بقلم لحسن أمقران – أنمراي-(*) تنجداد. 1- تدريس الامازيغية بين الامس و اليوم يعتبر ظهير 16 ماي 1930 مؤشرا على كون الأمازيغية كانت تدرس في المغرب إبان مرحلة الحماية، فقد اهتم المستعمر الفرنسي بضرورة تدريس الأمازيغية في المغرب ليسهل التواصل مع أفراد المجتمع الأمازيغي الذي كان يستأثر بحصة الاسد من الخريطة اللغوية للمغرب، ويحيل هذا على أن اللغة العربية كانت لغة سائرة في المدن والسهول، بينما كانت الأمازيغية منتشرة في الجبال في المقابل، نتيجة كون الأمازيغ طوال تاريخهم مقاومين أشداء وأناسا مضطهدين يلتجئون إلى الجبال للاحتماء . بعد الاستقلال، تبنت الدولة مبدأ التعريب في التعليم المغربي و كان من المستحيل آنذاك الحديث عن تدريس الامازيغية خصوصا أن موقف الجهات الوصية على الحكم كان واضحا في هذا الباب، حيث تأسست سياسة الدولة على العروبة والاسلام. لكن و تحت ضغط احتجاجات الفاعليات الامازيغية والمذكرات الحزبية والجمعوية في العقود الأخيرة من القرن العشرين والتي كانت تنادي بإدماج الأمازيغية في المنظومة التعليمية، ارتأى الملك الحسن الثاني أن يعترف بأهمية اللغة الأمازيغية وضرورة تدرسيها في المدرسة المغربية باعتبارها مكونا حقيقيا وجوهريا للهوية والحضارة المغربية وذلك في خطاب 20 غشت 1994 في ظل ظروف حساسة جدا . بالنظر الى تغييب الفاعل الامازيغي بصفة نهائية في أشغال اللجنة المكلفة باعداد الميثاق الوطني للتربية والتكوين، لم يول هذا الاخير أية أهمية لموضوع الامازيغية، خاصة أن الاطراف المشاركة والمكونة أساسا من ممثلين حزبيين و نقابيين عبرت عن أقصى ما يمكن أن تتقبله الايديولوجية المتحكمة ذات المرجعية الاحادية، حيث "سمحت" المادة 115 من الميثاق المذكور للسلطات التربوية الجهوية باختيار "استعمال الامازيغية أو أي لهجة محلية للاستئناس و تسهيل الشروع في تعلم اللغة الرسمية" في التعليم الاولي و في السلك الاول ن التعليم الابتدائي (1). لقد كانت هذه المادة كافية لاثارة تحفظ و نقد قوي لهذا الميثاق من جانب الفاعلين الامازيغ،الذين كانوا يطمحون الى تدريس الامازيغية كمادة قائمة بذاتها. و في سياق تاريخي تميز بمطالب مدنية كبيرة، سرع هذا الموقف المنتقد للميثاق و الزوبعة التي أثارها، سرع وتيرة الاستجابة الرسمية لتعليم الامازيغية، حيث أن خطاب أجدير و تأسيس المعهد سمحا للمصالح التربوية بالاشتغال على منهاج للغة الامازيغية بدء من تاريخ 08 يونيو 2002، فتشكل فريق ذو تجربة في اللغة و الثقافة الامازيغية مكون من أطر تربوية و أكاديمية، وأثمرت جهود هؤلاء منهاجا باركه و تبناه المعهد الملكي بعدما تجاوزت مرجعيته المادة 115 من الميثاق المذكور و استندت الى خطاب أجدير و الظهير المحدث للمعهد و كذلك ما راكمه العمل الثقافي الامازيغي. بناء عليه، اصدرت وثائق تنظيمية مرجعية أفضى اليها التنسيق بين وزارة التربية الوطنية والمعهد الملكي للثقافة الامازيغية الذي ينص عليه ظهيره المنشئ والمنظم حيث نجد اتفاقية شراكة وقعت بين الطرفين بتاريخ 26 يونيو 2003 تحدد الاطار القانوني للشراكة ومهام ومسؤوليات الطرفين ثم التزاماتهما، كما تنص على التنسيق والتعاون في اعداد البرامج السنوية والبرامج الممتدة عبر عدة سنوات قصد ادراج اللغة الامازيغية في المنظومة التعليمية ثم انجاز الابحاث والدراسات حول تدريس هذه اللغة وكذا توفير الدعائم الديداكتيكية والبرامج والكتب. الى جانب هذه الاتفاقية الاطار، نجد منهاج اللغة الامازيغية في التعليم، والذي يعتبر فريدا من حيث وضعه لتصور عن كيفية ادراج الامازيغية في الفصل الدراسي، كما أنه كان بمثابة تحول نوعي بنيت عليه الوثائق الادارية والكتب المدرسية وكذا الحوامل البيداغوجية والادوات الديداكتيكية وغيرها من منجزات فرق من الخبراء و الباحثين من الميدان.المنهاج اذا وثيقة مؤطرة لعملية تعليم الامازيغية وضعت مجموعة من الاختيارات و التوجهات يمكن اجمالها فيما يلي: أ- الزامية تدريس الامازيغية لجميع التلاميذ المغاربة واخضاعها للتقويم ترسيخا للهوية الحضارية والاعتزاز بالتعدد وتقوية للتلاحم الاجتماعي. ب- تعميم الامازيغية على كافة المستويات التعليمية من الاولي الى الباكلوريا على مدى ثلاث ساعات أسبوعيا للتمكن من استكمال التعلمات وتنمية كفاية المتعلمين . ج- معيرة اللغة الامازيغية وتقعيدها عبر التوحيد التدريجي ترسيخا للوحدة الوطنية و تحقيقا للتوازن بين دينامية الجهات وحاجيات التنمية الوطنية الشاملة. د- تدريس الامازيغية بحرف "تيفيناغ" ذي الطابع الخصوصي العريق للغة والثقافة الامازيغية باعتباره الحرف الرسمي وكذلك ليسر وسهولة تعلمه واستعماله. ه- ضمان توفير الموارد البشرية لتدريس اللغة الامازيغية عبر احداث شعب بالتعليم العالي في الجامعة المغربية وفتح تخصصات في مراكز تكوين الاساتذة. و- ربط تدريس اللغة بالثقافة والادب والفنون عبر ادراج هذه العناصر وفق منظور تكاملي بين المكونات مع مراجعة المضامين الدراسية لخلق التوازن وترسيخ قيم المواطنة وحقوق الانسان. أما بخصوص الاهداف والغايات الكبرى لتعليم الامازيغية فتتجلى في تقوية الوعي بالذات المغربية ومقومات الشخصية الوطنية قصد تنمية ملكات الابداع والخروج من التبعية الفكرية وترسيخ روح المواطنة المغربية ثم تمكين المتعلمين من الالمام بالبعد الامازيغي للثقافة والحضارة المغربيتين، وأخيرا تمكين هاتين الاخيرتين من لعب دورهما كاملا في التنمية المحلية و الوطنية. كما نجد مذكرات وزارية في هذا الشأن من قبيل المذكرات 108،90،130،133 و116 أصدرتها مصالح وزارة التربية الوطنية والتي تؤكد جميعها على الخطوات المنهجية الضرورية لانجاح تدريس اللغة الامازيغية وتعميمها أفقيا وعموديا في التعليم، وكذا تكوين المكونين وتدبير استعمالات الزمن. 2- معيقات تدريس اللغة الامازيغية بعد عقود من الحظر اذا، سيعترف المغرب رسميا بتدريس الأمازيغية مع الخطاب الملكي السامي الذي قدمه العاهل المغربي محمد السادس ب"أجدير"، ليعقبه الانطلاق "الفعلي" لتدريس الأمازيغية مع الموسم الدراسي 2003- 2004 . ان المنظور المتعصب والمفروض بأساليب الإرهاب الفكري، منذ السنوات الأولى للاستقلال، يقف بالمرصاد لكل محاولة للإصلاح تهدف الى دمقرطة التعليم وتحديثه. فما أن انطلقت مبادرة تدريس الأمازيغية و ادراجها في المنظومة التعليمية حتى تحولت إلى عملية عبثية يطبعها الاستخفاف والارتجالية على مستويات مختلفة من المسؤولية. بل إن الكثير من المسؤولين لم يخفوا تحفظهم من قرار الادراج هذا معتبرين تدريس الامازيغية "مضيعة" للوقت. تم الانطلاق "الفعلي" اذا لتدريس الأمازيغية لكن هذه الانطلاقة سرعان ما باءت بالفشل لعدة أسباب سنحاول الوقوف على أهمها. في البداية نتلمس بوضوح تقاعس المسؤولين عن وضع استراتيجية وطنية تحدد الحاجيات التي يتطلبها ادماج الامازيغية و ثقافتها في المنظومة التربوية، وبالتالي تطهير البرامج الدراسية من بعض الاقاويل التي تمس الشخصية الامازيغية، ثم رصد السبل القانونية والتربوية والحاجيات البشرية والمادية التي يتطلبها انجاح المشروع. و من الاخطاء الكبرى التي أدت الى محدودية نجاح تدريس الامازيغية تقاعس الوزارة الكبير عندما جعلت تدريس المادة اختياريا وتجريبيا في المدارس الابتدائية المغربية، وضع جعل الأساتذة لاسباب ذاتية وموضوعية، يرفضون تدريسها. فلا يعقل أن تناط مسؤولية تدريس هذه المادة الى المدرسين ممن لا يعرفون اللغة الأمازيغية، خصوصا أنهم لم يتلقوا تدريبا في هذا الشأن ولا تأهيلا أكاديميا يخول لهم تدريسها، باسثناء أيام قلائل لا تكفي ولو لحفظ الابجدية الامازيغية. وكل هذا ينطبق كذلك على المفتشين والمكونين على حد سواء والذين لا تتجاوز معرفتهم بالامازيغية حدود التحدث اليومي في أحسن الاحوال. اضافة الى كل هذا، نجد أن عملية تدريس الأمازيغية لم يصاحبها تأطير إيجابي وفعال من جانب المفتشين والأساتذة نظرا لقلة ان لم نقل انعدام الندوات والورشات التكوينية الجيدة والجادة، والتي لا تتعدى مستويات بعينها، ولمدد قصيرة جدا مع تسجيل الارتجال في التكوين وضعف الدراية والتمكن لدى المؤطرين خاصة أن التكوين الذي خضعوا له بدورهم لا يكفي لتأطير مثل هذه اللقاءات التربوية. ومن جهة أخرى، يركز المكونون الذين نفضل تسميهم بالمشرفين على التكوين، على المقاربة اللغوية أو اللسانية وتعليم حروف "تيفيناغ" دون أن تكون هناك مقاربة شمولية تتناول اللغة الأمازيغية في جانبها الحضاري والثقافي والتاريخي. ومما يقف حجر عثرة أمام نجاح تدريس الامازيغية كذلك، ضعف الاقتناع لدى المصالح العليا للوزارة وصولا الى الأساتذة والمؤطرين وأولياء الأمور بأهمية اللغة الأمازيغية، خاصة في ظل الجهل بإرثها الحضاري والعلمي والأدبي والفني والثقافي. وضمن المشاكل التي تعترض تدريس الامازيغية غياب الفهم الحقيقي لمحتوى الكتب المدرسية عند اساتذة الامازيغية، اضافة الى وجود أخطاء كثيرة في الكتب المدرسية . كما ان الكتب الصادرة عن المعهد اعتمدت الكم في غياب الكيف، علاوة على غياب الحوار العلمي بين المعهد من جهة والمتخصصين من جهة اخرى . ومن العراقيل الاساسية، نجد مسألة الخصاص في الأطر، وحتى حينما يتم تكوين أطر من قبل المعهد، فإن الحركة الإنتقالية كثيرا ما تعيق استمرار تدريس الأمازيغية في هذه المدرسة أو تلك، حيث أن انتقال إطار تربوي مكون في اللغة الأمازيغية إلى مؤسسة أخرى دون تعويضه، يؤدي إلى توقف تدريس الأمازيغية في المؤسسة، مما يعيق مخطط إنجاح الإدماج في المنظومة التعليمية. هذا ونشير الى أن عدم إدراج كل الأكاديميات للأمازيغية في المنظومة التربوية راجع بالأساس إلى الإكراه البشري، وضعف التأطير.و يمكن اضافة كون المدرسين يشتكون من صعوبة المصطلحات الواردة في المراجع التربوية الأمازيغية بسبب ضعف التمكن من القاموس الامازيغي وأبجدية تيفناغ، إضافة إلى عدم التوصل بالمراجع في الوقت المناسب. كما أن الآباء والاولياء ونتيجة لعقود من التجاهل والتنكر لم يعيروا الامر أي اهتمام لأنهم لم يتخلصوا بعد من "مركب النقص" الذي أنتجته سنوات الحظر، لنسمع عن كون الامازيغية "لهجات" متفرقة لا تواكب المشروع التربوي رغم أن المعهد اختار اللغة المعيارية لتوحيد الألسن الأمازيغية التي لا يتعدى اختلافها الظاهري الجانب الصوتي. المعهد الملكي بدوره لم يحقق ما كان منتظرا منه في التعريف بالحضارة الأمازيغية الثرية، والتفكير في دعم جمعيات اكاديمية أمازيغية تهتم بالبحث العلمي والتربوي الخاص بالأمازيغية، كما أن دوره في إحداث شعب ومسالك تختص بتدريس اللغة الأمازيغية وحضارتها بطريقة علمية وأكاديمية بالجامعة المغربية محدود جدا في ظل غياب التتبع والتقييم الموضوعي والمنتظم للعملية. ان المعهد مدعو الى الانخراط بشكل فعلي وفعال لانجاح المشروع الطموح بدل الاعتماد الكلي تقريبا على وزارة التربية الوطنية التي أثقلت كاهلها عدة مشاكل متشعبة ومركبة تجعل من فشل تدريس الامازيغية حلقة أخرى من مسلسل مألوف عاجز عن تحقيق الأهداف والغايات الكبرى رغم الشعارات الرنانة . كما نجد على مستوى الممارسة الميدانية إحساس المدرسين بالتردد والمزاجية كلما تعلق الامر بالأمازيغية؛ وذلك بالنظر الى انعدام الوسائل الديداكتيكية، وعدم استفادتهم من تدريب كاف في مجال التلقين والتدريس، وعدم اقتناع أغلبيتهم بجدوى تدريس هذه اللغة، مما أفضى الى تراجع الرغبة في الإقبال عليها أو الدفاع عن تدريسها أو العمل على تفعيلها ميدانيا وثقافيا أو المساهمة في ورشها عبر الندوات والمحاضرات. لنقل وبكل صراحة أن الأمور التربوية اختلطت بالقضايا السياسية، حتى أصبح تدريس الأمازيغية فعلا قد يثير تشكيكا ب"عنصرية" و"عصبية" الاستاذ. يسجل المرء رداءة الواقع التربوي والتعليمي عموما و تدريس اللغة الأمازيغية على وجه الخصوص، وانعدام الجودة الكمية والكيفية على المستوى الديداكتيكي والبيداغوجي لعدم توفر رغبة سياسية بالدرجة الاولى ثم عدم وجود سياسة تربوية سليمة يضعها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بتنسيق مع وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر من أجل البحث عن الطرائق الكفيلة والسبل الناجعة لانجاح تدريس الأمازيغية وفي ظروف تحفظ لهذه اللغة قيمتها و تاريخها وبمناهج حديثة وجيدة للمدرسة المغربية. ملاحظة: سنعرض في المقال القادم لمنظورنا حول كيفية انقاذ تدريس اللغة الامازيغية. هامش: 1- المادة 115 من الميثاق الوطني للتربية و التكوين