إن التحدث عن مدى تدعيم الاستقرار الثقافي ، وتحقيق النهضة الترثية من أنماط وعادات حضارية منتقلة من الأجيال السابقة، لمسايرة طموحات العنصر البشري في هذا الإقليم خاصة وفي المغرب عامة لجدير بالاهتمام ، لكن المعركة من إيجاد أرضية خصبة وصالحة لاستمرار كل بادرة مازالت تصطدم بقلة الإمكانيات المادية والبشرية الشيء الذي ساهم في تجدير مخلفات الانغلاق المقيت ، وفي زاوية منبوذة تسطو فيها خيوط الجمود التي تكاد تخنق أنفاس الحمية في هذا الميدان الذي يستحق العناية الكاملة لإيقاظ روح الاهتمام لدى الباحثين ، إيمانا بحتمية تدعيم الأسس الثقافية بكل أنواعها قصد الخروج بها من بوتقة الانعزال . ولا يتأتى ذلك إلا إذا لاحت في الأفق بوادر تحمل كل معاني السعي الجاد من لدن المسئولين لإنقاذ الممتلكات الثقافية المنقولة والعقارية المادية وغير المادية الداخلة في التراث الفني والاينوغرافي والثقافي في الإقليم ، والقيام على الخصوص بالتعهد بالمجدات الأساسية كالمباني والمناظر والمواقع والمجموعات الفلكلورية دون إغفال المخطوطات التي تزخر بها الزوايا المنبتة في كل أرجاء الإقليم ، أو بالأحرى صيانة الأشياء الفنية والمواقع الأثرية والمعالم التاريخية – سور موسى بن نصير بمدينة دمنات وهو من أقدم الأسوار التاريخية بالمملكة – وإبراز قيمتها وتطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بحمايتها. إن الاهتمام بهذه الألوان الثراتية ليعتبر في حد ذاته سياجا متينا لحماية المجتمع وخزانا أمينا لثقافته ذلك أن الثقافة في هذه المنطقة قد أصابها في السنين العجاف ، والعمل على إحيائها تعبير على شعور مسئول في مفهومه الشامل الذي لا يقبل التجزئة ، لأن التراث عنصر في النهضة التنموية والحفاظ عليه حفاظ على الشخصية المغربية في مختلف المظاهر المكونة لحضارة أمتنا التي لا تقبل الانغلاق على القديم ولا الانفتاح اللاواعي على الجديد، بل القديم المتجدد ، لأننا أصحاب حضارات تتسم بخاصية الاستمرار وقدرة التطوير. وكيف لا ؟ والأمم المستحدثة تخلق لنفسها ماضيا وتصنع لذاتها جذورا حتى تتقوى على عصف الأحداث ، لأن الإنسان فيها يتيم معنويا فقير حضاريا تتلاطمه أمواج يم مظلم على متن سفائن عتيقة ومنحورة. وإن تنقية التراث ومعرفته تأكيد للثقة بالنفس وتشخيص لآمالها وأحلامها، وركيزة لطموحات حاضرها وانطلاق نحو المستقبل في تبات واعتزاز وتحدي، وصانع للبطولات والانتصارات ، واستمرار سيولوجيا وسيكولوجيا لحمايتنا من صروف الحياة . ذلكم دأب شعب يعتز بثراته وبكل مت يقوي ثقته بالنفس لينطلق في ثبات اليقين نحو مستقبل زاهر محفوفا بالاستلهام والخلق والطموح والاعتزاز بالأصالة، ذلك لأن قضية التراث من أولى الأولويات التي بدونها لا يستقيم شيء ولا تطرد مسيرة، ولاستمرارية المسيرة التنموية ينبغي : -- إحداث لجان لجرد التراث الثقافي بالإقليم. -- إحداث دور للثقافة ومندوبية إقليمية التوجيهات والمقررات الوزارية في ميدان الثقافة. -- العمل على تنقية وتسفير المخطوطات البالغة الأهمية في الزوايا والأضرحة المنبتة في أرجاء الإقليم. -- إحداث خزانات وقاعات للمطالعة ومكتبات متنقلة لتنمية المطالعة على المستوى العمومي. -- تنظيم ملتقيات ومهرجانات ذات الصبغة الثقافية . -- إحداث مسارح تقوم بكل الأعمال المسرحية التي تساعد على ازدهار المسرح وتطوره على مختلف أشكاله . -- إيلاء الموهبة الثقافية بالإقليم لضمان أصالتها والحفاظ على هويتها عناية شاملة . وأيا كان من أمر فإن القيام بمعرفة التراث تأكيد للثقة بالنفس وخلق للبطولات التي لا تنشأ من فراغ وتشخيص لآمال الشعب وتحصين لركائز الحاضر . حينذاك نكون قد وافينا الأمانة حقها . وإلا : (فما قيمة المغاربة إذا لم يكونوا مبدعين ، فالمسئولية مسئولية جماعية والحمل حمل جماعي والأمل أمل الجميع.)من خطاب الملك الراحل في نوفمبر 1979.