حصَاد ومُحصّلة: عرف المغرب خلال الثلاث سنوات أحداثا قد تقع في سائر البلدان، وإنما الاختلاف في شكل التعامل ونوع التدابير المواكبة منها أو البعدية تقييما وتقويما ومتابعة وإجراءات استباقية مستقبلا تفاديا لتكرار نفس الأخطاء. فعلى سبيل المثال، لم يتردد السيد رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران في اعتبار حادثة سير "تيشكا" فاجعة تستوجب استقالة المسؤولين في الدول الديمقراطية، كما لم يتردد في اعتبار حادث تسريب بعض مواد امتحان الباكالوريا فضيحة ترقى للخيانة العظمى للوطن. فواجع وفضائح مجلجلة تقتضي تحديد المسؤوليات تفعيلا لمبدأ ما زال شعارا تُمنّى به النفوس "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، غير أن قراءاتٍ وتحاليلَ تسابق الزمن لتحويل مجرى النقاش تلتمس الأعذار للحاكمين الفعليين ولا تتورع في اتهام ذوي الصلاحيات الشكلية أفرادا كانوا أو مؤسسات؛ والغريب العجيب أن تربط هذه التحاليل المتدثرة بلبوس الأكاديمية بين تظاهر فتاتي "فيمن" في باحة صومعة حسان وبين الزيارة الملكية لبلدان إفريقية للتدليل والبرهنة على أن المغرب مستهدف محسود على نموذجه الإصلاحي. نقف عند قضيتين دالتين متقاربتين زمانا نستقصي معالم التآمر على النموذج المغربي فيما يسمى: "الإصلاح في ظل الاستقرار": 1. مهرجان موازين في نسخته 14: لست أدري، لماذا يصر القائمون على المهرجان على التأريخ من خلاله لما يسمى "العهد الجديد"؟ وهل ارتقى هذا المهرجان لدرجة "السيادي"، بحيث أن إلغاءه لا قدر الله قد يخدش في مصداقية النظام وينِمّ عن شكل من الرضوخ والانصياع لمطلب فئات واسعة من الشعب؟ وكيف يمكن تفسير مضاعفة جرعة التجرؤ على منظومة قيم المجتمع وبشكل مُطّرد؟ وهل المنظمون للمهرجان المثير للجدل لا يستحضرون تداعيات الرعاية الملكية على "الشرعية" الدينية للنظام؟ بداية، وجب التنبيه إلى النجاح في تقزيم فضيحة السهرة الافتتاحية للدورة 14 واختزالها في نقل القناة الثانية لهذه السهرة المعلومة؛ بمفهوم المخالفة، المشكلة في نقل السهرة عبر الإعلام العمومي وليس في الاختيارات "الفنية" المستفزة لمشاعر فئات واسعة من المغاربة، وعليه سارعت قيادات من الحزب القائد للائتلاف الحكومي مطالبة باستقالة وزير الاتصال، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، مثلما حذرت أخرى من عدم الزج بمؤسسة "إمارة المؤمنين" في هذه النازلة داعية لكشف الجهات المُغرضة والمتآمرة على النموذج المغربي أمنا روحيا وتعايشا وسلما مجتمعيين واستقرارا عاما. حرج كبير وقع فيه المنافحون عن "الشرعية" الدينية للنظام، فلم يجدوا غير الهروب إلى الأمام سبيلا، معلنين أن الرعاية الملكية للمهرجان لا تعني التوقيع على بياض للقائمين عليه، وأن "إمارة المؤمنين" أكبر من الزج بها في هكذا قضايا. السؤال: ما هي الإجراءات التي اتخذت في حق هؤلاء المتلاعبين ب"الثقة الملكية" الخادشين في مصداقية "إمارة المؤمنين"؟ وما الذي حال دون غضبة ملكية كما حدث في نازلة "السطل والكراطة" بدعوى المس بسمعة المغرب وصورته في الخارج؛ الخارج وغضبه الذي أجبر "أصحاب الوقت" على التعامل بكرم حاتمي مع الفتاتين المثليتين المتظاهرتين بفضاء صومعة حسان برمزيته الدينية والتاريخية مكتفين بترحيلهما من المغرب. ترى، لو تعلق الأمر بمغربيتين، كيف سيكون تعامل السلطات؟ وإذا تم التسليم بوجود مؤامرة على التجربة المغربية في الإصلاح، وإذا استحضرنا موقع القائمين على المهرجان في دواليب النظام وقربهم من مراكز اتخاذ القرار، فمن سيكون إذن هؤلاء المتربصون المحتملون بالمصالح العليا للبلاد الساعون لتشويه صورة المغرب في الخارج؟ أليس المحيط الملكي هو القائم المباشر على المهرجان؟ أليست علاقتهم مع الملك بحكم الزمالة الدراسية هي أهم عوامل الاستقواء، فلا تملك مؤسسات الدولة الأمنية والإعلامية والاقتصادية إلا الرضوخ والاستسلام؟ وإلا ما تفسير تسخير إمكانيات الدولة لضمان نجاح المهرجان؟ بل إن الرهان، كل الرهان ينصب على تسويق صورة "مشرقة" عن مغرب الأنوار والثقافات في "عهده الجديد"؟ فعلى أي تآمر واستهداف تتهافت هذه التحليلات؟ 2. تسريب امتحان الباكالوريا: غير بعيد زمانا عن مهرجان موازين، جاءت فضيحة أخرى ومن عيار ثقيل ستكون لها تداعيات على سمعة المغرب ومصداقية شواهده العلمية: تسريب بعض مواد امتحان الباكالوريا، وليس مادة الرياضيات فقط. وبنفس العقلية نظرية المؤامرة دُبرت النازلة على الرغم مما يواكب امتحان الباكالوريا إعدادا وطبعا وتوزيعا من إجراءات أمنية غاية في التعقيد. وحيث إن امتحان الباكالوريا دون غيره من الامتحانات والشواهد يحظى بقيمة رمزية في سائر البلدان، فقد يضاهي قيمة ونزاهة الانتخابات الرئاسية أو التشريعية، لأنها تختزل مسار عمر دراسي وجهود سنوات مُضنية تكلف الأسر الكثير على المستويين المعنوي والمادي؛ وحيث إن المخطط الاستراتيجي الجديد (2015، 2030) لإصلاح المنظومة التعليمية لم يجف مداده بعد، والذي تعتبر الحكامة إحدى دعاماته، كيف يمكن تفسير اختراق طوق الإجراءات الأمنية المعتمدة؟ هل المستهدف هو رأس وزير تكنوقراط أم حكومة هي عمليا أشبه بالتكنوقراطية ما دامت زهدت في برنامجها وقبلت تنفيذ توجيهات ومبادرات ملكية يصب خراج نجاحها في رصيد المؤسسة الملكية، في حين تدفع الحكومة ثمن إخفاقات المبادرات من رصيدها السياسي؟ وإذا كان تسريب الامتحانات عموما حدثا واردا في سائر البلدان، فما هي التدابير التي اتخذت لمنع التسريب أو تطويقه حالة حدوثه؟ وما مستوى التنسيق بين مختلف مؤسسات الدولة وأجهزتها لضمان تمرير امتحان تؤشر سلامته على مصداقية الدولة ككل، وليس الوزارة الوصية فقط؟ لقد أعلنت الوزارة الوصية حربا شرسة على ظاهرة الغش بواسطة أساليب تكنولوجية متطورة، مستعينة بجهاز رصد الوسائط وتعميمه على مراكز الامتحان، واكبه مع الأسف تهاون واستهتار كبيران في واجهتين: عدم إحداث خلية مراقبة على مستوى الوزارة والأكاديميات لمراقبة كل من شأنه أن يخدش في نزاهة تمرير الامتحان، ومن ذلك نشر نماذج امتحانات سابقة تشوش على نفسية الممتحنين وتشتت تركيزهم، فكيف إذا سربت الامتحانات المقررة؟ غياب التنسيق بين الأجهزة المختلفة للدولة، وتحديدا جهاز مكافحة الجريمة الالكترونية لرصد ما يتناقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي في حينه، فما الذي شغل عيون الرقابة والرصد التي لا تنام، وامتحان مادة الرياضيات يسبح في فضاء المملكة "السعيدة"؟ كيف تنوقل الامتحان في شبكات التواصل دون أن يُرصد من طرف الجهات المسؤولة؟ وكيف يمكن تفسير تلكؤ الوزارة الوصية في الإقرار بالتسريب؟ هل يعقل أن تكون خارج التغطية وآخر من يعلم، أم أن قرارا من هذا العيار لا يدخل في صلاحيات الحكومة، وبالأحرى الوزارة الوصية، وبالتالي وجب انتظار عرض النازلة على الحاكمين الفعليين، وقد يكون لهذه الإحاطة/ العرض طقوس وبرتوكولات لا يعرفها إلا المُقربون من مراكز القرار؟ مربط الفرس: إن النازلتين تعيد نقاش الإصلاح إلى نقطة الصفر، وتطرح سؤال الصلاحيات المخولة عمليا وليس دستوريا للمسؤولين والمؤسسات، وهذا بدوره يحيل على حقيقة ما يرفع ويسوق من شعارات الإصلاح الذي جعل المغرب محسودا ونموذجه في الاستقرار والتنمية مستهدفا. فعلى أي إصلاح يتحدث الخطاب الرسمي وتتهافت التحليلات؟ ألم يردد السيد رئيس الحكومة في أكثر من مناسبة أنه مجرد موظف في الدولة، ويؤكد أن الحاكم الفعلي هو الملك؟ وإذا كانت هناك نية حقيقية للإصلاح تدعمها المؤسسة الملكية، فمن تكون هذه الجهات المعرقلة لمسلسل الإصلاح؟ وإذا كان الملك يدعم الإصلاح، فمن أين تستمد هذه الجهات/ التماسيح والعفاريت بتعبير رئيس الحكومة قوتها ونفوذها لتعرقل إصلاحا يقوده الملك؟ أسئلة، وبحكم توالي النوازل والفضائح غدت تفرض أجوبة قبل الأوان واستشراء حالة من اليأس والإحباط وفقدان الثقة في مصداقية الدولة ومؤسساتها. أما الحديث عن تشويه صورة المغرب، فلا تعدو مادة للاستهلاك الإعلامي وتبرير قرارات من قبيل إعفاء ثنائي العدالة والتنمية في الحكومة بدعوى أن زواجهما يخدش في النموذج التي اختاره المغرب من خلال مدونة الأسرة: تعدد الزوجات تحديدا. وعطفا على ما سبق، وحيث إن رئيس الحكومة حسب تصريحه وإقراره المتكرر مجرد موظف في الدولة، وبالتالي لا يد له فيما يُستجد من قضايا، فهو مطالب بأن يناضل في ظل الاستقرار والاستمرار من أجل ممارسة صلاحياته كاملة أو يضع المفاتيح ويعلن استقالته. وختاما، كيف يمكن تفسير أن أغلب الأحداث إن لم تكن جميعها المحرجة للحكومة والتي زلزلت المشهد السياسي في عهد حكومة السيد بن كيران، بدءا من السجال السياسوي الذي انتهى بانسحاب حزب الاستقلال من الحكومة ومرورا بفيضانات كلميم وانتهاءً بتسريب امتحان الباكالوريا وقعت والملك خارج البلاد؟ هل الأمر مجرد موافقة؟