إن مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تعتبر إحدى قاطرات التنمية الاقتصادية بالمغرب. اسم المكتب الشريف للفوسفاط ظل حاضرا، بشكل أو بآخر، في مختلف النقاشات المهتمة بنهب وهدر المال العام، علما أن الجميع أقر الآن بأن بلادنا عانت على امتداد أربعة عقود من نهب ممنهج للثروات الوطنية في ظل سيادة غياب المراقبة والإفلات من المساءلة. وقد مست هذه الظاهرة مختلف المؤسسات العمومية وشبه العمومية، ومجموعة المكتب الشريف للفوسفاط لم تكن خارج الدائرة وإنما في وسطها، والملفت للنظر هو أنه لم يسبق الاهتمام الكافي بالكشف عما طالها من نهب وهدر للمال العام، وهي المؤسسة العمومية المتحكمة في أهم ثروة وطنية، التي عولت عليها البلاد لإرساء أسس التنمية منذ الحصول على الاستقلال في منتصف الخمسينيات. ومما يستوجب الاهتمام بهذه الإشكالية أن المكتب الشريف للفوسفاط من أهم المؤسسات العمومية، ولأن المغرب في طور الانتقال من نظام دولتي إلى نظام ليبرالي مما يستوجب درجة عالية من الشفافية. واهتمامنا بإشكالية نهب وهدر المال بمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط يتأسس، ليس على الرغبة في التشهير كما قد يتهمنا البعض بذلك، وإنما يتأسس على اعتبار أن نهب وهدر المال العام والسطو عليه وتهريبه هو، أولا وقبل كل شيء انتهاك لحقوق الإنسان، مما ترتب عنه من استشراء للفقر وانتشار البؤس الاجتماعي وحرمان أجيال من المغاربة من فرصة الاستفادة من نتائج التنمية، هذا علاوة على أن نهب وهدر المال العام هو من الجرائم الاقتصادية المخلة بتوازنات المجتمع، أدت ثمنها ولازالت تؤديه إلى حد الآن، شريحة واسعة من الشعب المغربي. واعتبارا لكون مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تضطلع بمهمة تدبير أهم ثروة طبيعية وطنية في ملك الشعب تقوم بإدارتها الدولة، فإنه من حق المواطن أن يتساءل عن مآل الأموال المجنية منها ووجوه استعمالها وطرق صرفها. في هذا الإطار نفتح من خلال هذا ملف بعض جوانب إشكالية التدبير المالي بالمكتب الشريف للفوسفاط. متى ستنفجر فضيحة الفوسفاط هل سيأمر الملك بتفجير فضيحة الفوسفاط وبمساءلة المسؤولين عنها؟ المكتب الشريف للفوسفاط من المؤسسات العمومية التي تعرضت، منذ الاستقلال، إلى نهب وهدر المال العام بالرغم من أننا لم نسمع عن مساءلة أي مسؤول سابق أو حالي بهذا الخصوص. لقد تعاقب على هذا المكتب أشخاص مارسوا الرشوة والمحسوبية واختلاس ونهب المال العام، وبذلك اقترفوا جرائم اقتصادية في حق الشعب المغربي باعتبار أن الأمر يهم أهم ثروة وطنية، الفوسفاط، فقد ظلوا يعاينون البلاد، وهي في أدنى مراتب سلم التنمية وفي المواقع المتقدمة بخصوص استشراء الفساد وتغلغل الرشوة وانتشار الفقر والتهميش والإقصاء. وبعض هؤلاء، بالأمس القريب، عوضوا مفهوم التنمية الاقتصادية ومؤشراتها بتنمية أرصدتهم البنكية وتنمية مصالحهم بالداخل والخارج، ولم تحرك أي جهة ساكنا. هؤلاء وغيرهم اعتبروا، على امتداد سنين طويلة، المكتب الشريف للفوسفاط بمثابة ضيعة خاصة بهم يتصرفون فيها كما يحلو لهم، كالمالك في ملكه دون حسيب ولا رقيب. JPEG - 37 كيلوبايت لحد الآن مازال لم يكشف عن أرقام ثابتة حول حجم هدر المال العام بهذا المكتب، لكن حتى ولو كان من الممكن الوقوف على الجزء الكبير من الأموال المنهوبة والمهدورة، فإنه سيظل من الصعب التوصل إلى معطيات دقيقة، نظرا لأن عمليات النهب والهدر بالمكتب الشريف للفوسفاط تمت في ظروف غاب فيها أي نوع من المراقبة، وحتى لو تم الوقوف على بعضها سيبقى من الصعب بمكان تقدير حجمها إذا لم يفتح بشأنها تحقيق شفاف ونزيه؛ لهذا فإن كشف حقائق التبدير والنهب بمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تتطلب أولا وقبل كل شيء إرادة سياسية، وهذا ما يأمله المواطن، ما دام أن هذه المؤسسة ظلت في منطقة بعيدة عن الأضواء بهذا الخصوص، خلافا للمؤسسات العمومية الأخرى، وذلك بالرغم من أنها من المؤسسات التي تنشر حساباتها سنويا. حسب أحد المصادر المطلعة، منذ بداية سنة 2006، علم القصر الملكي بالوضعية التي تعيشها مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، وفي فبراير 2006، أكد مصدرنا، بدا الغضب جليا على الملك محمد السادس، وفي نفس الشهر تم تعويض مراد الشريف بمصطفى التراب الذي نودي عليه من واشنطن، حيث كان يشغل منصبا رفيعا بالبنك الدولي. هذا وقد سبق لأكثر من مصدر أن أكد نهب مبالغ هامة وتبذير أموال طائلة في الحفلات والأسفار والمناسبات والخدمات الصورية، ناهيك عن الأجور والتعويضات الخيالية التي يتوصل بها جملة من المسؤولين بالمكتب والتي تتعدى في الحد الأدنى 30 مليون سنتيما وقد يصل إحداها إلى 100 مليون سنتيما، كما سبق أن تم تقديم رقم 10 مليار درهم من طرف أكثر من جهة نهبت في فترة تاريخية معينة، علما أن مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تتصرف في ميزانية ضخمة، لا مثيل لها في أي مؤسسة عمومية أخرى، اعتبارا لاحتكار مكتبها الشريف تدبير أهم ثروة وطنية، وهذا في ظل غياب أي مراقبة. تتحدث اليوم أصوات عن مشكلة نهب وهدر المال العام بكنف المكتب الشريف للفوسفاط، في مرحلة ما قبل مصطفى التراب، بل يطالب بعضها بتحقيق مبدأ الشفافية من أجل المحاسبة وتحديد المسؤوليات في تبديد جزء من الثروة الوطنية في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية الداخلية وارتفاع البطالة، ولاشك أن الرسالة غير المعلنة التي تريد هذه الأصوات إيصالها هي: أضحى من الضروري الآن فتح ملف الفساد بمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط التي باتت فضائح بعض مسؤولية متناثرة هنا وهناك. لقد استفاد من نهب وهدر المال الذي طال المكتب، ثلة من الأشخاص الذين كانوا يستفيدون أصلا في إطاره، من الأجور "الطيطانيكية" التي قدرت بالملايين ومن عدة امتيازات أخرى، كامتياز "البرستيج" الذي كان يكلف مالية المكتب أموالا طائلة، وساد هذا الوضع واستشرى في ظل غياب المراقبة، القبلية منها والبعدية، علما أن المكتب مؤسسة عمومية من المفروض أن تكون تحت مراقبة الدولة. ومن المفارقات الغريبة، أنه بموازاة مع نهب وهدر المال العام داخل مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط فإن المكتب يقوم بمبادرات اجتماعية، منها ما وضعها القائمون عليه تحت عنوان: "سياسة المواطنة المنتهجة من طرف المكتب"؛ ملايير نهبت وملايير تهدر سنويا، والمكتب يبادر بتوزيع بعض المواد الغذائية على أسر معوزة في بعض المناطق المجاورة للمدن الفوسفاطية، وتتكون هذه المواد من الدقيق والسكر والزيت والشاي، وبعدها تنشر بلاغات تختتم مرارا بعبارة: "وقد خلفت هذه الإعانات كسابقاتها ارتياحا وأثرا طيبا في نفوس المستفيدين وكافة السكان بشكل عام". لكن، لماذا الحديث الآن عن نهب وهدر المال العام بمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط؟ إذا كانت سابقا قد أشارت أكثر من جهة إلى أن مبلغ 10 ملايير درهم كرقم لحجم الاختلاسات التي عرفتها المجموعة، فإنه في غضون شهر نوفمبر 2006، أكد أكثر من مصدر أنه تم تكليف شركات أجنبية للقيام بتدقيق حسابات المجموعة، وقيل آنذاك إن انجليزيين وفرنسيين تكلفوا بهذه المهمة، ومرد ذلك أنه تم كشف ثقب أسود نزفت منه الملايير على امتداد سنوات. ومن النقط السوداء التي بدأت تتناسل بخصوصها عدة تساؤلات في هذا المضمار: - مكتب باريس. - الصفقات المرتبطة ببيع الفوسفاط الخام والحامض الفوسفوري. - مصالح المشتريات الدولية والوطنية والمحلية. - الصفقات العالمية للصيانة وأشغال الصيانة الوطنية والمحلية. - عقود الخدمات المقدمة للمكتب من طرف الأوراش المحلية. - المصالح الاجتماعية على الصعيد المركزي والجهوي والمحلي. وبهذا الخصوص كشفت بعض المصادر جملة من الخروقات الداعية للشكوك بأثمنة بيع الفوسفاط، لاسيما لإحدى الشركات الأمريكية التي يقوم عليها إطار مالي كبير سابق في المكتب حيث عمل به لمدة سنوات، ولم تقتصر القضية على تسجيل خروقات وتجاوزات همت مالية مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، وإنما تجاوزتها إلى هدر أموال عمومية لمؤسسات عمومية أخرى. وعلى سبيل المثال لا الحصر، القرض الذي حصل عليه المكتب من القرض الفلاحي والبالغ قدره 100 مليون درهم دون توقيع أي عقد، وهذا ما كشف عنه التحقيق في ملف القرض الفلاحي المطروح أمام أنظار القضاء. فما هي المؤشرات التي تفيد بحدوث تجاوزات مرتبطة بنهب وهدر المال العام بمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط؟ من بين هذه المؤشرات إقدام مصطفى التراب في شهر شتنبر 2006 على التخلص من ثلة من المسؤولين، بعد كشف جملة من التجاوزات والخروقات والتلاعبات بخصوص بعض الصفقات المهمة والغموض الكثيف الذي لََفَّ صرف بعض بنود ميزانية المكتب. وحسب أحد أهل الدار، لهذا السبب قام المدير العام الجديد بالتخطيط الاستعجالي لإعادة هيكلة المجموعة، كما أكدت مصادر قريبة من القصر الملكي أن الخسائر التي أصابت المجموعة كبيرة، همت كذلك بعض الشركات التابعة لها، لاسيما الشركات الأجنبية التي خلقتها المجموعة خارج المغرب، والتي سهرت على إحداثها المديرية المالية للمكتب. ومن بين المؤشرات كذلك توقيف بعض المسؤولين الكبار، منهم المسؤول على الموارد البشرية والمسؤول على الشؤون الاجتماعية والمسؤول عن التموين والصفقات ومسؤولين آخرين. هذا إضافة إلى أن بعض العاملين بالمكتب سابقا، خلقوا شركات بالخارج، الجزء الكبير من رقم معاملاتها تحققه من خلال تعاملاتها مع المكتب، علما أن هذا الارتباط تقوى منذ عهد كريم العمراني. فكيف كان يتم نهب الأموال؟ من الأساليب المتبعة والتي ساهمت في التغطية عن نهب وهدر المال العام بالمكتب، إبرام صفقات على هامش القانون، مع شركات بعينها ظلت مرتبطة بالمكتب منذ سنوات. وكذلك التعاقد الضمني بالتراضي بخصوص صفقات تهم ملايير الدراهم على امتداد أكثر من 10 سنوات، وتفويت الأشغال عن طريق التراضي أيضا عوض اعتماد المسطرة المتعارف عليها. هذه الأساليب وغيرها أدت إلى إثراء جملة من الأشخاص بطريقة غير مشروعة، وأصبحوا الآن من ذوي الثروات العالمية وأصحاب شركات، مقرها بالخارج، وظلوا على علاقة بالمكتب الشريف للفوسفاط "ولي نعمتهم"، سواء في مجال الوساطة في تسويق الفوسفاط والمنتوجات المصدرة أو في مجال الصيانة والتزويد بالمعدات والآليات. ومن "المناطق السوداء" التي تناسلت في إطارها عدة تساؤلات، المصالح الاجتماعية للمكتب التي أشار الكثيرون إلى تداعيات التلاعب باعتماداتها الاجتماعية والرياضية والثقافية. ومهما يكن من أمر، فإن غياب المراقبة سهلت إلى درجة كبيرة هدر ونهب المال العام الذي عرفه المكتب الشريف للفوسفاط على امتداد مشواره منذ الاستقلال. وحسب أحد المصادر المطلعة لم يكن المجلس الأعلى للحسابات يقوم بمهمته في هذا الصدد، كما هو منصوص عليه من خلال القوانين التي تنظمه. وقد أدى هذا الواقع إلى بروز جملة من التساؤلات جليا أكثر من أي وقت مضى، ومنها على وجه الخصوص: هل سيتم تبليغ قضايا التجاوزات إلى مؤسسة الوكيل القضائي للمملكة؟ وهل سيفتح التحقيق، بجدية، في إشكالية الصناديق السوداء وهدر المال العام، اعتبارا لطبيعة المرحلة التي تجتازها البلاد؟ وقبل هذا وذاك، وبعد تدقيق الحسابات، هل سيتم فعلا احتساب الأموال الضائعة نتيجة النهب والهدر وسوء التدبير؟ وهل الملك سيأمر بتفجير فضيحة الفوسفاط وتقديم المسؤولين عنها للمساءلة؟ هدر المال والدور الاجتماعي لا يمكن نكران الدور الاجتماعي الذي يقوم به المكتب الشريف للفوسفاط، لكن سيكون من المفيد جدا إجراء مقارنة بين ما نهب وهدر من مال في كنفه وبين ما خصصه وما وظفه من أموال في المجال الاجتماعي المرتبط بالفئات الفقيرة والمحتاجة للدعم، ومشروعية ضرورة القيام بهذه المقارنة مستمدة من كون المكتب مكلف بتدبير أهم ثروة وطنية عول عليها المغاربة منذ الاستقلال لتحسين أوضاعهم ومستوى معيشتهم. قد يكون من الصعب طرح صورة متكاملة بهذا الخصوص، لذا نكتفي بطرح حالة مدينة فوسفاطية كنموذج، خصص المكتب الشريف للفوسفاط من مديرية الاستغلالات المنجمية بخريبكة، مبالغ مالية للأعمال ذات الطابع الاجتماعي والثقافي والإنساني، منها المساهمة في رفع المستوى المعيشي لساكنة الجهة، وهذه المساهمة تتجلى ليس في تقديم مساعدات، وإنما من خلال المبالغ المصروفة سنويا والمقدرة بما يناهز 1.032 مليار درهم موزعة كالتالي: 16 مليون درهم مؤداة كضرائب محلية (الضريبة المهنية والضريبة الحضرية والضريبة على المباني)، و600 مليون درهم كرواتب للموظفين والعاملين بالمكتب بخريبكة، وأكثر من 430 مليون كمعاشات للمتقاعدين. أما المساعدات المرصودة سنويا للجمعيات فتبلغ 183 ألف درهم، والمبلغ المخصص لمهرجان السينما الإفريقية ومهرجان عبيدات الرما فقد وصل إلى 110 ألف درهم. كما ساهم المكتب الشريف للفوسفاط في تمويل جملة من المشاريع البلدية خصص لها ما يناهز 9.6 ألف درهم، وخصص 11 ألف درهم سنويا للتعليم ومحاربة الأمية.. هذه أمثلة من الأعمال التي يقوم بها المكتب الشريف للفوسفاط من أجل النهوض بالمدينة الفوسفاطية خريبكة، وهي مبالغ زهيدة جدا مقارنة بما هدر ونهب من مال الشعب في كنفه. مكتب باريس في قفص الاتهام حسب بعض المصادر، لف غموض كثيف حسابات مكتب باريس التابع للمكتب الشريف للفوسفاط على امتداد سنوات طويلة الشيء الذي ساهم في تغليف التعاطي للرشوة والتواطؤ وهدر المال العام بخصوص بيع الفوسفاط بأثمنة بخسة لبعض الشركات بعينها، تديرها عائلة كان أحد أفرادها يعمل سابقا بالمكتب المذكور. وصرح لنا أحد العارفين بخبايا أمور المكتب الشريف للفوسفاط، أنه بالأمس، وعلى امتداد سنوات طويلة ظلت الإدارة المركزية للمكتب كواجهة، في حين كان مكتب باريس التابع له يتحكم في الأمور، آنذاك كان على رأسه أحد الفرنسيين يدعى "دافوفيل"، وكان قائما على أموره المالية أحد اليهود، وكانت تربطه علاقة متينة مع جملة من الشركات، من ضمنها الشركة الألمانية "كروب" الدائعة الصيت؛ وحسب مصدرنا، كان مكتب باريس يتحكم عن قرب في مختلف آليات التسويق والدواليب المالية مع زبنائه بفرنسا وألمانيا والولاياتالمتحدةالأمريكية. كان كريم العمراني يولي أهمية خاصة لمكتب باريس، وفي عهده كان هذا المكتب ينظم حفلات فخمة لزبنائه وممونيه، وكانت تقام بالأساس بإيطاليا، إذ صرفت على تنظيمها أموال طائلة، وحسب شاهد عيان، حضر إحداها، كانت تلك الحفلات مناسبة لتقسيم "كعكة الفوسفاط المغربي" بين مافيات "الفوسفاط في العالم، تحت إمرة القائم على أمور مكتب باريس المتحكم آنذاك في الصفقات، الشيء الذي مكن لوبيات، لاسيما اللوبي الأمريكي واللوبي الألماني، من التأثير في القرارات المتخذة، ووقتئذ كانت عيون واشنطن على الفوسفاط المغربي كمنافس لفوسفاطها باعتبار أن أمريكا هي المنتج الأول عالميا والمغرب المصدر الأول. ومن الأمور التي من شأنها إثارة جملة من التساؤلات، الصناديق السوداء التي ظل يتصرف فيها مكتب باريس والتي همت مبالغ مالية لا يعلم قدرها إلا الله، غير مثبتة في الوثائق المحاسباتية المتعارف عليها، علما أن مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تعتمد أحدث المناهج والتقنيات في مجال الحسابات المالية والشؤون المحاسباتية وتتوفر على أحسن الكوادر المغربية في هذا الاختصاص. خوصصة الفوسفاط كل الاقتصاديين ذوي النزاهة والمصداقية يقرون بأن مجرد التفكير في خوصصة المكتب الشريف للفوسفاط يعتبر خطأ جسيما، أما الذين لا يريدون إغضاب الحكومة، فهم مع الراي بخوصصته لكن مع الاحتفاظ بحصة مهمة من رأسماله باعتبار أن قطاع الفوسفاط حساس وحيوي بالنسبة للمغرب. هذا مع العلم أنه خلال سنة 2006 تمت برمجة خوصصة بعض الوحدات العمومية لتحقيق مداخيل قدرها 4.5 مليار درهم تقريبا، علما كذلك أن حصيلة الخوصصة منذ 1993 بلغت ما قدره 77 مليار درهم بعد التفريط في 44 مؤسسة عمومية و26 فندقا. لكن هناك تساؤلا لازال يزعج الكثيرين، دون أن تعيره حكومتنا الاهتمام: ماذا بعد الخوصصة؟ وماذا بعد بيع كل ما يمكن بيعه في سوق المزاد العلني للرأسمال الأجنبي، وقد يكون هذا الرأسمال صهيونيا؟ لا جواب لحكومتنا على هذا السؤال المعلق. يبدو أنه لا يهمها حاليا هل الخوصصة "المتوحشة" ستمس السيادة الوطنية، بقدر ما يهمها عرض ممتلكات الشعب المغربي للبيع دون أخذ رأيه، ودون أن يُعرف هل فعلا أغلب المغاربة يوافقون على تفويتها، فكيف تطلب منهم مثل هذا الرأي ولم يسبق لهم أن قرروا مصيرهم بخصوص النظام الاقتصادي الذي يرضونه لأنفسهم؟ فما يهم حكومتنا هو أن هناك ما يناهز 140 مؤسسة عمومية يمكن بيعها بالمزاد العلني، وإن تم ذلك فقد توفر مداخيل، ستبلغ ما يناهز 1300 مليار درهم. وتعتبر هذا كنزها، فكيف تهتم بإحداث آليات لخلق ثروات مضافة أو تتصدى لنهب المال العام في تلك المؤسسات، لجعلها تساهم في هذه الآليات بشكل مستدام دون التفريط فيها. وحسب الكثيرين، لن تفلت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط من الخوصصة، فكل المؤسسات في عين حكومتنا قابلة للبيع، لا يهمها أن تكون القطاعات التي تنشط فيها استراتيجية أو حيوية، فكل المؤسسات قابلة للبيع والتسليم لمن يدفع أكثر، وهذا حال المكتب الشريف للفوسفاط والمكتب الوطني للسكك الحديدية والخطوط الملكية الجوية والمكتبين الوطنيين للماء والكهرباء وصندوق الإيداع والتدبير ومكتب استغلال الموانئ.. فبعد أن طالها الفساد المالي وكانت مرتعا لنهب المال العام، ستسلم لمن سيدفع أكثر، دون أن ينعم الشعب المغربي بدرهم منها، بل على العكس من ذلك، لقد تحمل المزيد من الثقل الضريبي لإنقاذ الكثير منها من الإفلاس المحقق، وذلك لتهييئها لتكون مربحة قصد عرضها في سوق الخوصصة العلني، إذ أن ما يستعمل من أموال لإنقاذها لتكون جاهزة للبيع، هو على الدوام مقتطع من مال الشعب وعلى حسابه. مصطفى التراب العائد من البنك الدولي عاد مصطفى التراب للمغرب بعد أن غادر الوكالة الوطنية لتقنيي الاتصالات نحو منصب رفيع في البنك الدولي، وبعدما كان مكلفا بمهمة في الديوان الملكي، حيث شارك في تنظيم المنتدى الاقتصادي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط. ومصطفى التراب هو أحد عناصر "مجموعة 14" التي رافقت الملك محمد السادس في مشواره الدراسي، والذي وقعت عليه عين الملك الراحل الحسن الثاني مبكرا. ارتبط اسمه بصفقة المليار دولار (10 ملايير درهم) التي حصدها المغرب من تفويت الرخصة الثانية للهاتف النقال، إذ أشرف مصطفى التراب على شفافية العملية عندما كان مديرا لوكالة تقنين الاتصالات، لكن مع وفاة الحسن الثاني وبعد خلافات مع رموز العهد الجديد، رجع إلى الولاياتالمتحدة بعد جملة من الإحباطات، وحسب بعض القريبين منه بمدينة الدارالبيضاء، وجه وقتئذ بعض الانتقادات شديدة اللهجة لأسلوب الحكومة وللمحيطين بالملك في تدبير الملفات الجوهرية. وفي 16 فبراير 2006، عينه الملك محمد السادس مديرا عاما لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط. ومصطفى التراب حاصل على دكتوراه في "التحليل بالمنهاج الحسابي" من معهد ماسا شوسيت "إنستيوت أوف تكنولوجي" التابع لكامبردج، كما حصل من المعهد التكنولوجي نفسه على الماجستير في الهندسة المدنية (منظومات النقل)، وبشهادة قناطر وطرق من المدرسة الوطنية للقناطر والطرق بباريس. رأي خاص من داخل الدار أكد لنا مصدر مطلع من داخل الدار، فضل عدم الكشف عن صفته وموقعه، أن المدير المالي السابق للمكتب الشريف للفوسفاط والسكرتير العام للتقاعد، واللذان قضيا حوالي ربع قرن في الخدمة، أحدهما أحيل على التقاعد والآخر استقال، لأسباب لم يتم الكشف عنها بوضوح، بعد عملية تدقيق الحسابات التي خضعت لها مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط. ويشير مصدرنا، أن الغرض من مجيء مصطفى التراب للمكتب الشريف للفوسفاط، هو العمل على الرفع من مردوديته وتحسين موقعه في السوق العالمية المعروفة حاليا بمنافسة شرسة لم يسبق لها مثيل، وذلك في أفق إعداد المؤسسة للخوصصة بفعل جملة من الضغوطات الممارسة من طرف بعض الشركات المتعددة الجنسيات والناشطة عالميا في قطاع الفوسفاط، خصوصا إحدى الشركات السعودية، وكذلك نية مجموعة "أونا" في وضع اليد على جزء من رأسمال مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط. وأكد مصدرنا أن المكتب، على امتداد الثمانينيات والتسعينيات أثبت قدرته على خلق ثروات مضافة ورفع رقم معاملاته بنسب مهمة. ويعتبر مصدرنا أنه، نظرا لأهمية مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط في النسيج الاقتصادي الوطني، ونظرا للأرباح التي تحققها وسيرورة تأكيد موقعها على صعيد السوق العالمية، وتفاديا للإحراج الذي قد تواجهه السلطات في الإعلان عن الرغبة في خوصصتها، أمام الشعب المغربي، كان لابد من محاولة نشر إشاعة بخصوص سوء تدبير المجموعة والتشكيك في مصداقية بعض القائمين عليها، وفي هذا الإطار، يقول مصدرنا، إن جهات اجتهدت اجتهادا بلغ حد الإنهاك في دفع بعض وسائل الإعلام، لاسيما المكتوبة منها، مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، من أجل فبركة تخريجات، ربما تكون وهمية، لتسهيل تبرير خوصصتها خدمة لذوي المصالح في بلوغ الهدف من هذه الخوصصة. ويقر مصدرنا أيضا، بأن مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، كانت ولازالت في صحة جيدة، بل إنها ظلت تشكل ضمانات أكيدة في كل ما كانت الدولة تطلبه من قروض خارجية ولازالت. مناجم بوكراع ظل استغلال مناجم بوكراع مشتركا بين مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط والشركة العمومية للمساهمات الصناعية الإسبانية (SEPI)، وذلك منذ منتصف السبعينيات. تقدر احتياطات بوكراع ما يناهز ملياري طن، تمثل ما بين 2 و3 في المائة من الاحتياطي الإجمالي للمغرب، ويمتاز فوسفاط الصحراء باحتوائه كمية مهمة من الأورانيوم الذي يمكن استخراجه منه. وحسب مصادر برلمانية بلجيكية، استوردت بلجيكا 5 في المائة من كمية الأورانيوم التي تتوفر عليها حاليا من المغرب، وهي مستخرجة من فوسفاط بوكراع. لازالت الشركة الإسبانية (SEPI) تمتلك 35 في المائة من رأسمال مناجم بوكراع وتشارك في مجلسها الإداري، وبالتالي تساهم في تدبير شؤونها وبلورة سياستها واستراتيجيتها، ويصدر فوسفاط بوكراع أساسا إلى إسبانياوالولاياتالمتحدةالأمريكية. ومن القضايا التي أسالت الكثير من المداد، مطالبة العمال من أصل صحراوي بجملة من الحقوق، كانوا قد اكستبوها عندما كانت إسبانيا تسير شركة مناجم بوكراع. وتجاوزا لهذا المشكل اقترحت الإدارة المركزية للمكتب الشريف للفوسفاط على هؤلاء تعويضات جزافية، قبلوها على مضض اعتبارا لأوضاعهم المعيشية، وذلك مقابل التخلي عن مطالبهم، وهكذا اقترحت الإدارة المركزية 80 ألف درهم بالنسبة للعمال و100 ألف درهم للعمال المؤهلين و120 ألف درهم للتقنيين، وتم طي هذا الملف الذي وصلت تداعياته إلى المستوى الدولي، لاسيما وأن أعداء الوحدة الترابية حاولوا تضمينه مالا طاقة له به. إشكالية المتقاعدين من الإشكالات التي لازالت قائمة إلى حد الآن، الصفقة المبرمة بين مدير صندوق التقاعد مع تأمينات الوطنية، وما نتج عنها من حيف في حق متقاعدي المكتب الشريف للفوسفاط. ولا يزال ضحايا هذه الصفقة ينتظرون كشف التلاعبات والخروقات وهدر المال العام وغيرها مما طالها، لتحديد المسؤوليات، ومن استفاد منها على حساب ذوي الحقوق الذين أفنوا عمرهم في خدمة الاقتصاد الوطني خلال مزاولة عملهم بمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط. وفي نظر جملة من المحللين إن إشكالية المتقاعدين تعتبر من مؤشرات سوء التدبير المالي للمجموعة، وعلامة من علامات نهب المال العام، وهي الإشكالية التي تتطلب حاليا ضخ على أقل تقدير، 32 مليار درهم، قصد إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهذا ما سيطرح مشكلا ماليا كبيرا لخزينة الدولة؛ والمفارقة الكبيرة هي أن هذا المشكل سببه مؤسسة عمومية، كان من المفروض أن تساهم قبل غيرها في إنتاج الثروات المضافة عوض هدر المال العام وإثقال كاهل الأجيال القادمة بالدين الخارجي، ما دامت الحكومة ستلجأ إليه لا محالة لحل المشكل، ألم يعتمد الاقتصاد المغربي على مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط ليكون قاطرته التي ستوصله إلى تفعيل آليات التنمية المستدامة؟ المكتب الشريف للفوسفاط من استغلال منجم إلى شركة عالمية كانت البداية بمناجم خريبكة واليوسفية (لوي جانتي) في بداية عشرينيات القرن الماضي ثم بسيدي الضاوي في الخمسينيات، وتم إنشاء المكتب الشريف للفوسفاط سنة 1920، إذ بمجرد انتهاء الحرب العالمية الثانية اهتمت السلطات الاستعمارية الفرنسية بتنمية الأنشطة المنجمية بالمغرب لخدمة مصالحها، وشرعت باستغلال ما اكتشفته من فوسفاط. في البداية كان مقره الرئيسي بالرباط بالقرب من مسجد السنة، محاذيا لمقر مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية (BRPM). في يوليوز 1960، عين الملك محمد الخامس العزاوي (مدير الأمن الوطني) على رأس المكتب الشريف للفوسفاط، وأخذ هذا الأخير معه جميع معاونيه، مع الاحتفاظ بالكوادر الفرنسيين، وبإدماج عناصر من عائلات كبيرة من العدوتين (الرباط وسلا). اهتم المكتب بدءا باستخراج المعدن وتصديره كمادة خام ثم استخرج منه الحامض الفوسفوري والأسمدة. وفي سنة 1975 تحول المكتب إلى مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، بعد أن اتسعت مجالاته داخل المغرب وخارجه. أحدثت المجموعة جملة من المشاريع لتطوير قدراتها الإنتاجية والتنافسية في الأسواق الدولية كانت ترمي من خلالها أساسا إلى تحسين جودة المنتوجات وتقليص التكاليف وتحديث تجهيزات إنتاج الطاقة المعدنية والكيماوية، كما أبرمت المجموعة جملة من شراكات تعاون مستدامة مع زبنائها الأجانب، ومشاريع تعاون مع إيران وباكستان والبرازيل. وبشهادة الجميع، يظل المكتب الشريف للفوسفاط يلعب دور المحك للاقتصاد الوطني، في محيط دولي، يتميز بتنافسية شديدة. المكتب الشريف للفوسفاط معطيات يشكل قطاع المناجم أقدم الأنشطة الصناعية بالمغرب، وفي عهد الحماية كان الفوسفاط المورد الأول للخزينة العامة، إذ يتوفر المغرب على ثلاثة أرباع الاحتياطي العالمي، وتوجد مناطق استخراجه بخريبكة وبن جرير واليوسفية وبوكراع، في حين تتركز موانئ تصديره بالدارالبيضاء والجرف الأصفر وآسفي. تقدر حصة المغرب من السوق العالمية للفوسفاط ما يناهز 30.7 في المائة، هذا في وقت يساهم فيه قطاع المناجم بما نسبته 30 في المائة من قيمة الصادرات، ويشغل أكثر من 60 ألف شخص وتحتل حصة المكتب الشريف موقعا خاصا، إذ يعمل به أكثر من 22 ألف شخصا من بينهم 730 مهندسا وأطر عليا. وتقدر حصة المكتب في قيمة الصادرات المغربية ما يناهز 15 مليار درهم سنويا، وهذا يمثل ما نسبته 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام الوطني، ويهيمن المكتب على 43 في المائة من السوق العالمي للحامض الفوسفوري و 12 في المائة بخصوص الأسمدة. وحقق المكتب 20.55 مليار درهما كرقم للمعاملات سنة 2005 بزيادة 17.8 في المائة، مقارنة مع سنة 2004 و 49.3 في المائة مقارنة مع سنة 2003. وتعتبر معامل آسفي "المغرب فوسفور 1و2" و"كميات المغرب 1 و 2" ومعامل الجرف الأصفر اهم الوحدات الإنتاجية للفوسفاط والمعالجة. المكتب الشريف للفوسفاط في المرتبة الرابعة برسم سنة 2006 احتلت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط المرتبة الرابعة من بين أكبر 500 شركة عاملة في المغرب حسب حساب الإيراد. وقد جاءت شركة "أونا" التي تملك العائلة الملكية أغلب أسهمها في الربتة الأولى بعائدات قدرت ب 26.2 مليار درهم، وتلتها شركة إفريقيا للمحروقات التي تملكها عائلة أخنوش في المرتبة الثانية. واحتلت مجموعة يينا هولدينغ (الشعبي) المرتبة الثالثة. المهدي لحلو/ ترانسبارنسي المغرب متى سيصبح المكتب الشريف للفوسفاط مقاولة مواطنة في حديث مع المهدي لحلو، عضو ترانسبارنسي المغرب، أكد أن المغرب يعد حاليا من البلدان التي تعرف معضلة الهجرة السرية، علما أن هجرة المغاربة إلى الخارج ليست وليدة اليوم، إذ أن 10 في المائة من المغاربة، أي ما يفوق 3 ملايين، يعيشون بالخارج، وحاليا يسود الاعتقاد أن الهجرة، لاسيما غير الشرعية منها هي بالأساس نتيجة الفقر، وأبطالها وافدون من بلدان الجوار الأكثر فقرا. لكن المغرب يتوفر على موارد، وأن أغلب الساعين للهجرة بأية وسيلة هم آتون من مناطق غنية بالموارد، وهذه الملاحظة أكدتها الإحصائيات منذ سنة 1990، وأهم هذه المناطق هي تلك المعروفة بالمناطق الفوسفاطية. فأكثر الراغبين في الهجرة بأية وسيلة هم منحدرون من خريبكة وواد زم والفقيه بنصالح والقرى المجاورة لها. والكثير من هؤلاء يغامرون بحياتهم بامتطاء قوارب الموت، وقد يفقدونها. ويتساءل المهدي لحلو: كيف أن منطقة تتوفر على ثروة طبيعية، أصبحت معقلا للراغبين في الهجرة بأي ثمن؟ لماذا لا تساهم هذه الثروة في بقاء الشباب بالمنطقة؟ يجيب لحلو قائلا بأن هناك عدة أسباب، بعضها مرتبط بنمط استغلال الفوسفاط وبنهج توزيع الثروة التي يراكمها، إذ أنه تم جلب آليات ضخمة من الولاياتالمتحدة أدت أغلبها إلى التخلي عن عدد كبير من اليد العاملة، علاوة على أن الطريقة المعتمدة في استخراج الفوسفاط ساهمت في ضياع عشرات آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية وأراضي الرعي، وبذلك حرم العديد من الفلاحين وسكان البادية المجاورة من مصادر الدخل. كما أن اللجوء إلى المتفجرات كانت له تأثيرات سلبية على الموارد المائية بالمنطقة،، الشيء الذي قلص كثيرا من فرص الاستمرار في التعاطي للزراعة وتربية المواشي. وبالمقابل نلاحظ أن الإمكانيات المادية التي يوفرها المكتب الشريف للفوسفاط كتعويض عن الأضرار التي لحقت بالساكنة، وأيضا لأجل المساهمة في التنمية المحلية، تظل زهيدة جدا. كما أن أجور الأطر والكوادر تؤدى بالمدينة ولا تروج بالمنطقة المتضررة، وهذا ما دفع السكان إلى ترديد "يطير مال الفوسفاط ولا يبقى لنا سوى الغبار الذي نستنشقه ليل نهار". ويختم المهدي لحلو حديثه قائلا إن كان هذا يدل على شيء فإنه يدل، وبالملموس، على أن التنمية المحلية لا تعتبر من أولويات المكتب الشريف للفوسفاط، لذا وجب طرح تساؤل آخر: متى ستفكر الدولة في إعادة النظر في سياستها الفوسفاطية الحالية وتعويضها بأخرى للتقليل من التأثيرات السلبية الأكيدة، ولجعلها غير معاكسة لمفهوم التنمية المحلية المستدامة. ولا مناص من أن ترتكز السياسة الجديدة على نهج جديد لتوزيع مداخيل الفوسفاط بين الدولة والمنطقة، وبكلمة مختصرة متى سيصبح المكتب الشريف للفوسفاط مقاولة مواطنة؟ إدريس بنعلي محلل اقتصادي المكتب الشريف للفوسفاط يخصص 10 دراهم لكل مواطن يرى إدريس بنعلي أن مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط لعبت الدور المنتظر منها، وتتوفر الآن على رأسمال بشري يشكل مركز قوتها، ولا يعتقد بأن مصطفى التراب المدير العام الجديد، جاء لتهييء المجموعة للخوصصة، وإنما لتقوية مكانتها على الصعيد العالمي في وقت تأججت فيه المنافسة. - مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط من المؤسسات الأولى التي عول عليها المغرب في التنمية وإخراج البلاد من وضع التخلف وذلك منذ الحصول على الاستقلال، الآن وبعد مرور أربعة عقود، كيف ترون آثارها على مسار التنمية؟ هل خدمتها أم ساهمت بفعل سوء تدبير شؤونها، في تعميق الأزمات؟ + إن مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط أسدت للاقتصاد المغربي خدمات جليلة، وذلك باعتبارها أول شركة مغربية ساهمت في توفير العملة الصعبة للبلاد، كما أنها مكنت المغرب من نسيج صناعي واقتصادي، لاسيما في مجال الصناعات الكيماوية (المغرب بوسفور 1 و2، الجرف الأصفر..)، في هذا الصدد أعتقد أن المكتب الشريف للفوسفاط لعب دورا جوهريا كذلك في المجال الاجتماعي، دور العناية ببعض الهموم الحياتية لأوسع الفئات الاجتماعية. وما كان يقوله المغاربة آنذاك بهذا الخصوص ليس اعتباطا، إذ كانوا يقولون إن المكتب الشريف للفوسفاط (آنذاك في الستينيات) كان يخصص 10 دراهم لكل مواطن، وفعلا هذا ما أكده بتشييده لبعض المرافق الطبية والمدارس وغيرها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تُشغل مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط أكثر من 22 ألف شخص، ولو كانت مؤسسة خاصة (القطاع الخاص) لخفضت هذا العدد إلى النصف على الأقل، وهنا يبرز بجلاء دور المكتب في المجال الاجتماعي. لو طولبت بإصدار حكم اقتصادي واجتماعي في حق مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، لكان حكمي جد إيجابي، باعتبارها مقاولة لعبت الدور المنتظر منها في الاقتصاد الوطني. - ما هي، في نظركم، أهم المحطات التي مرت منها مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط؟ - منذ نشأتها، كانت في البداية مجرد منجم لاستخراج مادة أولية عندما أحدثها الفرنسنيون في العشرينيات (سنة 1924)، كانت آنذاك تستخرج الفوسفاط لتصديره كمادة أولية خام إلى الخارج، وكان وقتئذ تصرفا عاديا بخصوص بلد متخلف في علاقاته مع بلد متطور، أي اقتصر دوره، بكل بساطة، على تصدير مواد خام دون إضافة أي قيمة إضافية عليها. لكن في الستينيات بدأت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تعتمد سياسة جديدة، آنذاك تم إحداث "المغرب فوسفور 1 و2" بمدينة آسفي. وبعد ذلك، في السبعينيات، بدأ الاهتمام الخاص بالكيماويات. وحاليا أضحى المغرب، ليس مجرد مصدر لمواد أولية خام فقط، وإنما مصدر لمواد مصنعة تتضمن قيمة مضافة مهمة، منها الحامض الفوسفوري والأسمدة، وبذلك أصبح المغرب يتوفر على بنية صناعية كيماوية سهرت على إنتاج قيمة مضافة مهمة. عموما يمكن القول إنه إلى حدود الستينيات اندرجت السياسة الاقتصادية في نطاق تصنيع المغرب وتطوير النسيج الصناعي، وفي هذا الصدد لعب المكتب الشريف للفوسفاط دورا كبيرا. ومنذ التسعينيات فإن مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط انخرطت في دائرة العولمة، لكنها الآن لا تحظى بوضعية مريحة على الصعيد العالمي كما كانت عليه من قبل، وذلك بفعل اشتداد المنافسة العالمية، لاسيما وأن بلدانا كانت بالأمس القريب مستوردة أضحت الآن من منافسي المجموعة، فالمكتب الشريف للفوسفاط هو حاليا في طور التغيير للتمكن من التصدي للمنافسة الشرسة ولمتطلبات العولمة. إنها في طور التغيير، حتى على مستوى البنية والهيكلة الداخلية. إذ لم تعد تلك المقاولة من الطراز "التايلوري" المعتمد على عمل السلسلة والعمال المهرة. إنها الآن مقاولة لها موقعها على الصعيد العالمي، واكتسبت دراية في ميدانها، فهي المقاولة المغربية الأكثر توظيفا للمهندسين المؤهلين والمكونين أحسن تكوين في مجالات اختصاصهم، إنها أول مقاولة مغربية تمتلك موارد بشرية، عرفت كيف "تُرَسْمِلُها" بعد أن انعرجت نحو المستقبل لتصبح شركة عالمية. - على امتداد هذا المسار من كان يراقب مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط؟ - إنها الدولة المغربية عبر المدير العام المعين بظهير للقيام بهذه المهمة، إن مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط مراقبة كليا من طرف الدولة، كما أن سياستها واستراتيجيتها مبلورتان من طرف الإدارة العامة للمجموعة ومجلسها الإداري، وكما أسلفت الذكر، إن المكتب الشريف للفوسفاط مقاولة تتوفر على رأسمال بشري مهم جدا، وربما هنا يكمن مركز قوتها. علما أن كل استراتيجياتها مبلورة من طرف مغاربة. وكل المديرين العامين الذين اضطلعوا بمسؤولية إدارة المجموعة أطر مغاربة منذ حصول المغرب على استقلاله، وقد أمضى كريم العمراني عقدين من الزمن على رأسها، وتلاه مغاربة آخرون، وجاء دور مراد الشريف ثم برادة ثم مراد الشريف ثانية، والآن يسير المجموعة مصطفى التراب، فمنذ الاستقلال لم يسير أجنبي مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، والآن كل الأطر والعاملين بها مغاربة وبالمغرب، لأنه لا يجب أن ننسى أن المجموعة تمتلك فروعا وتوابع بالخارج، بلجيكا والهند مثلا. - سبق وأن قيل إن مكتب باريس، التابع لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، ظل يؤثر على القرارات المتخذة على الصعيد المركزي، فما قولكم؟ - لا أعتقد ذلك، فمكتب باريس يمثل المجموعة هناك ويخضع للقرارات المتخذة على المستوى المركزي، أقول هذا من منطلق العلم بالشيء لأنه توفرت لي الفرصة لمعاينة الأمور من داخل الدار. - هل يمكن القول بأن مصطفى التراب جاء لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط لتهييء الشروط لخوصصتها؟ - لمصطفى التراب تاريخ غني ورصيد علمي قيم، كان مديرا للإذاعة والتلفزة المغربية ونجح في مهمته باتصالات المغرب بتفوق، وهو رجل مُقتدر، مشهود له من طرف الجميع بصفته خبيرا، وقد عمل أيضا بالبنك الدولي. كما وجبت الإشارة كذلك، إلى أن مراد الشريف الذي كان قبله قد قاد المجموعة جيدا وحصيلته كانت إيجابية، وهو من أحسن الكوادر المغربية. وظل مصطفى التراب مشهودا له بنزاهته الفكرية، وعندما لم يوافق على جملة من الأمور حينما كان مديرا للإذاعة والتلفزة المغربية قدم استقالته، وهو من القلائل الذين فعلوا هذا، فهذا أمر لا يحدث بالمغرب، لم يطلب منه المغادرة وإنما هو الذي اختار الذهاب، وبخصوص مجيئه قصد إعداد الخوصصة فلا أعتقد ذلك، وإنما جاء للمزيد من تأهيل مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط لتقوية موقعها عالميا كشركة عالمية. - إذن، لم يأت قصد الخوصصة؟ - بكل صراحة لا يمكن أن أجزم في هذا الأمر بالإجابة بنعم أو لا، لكن لا أعتقد ذلك، لأنه لا أظن أن في صالح المغرب خوصصة المجموعة، خصوصا في ظل الظرف العالمي الحالي. إذن، فأنا لا أعتقد أن مصطفى التراب جاء لإعداد المجموعة للخوصصة، فلا علم لي إطلاقا بهذا الأمر، هذا أوّلا. وثانيا لا أظن أن خوصصة مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تعتبر حلا بالنسبة للمغرب، هل تعلمون لماذا؟ لأن هذه المجموعة بكل بساطة، خلافا لغيرها من المقاولات المغربية، موجهة للخارج، للتصدير وللسوق العالمية، وهناك حاليا منافسة شديدة بهذا الخصوص، ومؤخرا تمكنت السعودية من اكتشاف كميات كبيرة من الفوسفاط في باطن أرضها، وإذا عرض المكتب الشريف للفوسفاط للخوصصة، ستنقض على الفرصة لتحتكر سوق الفوسفاط العالمي، وبالتالي فأنا أستبعد ذلك لأن خوصصة هذا المكتب تسير في اتجاه معاكس لمصالح المغرب، وستجعله يفرط في وضعه كأول مصدر عالمي، علاوة على أن هذه الخوصصة إن تمت ستعرض الاقتصاد الوطني لمخاطر جمة، فهناك العديد من الشركات العالمية مستعدة للانقضاض على الفرصة للسيطرة على سوق الفوسفاط، فالمكتب الشريف للفوسفاط ليس مثل مجموعة "أونا" أو "اتصالات المغرب" المتجهتين للسوق الداخلية، إنه بالأساس متجه للسوق العالمية، وخوصصته تعني فقدان المغرب لأحد الأوراق الأساسية والجوهرية على الصعيد العالمي، وكذلك الأمر بخصوص التحكم في سيرورة التنمية، وهذا لا يعني أن المغرب سوف لن يتوفر على سياسة اقتصادية، وإنما يعني أن المكتب بعد خوصصته لن يعود أداة لهذه السياسة الاقتصادية وهنا تكمن الخطورة الكبيرة، إذ ستدخل البلاد ضمن الاستراتيجيات المعتمدة من طرف الشركات المتعددة الجنسيات، وهذا ليس في صالح المغرب بتاتا. - سمعنا أن هناك اختلالات وربما خروقات في مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، وحسب بعض المصادر تم تعيين مصطفى التراب أساسا لتطهيره، فما قولكم في هذا؟ - لا أعتقد ذلك، ولا علم لي إطلاقا بمثل هذه الأمور، ولم يسبق لي أن سمعت عن هذا ولا أتوفر على أدنى معلومة بهذا الخصوص، علما أن نهج تسيير المكتب الشريف للفوسفاط هو أكثر شفافية، وينشر حصيلته ووضعيته المالية كل سنة. وأظن أن فترة مراد الشريف تميزت بتسيير جيد، تأكدت نتائجه فيما حققه المكتب آنذاك. نعم ذهب مراد الشريف وجاء مصطفى التراب، لأن هناك قانونا ينص على ألا يتجاوز أحد الاضطلاع بالمسؤولية في الموقع أكثر من 4 أو 5 سنوات، هذا كل ما في الأمر ببساطة. أقول هذا مؤكدا لكم أنني لا أعلم الغيب، إذن ليس في علمي ما يؤكد ما جاء في سؤالكم، وفي اعتقادي إنها مجرد إشاعات، وبالتالي لا أسمح لنفسي بالخوض في أمور لا أعلمها. إدريس ولد القابلة