مقدمة: فبناء على كون المخطوطات جزءا من التراث الثقافي الذي ترك بصماته البارزة على الحياة في المجتمع العربي والإسلامي منذ فجر الدعوة الإسلامية إلى الوقت الحاضر من خلال ما أحدثه في حياة المجتمع المسلم من آثار إيجابية متنوعة تتجلى واضحا في المعاهدات الدولية والتشريعات الوطنية حيث أنه بإحيائه تحيى الأمة وبإهماله يسودها التخلف؛ واعتقادا منا بالدور الفعال الذي تلعبه تلك المخطوطات في الحفاظ على ذاكرة الأمة، رأينا أن نغتنم هذه الفرصة الثمينة للمساهمة في تسليط الضوء بصورة وجيزة على هذا التراث الثقافي بعنوان: "المخطوطات العربية في غرب إفريقيا وحمايتها القانونية:النيجر نموذجا" للدلالة على أهمية هذا الكنز العظيم ومساهمة ولو بجهد متواضع في إحياء جزء من التراث الثقافي المخطوط الذي تعج به العديد من البلدان في غرب إفريقيا وخصوصا جمهورية النيجر. وقد قسمنا الموضوع إلى مقدمة وفقرات وخاتمة. تاريخ المخطوطات في النيجر والأمر الذي يستحق الإشارة إليه قبل الشروع في التقديم هو أن أول من بادر باقتناء وجمع المخطوطات العربية في جمهورية النيجر هو السيد بُوبُو هَمَا ، رئيس المجلس الوطني النيجري في عام 1974م. فقد جاءته هذه الفكرة عند قيامه بأعمال البحث العلمي في التاريخ وعلم الاجتماع والآداب وغيره حيث رأى ضرورة الاعتماد على التراث المخطوط والتراث الشفهي لمعرفة تاريخ الشعوب التي تسكن في حوض نهر النيجر. لقد استطاع إقناع شركات محلية والبنك الوطني النيجري لتقديم دعم مادي له في حملته الهادفة إلى جمع قدر كبير من المخطوطات الموجودة في مكتبات خاصة والأفراد عن طريق الشراء أو والإهداء أو الاستنساخ أو التصوير من داخل النيجر والدول المجاورة، مثل شمال جمهورية مالي ونيجيريا وبوركينا فاسو وموريتانيا وغيرها. مراكزها ومن الجدير بالذكر أن النيجر بلد معروف بثروته التراثية وخاصة ذلك المكتوب بالعربية نظرا لدخول الإسلام فيه في وقت مبكر من تاريخه ونتج عن ذلك ميلاد الثقافة الجديدة وهو الموروث الثقافي الضخم الذي تركه جهابذة العلماء في مختلف المعارف البشرية. وفيما يخص مراكز التي تحتضن المخطوطات في النيجر، يمكن تقسيمها إلى مراكز حكومية ومكتبات خاصة. وبالنسبة لمراكز خاصة، نشير هنا إلى قسم المخطوطات العربية والعجمية التابع لمعهد الأبحاث والعلوم الإنسانية التابع لجامعة عبدو موموني بالنيجر. وهو المركز الحكومي الوحيد الذي يعني بإحياء التراث الثقافي المخطوط.ويقدرعدد المخطوطات فيه بحوالي4.500مخطوط مختلف الأحجام والصفحات والمواضيع؛ تم فهرستها في عام 2005-2008م بدعم من مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي الموجودة بلندن في 8 مجلدات تحت عنوان" فهرس المخطوطات الإسلامية الموجودة بمعهد الأبحاث في العلوم الإنسانية- النيجر". وفي إطار الميزانية المخصصة سنويا لجامعة نيامي، يستفيد القسم بجزء منها لمواصلة اقتناء مخطوطات موجودة في أيدي الأفراد ومساعدة أصحاب مكتبات خاصة للحفاظ على هذه الكنوز وتكوينهم حول طرق الحماية وترميم مخطوطاتهم وإعداد الفهارس لها.ومع ذلك فإن نقص موارد مالية يقلل بدرجة كبيرة من أهداف القسم المتمثلة في حفظ واقتناء وتعزيز المخطوطات الأصلية داخل النيجر. وقد لعبت منظمة " يونسكو" من جانبها دورا هاما في الحفاظ على المخطوطات في النيجر عن طريق بناء المخزن الذي يأوي المخطوطات وبالإضافة إلى ذلك فإن مكتب جمعية الدعوة الإسلامية العالمية بالنيجر ساهم في إحياء هذا التراث عن طريق اتساع مخزن المخطوطات وتزويده بأحدث الأجهزة للتصوير الرقمي.وتتناول هذه المخطوطات علوم كثيرة منها: التفسير وعلم الأسرار والفلك والتاريخ والسيرة النبوية الشريفة والرحلات واللغة والأدب والتصوف والفلسفة والطب المحلي وعلم الرمل والآفاق" وحل النزاعات"(1) وغيرها؛ والمعروف أن تاريخ تأليف هذه المخطوطات يعود إلى أزمنة مختلفة ؛وأما من حيث الكتابة فإن معظم المخطوطات مكتوبة على الجلد والخطوط السائدة هي الخط المغربي والسوداني. ونميز نوعين من المخطوطات في القسم: مخطوطات عربية وأخرى مكتوبة بالحرف العربي في اللغات المحلية النيجرية والتي يطلق عليها اسم " مخطوطات عجمية". أما المكتبات الخاصة التي تأوي مخطوطات فهي ملك للأفراد . ونذكر على سبيل المثال لا الحصر مكتبة مخطوطات مدينة أبلغ الواقعة في منطقة طَاوَى بمحافظة أبلغ في شمال النيجر؛ ويتوفر فيها مخطوطات كثيرة تناولت مواضيع شتى. كما يوجد مكتبة خاصة في مدينة " سِنْدَرْ" في منطقة تِيلَابِيرِي لصاحبها الحاج يوسف عمر(2) والتي تضم أكثر من 500 مخطوطة نادرة ووثائق تاريخية هامة ؛ وتوقفنا على مكتبة " تَبَلَكْ " في بلدية" تاغَازَارْ" تحتوي على عدد لا يستهان به من مخطوطات لكن الكمية الكبيرة منها في حالة التلف نتيجة لسوء التخزين. وعموما فإن مكتبات موجودة في جميع أنحاء البلد مثل منطقة آهير و مدينة ساي التاريخية ومدينة كَاوَارْ (3)وكُلُومْفَارْدُو ومدينة كِيُوتَا مَيَّاكِي في محافظة " دُوسُو" ومسجد أَسُودِي بمدينة أغدز وغيرها.وتعتبر هذه المخطوطات لإفريقيا جنوب الصحراء بصفة عامة كقاعدة بيانية ومصدرا لا ينضب في المجال الديني والتاريخي والثقافي والاجتماعي. المخطوطات في فترة الاستعمار وقد حاولت الإدارة الاستعمارية الفرنسية في إفريقيا الغربية وخاصة في النيجر "فرض سيطرتها على حركة العلماء عند دخولها في تلك البلدان"(4).والمعروف أن الاستعمار الفرنسي في إفريقيا الغربية بصفة عامة وفي النيجر بصفة خاصة استمر عقودا طويلة مارس من خلالها الحكم المباشر الأمر الذي كان له آثار بعيدة المدى على مختلف ميادين الحياة ؛ كما عمدت الإدارة الاستعمارية استعمال لغتها كأداة التواصل بين القبائل الموجودة في البلد ودعم الهوية "والثقافات المحلية على حساب الهوية والثقافية الإسلامية" (5). وقامت برصد ومراقبة تعاليم الإسلام والعلماء وجمع أقصى قدر من المعلومات حول إنتاجاتهم الأدبية والعلمية والسياسية. وفي سنة 1916و 1917م شهدت مدينة أغدز مظاهرة لمقاومة الوجود الأجنبي؛ ومن ثم دارت حروب طويلة بين العلماء والفرنسيين خلال محاولة القوة الاستعمارية قمع حركة التمرد التي قام بها المناضل الكبير الشيخ كَََاوُسَنْ(6) ضد الفرنسيين عليه، فإن رغبة الفرنسيين في قتل العلماء وتدمير المخطوطات لا تزال واضحة حيث وجدت الإدارة الاستعمارية أن المخطوطات أداة اتصال فعّالة في تنسيق ثورة كَََاوُسَنْ بآهير(7). وعلى حسب قول البروفيسور أندري ساليفو " إن قمع العقيد "موران" لمدينة أغدز لا مثيل له حيث" إن كثيرا من كنوز مخطوطة محفوظة في مكاتب خاصة وبيوت علماء أحرقت أو رميت في الشوارع من قبل القوة الاستعمارية"(8). ولا تزال ذكريات هذه الحادثة المؤلمة في نفوس أهل أغدز. وقد وصف السيد بُوبُوهَمَا هذه الحادثة على النحو التالي:" قتل علماء أجلاء في مساجد وصودرت ممتلكاتهم وأحرقت مؤلفاتهم" (9) .و شاركت القوات الفرنسية القادمة من جمهورية مالي في القتال وقصفت القرى التي كانت في طريقها" وحرق البيوت وتهديم المنازل والمساجد وقصر السلطان" (10)." وكانت السلطات الاستعمارية تقتل كل عالم مسلم مما جعل الكتابة التي تدل على أن صاحبها من العلماء أمرا مستحيلا في أغلب الأحيان"11 ولا تزال بعض مخطوطات نيجرية نادرة في المكتبة الوطنية بباريس في حين أن القسم يحتفظ ببعض مصوراتها على الميكروفيلم. الإطار القانوني والمؤسسي لحماية المخطوطات إن حماية التراث العربي المخطوط في إفريقيا الغربية لا يمكن أن تتم إلا بوضع سياسة قانونية تحمي هذا التراث لكي يتسنى له البقاء والخروج من طي النسيان إلى عالم الوجود. وفي هذا الخصوص اتخذ بعض الدول الإفريقية التي تأوي مخطوطات عدة تدابير بغية تعزيزها وحماية تراثها الثقافي. وفي النيجر تم التصديق على القانون رقم 97/022 لسنة المؤرخ في30 يوليو1997م الذي حدد بموجبه تعريف مفهوم التراث الثقافي وسبل حمايته وبيان شروط تطبيقه (10). ويحظر القانون على حائزي المخطوطات إخراجها من جمهورية النيجر إلا لعرض أو لغرض الترميم أو لأسباب أكاديمية. ونعتقد أن اتخاذ هذه التدابير هي خطوة أولى في مجال حماية ممتلكات ثقافية في النيجر بما فيها المخطوطات . كما أن هذا القانون يفرض عقوبات تصل إلى ثمانية ملايين فرنك سيفا والسجن لمدة لا تقل عن سنتين تبعا لطبيعة العمل المرتكب في حق التراث الوطني على كل من يتسبب في خرق تلك القوانين. وفي هذا الإطار صدقت النيجر على اتفاقيات الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة " اليونسكو" الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية. ويتيح الانضمام واحترام هذا المبدأ الفرصة للدول الاستفادة من الدعم التقني والمالي ليونسكو والاتحاد العالمي للطبيعة والمجلس الدولي للمتاحف وغيرها. وفيما يلي بعض اتفاقيات اليونسكو على الممتلكات الثقافية التي اعتمدت دولة النيجر عليها: - اتفاقية لحماية الممتلكات الثقافية أثناء الحرب في "لاهاي" لعام 1954م وبروتوكولاتها الإضافية: البروتوكول الأول لعام 1954م و البروتوكول الثاني لعام 1999م ؛ حيث أوصت على اتخاذ كافات التدابير الدولية والوطنية لحماية المواقع الأثرية والممتلكات الثقافية باعتبارها تراثا إنسانيا. - اتفاقية عام 1970م الخاصة بمنع استيراد وتصدير ونقل الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة؛ - اتفاقية عام 1972م المتعلقة بحماية التراث الثقافي والطبيعي؛ - اتفاقية عام 2003م بشأن صون التراث غير المادي وغيرها. الخاتمة : وفي نهاية هذا العمل المتواضع والذي لا يدعي فيه الباحث الكمال فإنه يكون قد سلط ضوءا على جانب من التراث العربي المخطوط الموجود في إفريقيا الغربية وخصوصا في النيجر وبيان اهتمام الحكومة والأفراد بغية حمايته حتى يتسنى للباحثين وطلبة العلم الاستفادة منه.