إذا قدر لك أن تأخذ زوجتك أو ابنتك أو أختك أو إحدى قريباتك إلى جناح الولادة بالمستشفى الجهوي ببني ملال فستزيد على فرحة المولود الجديد فرحة أخرى بهذا المرفق العمومي الفذ و الفريد . على مدخل هذا الجناح انبسطت مصطبة واسعة لا ترتفع عن الأرض إلا ببضع دريجات ، يسهل على الشيخ و المعاق تسلقها ، و حتى الحامل تصعدها بمنتهى الخفة و الرشاقة . و فوق هذه المصطبة نصبت أرائك مريحة تنسي الجالس ساعات الانتظار و هم آلام المخاض . و فوقها امتدت سقيفة واسعة تحمي رواد هذا الجناح ، فلا شمس تلفح جلودهم و لا أمطار تجلد ظهورهم . و على بعد أمتار عمود اتصالات بلغ أسباب السماء ، لا تشكل موجاته و إشعاعاته أي خطر على المولود الجديد . على باب الجناح وقف شاب مفتول العضلات، بزيه الأزرق السماوي ، و الابتسامة الواسعة تعلو محياه ، لا ينهر و لا يسب ، و لا يقبض درهم رشوة طبعا. ينظم الدخول و الخروج ، و في بعض الأحيان يكتب بخط يده تصاريح الخروج للنفساء ... . و عند مدخل الجناح علقت لوائح المداومة و إحصاءات الولادة و لافتات تدعو للتبليغ عن كل حالة رشوة فور وقوعها . و روائح المستشفيات المميزة يعبقها الصادر و الوارد طيبة عطرة ، أما المراحيض فبيت العود و العنبر و العطور . و في وسط الحائط المقابل للمدخل علق تلفاز للترفيه عن الحوامل و زوارهن ، يبث أساسا برامج التلفزة الأولى التي ستزيد لا محالة من وجع الحوامل و تسرع بذلك عملية الوضع. أسرة النساء ناصعة البياض ، لا أوساخ عليها و لا بقع دم . و لا نمل و لا صراصير تحوم حولها. و بالقرب من كل سرير زر أحمر تضغط عليه الحوامل أو النفساء فتأتي ملائكة الرحمة مسرعات ، بوزراتهن البيضاء و خطواتهن الرشيقة ، ملبيات نداء الواجب و الضمير . لا تذمر و لا تأفف و لا لوم و لاعتاب . كل سيدة تنال حقها من الرعاية ، فكما تساوين في الأنوثة و ألم المخاض يتساوين الآن في المعاملة و العطف . فلا توصية و لا تزكية و لا أنساب و لا أرحام ،و لا رشوة ، فلا حاجة إذن لأن تصر الحامل الأوراق النقدية في منديلها أو تدسها بين صدرها و حمالته. قاعات التوليد متوفرة فلا تصطف النساء منتظرات دورهن للوضع ، و لا تلد النساء أبدا على الأرض . و المولدات لطيفات يأخذن بيد الحامل و يشجعنها بلا غضب أو سب ، و لا يكثرن من حقن التسريع ، و لا يستعملن المصاصات إلا نادرا . أما الطبيب فدائم الحضور للتدخل عند أي تعقيد .... و لا تمشي النفساء أبدا إلى أسرتهن بعد الوضع ، بل يحملن إليها معززات مكرمات ... و المولود الجديد يلف في غطاء جاهز و يوضع في مهد صغير و جميل ، فلا حاجة لأن تحضر الحامل معها قفة ملابس و حفاظات لها و لصغيرها ... لا يعرف روعة هذا المرفق العمومي إلا من زاره و فقد فيه أعز إنسان عليه أو كاد يفقده ... يونس حماد [email protected]