الحياة في قرية سورن لاتختلف عن الحياة البدائية كثيرا فباستثناء الشاحنة التي تطل على القرية بين الفينة والأخرى لتحمل الناس إلى السوق الأسبوعي وتوصل المؤن والأمتعة ،يضطر السكان للإنارة ب\\\"الفتيلة\\\"وقناديل الزيت والشمع ،ويتنقلون على الدواب ،وتحمل نساءهم حزما من الحطب كل يوم لتبعث الدفءفي بيوتهم المتجمدة والمتداعية بسبب تراكم الثلوج عليها .أما منازل سورن الطينية فتكاد تنهار فوق رؤوس قاطنيها بسبب كميات الثلوج التي تتراكم فوقها،وهي بيوت تتسرب منها قطرات الماء على السكان فيضطرون ليلا للاستعانة بقطع من البلاستيك فوق أغطيتهم حتى لاتبلغ قطرات الماء ثيابهم وتبللهم. إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل مدخل المسلك المؤدي لسورن عنوانهم العزلة والتهميش بدون ماء وكهرباء ومسالك طرقية وحده مسلك وعر وسط المنعرجات والجبال يؤدي لقبيلة سورن التابعة لدمنات بإقليم أزيلال ،يعبره نهر تشل مياهه المتدفقة عند كل تساقطات مطرية حركة المرور والعبور إلى الضفة الأخرى بعد أن يكون المسلك الجبلي قد أمحى واندثرت منه عدة أمتار.ووحدها فرعية مدرسية تقبع في هذه القبيلة تذكر التلاميذ وأولياءهم من خلال دروس الجغرافيا والتاريخ بأنهم ينتمون لبلد اسمه المغرب،لكن هذه الفرعية سرعان ماتغلق أبوابها بعدما تغطى القرية بالثلوج ويصعب على الأطفال الغوص بأقدامهم شبه الحافية في طبقاته السميكة ليلتحقوا بأقسام متجمدة لاتدفئة فيها ولاتجهيزات ضرورية للتحصيل العلمي . ينسد المسلك الجبلي بالثلوج فيصعب على المدرسين الوصول لتأدية واجبهم المهني. الداخل مفقود والخارج مولود تنطبق المقولة الشائعة \"الداخل إليها مفقود والخارج مولود\" على قبيلة سورن ،فالزائر الذي يفلح في ولوجها حينما تكون السماء ملبدة بالغيوم ،تنقطع أخباره عن العالم الخارجي ،لأن الحرارة ترحل عن هاتفه المحمول لغياب التغطية ، وحتى المسلك الطرقي الذي تسلكه الشاحنة التي تقله إلى القرية والمكدسة بالمتسوقين، يسد من ورائه بالثلوج والأوحال ،وهكذا عليه الصبر وتحمل معاناة السكان حتى تتحسن الأحوال الجوية وتبزغ الشمس وتذيب الثلوج وتنشف الأوحال ليمكنه العودة يوم السوق الأسبوعي موعد نزول الشاحنة. لاينزل سكان سورن لسوق دمنات سوى مرة في الأسبوع يوم السبت على متن شاحنة متكدسين رفقة بهائمهم ،يقضون الليل في المقاهي مفترشين حصيرا بدون أغطية ويؤدون عنه درهمين لأن جيوبهم لاتسمح لهم بالنوم في الفندق. في اليوم الموالي يستيقضون باكرا يبيعون ماشيتهم ويتسوقون ويمتطون الشاحنة ويعودون للدوار قبل أن تلحقهم الأمطار والثلوج فتعيق وصولهم لبيوتهم. التساقطات الثلجية التي تعرفها عدة مناطق جبلية بإقليم أزيلال، ومنها منطقة سورن ،جعلت الساكنة تعيش ظروفا صعبة وعزلة تامة .فالسكان،يوضح محمد إهدى،أب لطفل وسائق وهو للإشارة من دوار آيت فلالاض بجماعة سيدي يعقوب ويقطن بدمنات وينقل المواطنين إلى الدواوير التابعة للجماعة على متن سيارته للنقل السري، لم ينزلوا لسوق جماعة سيدي يعقوب وسوق دمنات منذ أزيد من خمسة عشر يوما لأن الثلوج والأمطار الغزيرة سدت المسلك الطرقي الوحيد المؤدي إليها، والشاحنة التي تنقلهم لايمكنها الغوص حينما يكون الجو مطيرا لكثرة الأوحال كما لايمكنها السير في الثلج . المواطنون الذين لايجدون ثمن التنقل عبر الشاحنة ويستعينون بالذواب لم ينزلوا -يضيف إهدى- لأن حوافر دوابهم لم تعد قادرة على الغوص في الثلوج.وهكذا وجد السكان أنفسهم في عزلة تامة بعدما طالت فترة التساقطات المطرية والثلجية ،حيث ارتفعت أثمنة المواد الضرورية ،و أصبح ثمن قنينة الغازالصغرى ، توضح حبيبة أم لثلاثة أبناء \\\"يراوح 50 درهما والقنينة الكبرى ب 100 درهم ،وقالب السكرب 20 درهما وكيس من الدقيق المدعم مائتي درهم وارتفع ثمن الزيت والشاي لتقصم الأسعار ظهور سكان فقراء ويعتمدون فقط في قوتهم على الغابة\\\". يعيش سكان سورن وسط ظروف طبيعية قاسية وصقيع يجمد أطرافهم ،لايفكرون أصبح كل همهم في ظل هذه الظروف هو قوتهم وقوت أبنائهم ،أما الماشية ،يشرح محمد إهدى، فقد\\\" أصبحت محرومة من الكلأ لأن المراعي تجمدت وهناك من استغنى عنها وتركها هائمة في الأرض لأنه لم يعد قادرا على توفير قوت أسرته فبالأحرى اقتناء العلف والتبن الذي وصل سعر الكيلو الواحد منه إلى درهمين ونصف\\\". تعتبر الغابة بآيت سورن المورد الرئيسي للساكنة ،يستغلونها في الرعي وقطع خشب التدفئة والطبخ وتقطيع الخشب لتحويله لفحم وبيعه في السوق بدمنات ومن تم التسوق واقتناء متطلبات البيت من طعام ومؤونة. حزم الحطب تحول حياة النساء إلى جحيم تحمل حبيبة على ظهرها حزمة ثقيلة من الحطب مرتدية لباسا باليا لايقيها البرد القارس ،منتعلة حداءا مطاطيا بدون جوارب ،تخرج الكلمات متقطعة من بين شفتيها المرتعشتين بسبب البرد والأمطار التي بللت ثيابها وتقول \\\"لاأتوفر على قنينة الغاز لأن ثمنها جد مرتفع وزوجي مجرد عامل بسيط ،ولهذا فإنني أتوجه كل يوم رفقة جاراتي للغابة البعيدة عن البيت بحوالي ثلاث كيلومترات نقطع الأخشاب والأغصان اليابسة ونحملها على ظهورنا ،ونعود في طريق كلها منعرجات لأن الغابة توجد في الجبل\\\". ،تتوقف قليلا لتستريح من ثقل حمل الخشب ،ثم تضيف \\\"هذا الحطب نستعمله في الطهي على الخصوص ثم التدفئة ، أما البرد فإننا تعودنا عليه ونصبر حتى تمر هذه الفترة.\\\" إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل حزم الحطب تحول حياة النساء إلى جحيم. عائشة أرملة مسنة وأم لخمسة أبناء تقاطع جارتها حبيبة موضحة في شبه احتجاج على هذا الوضع وهي تضع أرضا حزمة الحطب لتلقط أنفاسها:\\\"الظروف المعيشية بهذه المنطقة جد صعبة ،فلاشغل ولاأي شيء، الشباب عاطل والمواد الضرورية للعيش كلها مرتفعة ،والدولة لاتمنحنا أي مساعدات أو إعاناة على غرار ماتقوم به في مناطق أخرى أقل تضررا منا ،فنحن هنا نعيش التهميش والعزلة\\\". تنقل النساء الحطب على ظهورهن من الغابة البعيدة إلى بيوتهن، وحتى الطفلات اللواتي لم يبلغن سن التمدرس ،يتبعن أمهاتهن للغابة على الأقدام ويلتقطن الخشب ويعدن للبيت حاملات نصيبهن. لاتقتصر الثلوج المتساقطة على تغطية المراعي والغابة وقطع المسلك الطرقي ،بل تحاصر أيضا السكان داخل بيوتهم يشرح ذلك محمد إهدى \\\"حينما تتساقط الثلوج ،على السكان أن يقضوا الليل يقضين خوفا من سد الثلج لأبواب بيوتهم فيصعب عليهم فتحها ،ولهذا فإنهم ينامون بالتناوب وفي كل لحظة يفتح ّأحدهم الباب لإزاحة الثلج،ومن غلبه النوم يجد في الصباح صعوبة كبرى في مغاذرة المسكن إذا لم يتدخل الجيران لفك عزلته.\\\" منازل سورن الطينية تكاد تنهار فوق رؤوس قاطنيها من شدة الثلوج التي تتراكم فوقها ،وهي بيوت تتسرب منها قطرات الماء على السكان فيضطرون ليلا للاستعانة بقطع من البلاستيك يضعونها فوق أغطيتهم حتى لاتبلغ قطرات الماء ثيابهم وتبللها. ،وإذا كانت بيوت تونفيت وأنفكو وآيت حنيني ...لاتخلوا من مدفئات (فورنوات) ،فإن بيوت قرية سورن على العكس من ذلك برودة ليلها كنهارها ،لايبعث القليل من الدفء فيها سوى الحطب الذي تلتقطه النساء من الغابة ويشعلنه في\\\"الكانون\\\"لطهي الأكل وبه يتدفؤون إلى أن تخمد ناره ،لكن حينما تغطى الغابة بالثلج يلزمون أكواخهم مختبئين بحيطانها. يعتمد سكان سورن على الغابة في عيشهم، فهم يرعون بها غنمهم ويجلبون منها الحطب للتدفئة والطبخ، ،ويعتمدون عليها في صنع فحم التدفئة ،حيث يقطعون الخشب خلسة ويحولونه إلى فحم ثم يحملونه على متن الذواب وينزلون به ليلة السبت إلى جماعة سيدي يعقوب ودمنات لبيعه خلسة حتى يتجنبوا عيون \\\"بوغابة\\\"، الذي يحجز دوابهم والفحم ويسجل لهم مخالفات ويفرض عليهم دعائر. ، وفي صباح الأحد يتسوقون ويعودون لأسرهم . لايتوفر سكان سورن على سيارة إسعاف ،وجميع نساء القبيلة يلدن في البيوت، ولاتفذ المرأة الحامل للمستشفى بدمنات ،إلا بعد بلوغهامرحلة خطيرة ،حيث يتم نقلها على متن دابة تقطع المسلك المنعرج وحينما تبلغ الطريق يطلبون محمد إهدى صاحب السيارة عبر الهاتف لإصالها للمستشفى بدمنات ،وقد تظل على قيد الحياة إذاكانت محظوظة وكتب لها عمر جديد(!) مدارس معطلة وحياة بدائية في فترة الثلوج ينقطع التلاميذ عن الدراسة والمعلمون،يجدون صعوبة في الالتحاق بالفرعية ،يؤكد محمد بأن \\\"جميع المدرسين والمدير بالمنطقة يعتمدون عليه في نقلهم من وإلى المدرسة. وفي العطلة الأخيرة هاتفوني لأنقلهم من دمنات للمدرسة ، لكن الثلوج حاصرتنا في دوار أزدود قبل الدخول للمسلك الوعر فتدخل سكان الدوار وأخرجوني من السيارة ودفعوا هذه الأخيرة لمسافة حوالي 8 كلم . \\\" \\\"عندما تسد الطرق والمسالك هنا بالثلوج، يشرح بعض سكان الدوار، لايوجد من يفتحها ،حيث تبقى حتى تذوب لوحدها أوتتساقط عليها الأمطار فتذيبها .\\\" إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل طفلة في سن التمدرس تجلب نصيبها من الحطب الوصول إلى سورن من دمنات يتم على متن شاحنة وثمن الركوب مرتفع جدا فعلى الراكب ،يشرح محمد، أداء مبلغ 50درهما لكل مسافر ،أما إذا كانت معه سلع وأمتعة فإنه يؤدي ضعف نفس المبلغ ،وهو ما يضطر السكان بسورن إلى التنقل عبر دوابهم حيث ينزلون عليها في المنعرجات حتى يصلون لجماعة سيدي يعقوب فيربطونها هناك، وينزلون لسوق دمنات بثلاث دراهم، لكن حينما تتساقط الثلوج لاتقدر دوابهم على الغوص فيها فيتوقفون عن النزول. يعيش سكان سورن بطريقة جد بدائية ،فهم لازالوا يضيئون بالاعتماد على الفتيلة واللامبا والشمع والكافور تقول فاطمة أم لستة أبناء بلهجة أمازيغية \\\"أضيء بتفتيلت أضعها في آنية صغيرة من الزيت وأشعلها ،فأنا لايمكن لي الاعتماد على قنينة الغاز لأنها غالية.\\\" خلال تساقط الثلوج تتهدم البيوت وتنفق الماشية بعدما تتجمد المراعي ولايستطيع صاحبها اقتناء التبن لها الذي يصل لدرهمين ونصف .وهناك من السكان من يتخلى عنها ويتركها تموت لأن تفكيره يصبح منصبا حول إطعام أسرته.. هذه الظروف الصعبة التي زادتها الطبيعة قساوة ،هي التي دفعت سكان قبيلة سورن إلى النزول عدة مرات في مسيرات للاحتجاج على المسؤولين لفك العزلة ،ورفع التهميش عنهم يقول محمد إهدى\\\" سبق لسكان سورن أن نفذوا عدة مسيرات، لكن السلطات كانت دائما تعترضهم في الطريق وآخر مسيرة نفذوها يوم الإثنين 26 يناير، حيث نزلوا على أقدامهم وعددهم كان يتراوح مابين 400و500 يحملون علما وطنيا وكل واحد يحمل عصاء يتكئ عليها في الظلام ،وعلى ظهر كل واحد كيس به خبزة وقنينة ماء .ووصلوا لدمنات عند مغرب الشمس ،فحاصرتهم السلطات والدرك والأمن ،وبعدما تفرقت هذه الأخيرة تناولوا عشاءهم ،واجتمعوا قرب المحطة حوالي الساعة التاسعة والنصف ليلا لينطلقوا على الأقدام اتجاه الرباط عبر طريق قلعة السراغنة ،من أجل فك العزلة عنهم وتعبيد المسلك الطرقي الذي يربطهم بدمنات وجماعة سيدي يعقوب، لكن السلطات اعترضت طريقهم في مكان بين العطاوية والقلعة \\\". هذه المسيرة دفعت بكرم عضو مجلس جماعة سيدي يعقوب وممثل سكان سور ن لتفجير غضبه في وجه رئيس مجلس جهة تادلا أزيلال خلال دورة المجلس العادية المنعقدة يوم الجمعة 30 يناير بمقر الجهة ببني ملال .فما أن أعطيت له الكلمة حتى صرخ داخل القاعة مخاطبا الرئيس بلهجة دارجة مليئة بالاحتجاج والصراخ \\\"أريد أن أعرف هل تيدلي فطواكة لاتنتيمي لجهة تادلا أزيلال حتى تحرم من حقها من ميزانية الجهة \\\"،يحاول الرئيس مقاطعته، فيصرخ في وجهه من فضلك لاتقاطعني واتركني حتى أقول كل ماعندي ،ا أتساءل هل هناك فرق بين المجالس القروية والإقليمية والجهوية فالفائض غير واضح ؟ أتساءل أين تصرف أموال الجهة، فيوم الإثنين المنصرم كان عندنا مشكل بفطواكة ،حيث كنت في اجتماع المجلس الإقليمي لأزيلال ،وفجأة ناداني الكاتب العام للعمالة فأخبرني بأن سكان سورن قادمون في مسيرة وطلب مني أن أذهب لإقناعهم بالرجوع حتى تمر هذه المرحلة لأن رئيس الدائرة التقاهم فلم يريدوا الرجوع ،ثم اتصل بي رئيس الدائرة يطلب مني القدوم للقائهم في الغابة الفلانية ،فتركت الاجتماع وذهبت حيث وجدتهم في مكان مابين قلعة السراغنة والعطاوية وقد قطعوا 40كلم وقضوا الليل في خلاء تحت البرد القارص، وحينما ظهرت لهم واجهوني بالسب والشتم،وبكلام أضرني من قبيل\\\" أنتم ممثلي السكان بياعين وخونة ودمرتمونا وتستحقون الإعدام، دمرتم البلاد\\\" يجب أن تموتوا ، والسبب- يضيف كرم –صارخا في وجه الرئيس أن مجلس الجهة لايمنح لجماعتنا ميزانية كافية لحل مشاكل الناس\\\". ثم يسترسل في تدخله الاحتجاجي \\\"تيدلي فطواكة لم يسبق أن استفاذت من ميزانية الجهة. وصراخي اليوم في دورة مجلس الجهة ليس من أجل الصراخ. فهناك مجموعة من السكان من ورائي يصرخون\\\" . إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل كرم في دورة مجلس الجهة بعد المسيرة عادت الثلوج لتحاصر سكان سورن التي شرعت في التساقط منذ الإثنين ثاني فبراير في انتظار شمس مشرقة تطل على قرية يعيش سكانها بدون ماء أو كهرباء أو هاتف أو شبكة تطهير وبدون مستوصف وبدون طريق معبدة . الكبيرة ثعبان جريدة الأحداث المغربية الجمعة 06 فبراير 2009