المقرئ عمر أيت العزيز القزابري في حوار مع التجديد":الاحتفاء بكتاب الله ليس غريبا عن المغاربة..و المغرب كله ينبض بالقرآن وبالعلماء بابتسامته المعهودة وتواضعه الجم ولكنته المراكشية الفريدة استقبلنا القارئ عمر آيت العزيز القزابري ببيته الكائن بحي الألفة بالدارالبيضاء وحاولنا من خلال هذا الحوار سبر بعض أغوار حياته المليئة بالاهتمام بكتاب الله قراءة وفهما وعلما. وحدثنا الشيخ القزابري صاحب الثلاثين ربيعا والذي استطاع بصوته الشجي أن يجمع حوله آلاف المصلين بمسجد الحسن الثاني في صلاة التراويح هذه السنة حاورناه حول مسيرته العلمية وأدائه المتميز والذي أرجع الفضل فيه إلى الله عز وجل، متوقفين معه حول بعض صفات القارئ الأخلاقية والعلمية التي تمكنه من الأجر والثواب والمكانة المتميزة، أجابنا عن بعض الشائعات التي نسجت حوله، مسديا الشكر الجزيل لأمير المؤمنين ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس العلمي للدار البيضاء وإدارة مسجد الحسن الثاني على حسن ما قدموه لخدمة كتاب الله في شهر رمضان لهذه السنة. في البداية هل لك أن تحدثنا عن مسيرتك في طلب القرآن وعلومه عناية وتحصيلا ؟ بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه بالنسبة للمسيرة فإنها بحمد الله ابتدأت من مراكش ومن سن الطفولة وعلى يد الوالد رحمه الله حيث إنه معروف من العلماء خريجي جامعة ابن يوسف، وكان من القراء ومن الخطباء المشهورين الذين لهم باع طويل في الدعوة وفي العلم وختمت القرآن على يديه في سن 11 سنة برواية ورش، ثم بعد ذلك قرأت على كثير من المشايخ المعروفين من أبرزهم الشيخ عبد الكريم المعروف صاحب القراءات العشر في مراكش فقرأت عليه ورش وقرأت عليه حفص وهناك بعض الإخوان الذين لم أذكرهم . ثم انتقلت إلى المملكة العربية السعودية في سنة 1997 بعد وفاة الوالد رحمه الله والتقيت مع الشيخ محمود اسماعيل من شيوخ الأزهر قرأت عليه حفص وقالون وشيء من ابن كثير وقد توفي رحمه الله، وقابلت شيخ موريتاني اسمه الشيخ الفاه أعدت عليه ختمة قراءة نافع براوييها ورش وقالون، هذا في فترة السعودية. وانتقلت إلى جمهورية مصر حيث كنت أسجل أحد المصاحف للأزهر مصحف برواية ابن عامر ( ابن دكون عن ابن عامر ) وهو الشيخ المعروف حاليا من شيوخ الأزهر الشيخ أحمد عيسى المعصراوي وقرأت ابن عامر وإن شاء الله قريبا سأختم عليه القراءات العشر هذه هي مسيرتي مع القرآن باختصار . ماهي المؤثرات المباشرة في نبوغك المتميز مع القرآن الكريم ؟ أولا : المعروف أن سبب أي نعمة هو أن تصلنا من المنعم وهو الله عز وجل وإن كان ما تقول فإنه كله من الله تعالى ( وما بكم من نعمة فمن الله ) هذا هو الأساس ثم مسألة أخرى متعلقة بقراءة القرآن الكريم ويغفل عنها الكثير من القراء، وهي أن الأمرلا يعتمد فقط على مسألة صوت أو مسألة إلمام بالقواعد أو مسألة أنغام المعروفة بالتغني، ولكن هناك أمرا وهو محوري وهو الإحساس. وهو أن تحس بما تقرأ وهذا يقتضي من الإنسان أن يكون عالما بتفسير القرآن حتى يحصل التجاوب مع القرآن هذا دون أن نغض الطرف عن الإخلاص لله تعالى، لأن الإخلاص هو سبب النجاح والتوفيق ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم للخير ويجعل أعمالنا خالصة لوجه الكريم . حدثنا عن تجاربك في الإمامة والخطابة؟ كنت قد صليت بالناس سنة 1985 وكان عمري آنذاك لا يتجاوز 11 سنة في الجامع الكبير بمراكش ابن يوسف، إذ كنت أتناوب في التراويح أصلي يومان ويصلي طلبة آخرون، هذا في البداية ومازال عندي تسجيل قديم بصوتي - مبتسما- ثم صليت كذلك في حياة الوالد بمسجده الذي كان يؤم فيه في (أسيف) كنت أنوب عنه أحيانا أصلي بالناس وهو يصلي خلفي في سن 12 سنة. ومن الأمور التي كنت أذكرها أنه كان يصلي ورائي ويجهش بالبكاء طيلة الصلاة تأثرا رحمه الله تعالى، وصليت في مساجد كثيرة لا أذكرها كما صليت في السعودية، صليت إماما في مساجد كثيرة بمكة المكرمة كمسجد الأميرة آل الشيخ في التراويح وهو موجود بالعزيزية كذلك مسجد السبهاني بأحد الأحياء المعروفة بمكة وآخرها في رمضان في مسجد سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله، وصليت كذلك في جدة في مساجد كثيرة منها مسجد الجامعة والمعمار بحي البنات منها مسجد بوقشان في حي الأندلس في جدة وهناك مساجد لا يحضرني ذكرها الآن كما صليت في أحد المساجد في القاهرة، إذ أممت الناس أثناء وجودي هناك. أما في ما يتصل بالخطابة، فقد كنت خطبت مرة واحدة عندما كنت في مراكش نيابة عن أحد الأئمة الذي توفي أخيرا رحمه الله ثم قضيت فترة سنتين آمارس الخطابة في حي الألفة الدارالبيضاء، ولم تكن لي تجارب قبل هذا سوى التي ذكرت. فيما يتصل بمسجد الألفة ما هي الأسباب الكاملة في انقطاعكم عن هذا المسجد؟ صراحة هي رغبة شخصية مني بالتوقف بالدرجة الأولى، وهو نوع من تخفيف الضغط، أنه كما لا يخفى على الجميع أن الفترة التي مرت على بلدنا هي فترة عصيبة على الكل، لأن الحدث مؤلم (يشير إلى أحداث 16 ماي ) وأسال من الله أن يجنبنا مثل هذه الفتن. ومسجد الألفة، كما تعلمون، كان يشهد حضورا مكثفا من المصلين في صلاة الجمعة وحتى في صلاة العشاء حيث كانت تملأ الشوارع المجاورة للمسجد، لهذا ارتأيت تخفيفا للضغط أن آخذ فترة للتوقف، لأن الوضع كان غير مساعد والوضع الذي يعيشه المغاربة كان أليما وحزينا. تلقت ساكنة البيضاء خبر انتقالكم إلى مسجد الحسن الثاني بارتياح كبير فما هو شعوركم وأنتم تتلقون الخبر لأول مرة ومن كان وراء ذلك؟ الذي كان وراءه ذلك هو الله تعالى الدرجة الأولى (وما بكم من نعمة فمن الله)، فهو المنعم الأول في جميع التحركات، لكن بدون شك كان فرحا بحمد الله لأنه فرح بزوال الغمة، التي عمت المغرب كله في تلك الأحداث الأليمة والانفراج، الذي بدأ في المغرب بحمد الله، لأنه كانت فرصة عظيمة بالنسبة إلي حتى تحصل استفادة أكبر، لأن المجال المتاح في مسجد الحسن الثاني غير متاح في غيره من تجمع المسلمين وبهذه المناسبة نشكر المسؤولين الذين أذنوا بهذا الأمر، وهو يدل على حبهم للقرآن الكريم وعلى حبهم للخير وهذا ليس غريبا عن المسؤولين المغاربة ولا على الشعب المغربي. وبالنسبة لفرح الإخوة في مدينة الدارالبيضاء أنا أقولها بكل صراحة أني أحبهم حبا لا يخطر على بال، فالبيضاويون بشكل عام لمسنا منهم التجاوب مع القرآن الكريم لم نلمسه في أي مكان آخر، وهذا الأمر أشكرهم عليه وأسال من الله أن يجازيهم خير جزاء على حبهم لكتاب الله أما من ناحيتي فلا أملك إلا أن أقول لهم إني أحبهم في الله. الكثير من القراء يريدون أن يعرفوا كيف تمكنت من تحصيل علم القراءات وأصبحتم من لهم باع في الأداء ؟ أنا الآن لم أكمل القراءات بعد وما ختمتها كلها بعد، أعرف بعض الروايات وأحفظها مثل رواية قالون وابن كثير وابن عامر قراءة عاصم براوييه شعبة وحفص، وهذا الأمر كنت أجده من الوالد رحمه الله، لأنه كان حريصا على هذا الأمر، وكان كثيرا ما يحثني على التوغل في عالم القراءات، لأنه -وسبحان الله العظيم- علم إذا تمعنت فيه يزيدك خشوعا لأنك تحس بعظمة القرآن بشكل أكثر بخلاف إذا اقتصرت على قراءة واحدة. فمثلا تجد قراءة تقرأ بقوله تعالى (وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى) وتجد رواية أخرى تقرأ بقوله تعالى (وأنا اخترناك) بصيغة التعظيم وصيغة الجمع، فتحس بعظمة أكثر ، فتخوض في أسرار أخرى وتأتيك فتوحات أخرى تجدها في قراءات أخرى بشكل أكثر تدبرا. فهذا هو الأمر الذي جعلني أتعلق بهذا الفن، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا. لقد نسجت علاقات طيبة مع المجلس العلمي المحلي بالدارالبيضاء ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من خلال إشرافكم على العديد من الأنشطة القرآنية فما طبيعة هذه العلاقة؟ من باب شهادة الحق أن الناس الذين عرفناهم في الوزارة ابتداء من السيد الوزير ومدير الشؤون الاسلامية والمجلس العلمي وعلى رأسه السيد رضوان ابن شقرون، لمسنا فيهم جميعا الخير والصلاح الكثير وحب القرآن الكريم، ولمسنا فيهم النية الحسنة لخدمة هذا الكتاب العزيز وخدمة هذا البلد الحبيب، وهذا ما يسر، بصدق النوايا، حصول التآلف والمحبة والاحترام والتقدير المتبادل ونسأل الله أن يديمه. الشيخ عمر القزابري ما تقييمكم لحركية المجلس العلمي بالبيضاء أخيرا بعد ترؤس الاستاذ رضوان بنشقرون له؟ هذا داخل كما قلت آنفا في حسن نياتهم وفي صلاحهم واستعدادهم لخدمة هذا الدين المجلس العلمي كله، والحمد لله ومن باب الإنصاف لا نقتصر على رئيسه المحترم، ولكن جميع الأعضاء أناس فاضلون فمنهم الشباب، وكلهم علماء أجلاء ونسأل الله أن ينفع بهم. الملاحظ أن المغرب شهد صحوة قرآنية كبيرة مثل الأمسية القرآنية المتميزة التي نظمتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بمسرح محمد الخامس ومسابقة مواهب في تجويد القرآن الكريم في القناة الثانية وكنتم حاضرين في هذه الأنشطة بدور بارز في كل هذه الأنشطة فهل لك أن تحدثنا حول هذا الأمر؟ أكبر شرف يدركه المرء في حياته أن يتشرف بأن يكون خادما للقرآن الكريم وأن يتشرف بأن يجعله الله فاتحة لكل الخير وأن يجري الخير على يديه، وأسمى مطلب عندي هو أن نكون جميعا خداما للقرآن الكريم وهذا ليس كثيرا في حق القرآن، فلابد أن يأخذ أهل القرآن الكريم مكانتهم في المنابر وفي الإعلام، خصوصا أنهم أهل الله وخاصته. وهذا ليس غريبا أن يحظوا بهذا الدور ونحن ننتظر المزيد، والمزيد ... هذا ما سيكون بإذن الله تعالى ونسأل الله تعالى أن يعم هذا الخير في جميع المجالات وفي جميع المساجد وأن تعقد حلقات لتحفيظ القرآن الكريم وحلقات لتعليم الناس والشباب المتعطشين لكتاب الله، وأسال الله تعالى أن يوفق وزارة الأوقاف القائمين عليها لخدمة هذا الكتاب العزيز . ما رأيكم في الاهتمام الإعلامي المرئي خلال هذه السنة بالقرآن الكريم؟ هذا الأمر إنما هو رجوع للأصل، لأن المغرب ليس غريبا عنه الاهتمام للقرآن الكريم بل بالعكس، فالمشارقة، وأنا جالست كثيرا منهم، يعترفون بأن المغاربة أقوى منهم في علم القراءات تدوينا وتطبيقا وهم يعترفون بهذا. فمشايخ وعلماء القراءات أكثرهم من المغرب كالخراز وابن بري وأبو عمر الداني وغيرهم كثير مشهود لهم بهذا الفن فهذا رجوع للأصل وإلى ما كان عليه المغاربة عليه قديما من الاهتمام بكتاب الله، ومن الأمور التي كان يحدثني عنها الوالد رحمه الله خلال سنوات الثلاثينيات والأربعينيات أنه كان صنفان من الناس يتقدمون المجالس هم أهل القرآن الكريم والشرفاء المنتسبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقدمون ويزوجونهم والحمد لله المغاربة ليس غريبا عنهم الاحتفاء بكتاب الله. ارتباطا باهتمام المغاربة بالقرآن الكريم ما السر في بروز مجموعة من القراء في مدينة مراكش وأنتم ابن هذه المدينة؟ سبحان الله، وأنا لا أدري السر وراء ذلك (يضحك)، فحتى الدارالبيضاء ومدن أخرى فيها الخير الكثير، لكن لا أدري هل هذا له علاقة بما عرف عن مراكش قديما بأنها بلد الصالحين والأولياء، وهذا قد يكون من بركاتهم، كما أن مدينة مراكش معروفة باعتنائها بشكل خاص بالقرآن الكريم وتحصيله ووجود مجموعة كبيرة من الأساتذة والمشايخ المشهود لهم بالباع الطويل في علم القراءات، وهذا لا يعني عدم وجود طاقات أخرى في مدن أخرى بالمغرب، فالمغرب كله ينبض بالقرآن وبالعلماء. لقد ساهمت بعض الصحف في ترويج بعض الشائعات عنكم من قبيل حصولكم على امتيازات وامتلاككم لسيارة فارهة إلى غير ذلك، بماذا تردون على هذا؟ إن هذا الأمر لا أساس له من الصحة، فأحد الأصدقاء هو الذي كان يوصلني بسيارته، وهي ليست فارهة (يضحك)، بل هي من نوع 307 بوجو فهي عادية في مقياس المغاربة، وهذا أمر كله من قبيل الشائعات وكان أولى بهذه الصحف أن تشتغل بالأهم، فشخصي ليس هو الأهم والأهم هو القرآن الكريم وإقبال الناس عليه وتجاوب الناس معه، فإذا كانت هناك امتيازات فأنا أطلبها من الله تعالى، وإلا فالأمر عادي وسيارتي عادية جدا، وأغلب الوقت معطلة ( يضحك) هذا من باب الحقيقة، وإن حصلت على امتيازات فأكبر امتياز بالنسبة إلي فهو حب الناس لي. الشيخ عمر القزابري ألا تفكرون في إنشاء مدرسة قرآنية يتم من خلالها تخريج طلبة متخصصين في حفظ وتجويد القرآن الكريم؟ هذا والله حلم كبير وأمنية عظيمة، يمكن للإنسان فعله إذا من الله تعالى عليه وقبله أن ينطبق عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح الذي رواه البخاري: >خيركم من تعلم القرآن وعلمه<، دائما أطلب من الله تعالى أن يجعلني سببا لهذا الخير، وأن يجعلني سببا في فتح الكثير من المدارس القرآنية وهذا حلم وما ذلك على الله بعزيز، وكل شيء ممكن بإذن الله تعالى. صليتم الأخ القزابري إماما لصلاة التراويح فكيف كنتم تستعدون لذلك؟ طبعا الاستعدادات تكون بأوجه شتى وبأشكال متعددة: أولا لابد أن يكون الاستعداد على مستوى الإخلاص، ولا بد أن يجرد الإنسان الاتجاه لله ويمحص التوجه للخبير العليم، وأن يصحح النية كما ورد عن كثير من سلف هذه الأمة أنهم كانوا قبل الدخول في الصلاة يكبرون تكبيرة الإحرام ويقفون فترة، ولما سئلوا عن ذلك قالوا نصحح النية، لأن هذا الأمر خطير، و ثم لا يخفى عليكم أنه هناك استعداد على مستوى المراجعة وعلى مستوى ضبط الرواية رواية ورش، لأن هناك اختلافات كثيرة ما بين ورش وحفص وسائر الروايات، فهذه هي الاستعدادات بالمجمل التي تكون قبل صلاة التراويح، وبعد التراويح يكون الرجاء في الله بالقبول. ما هو إحساسكم وأنتم ترون تلك الأفواج الكبيرة من جموع المصلين تشهد الصلاة وراءكم في المسجد راضية ومنشرحة؟ والله إنه إحساس أعبر عنه بالبكاء، وأقولها بكل صدق، عندما أكون خارجا من المسجد مع الإخوان في السيارة، وهكذا كنت أعبر عن هذا التجاوب، والإنسان يشاهد تلك الجموع الغفيرة من المسلمين ومدى تعلقهم بكتاب الله، وعندما ينتظرونني عند الخروج، فالذي ينبغي أن يعرفه الناس أنهم لا ينتظرون شخصي وإلا فمن أنا؟ فأنا نقطة صغيرة في بحر القرآن الكريم غير أن هذا الانتظار يكون حبا للقرآن الكريم وتعلقا به، وهذا أمر يوصلنا إلى نتيجة أن المغاربة بخير وأن المغاربة لا يخشى عليهم ولا يخاف عليهم، فهم مؤمنون مسلمون شاء من شاء وأبى من أبى. شاع في أخيرا أنكم منعتم من دعاء القنوت والقراءة برواية حفص ثم البكاء فهل هذا صحيح؟ إنني ما منعت والحمد لله، وبدليل أننا قنتنا مرتين عند الختم وفي ليلة السابع والعشرين والدعاء كان طويلا حوالي 45 دقيقة. وكثيرا ما كنا نسمع المصلين يبكون أحيانا، حتى إذا من الله علينا ببعض البكاء ما كان عندنا أي مانع ولا يمكن أي أحد أن يمنع شيئا مقررا في القرآن الكريم وهو البكاء عند تدبر الآيات، أما بالنسبة لمسألة الرواية فلا بد للأئمة أن يقرؤوا برواية ورش عن نافع حفاظا على وحدة المذهب، ولأنها هي الرواية الرسمية للبلد، ولا يمكن للذي يؤم الناس أن يخرج عن هذه القاعدة، وهذا الإجماع، كما أن رواية ورش فيها خير كثير كما ثبت عن الإمام مالك كان يقول: قراءة ورش هي السنة، هكذا كان يقول رحمه الله. قال ابن بري في هذا المعنى: وللذي ورد فيه آنه-دون المقارئ سواه- سنة. فرواية ورش قراءة سامية وذكر بعض علماء التجويد أنها هي القراءة التي كان يقرأ بها قريش، وهي تطابق ما كان عليه قريش في باب التلفظ بالألفاظ العربية وبالتالي إذا كانت هي لغة قريش فتكون هي لغة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه صح عنهم أنهم كانوا يسهلون الهمزة كقوله الارض بدل الأرض بالهمزة، ويقولون يومنون بدل يؤمنون وهي التي كان يقرأ بها الرسول صلى الله عليه وسلم. تم تأسيس إذاعة القرآن الكريم من طرف أمير المؤمنين، فما رأيكم في هذا الحدث الهام؟ لا بد أولا في هذه المناسبة أن نقول جزى الله أمير المؤمنين خير جزاء ونسأل الله تعالى أن يجعله في موازين حسناته يوم القيامة وهي ليست من أول مناقبه، فأمير المؤمنين له مناقب عديدة ومشهود له بها في خدمة كتاب الله عز وجل، فليس غريبا عنه هذا الأمر، وبدون شك ستكون لها ثمار عظيمة في المستقبل كما نذكر بمجهودات وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية في شخص الوزير د/ أحمد توفيق والأخ أحمد العبادي وجميع المشرفين عن هذا المشروع القرآني، نقول لهم هنيئا لكم، وكل من قدم شيئا كثيرا كان أو صغيرا في خدمة هذا القرآن الكريم سيجده أمام الله تعالى أضعافا مضاعفة من الأجر والثواب نسأل من الله تعالى أن يعم هذا الخير في ميادين أخرى ومجالات أخرى. المسلمون كما تعلمون يعيشون بعض الانحرافات الأخلاقية والبعيدة عن ديننا الحنيف كيف تنظرون لمساهمة القرآن الكريم والعارفين به لتغيير هذا الأمر؟ أي انحراف يحصل للأمة فهو بلا شك بسبب البعد عن هذا القرآن الكريم، وبالتالي فأي رجوع إلى جادة الصواب لن يتم إلا من خلال هذا القرآن الكريم، ومن هنا يبرز دور قراء القرآن الكريم في هداية الناس وفي إرجاعهم للحق، ومن هنا تظهر حكمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى حينما قال: >يؤمكم أقرؤكم للقرآن فلم يقل صلى الله عليه أعلمكم بالقرآن، ومعروف أن القارئ المتقن هو الذي يستطيع أن يؤثر في المستمع، وإذا حصل هذا التأثر تكون هذه بداية للاستقامة، وأنا أعرف والحمد لله كثيرا من الشباب الذين كانوا في حياة الانحراف والآن الحمد لله التزموا وأقلعوا عن هذه الأمور بسبب هذا الكتاب العزيز فالحمد لله. وحسب ما علمت أن الوزارة عاكفة على الاهتمام بالأئمة وعقد دورات تدريبية لهم في قراءة القرآن الكريم، فلابد من التركيز على هذا الأمر لأن القرآن الكريم له تاثير عظيم على النفوس مهما تكلم المتكلون وتحدث المتحدثون فلن يؤثروا في الإنسان مثلما تؤثر آية واحدة إذا سمعها الإنسان ووعاها قلبه فإنها تحدث فيه تحولا عظيما. ومن هذا الباب أسأل الله تعالى أن يكثر من القراء المتقنين، فالقارئ لكتاب الله يحمل رسالة وهو داعية إلى الله، وكان للمصريين بحث قديم في تفسير القرآن الكريم بالتجويد، قال إن القرآن قد يفسر بالقرآن فقط عندما ترفعه في مواطن الرفع وتوضح السؤال وتوضح الجواب وتبين القصص وتبين الوعيد والتهديد والإنذار والتبشير، فالقارئ هو داعية إلى الله تعالى ونسأل من الله تعالى أن يكثر هذا النوع من الدعاة. شهد مسجد الحسن الثاني خلال شهر رمضان المبارك تنظيما محكما وحضورا مكثفا لرجال الأمن، سهروا على تنظيم حركية الناس والسيارات والطرقات فهل لكم بكلمة في هذا الإطار؟ على مستوى التنظيم كانت الأمور تمر بشكل جيد جدا، إذ كان التنظيم هائلا ومن هذا المنبر لا بد أن نشكر المشرفين على المسجد السيد مريزيق مندوب الشؤون الإسلامية لجهة البيضاء وكذلك المسؤول الأمني السيد الحاج بلال والسيد رئيس المجلس العلمي المحلي وجميع الطاقم الذي ساهم في استتباب الأمن، والكل يشيد به، وهنيئا لهم ونسأل من الله تعالى أن يجعل ما قدموه من خدمات في بيت الله في ميزان حسناته يوم القيامة. ما هي توجيهات الأخ عمر القزابري لطلبة علم القراءات وللراغبين في تعلمها؟ التوجيه وهي وصية الله تعالى: (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله) ويقول عز وجل: (واتقوا الله ويعلمكم الله)، فلابد من التقوى ولابد من الإخلاص لله تعالى في العمل، ثم أن يسلك الإنسان المسالك الصحيحة لتلقي العلم وهو الجلوس إلى المشايخ المتقنين، لأن هذا العلم وخصوصا علم التجويد لا يتلقى عن طريق كتب أو عن طريق أشرطة، فلابد من المشافهة، كما يقول ابن الجزري: والأصل فيه مشافهة من الشيوخ من لديهم معرفة.ويقول أحدهم : من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة يكن عن التصحيف والزيغ في حرم، ومن يكن آخذا للعلم من صحف فعلمه عند أهل العلم كالعدم.يعني لا يعترف بهذا العلم. ثم نصيحة للشباب أن يتجنبوا الأمور التي تفضي بهم إلى الخوض في أمور أكبر منهم خاصة الأمور الخلافية، وأن يتوحدوا وأن يعملوا على أن ينضووا تحت سقف وحدة المذهب المالكي، وينبذوا الأفكار التي هي دخيلة وغريبة عن مجتمعنا، فإن ما يصلح و ينطبق على الشرق لا ينطبق علينا، فنحن مغاربة مستقلون عندنا تراثنا وعندنا ما يناسبنا فالمطلوب من الشباب أن يتركوها ويعملوا على وحدة الصف وتآلف المسلمين، وأن لا يخرجوا عن هذه المبادئ الأساسية، حتى في مسألة الزي واللباس عليهم أن يلبسوا اللباس التقليدي المغربي ففيه خير كثير، وهو لباس مطابق للشرع وليس فيه أية مخالفة بالإضافة إلى جماليته وعدم إثارته للانتباه فهذه بعض الأمور البسيطة التي نتمنى من الله أن يتركها هؤلاء. كما أناشدهم أن يتركوا التعصب والتشدد ويتجنبوا التجرؤ على الفتوى، فإننا نلاحظ كثيرا ممن هب ودب يفتي، ومعروف أننا نحن المغاربة محصنون بفضل الله تعالى من هذا الأمر، لأن عندنا مؤسسة إمارة المؤمنين، فأمير المؤمنين والحمد لله هو الذي له الحق وهو الذي ترجع إليه الأمور في الفتوى، فالشباب ما عليهم إلا أن يستقيموا ويحافظوا على دينهم، ويحافظوا على خدمة بلدهم ووطنهم وأن يتركوا هذه الأمور التي ليست لهم. أخيرا ما هي وجهة الأخ عمر القزابري بعد مسيرة رمضان المبارك؟ الآن ليس عندي وجهة معينة واضحة، لكن كما يقول علماء القلوب قديما : مقامك حيث أقامك فحيث ما أقامنا الله تعالى. كلمة أخيرة؟ لابد أن أذكر هنا جلالة الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله الذي له الفضل الكبير في تجمع المسلمين بمسجد الحسن الثاني هذه السنة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الدال على الخير كفاعله"، ونسأل الله تعالى أن يرحمه وأن يدخل عليه في قبره الضياء والنور والفسحة والسرور. أجرى الحوار: عادل الكرموسي - عبد الغني مرحاني - حسن أمرير