تحاصر الثلوج، منذ صباح السبت الماضي، ثلاثة موظفين بمؤسسة محمد الخامس للتضامن علقت سيارتهم رباعية الدفع في أوحال في منطقة يطلق عليها سكان قيادة تونفيت بإقليمخنيفرة ب«وادي أوييض».وأكدت مصادر أن طبيبين وسائقا يعملون في فرع مؤسسة محمد الخامس للتضامن غادروا قرية «أنفكو» منذ السبت الماضي دون أن يتمكنوا من الوصول إلى مقر قيادة تونفيت التي تبعد عن «أنفكو» ب75 كيلومترا.وأكد سكان من أنفكو، الرابضة بين قمم الأطلس المتوسط، أن الثلوج أيضا تحاصر فرقة خاصة من رجال الشرطة التقنية المكلفة بإنجاز وثائق التعريف الوطنية للسكان، جاءت في مهمة رسمية لتمكين السكان غير المتوفرين على هذه الوثيقة من الحصول عليها، مضيفين أن رجال الشرطة اضطروا إلى المكوث في القرية بسبب انقطاع الطريق، وهم الآن في ضيافة السكان المحليين.وأكدت مصادر من البلدة، التي شهدت وفاة 35 طفلا إثر موجة صقيع اجتاحت المنطقة العام الماضي، أن علو الثلج الذي تساقط فوق القرية فاق المترين.وأعرب سكان اتصلتهم بهم «المساء» هاتفيا، صباح أمس الاثنين، عن أملهم في أن تتدخل الدولة لفك العزلة عنهم. وقال موحا، أحد السكان المحليين: «لم نتمكن من الذهاب يوم الأحد إلى تونفيت للتزود بالمواد الغذائية والمؤونة. لدينا بعض الحطب، لكن إذا لم تذب الثلوج فسيموت أشخاص جدد. الناس بحاجة إلى الأغطية والغذاء».«أبناؤنا يسعلون بشكل حاد، أصحاب مؤسسة التضامن يبذلون جهدهم، لكن الدواء غير كاف. الناس في القبيلة يخافون من أن يموت المزيد من الأطفال مثل العام الماضي»، قالها موحا ردا على سؤال ل«المساء» حول وضعية الأطفال تحديدا هذه الأيام.وقالت مصادر جمعوية من قيادة تونفيت، أن آليات إزاحة الثلوج تعمل فقط فوق الطرقات المعبدة، مشيرة إلى أن آليات الدولة توقفت في بلدة «أمنزي» حيث يوجد آخر مسلك طرقي معبد. وفيما تحاصر الثلوج طبيبين وسائقا يعملون في مؤسسة محمد الخامس للتضامن في مسالك وعرة تشتهر بوجود أشجارغابات الأرز، فإنها «تعتقل» رجال أمن زاروا «أنفكو» بهدف إنجاز بطائق التعريف الوطنية للسكان الذين بلغوا السن القانوني للحصول عليها. وقال موحا إن رجال الأمن زاروا «أنفكو» لأن الكثير من السكان المحليين لا يعبؤون كثيرا بإنجاز وثائقهم الإدارية، وأضاف: «المنطقة مازالت تشهد ظاهرة الزواج في سن مبكرة، غالبية النساء لا يتوفرن على بطائق تعريف وطنية، الكثير منا معندوش لاكارط، البوليس جاو باش يصاوبوهم لينا، راهم مازالين معانا في الدوار مع هاد الثلجة».وأكدت مصادر أن الطريق الرابطة بين «أنفكو» وإملشيل التابعة لإقليمالراشيدية هي أيضا «خاسرة» ومقطوعة بسبب الثلوج التي تساقطت على المنطقة نهاية الأسبوع الماضي.وقالت مصادر إن الثلوج تحاصر، منذ السبت الماضي، مئات الأسر المغربية القاطنة بمداشر «أنفكو» و«تغدوين» وأغدو» و«ترغيست» بضواحي إقليمخنيفرة، وتعزل سكانها عن العالم الخارجي.ويؤكد سكان أنفكو أن عدم إصلاح الطريق بعد كارثة العام الماضي، سيسقط ضحايا جددا ما لم تتدخل الدولة بشكل استعجالي. ورغم الوعود الكثيرة من وزير الداخلية شكيب بنموسى ومستشارة الملك زليخة نصري، فإن المنطقة تستمر في عزلتها ويردد السكان مثلا أمازيغيا يقول: «من لا طريق له كمن لا عين له». ويستعمل سكان «أنفكو» شاحنة وحيدة تقلهم في الأيام العادية عبر «وادي أوييض» وتسير بمحاذاته لأزيد من 44 كلومترا، حيث الماء يغطي عجلات الشاحنة، وغرقها في الوحل أمر كثير الوقوع.وحذر مصدر جمعوي من وجود معاناة أكبر لسكان مدشر «أغدو» البعيد عن أنفكو بعشرة كيلومترات في أعماق الجبال. وبقدوم الثلج يتزايد الطلب على الشحم ويتجمد الماء والزيت، وتتحول «أغدو» إلى قلعة مغلقة، لا يدخل إليها أو يخرج منها أحد لمدة تستمر من دجنبر حتى أبريل.ويغلق سكان «أغدو» على أنفسهم بيوتهم الطوبية، يتحلقون حول النار ليل نهار التماسا للدفء. وأكدت مصادر أن أحد سكان «أغدو» ويدعى «زايد أوحدوش»، خرج ولم يعد، ووجد ميتا بعد 18 يوما وقد غطاه الثلج. و«يخاطر» السكان بأنفسهم عندما تنفد المؤونة في موسم الثلوج عندما يقررون الخروج لشراء ما يلزمهم من الحاجيات الأساسية. وقال موحا إنه لطالما سار لمدة يومين على بغله الأبيض ليصل إلى «تونفيت» للتسوق، ثم يعود في مسيرة يومين آخرين، عبر دواوير يمر عليها هي من تؤويه حتى يصل في مأمن إلى أولاد ينتظرونه على وجل. ونجا العام الماضي أربعة من سكان « تاوزغيست»، القريبة من أنفكو المعروفة بعيونها الكثيرة، من الموت بأعجوبة. كانوا يرعون الغنم والماعز في جبل «كوتو موجان» وفوجئوا، في يوم عاصف، بالثلج يحاصرهم من كل مكان، قطعوا مسافة قصيرة فقط في مدة ثلاثة أيام ليصلوا إلى منازلهم، أغرقهم الثلج حدّ الخاصرة، وأحيانا كان يصل منهم إلى الصدر، و إذا ما سقط واحد منهم في إحدى العيون فذلك يعني أنه سيموت حتما. قضوا ثلاثة أيام في الطريق، وحينما وصلوا بيوتهم التفوا حول نار تدفئة أحرقت أرجلهم، وشوت جلودهم قبل أن يشعروا بالدفء يسري في أوصالهم من جديد.