نظم فرع حزب العدالة والتنمية بسطات مساء يوم الجمعة 16 أبريل 2004 محاضرة ألقاها الأستاذ أبو زيد المقرئ الإدريسي تمحورت حول موضوع السياسة الأمريكية في العالم. وحضر اللقاء العلمي جمع غفير لم يتسع له بهو الخزانة البلدية. وفي ما يلي ملخص ما جادت به قريحة الأستاذ المحاضر، الذي استهل كلامه بأنه سيكون قاسيا وعنيفا في مداخلته على حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية، مشيرا في عدة مرات إلى ضرورة التفريق بين الشعب الأمريكي المُجَهَّل والنظام الأمريكي المخطط للهيمنة على العالم. أمريكا وقضية وحدتنا الترابية قال الأستاذ أبو زيد المقرئ الإدريسي: إن الولاياتالمتحدةالأمريكية هي الكيان السياسي الذي يتخذ القرار ويهندس التوجهات الكبرى في بلد الهنود الحمر، الذين ذبحهم وأباد منهم أزيد من 120 مليون. ويهندس في بلدان العالم أجمع، بما فيها الدول المسماة الصديقة مثل أوروبا وكندا وأستراليا ونيوزيلاندا، أو المتحالفة مثل اليابان وكثير من دول أمريكا اللاتينية، أو المسالمة مثل كثير من دول آسيا ودول إفريقيا السوداء، أو المصنفة في خانة العداء والحرب الحضارية المدمرة مثل العالم الإسلامي. هذا العداء الذي عبر عنه الأستاذ المحاضر بأن أمريكا تعيشه إلى حد الهوس وتمارس مقتضياته إلى حد الإجرام. وعرج أبو زيد بعد ذلك على قضية وحدتنا الترابية قائلا: >إن المغرب تربطه بأمريكا علاقات منذ 220 سنة، وهو أول من اعترف بأمريكا وتجمعه منذ أزيد من قرن اتفاقية سلام وتعاون تعتبر الأطول من نوعها بالنسبة لأي شريك آخر مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، من حيث امتدادها الزمني واستقرارها وتنفيذها<، ومع ذلك، يردف المفكر الإسلامي، لم يشفع للنظام المغربي وللشعب المغربي وللدولة المغربية في أن تكون الولاياتالمتحدةالأمريكية من أكبر المتآمرين على المغرب دولة وشعبا ونظاما، هذا التآمر الذي يلبس لبوسا مغطى بالحيل والنفاق والشعارات الكاذبة. ويعلق أبو زيد بالقول إن هذا التآمر ينكشف حينما نعلم أن أغلب العراقيل لحل مشكلة الصحراء المغربية وراءها إرادة سياسية عليا من الولاياتالمتحدةالأمريكية، ووراءها إصرار في نصرة الطرف الجزائري المعتدي بأساليب ملتوية منها تسليح الجزائر. اتفاقية التبادل الحر تهديد للاقتصاد الوطني وأشارالأستاذ أبو زيد أن منبع انتقاده الشديد لأمريكا ليس فقط سبب العدوان على فلسطين والعراق، ولكن أيضا، حسب قوله، >منبعه هو العدوان على وطني المغرب الذي هو جزء من الأمة الإسلامية التي ولائي الأول والأخير لها<، مضيفا أن أحد مظاهر هذا العدوان هو اتفاقية التبادل الحر التي وقعها المغرب أخيرا، >والتي تمثل تهديدا حقيقيا للاقتصاد الوطني، والصناعة الوطنية، والفلاحة الوطنية، والفقراء المستضعفين الذين ينتجون الاقتصاد الصغير<، وعلى المدى البعيد، يردف أبو زيد، قد لا يكون هناك شيء اسمه الاقتصاد الوطني إذا ما أخذت هذه الاتفاقية المسماة بالتبادل الحر مداها الكامل، خصوصا بعد ,2010 عندما يصبح الكات أو كما وصفه اللّكَّاط أداة لقهر وقمع المستضعفين ونهب خيراتهم، وحرمانهم من فرصة حماية اقتصادهم الوطني وصناعتهم الوطنية بقوانين وإجراءات جمركية إلى أن ينمو هذا الاقتصاد ويصبح قادرا على التنافس الحر والمفتوح. عاملان يحددان الرؤية الأمريكية للآخر إن نفسية الولاياتالمتحدةالأمريكية شاذة ومريضة في السيطرة العدوانية على الدول المستضعفة منذ نشأتها، وقبل نشأتها إلى اليوم، لا فرق بين جمهوري وديمقراطي وبين رئيس ورئيس، وركز الأستاذ أبو زيد على عنصرين اثنين في تحديد الرؤية الأمريكية للآخر، العنصر الأول هو المصالح الأمريكية بمعناها الخاص، وليست المصالح الحيوية، ويصف تلك المصالح العدوانية المرضية التسلطية إلى درجة الإشباع المطلق للنزوات، مقابل الحرمان المطلق للحاجات عند الآخر، والعنصر الثاني، وهو المدهش والمفاجئ، كما وصفه أبو زيد، هو الرؤية الدينية والثقافية والفكرية والنفسية التي تحملها الولاياتالمتحدة لبقية الناس. أمريكا التي أقصد؟ قال أبو زيد في سياق حديثه عن أمريكا: >أنا لا أقصد أمريكا الشعب، ولا أقصد أمريكا الأقليات، فمنهم أقلية إسلامية وعربية كبيرة، ولا أقصد أمريكا الأرض، ولا أقصد أمريكا الأقليات السياسية المستقلة عن التوجه العام، والتي كونت أحزابا وجمعيات ضعيفة مقهورة، وعلى رأسها الحزب الشيوعي وحزب الخضر، الذي يقوده عربي مسيحي، ولا أقصد مراكز الأبحاث والدراسات الموضوعية والمحايدة، ولا أقصد ذلك الإنسان الأمريكي البسيط الساذج، الذي جُهِّلَ بالآخر تجهيلا مقصودا عن طريق برامج دراسية ومقررات تعليمية موجهة، لكي يبقى الرجل الأمريكي جاهلا بمحيطه الخارجي، والذين يتكلفون بمعرفة ذلك الخارج ودراسته دراسة معمقة هم المكلفون بصناعة القرار في دوائر ضيقة ويتخرجون من مراكز محددة<. وفي هذه السياق يشير أبو زيد إلى أن عددا من الأمريكيين أصبحوا يطلقون على البنتاغون اسم وكر الشر ويخافون منه، لذلك يوضح الأستاذ أن أمريكا التي يقصد هي وزارة الخارجية التي تصنع مآسي البشرية... الرباعي المهيمن على السياسة الأمريكية قسم أبو زيد صانعي القرار بأمريكا إلى أربع حُفَن، أو كما أسماها بأربع عصابات، الأولى وهي حفنة من المتعصبين الدينيين المنتمين إلى كنيسة عنصرية متطرفة يمينية بروتستانية خرافية اسمها الكنيسة الماسحانية والبعض يسميها الكنيسة البيوريطانية، وفيها، يضيف الأستاذ أبو زيد، تفرعات وتوجهات مثل الكنيسة الحنوبية والكنيسة المعمدانية والكنيسة من أجل إسرائيل إلى غير ذلك، وهي كلها يجمعها خط واحد يسمى خط الصهيونية المسيحية. والثانية: وهي عصابة من المالكين للصناعات الثقيلة، وخصوصا الصناعات العسكرية، والثالثة: عصابة من المهيمنين على شركات النفط الأمريكي. والرابعة: حفنة من الصهاينة اليهود المرتبطين مباشرة بالمشروع الصهيوني. ويؤكد أبو زيد أن هذه العصابة الرباعية هي التي تحكم أمريكا مبكرا، مستدلا بكتاب لهشام عبد المجيد، الذي كشف أن >اللوبي الصهيوني لم ينشأ بعد قيام إسرائيل ولم يتوغل في عهد ترومان وروزفلت وإنما هو الذي أنشأ الولاياتالمتحدة من أول يوم...<. ثم كشف أيضا أن وضع السياسة النقدية ابتدأت بتأسيس البنك المركزي الأمريكي، الذي سينشئ الدولار مستقلا عن الجنيه الاسترليني بعد الاستقلال، ووضع التوجه المالي العام للولايات المتحدةالأمريكية، ويثير هنا الأستاذ أبو زيد أنه في كل دولة من دول العالم نجد البنك المركزي بنكا حكوميا تابعا للدولة، لكن البنك الأمريكي شركة أمريكية مستقلة أسسها يهود صهاينة كبار... وفي ظرف 11 سنة من 1776 إلى 1787 سيطر اليهود على الرصيد العقاري بما أحدثوه من قروض استثمارية. ثم جففوا السوق من السيولة النقدية عند وقف الأداء، ويعود أبو زيد ليؤكد أن العصابة الرباعية المذكورة سالفا، والتي يقصدها بأمريكا الحالية تكونت من يمين مسيحي متطرف خرافي صهيوني مغرم بخرافة نزول المسيح (ليس بالمفهوم القرآني) وحرب هرمجدون وقيام معسكر الشر ومعسكر الخير، وقيام دولة إسرائيل وبناء الهيكل... هذه العصابة هي التي توصل من تشاء إلى السلطة. وفاجأ الأستاذ أبو زيد الحاضرين بقوله إنه ومنذ 80 سنة أو يزيد لم يصل إلى رئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية إلا رجل ينتمي إلى الكنيسة البيوريطانية أو ما يسمى بالضبط داخلها بالتيار السياسي المسمى الحركة التدبيرية، التي تؤمن بأن الله قد دبر الكون ودبر تفاصيل الأقدار والأحداث والوقائع وعلى رأسها أقدار الحروب لكي تنتهي بتهويد الشعب... ويعتبر قيام دولة إسرائيل في هذا المشروع الصهيوني النقطة الأولى التي تحققت، ثم بعده هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل ثم نزول المسيح ثم قيام معركة الهرمجدون بين معسكر الشر والخير، ثم فناء العالم، إلا قلة من أهل الخير ينزلون مع المسيح، ثم قيام مملكة الرب الأبدية. أمريكا تقسم العالم يقول الأستاذ المقرئ الإدريسي إن الولاياتالمتحدة، وليس الشعب الأمريكي، تصنع المعاناة والمأساة في العالم بأكمله، إذ قسمت العالم الخارجي منذ زمن طويل إلى ثلاث دوائر: دائرة الضبط ودائرة التحجيم ودائرة التدمير، ووضعوا في دائرة الضبط حلفاءهم الغربيين بني جلدتهم وملتهم ودينهم (أروبا الغربيةالشرقية الاتحاد السوفياتي سابقا، كندا، أستراليا، نيوزيلندا... )، واستطاعت اليابان بجهدها الخاص أن تقفز من دائرة التحجيم إلى دائرة الضبط. وهؤلاء، يضيف أبو زيد، تضبطهم وتدخل معهم في صراعات سياسية ودبلوماسية لم تصبح عسكرية منذ الحرب العالمية الثانية...، أما الدائرة الثانية، وهي دائرة التحجيم، حيث يفوت أمر الضبط إلى التحجيم أي وضع خط أحمر لا يجوز التفوق أكثر منه اقتصاديا، وهذا فيه كل ما عدا الدائرة الأولى، وما عدا العالم الإسلامي... أي فيه آسيا الوثنية، أمريكا اللاتنية، إفريقيا السوداء... وقد ضرب الأستاذ بعض أمثلة مظاهر هذا التحجيم والمبني مثلا على وضع أمريكا الفيتو على أنماط من الإنتاج الصناعي والفلاحي، والدائرة الثالثة والأخيرة وهي العالم الإسلامي وهي دائرة التدمير، وهي مشروع تدمير بالرؤية الدينية وبمخاوف الحرب الصليبية وبما تعيشه أمريكا من عقدة الصراع بين المسيحية والإسلام. وضرب الأستاذ المحاضر مثالا للتفريق بين الدوائر الثلاث، وهو الطاقة النووية، حيث قال إنه يسمح عموما للدائرة الأولى بإنتاج سلاح نووي عسكري ويسمح لمن في الدائرة الثانية أن تنتج سلاحا نوويا سلميا، أما الدائرة الثالثة فغير مسموح لها إطلاقا بإنتاج أي سلاح نووي. وأشار في هذا الصدد إلى أن هناك مساع لمعاقبة باكستان وإذلالها ومحاكمة علمائها... ومراقبة الحس الباكستاني وتوجهه، ويكفي أن نعرف أن أكبر فرع لCIA في العالم هو الفرع الموجود في باكستان، وهو فرع يتجسس على العالم الإسلامي وعلى الصين والاتحاد السوفياتي سابقا والهند... ومن جهة أخرى كشف الأستاذ أبو زيد أن رؤساء أقسام التخطيط بالبنتاغون والبيت الأبيض هم الذين يخططون لرؤية تراعي مصلحة إسرائيل والصهيونية العالمية ومصالح أمريكا، ووصفهم بالوزراء الحقيقيين للكيان السياسي الأمريكي. ما العمل؟ ويمكن تلخيص ما أوصى به الأستاذ أبو زيد، أمام هذا الطغيان الأمريكي البشع في النقط التالية : مقاطعة المنتوجات الأمريكية. مقاطعة المنتوجات الأمريكية الثقافية والفنية. محاربة هذا الطاغوت إعلاميا وسياسيا واقتصاديا. ترسيخ حصانة استهلاكية ضد كل ما هو أمريكي على غرار الإنسان الياباني. إعداد: محمد معناوي/الجلالي