بعضها وهمية التسيير، وأخرى مكاتبها على ورق و أعضائها خارج الوطن، فيما البعض الأخر أحادي التسيير...، هذا هو واقع العمل الجمعوي بالمدينة الفوسفاطية أكثر من 90% من الجمعيات تعمل بصفة متقطعة و تستفيق من سباتها بعد إقتراب مواعيد الدعم التي تجود بها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تارة، و المجمع الشريف للفوسفاط تارة أخرى...، هذا الأخير الذي ينصب نفسه مؤسسة مواطنة في عاصمة الفوسفاط، أصبح دعمه للجمعيات يشبه طريقة تفويض الصفقات العمومية داخل المجمع، بعدما أطفئ غضب بعض الشباب الخريبكي و أبناء متقاعدي عمال الفوسفاط بخريبكة، من خلال برنامج التكوين الذي إستمر لمدة زمنية تراوحت بين السنتين و أكثر دون جديد يذكر، كان لازما عليه أن يسكت النصف الأخر من المحتاجين الذين خرجوا في مسيرة الغضب التي أتلفت بعض منشآت المجمع بالمدينة، بتفويته لبعضهم صفقات تخص الحراسة و التنشيط...، دون فتح طلبات العروض في وجه الجميع، إستمر هذا لأخير في نهج نفس المسار الدبلوماسي مع جمعيات (المجتمع المدني) بخريبكة، فالجمعيات التي لها صلة مقربة بالمجمع تأخذ نصيبا وافرا من السيولة المالية لتمويل بعض الأنشطة و التظاهرات على إختلاف أجناسها، دون الإلتزام بدوره كشريك رسمي حينما يتخلى عن التدبير المعقلن لهذه السيولة التي تنهب من خيرات المدينة الفوسفاطية، وفي ظل غياب التتبع و المراقبة الصارمة و التواطؤ الذي يرجع بالأساس لوجود بعض الوسطاء الذين يسهلون عملية صرف منح الدعم مقابل عمولة مالية، فعند الإطلاع على فواتير ما بعد التظاهرة و النشاط و التي يبرر بها المنظمون السيولة المالية الممنوحة لهم، أو ما يصطلح عليه التقرير المالي، ستجيب دون الحاجة الماسة للجوء إلى محاسب معتمد، أن هذه الفواتير خضعت لعملية (النفخ) أو التضخيم من طرف الجمعية، أو الشريك الإقتصادي، أو هما معا، فإذا كان هذا المجمع يدعي أنه مؤسسة (مواطنة) مع التحفظ على كلمة مواطنة، و نفس الإدعاء بالنسبة للجمعيات المستفيذة من دعمه عن طريق الوساطة الإدارية، و في بعض الأحيان السلطوية، أصبح من لازم على المنظومة اللغوية أن تغير مفهوم المواطنة لأن ما يقومان به يتنافى شكلا و مضموننا مع المفهوم السابق، والذي يقودنا للمفهوم المتداول الا وهو عمليات نهب المال العام، و الاسترزاق باسم المجتمع المدني، لماذا لا يتم فتح تحقيق مدقق؟ لو تم تحقق من كل تقرير مالي على حدى لا ذهب أكثر من نصف أمناء المال و رؤساء الجمعيات خلف القضبان، بمعية وسطائهم بالمجمع الشريف للفوسفاط، و لأن دار لقمان ستظل دوما على حالها كان لا بد من إفتتاح مركز" خريبكة سكيلز "، و الذي إستقبل ملفات و مشاريع الجمعيات حيث يتم تدارسها وفق برنامج يسطره المركز، لكن عملية الانتقاء لا تخضع لمدى قوة المشروع بالضرورة، بقدر ما تحتم ضرورة الضغط على ملف الدعم من باب مدير المركز و الذي سبق له و أن أوصى بإقحام بعض الملفات الترفيهية ضمن برنامج "خريبكة سكيلز" علما أن المشرفين على البرنامج سبقوا و أن صرحوا في مرات عدة أن المشاريع القابلة للدعم و التتبع هي المشاريع التي لها أثر ووقع إيجابي على فئة مستهدفة، تعاني الهشاشة و ضعف التمدرس وغياب المرافق...إلخ، لكن كل هذه المعطيات تتنافى مع بعض الأنشطة التي تم تمويلها خلال هذا الموسم المنصرم لبعض الجمعيات التي تربطهم علاقة خاصة بمدير المركز. و بالعودة لقضية الدعم المباشر من طرف المجمع الشريف للفوسفاط، و الذي يخضع في بعض لأحيان لرنين هواتف عليا توصي على بعض الملفات، اليوم أصبح جليا على هذه المؤسسة الإقتصادية أن تفتح تحقيقا في ملفات الدعم الممنوحة بشكل مباشر، و التدقيق في التقارير المالية المضخمة من طرف بعض الفاعلين الإقتصاديين، فبعدما تسبب و بجزء كبير في أضرار صحية كبيرة لشغيلة المناجم و ساكنة الأحياء، و بعدما أزهقت قاطراته التي تنقل الفوسفاط أرواحا بالجملة، جاء الدور اليوم ليلعب دور الشريك الرئيسي، لناهبي المال العام عبر مجموعة من جمعيات المجتمع المدني، فالبقدر الضئيل الذي تتواجد فيه بعض جمعيات المجتمع المدني و التي لا تتعدى حاجز 10%، و التي تشتغل وفق برنامج سنوي تخدم من خلاله أهدافها النبيلة التي تأسست عليها يوجد على عكس من ذلك جمعيات خلقت للانتفاع ونهب المال العام تحت غطاء جمعوي وانتهاز الفرص، لتسلق المراتب وخدمة أفراد وتطلعات مرضية، واتخذت وسيلة للارتزاق وتوسيع النفوذ. لكن من بين المفارقات الغريبة التي يستنتجها المتتبع لشآن الجمعوي بالمملكة بداية سنة 1958، و تضييق الخناق على تأسيس الجمعيات خوفا من تسترها وراء هيئات سياسية معادية للوحدة الوطنية، أضحى تأسيس الجمعيات بالمغرب تمرينا بسيطا لا يستغرق وقتا طويلا، و حتى المشاريع المقدمة لبعض المؤسسات التي تدعي أنها مواطنة و تدعم جمعيات بوصلها المؤقت الذي أخذته بين عشية وضحاها بحكم قربها من السلطات المعنية، مما ساهم في بزوغ فساد جمعوي يستنزف المال العام، و يساعد على الإستشراء في مجتمع يصارع الجهل و الفقر، إذا لا تحاولوا إقناعي بوجود صفة فاعل(ة) جمعوي(ة) ما دامت تستغله في الإستلاء على المال العام وقضاء مصالح شخصية و جعل أهداف العمل الجمعوي النبيل ثانوية إن لم تكن غير موجودة في مخططاتك التي ذهبت لحد الجلوس مع الأطياف الحزبية، و مساومة عدد منخرطين الجمعية و المتعاطفين معها، بسيولة مالية ثمن أصواتهم يوم الإقتراع، فبهذه الندالة أصبحت قيمة الفاعل الجمعوي في لآن نفسه تشكل ضربا لقيم العمل الجاد، و إستصغار لعقول الشركاء و أعضاء الجمعية اللهم إذا كانوا متواطئين، كما أنه ينم عن ذكاء انتهازي بغيض لا يعترف بالقيم وإنما بالغايات ولو بوسائل المكر والتدليس. أمام كل ما تم سرده، لا بد أن نقف عند هيكلة هذه الجمعيات، التي تسيل الكثير من الحبر عن مدى التدبير التشاركي داخل جمعيات المجتمع المدني، وهل أصبحت بعض الجمعيات إن لم نجزم و نقول أغلبيتها تشكل نموذج مصغر للأحزاب التوريثية، و التي يتم فيها تقسيم الكعكة بين أصحاب المراكز الحساسة، وذات النفوذ العالي في التنظيم. فكعكة الدعم التي يتم إسنادها لبعض الجمعيات الفاسدة، في غياب معايير واضحة تعكس فعاليتها ومدى تأثيرها الإيجابي على واقع المدينة، لتبقى كعكة الدعم حبيسة الجمعيات الإسترزاقية و التي تجد شركاء يمدونها بفواتير مضخمة تبرر أنشطة بخيسة، بملايين مشبوهة الصرف في ظل غياب السبل الكفيلة للحد من هذا الفساد الجمعوي، و غياب المراقبة و التتبع، مما يسنح للمفسدين في اقتناص الامتيازات الشخصية على حساب المصلحة العامة، مادامت أموال الكعكة كفيلة بتفويت شيكات في حسابات خاصة لبعض الأقلام المرتزقة التي تطبل لأنشطة ذات ربح فردي مدفوعة الأجر، و تقصي أنشطة ذات نفع عام.