية والأحزاب السياسية، إزاء هذه المأساة الإنسانية التي يندى لها الجبين وتسيئ أيما إساءة إلى سمعة الدولة، سيظل هؤلاء الرجال الحمالون والنساء الحمالات ، والتي يطلق عليهن تجاوزا وصف “بغلات” لثقل وضخامة ما يحملهن على ظهورهن من سلع ، يكابدون يوميا في صمت، إهانة الدوس على كرامتهن ، من أجل دريهمات قليلة قد لا تكفي لسد قوتهم اليومي.