القارئ العالم الشيخ شعبان عبد العزيز الصياد كان أكثر القراء تمكنا من صوته وسماه الفنانون ملك الفجر هذا قارئ جليل جمع بين العلم الشرعي الرصين والصوت العذب الجميل. لا يقصد بالعلم الشرعي علم التجويد والقراءات القرآنية، ولكن المقصود أن الرجل أخذ العلوم الشرعية من جامعة الأزهر المعروفة، وأضافها إلى التغني بالقرآن، حتى لقب بالقارئ العالم وألقاب علمية أخرى. ومن إتقانه للتلاوة والترتيل والتجويد أحبه أهل الغناء والطرب، ولقبوه بملك الفجر، وحرصوا على الإنصات له خاشعين وهو يتلو ويقرأ ويرتقي. وفي هذا حجة بليغة على أن الله العلي القدير منزل الكتاب يختار لتلاوة آياته أحسن الأصوات وأجملها بشهادة التاريخ كله. ولادة ونشأة ولد الشيخ شعبان عبد العزيز الصياد بقرية صراوة التابعة لمركز آشمون بمحافظة المنوفية، وذلك فى 20 9 1940م. وهذه القرية تعرف بقرية القرآن الكريم، حيث تتميز بكثرة الكتاتيب والمحفظين الأجلاء الذين حفظ وتخرج على أيديهم بعض الأعلام والمشاهير بجمهورية مصر العربية وفي مقدمتهم الشيخ شعبان الصياد. نشأ الشيخ شعبان الصياد فى منزل ريفي متواضع عن أم ريفية وأب هو الشيخ عبد العزيز إسماعيل الصياد. الذي كان يتمتع بجمال في الخَلق والخُلق إضافة إلى جمال وعذوبة صوته الذي كان يعرفه الجميع في هذه القرية وفي القرى والمدن المجاورة. فقد كان صوته ملائكياً يشبه إلى حد كبير صوت الشيخ محمد رفعت، وذلك حسب روايات عديدة ممن عاصروه. وكان الشيخ عبد العزيز (والد الشيخ شعبان الصياد) يدعى إلى السهرات والمناسبات وذاع صيته. وقدم نفسه إلى الإذاعة المصرية، وكان ذلك فى أوائل الأربعينات، وعندما ظهرت نتيجة امتحانه أمام لجنة الاستماع في الإذاعة، وتم إرسال خطاب له للحضور إلى الإذاعة، وكان هذا اليوم نفسه هو يوم وفاته في عام 1944م. وكان وقتها الشيخ شعبان الصياد لم يتجاوز الرابعة من عمره. وأتم الشيخ شعبان الصياد حفظ القرآن الكريم كاملاً وهو في السابعة من عمره. التعليم الأزهري قبل الجامعي وكان طبيعياً أن يكمل المسيرة الدينية التى نشأ عليها. فالتحق بالمعهد الدينى الابتدائي، وأثناء دراسته بالمعهد. كان أساتذته يعلمون موهبته الصوتية. فكانوا دائما يجعلونه يتلو عليهم بعض آيات الله البينات في الفصل الدراسي. وذاع صيته حتى أنه كان يفتتح أي مناسبة بالمعهد الذي يدرس به. وأتم الشيخ شعبان الصياد المرحلة الابتدائية، وكان وقتها قد عرف في البلدة كلها بحلاوة صوته وعذوبته وتمكنه من التلاوة السليمة الصحيحة. فبدأ يظهر في المناسبات العامة على أثر دعوات من أصحابها، وهو في سن الثانية عشر، وكان وقتها يتقاضى قروشا معدودة. ثم أكمل الشيخ دراسته بالمعهد الديني بمدينة منوف بمحافظة المنوفية، وكان أثناء هذه الدراسة. يذهب إلى المناسبات المختلفة في مدينة منوف والقرى المجاورة لها. حيث أتم دراسته الثانوية والتحق بجامعة الأزهر. التحاقه بجامعة الأزهر الشريف التحق الشيخ شعبان الصياد بكلية أصول الدين، شعبة العقيدة والفلسفة، واضطر إلى السكن هناك، وكانت أكثر إقامته في صحن الأزهر الشريف. وكان يجمع بين الدراسة التي كان متفوقا فيها أيضاً، وبين دعواته إلى المناسبات المختلفة. وذاع صيته وسمع به مشاهير القراء في ذلك الوقت، وفي إحدى الليالي كان الشيخ شعبان الصياد عائداً من مناسبة كان يتلو فيها كتاب الله. وعاد إلى صحن الأزهر الشريف، حيث كان يستعد لامتحان في الكلية (أصول الدين) وذلك في اليوم التالي لهذه السهرة. وعند عودته مباشرة بدأ فى الاستذكار وغلبه النوم. فنام وفي هذه الأثناء كان الشيخ مصطفى إسماعيل (القارئ المشهور) في جامع الأزهر لصلاة الفجر، وإذا به يرى الشيخ شعبان الصياد وهو نائم وفي يده كتابه الذي سوف يمتحن فيه صباحاً. فقال لمن معه. انظروا وتمعنوا في هذا الشاب النائم أمامكم، فإن له مستقبل عظيم في دنيا تلاوة القرآن الكريم. وهكذا فإن موهبة الشيخ شعبان الصياد فرضت نفسها على الجميع، بما فيهم كبار القراء الذين كان يتقابل معهم في المناسبات المختلفة التي يتم دعوته إليها، فكان دائما يثقل موهبته بكثرة الاستماع إلى قراء القرآن في ذلك الوقت، وأيضا السابقين، وخاصة الذين كان يعجب بهم جداً، ومنهم الشيخ محمد رفعت والشيخ محمد سلامة والشيخ مصطفى إسماعيل، وهو قارئه المفضل، وبرغم أنه لم يعاصر والده الشيخ عبد العزيز الصياد، إلا أنه كان له دائما المثل الأعلى، حسب ما كان يروي له ويحكي له عن جمال صوته وعذوبته وشهرته، برغم أنه لم يكن قد التحق بالإذاعة في ذلك الوقت. إتمام التعليم الجامعى أتم الشيخ شعبان الصياد تعليمه الجامعي وتخرج من كلية أصول الدين شعبة العقيدة والفلسفة وحصل على الليسانس بدرجة جيد جداً فى عام 1966 ورشح للعمل بالسلك الجامعي كمحاضر بالكلية، ولكنه رفض وكان رفضه من أجل القرآن الكريم، حيث قال: أن الجامعة وعمله بها كمحاضر وأستاذ سيجعل عليه التزامات تجاه الجامعة والطلبة، مما يعيقه عن رسالته التي يعشقها ويؤمن بها وهي تلاوة القرآن الكريم. عمل كمدرس بالمعهد الدينى بمدينة سمنود بمحافظة الغربية، وكان ينتقل إليها يومياً من مقر إقامته بمدينة منوف محافظة المنوفية ثم نقل إلى معهد الباجور الديني ثم إلى معهد منوف الثانوي ثم إلى مديرية الأوقاف بشبين الكوم، حيث رقي إلى موجه في علوم القرآن، لأنه كان يقوم بتدريس القرآن والتفسير والأحاديث النبوية الشريفة، ثم رقي إلى موجه أول حتى وصل إلى درجة وكيل وزارة بوزارة الأوقاف. دخوله الإذاعة عام 1975 اتسعت شهرة الشيخ شعبان الصياد بجميع أنحاء الجمهورية. فتقدم للامتحان بالإذاعة والتلفزيون المصري. وبعد الامتحان والعرض على لجنة الاستماع التى كانت تضم فطاحل العلماء فى ذلك الوقت أمثال الشيخ عبد الفتاح القاضى والشيخ محمد مرسى والشيخ عفيفى الساكت والشيخ رزق خليل حبة وغيرهم من العلماء كما استمع إليه أعضاء لجنة الموسيقى وكانت تضم كبار الموسيقيين مثل الأستاذ محمود الشريف الذى أثنى عليه ثناءاً غير عادى على نغمات وصوت الشيخ شعبان الصياد. اجتاز الشيخ شعبان الصياد امتحان الاذاعة والتليفزيون بنجاح باهر وتم إعتماده كقارئ للقرآن الكريم بالبرنامج العام مباشرة دون المرور على اذاعات البرامج القصيرة. ففى هذا الوقت كان أى قارئ للقرآن الكريم يتم اعتماده بالاذاعة لا يذيع أى اذاعات بالبرنامج العام مباشرة ، بل يذيع بضع آيات عبارة عن عشرة دقائق فقط فى البرامج القصيرة فقط ولا يستطيع اذاعة أى قرآن فى البرنامج العام او فى صلاة الجمعة ولكن الشيخ شعبان الصياد لجمال وعذوبة صوته وتمكنه من التلاوة جعل لجان الاذاعة والتليفزيون يجيزون دخوله مباشرة للاذاعة فى البرنامج العام وجميع الاذاعات المحلية وكذلك لجنة امتحانات التليفزيون أجازته مباشرة حتى أنه فى أول شهر من التحاقه بالاذاعة والتليفزيون أسند إليه تلاوة القرآن الكريم يوم الجمعة من الاذاعة فى صلاة الجمعة وأيضاً اسند إليه تلاوة القرآن الكريم يوم الجمعة التالية مباشرة فى التليفزيون. انهالت المكالمات التليفونية على منزل الشيخ شعبان الصياد للتهنئة بالتحاقه بالاذاعة والتليفزيون المصرى. كما كانت الاتصالات التليفونية لا تنقطع للسؤال عن مواعيد إذاعاته المسجلة والمباشرة على الهواء وذلك لكثرة معجبيه واتساع القاعدة العريضة لمحبى الشيخ شعبان الصياد. كان الشيخ شعبان الصياد يقرأ قرأن الفجر كل ثلاثة أسابيع فى مساجد مصر مثل مسجد مولانا الإمام الحسين والسيدة زينب. وكان دائماً محبيه ينتظرون تلاوة قرآن الفجر فكان منهم من ينتظره بالمسجد نفسه فى ظل الظروف الجوية وفى البرد القارس ويأتون من معظم محافظات الجمهورية. وكان البعض الآخر يسمع قراءته من الاذاعة مباشرة ثم يقوموا بالاتصال تليفونياً ليثنوا على ادائه وجمال وعذوبة صوته. حتى أهل الطرب أحبوه وفى أحد الأيام وفى صلاة الفجر فى مسجد مولانا الإمام الحسين بالقاهرة ، ذهب الشيخ شعبان الصياد لتلاوة قرآن الفجر ، فإذا بصوت يناديه فنظر الى هذا الصوت، فوجد المطرب الشعبى المعروف الأستاذ/ محمد عبد المطلب الذى عانقه وشد على يده وقال له أنا من أشد المعجبين بصوتك يا شيخ شعبان ودائماً أحضر وأسمع قرآن الفجر بصوتك ولكنى اليوم أصررت على مقابلتك وتهنئتك بهذا الصوت الجميل والفن الرائع الذى قلما نجد له مثيلاً فى تلاوة القرآن الكريم وقال له ياملك الفجر. وظلت هذه التسمية واللقب ملازماً للشيخ/ شعبان الصياد حتى وفاته. من أول مرة وبسؤال مهندسى الصوت باستديوهات الاذاعة والتليفزيون عن أهم ما يميز الشيخ شعبان الصياد عن غيره من القراء. فقالوا وأجمعوا أن الشيخ شعبان الصياد كان أكثر القراء إن لم يكن الوحيد الذى كانوا يحبون التعامل معه فى التسجيل بالاذاعة والتليفزيون. فإنه عندما كان يذهب لتسجيل نصف ساعة فإن الاستديو يتم حجزه لمدة نصف ساعة فقط لأنه كان أكثر القراء تمكنا من صوته وكان يقرأ الآية مرة واحدة ولايعيدها مرة أخرى بعكس باقى القراء الذين يستغرق تسجيل النصف ساعة حوالى ثلاث أو أربع ساعات وذلك لأنهم غالباً ما كانوا يقوموا بإعادة بعض الآيات التى لم تخرج على الصورة المطلوبة بسبب ضعف فى الصوت أو عيب فى النغمات أو النبرة أو عيب فى القفلة وغيرها من الأمور الفنية. كما كان يتميز الشيخ شعبان الصياد فى تلاواته بتعدد القراءات والنغمات فكان يقرأ الآية الواحدة بعدة طرق وكلها أجمل من بعضها وكلها حسب القوانين الموسيقية حيث أنه كان على دراية تامة بالموسيقى من حيث المقامات والنغمات والسلم الموسيقى وغيرها. كما كان يمتلك فضلاً عن قوة وجمال وعذوبة صوته، كان يمتلك نفساً طويلاً جداَ مما كان يساعده ويمكنه من تنويع القراءات والنغمات كما يشاء وكما يستدعى معنى الآية ذلك. كما كان صوته عريضاً جداً متعدد الطوابق يستطيع أن يصل به الى أعلى الجوابات أى الطبقة العليا ثم يهبط به الى القرار وذلك فى نفس الآية وفى نفس الوقت. وكان الشيخ شعبان الصياد صاحب مدرسة فريدة ومتميزة فى قراءة القرآن الكريم لم يسبقه إليها أحد ونهل منها من بعده ومن عاصره من القراء. القارئ العالم وكان فضيلة الشيخ شعبان الصياد معروفاً بدراسته الدينية وعلمه حيث كان من علماء الأزهر الشريف، فكان فى كل المناسبات فى فترة الراحة يقوم بالإجابة عن الأسئلة الدينية المختلفة التى كانت تطرح عليه من الجماهير المتواجدة. وكان من أشد المنافسين له فى قرآءة القرآن الكريم، يحبون سماع صوته حتى إن الشيخ محمد محمود الطبلاوى عندما أقام مسجداً فى المهندسين، أصر أن يقوم بافتتاح مسجده الشيخ شعبان الصياد ويقرأ فيه أول قرأءة وأول إذاعة صلاة جمعة على الهواء مباشرة. رحلته مع المرض حتى وفاته ظل الشيخ شعبان الصياد فى عطائه المستمر فى تلاوة القرآن الكريم فى كافة انحاء المعمورة الى أن فاجأه المرض عام 1994م. فأصيب بمرض الفشل الكلوى، فاستمر فى تلاواته ولكن فى أضيق الحدود حتى أقعده المرض تماماً. وقد أحسن المولى عز وجل ختامه ولبى نداء ربه وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها فيصباح فجر يوم من أعظم الايام فى الأسلام 19/1/1998م. الموافق الأول من شهر شوال (عيد الفطر) عام 1419 هجرية. سبحان الله حتى يوم وفاته كان يوم عيد... رحمه الله. إعداد حسن صابر