عن أية حداثة لمغرب اليوم؟ تحت هذا العنوان نظمت شبيبة العدالة والتنمية بالقنيطرة يوم الثالث رمضان الموافق 29 أكتوبر 2003 بقاعة غرفة التجارة والصناعة، محاضرة ألقاها الأستاذ أبو زيد المقرئ، وقد قسم الأستاذ المقرئ معاني الحداثة إلى ثلاثة: المعنى العلمي المعجمي، والفلسفي، والاستعماري. وقال المحاضر إن الحداثة أداة إعلامية وإيديولوجية مؤقتة، وهي أكثر المفاهيم ضبابية وهلامية على الإطلاق، وأرجع بدايتها التاريخية إلى سنة 1830 حيث بدأت في باريس مع اختلاف الأقوال حول بدايتها ونشأتها، إلا أن المحاضر حسب اجتهاداته الشخصية يرى أن نشأة الحداثة كانت بداية دينية مع القرن 17 حيث استعملت في نزاع ديني ضد الأصولية . وكان لهذا الصراع دور أساسي في تأطير الحركة الفكرية في أوروبا وأمريكا خاصة مع ظهور اليبورتانيون الذين اضطهدوا في أوربا وفروا إلى أمريكا، فظهر الفصام بين العقل والقلب والمادة والمرح... فتأجج الصراع مع أصحاب الحداثة الذين يرون بأن التوراة والإنجيل يتناقضان مع العلم الحديث. أما في المغرب فيرجع الأستاذ أبو زيد الحداثة إلى أنها حداثة أدباء وديماغوجيين وبعض من يشتغلون بالفلسفة والشعر الذين يقودون تيار الحداثة بعد وصول بعضهم إلى موقع صنع القرار، إلا أن الأستاذ المقرئ استغرب من كون أصحاب هذا الطرح في المغرب لا تجد فيهم واحدا من أصحاب العلوم، الرياضيات والفيزياء والفلك والكيمياء والطب... والذين نجدهم بالعكس مع التيار الإسلامي مثل الدكتور إدريس خرشاف أستاذ الرياضيات الذي له كتابات حول الإعجاز العلمي في القرآن، بل يوضح المحاضر أن نفس الأمر نجده في العالم العربي الإسلامي مثل وجود هارون يحيى الذي نشر 180 مؤلفا تناول فيها كل ما له علاقة بالإعجاز العلمي في القرآن. ويضيف الأستاذ المحاضر موضحا المعنى الفلسفي للحداثة الذي بدأ مع القرن 19 بناء على شروط تاريخية ومع الثورة الفرنسية وتقدم العلوم الطبيعية والعلوم البحتة وظهر اغتراب الإنسان، حيث اتضح للعلماء بأن أبحاثهم تساهم في تدمير العالم الإنساني فأصبحوا يقدمون على الانتحار، وظهر الشك ولا حتمية وغياب الحتمية في الفيزياء، فأصبح الانفصال عن الدين بفعل انفصال الكنيسة عن المجتمع، وهناك ظهر كما أكد المحاضر الفراغ والذي عجزت السياسة عن ملئه، حيث تم تقديس المدنس ولا شيء مقدس إلا المدنس من خلال فلسفة نتشه. وقد حاول الأستاذ المقرئ توضيح ذلك من خلال كتاب لزينب عبد العزيز لعبة الفن الحديث بين الماسونية والصهيونية والذي كشفت فيه النقاب عن فن التشكيل الحديث، خاصة أن هناك عصابة صهيونية مع رجال المال يتاجرون بذلك الفن العبثي في المزايدات العالمية من أجل تدمير الثوابت الفطرية لدى الإنسان، وأضاف الأستاذ المحاضر مثالا آخر من خلال كتاب الإسلام بين الشرق والغرب للمرحوم علي عزت بيغوفيتش الذي يقول فيه إن الفن والأدب من ثمار الروح... وتطرق المحاضر أيضا إلى أن الحداثة في النقد الأدبي جاءت أكثر خطورة من البنيوية والتفكيكية إلا أن أحد فرسان الحداثة يقول الأستاذ المحاضر مثل الشاعر أحمد المعداوي في المغرب أوضح بجلاء أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث مستنتجا بأن الحداثة حركة تدور حول نفسها، وكما سماها أدباء آخرون بأنها هلوسة جديدة وتحرر من الحضارة... ونتيجة لما سبق تحدى المحاضر الحداثيين أن يردوا علميا على علماء التيار الإسلامي أمثال عبد المجيد الزنداني وإدريس خرشاف وغيرهما، كما وجه قوله للحداثيين بأن الحداثة في أوروبا لها شروط تاريخية وسياق تاريخي أنتجتها. أما الحداثة في المغرب يقول الإدريسي فهي تفتقد إلى تلك الشروط لأن هناك مجتمعا راكدا ومتخلفا. ليصل الأستاذ المحاضر إلى المستوى الثالث من المحاضرة والذي ربطه بوضع الاستلاب والاغتراب بالمغرب عكس الحركة الوطنية حيث تخرج منها فقهاء أبدعوا إلا أنهم لم يجدوا من يتمم عملهم ضمن أحزابهم وأعطى مثالا بالمرحوم علال الفاسي. واستثنى ما يقوم به محمد عابد الجابري في كتاباته من كشف لحقائق الحداثة. وخلص الأستاذ إلى أن كلمة الحداثة أصبحت دين من لا دين له، والجميع يتعامل معها وفق المعنى الاستعمالي حيث تم ملؤها بنقيض الأصالة، ولذا وجب تفريغها من المعنى السلبي وشحنها بالمعاني الإيجابية. ولهذا أكد الأستاذ المقرئ على ضرورة إفراغ كلمة الحداثة من محتواها السلبي الذي يتناقض مع الهوية الحضارية الإسلامية ومحاولة ملئها بما يخدم المشروع الحضاري الإسلامي مثل ما فعله محمد حسن الوزاني مع كلمة حماية التي عنون بها كتابا له الحماية جناية على الأمة المغربية. والمفكر المسلم روجي جارودي الذي عرف الحداثة: بأنها ايديولوجية من لا أيديولوجية له. محمد الحميري